قراءات نقدية

بنية الاندهاش في: من كازا بلانكا إلى مونتريال كثير ما يحكى ويقال

المصطفى سلام(رحلة)

تقديم: لأدب الرحلة أهمية بالغة في المشهد الأدبي العربي والغربي، كتابــة وتأليفا، دراسـة وتلقيا. وقد راكم هذا الجنس التعبيري تجارب نصية مهمة شكلت مـادة أدبية ومتنا للخطاب النقدي المواكب، حيـث قدم تصورات نظرية مهمة لمختلف المقاربات التي نظرت فيه أو نظرت له، سـواء تعلق الأمر بالتحديد الأجناسي أم المقومات الفنية والجمالية أم الأبعاد الفكرية والفلسفية. ومن أهم التحديديات التي أطرت مقاربتنا لهذا النص، تحديد يرى أن فن الرحلة فن ينتمي إلى تلك الأجناس الهجينة التي ليس في إمكــان أية شعرية أن تخلص بتحديد حاسم لها [1].

إن أدب الرحلة، باعتبار موقعه العبر- نوعي، يقــع فــي تماس مع كثير مــن الأجنــاس الأدبية مــثل الرواية والسيرة الذاتيـة والتاريـخ والجغـرافيا...هذا التموضع او التموقـع، يفيد أن نص الرحـلة نص مرتحل، نص مسافر بين الخطابـات والجغرافيات والأنساق الثقافية، حيث يرتحل كاتبه من مكان إلـى آخر، ومن بيئة ثقافية إلى أخـرى، ومن زمن إلى زمن ثان.... يرتحل النص حين كتابته أو تلفيظه / تخطيبه (جعله خطابا وتلفظا) من التقريري إلى الإبداعي، من التاريخي إلى التخييلي، من المألوف والمعتاد إلـى الغريب والعجيب، مـن الواقعي إلـى الاحتمالي...فـي هـذا السياق، سننظر في هـذا النص الرحلي المعاصر[2] من خلال المحاور التالية:

- بنية الرحلة

- تمفصل الرحلة بين الوصفي والسردي

- بنية الاندهاش في الرحلة.

أولا: بنية الرحلة

يعد نص الرحلـة وثيقـة حافلة بالعلامـات والرموز والمعطيات والمعلومات ، إنه نص منتظم من خطابات وأنساق لغوية وأمشاج ثقافية ومعرفية، تتضايف جميعهـا داخـل جسد النـص / الرحـلة. ورغم ذلك، يمكن أن نرصد بنية الرحلة التي تتبنين وفق مكوناتها وعناصرها. وقبـل أن نرصد تلك البنية، وجب أن نميز في أدب الرحلة عامة بين:

- الأسباب والمقاصد التي كانت وراء الرحلة كفعل[3]

- الكتابة التي تكون إما محايثة للرحلة أو لاحقة عنها، وبالتالي يصبح نص الرحلة غير فعل الرحلة. بمعنى أن الأول خطـاب وتلفظ تنشئه أو تنتجه ذات مركزية هـي الرحالة [4] تحكي من خلاله أحداثا ووقـائع عاشتها أو تأثرت بـها خلال سفرها، وتصف أماكـن ومشاهـد ومواقع زارتـها، وتنــقل إلينا مشاعر وانفعالات تولدت لديها حينها....

- التلقي أو القراءة خاصـة عندما تصبح الرحلـة نصا وخطابا متداولا بين القراء والدارسين، خاضعا لضوابط ومعايير الكتابة الأدبية والفنية، هذه العناصر تسمح لنا بأن نحدد بنية الرحلة كالتالي:

3576 بنية الاندهاش

تقترن الرحلة الحـدث بالسفر، وهو بنية مركـزية فـي أدب الرحلة. كما أنـه العنصر الذي يمنح الرحـلة وجـودها وتحققها ويؤسس مرجعيتها، خـلافـا للروايـة أحيانا والسيرة الذاتيـة. وهـنا فـي النص قـيد الدراسة، لدينا سفر من البيضاء إلى مونتريال، من المغرب إلى كندا، من إفريقيا إلى امريكا. جاء على لسان سارد الرحلة: " قلت وأنا أجهز نفسي للسفر إلى مونتريال... وهل خمنت يوما كيف تطأ رجلاي أرضا يتسـاوى فيها البشر... كانت أسئلة قلقة تراودنـي وأن أشد الرحـال إلى بلـد طالما حلمت بزيارته، تلك الزيارة المؤجلة لسنوات (ص15)...."

هكذا يصرح السارد بوعيه بالسفر إلى مونتريال، وأن سفره كان حلما كثيرا ما تأجل لأسباب مختلفة، والآن تحقق الحلم وأنجزت الرحلة.

الرحلة – النص تلك التي تم تخطيبها، هي تلفظ لحدث الرحلة أي نقله لغويا وجعله نسقا سرديا يخضع فــي انبنائه أو تكونه إلـى مقتضيات الكتابة السردية. هـذه المغامرة أو هـذا السفر، تصبح خطابا أدبيا وفنيـا صـادرا عـن ذات تمارس الكتابة الأدبية عـبر النـوع أو الجنس – أدب الرحلـة – واعية بـذلك تمـام الوعي، وقاصدة تحقيق غاية معينة، قد تكون التعبير عن التجربة أو التأثير في القارئ ومشاركته تلك المغامرة، أو توثيق حدث السفر إلى كندا، جاء في النص:

" بإخراجي هـذه التجربـة الرحلية إلى حيز الوجود، لا أدعي أني قلت كل شيء أو أحطت بكل الجوانب، ولكـني مارست البوح بمـا يكشف عـن إحساسي اتجاه بــلد جميل يمنح الأمن والأمان.. لذلك كان لزاما تحرير هذه التجربة من معقل الذاكرة لتنطلق وتعيش كحياة سارية بين قراء محتملين (ص15.).."

إن كتابة الرحلة إخراج لها، اي نقل لها مـن حيز الذاكرة والوجدان إلـى حيز النص الوثيقة، مـن حيز التجربة الذاتيـة كمغامرة وسـفر إلـى حيز التجربـة الفنية، مـن حيز الانفعال وتـأثير اللحظـة إلـى حيز الخيال والمتخيل لدى القارئ. هذا النقل أو الإخراج له معنى رواية أحداث الرحلة وفـق تصور تعبيري متكامل باعتماد لغة أدبية وفنية خاصة ؛ لإحـداث التأثير في المتلقى ومـنح السفر امتدادا فـي الثقافة والأدب والتلقي...

الإخراج كتابة وتلفظ وفق معايير الكتابة الفنية. لقد كان الرحالة واعيا بهذا الإخراج وبحجم مسؤولية الكتابة التي تروم الصدق.

هكذا كان تلفيظ الرحلة نقل لها من ذاكرة الكاتب / المسافر إلى ذاكـرة القراء، وبهذا الأجراء تـم منح ذاكرة جديدة لتجربة السفر أو الرحلة. كما أن هذا الإجراء اقترن بربط الكتابة بالبوح.

البوح هنا اعتراف وإقرار طوعا لا كراهية، إظهار للضمني، تجل للمستتر، تعبير عـن الصدق في رواية هذه الرحلة. والصدق قيمة تمنح النص مصداقية عند القراء.

كتابة الرحلة تحرير لها من سجن الذاكرة الفردية لتصبح لـها ذاكرة جماعية بفعل القراءات المتنوعة وأشكـال التلقي المتباينة. وهذا مـا أسس ميثاق القـراءة بين الكـاتب والقـراء. الكاتـب يعتـرف بصـدق ما وصفه وما رواه أو حكاه عن هذا البلد الذي زاره.

فــي محفل التلقي، يحضر القارئ المحتمـل تعبيرا مـن الكـاتب عــن أهميـة فـعل الـقراءة بالنسبـة للآثار والأعمـال الفنية والأدبية. القراءة تمنح حيـاة جديدة للرحلة التي قد تموت في ذاكرته لو ظلت حبيسـة أسوارها، لهذا كان التحرير بمعنيين:

- كتابة وتدوين وتوثيق الرحلة.

- منح حياة جديدة ومتجددة بفعل التلقي وتنوع القراء لهذا النص.

ثانيا: تمفصل الرحلة بين الوصفي والسردي:

ميز الباحث الدكتور سعيد يقطين في دراسته لخطاب الرحلة بكـون السرد فعل زمني يقترن بترتيب الأحداث وصيرورتها بينما الوصف فـعل مكاني. الأول فعل تاريخي مـن خلال توالي الاحـداث ضـمن

مسار سردي والثاني فـعل جغرافي يـرصد الاشياء والأمكنة والأبنية والطبيعة والأحـوال والهيـئات....و بهذا تجمع الرحلة / النص بين متواليتين:

- متوالية السرد: والتي تتمحور حول الرحلة الحدث، أي السفر الذي قام به هنا الكاتب من البيضاء إلى مونتريال، من الهنا إلى الهناك. وتدرك هذه المتوالية من خلال المسار الحدثي الذي جاء كالتالي:

3577 بنية الاندهاش

و يدرك القارئ ذلك من خلال فصول الرحلة التي تكشف عن المسار الحدثي الذ انتظم الرحلة ككل:

- الفصل الأول: الوصول إلى مطار كندا الدولي (بول ترودو)

- باقي الفصول: صيرورة او مسار حيث الإقامة بإفروفيل وزيارات المقاهي والساحات والمؤسسات والأحياء القديمة والبرلمان والمستشفى الجامعي والساحات والملاعب....

- الفصل الأخير: زيارة مدينة أوتاوا

هكذا، جاءت أحـداث الرحـلـة وفق المسار الذي انتظمـت وفقه فـي النص، متعاقبـة داخـل حيز زمني أشار أليه الكاتب من خلال مجموعة من المؤشرات النصية الدالة على الاحداث في ديناميتها.

- المتواليات الوصفية:

تضمنت الرحلة – النص لفيفا من المتواليات الوصفية، والتي كانت بسبب طبيعة البيئة الجديدة التي زارها، وتعبيرا مـن الكاتب عن مدى تأثره بها أو تأثيرها فيه، ومـدى انفعاله بمكوناتها وعناصرها. وقد جـاء الوصف نقلا لما أحدثته فيه مـن انفعالات وأحاسيس. ولمـا كانت هـذه البيئة جديـدة بصورة عامة، وأمكنتها ومرافقها متنوعة، فقد حفلت الرحلة – النص بمادة وصفية مهمة: وصف المطار والساحات والشوارع والمتاجر أو الفضاءات التجارية والمتاحف والملاعب....

لقد كانت عين السارد آلة تصوير، وذاكرته آلة تخزين، والكتابة آلـة تحرير وإخراج. كانت العين تلتقط، والإحساس يتولد، والانفعال يتخلق، والذاكـرة تخزن، والعـقل يحلل ويستوعب، والخـيال يستمتع ويتذوق، ورد في النص:

- "لكن التفكير في السفر لزيارة هذا الجزء من الأرض، كلفني الرجوع إلى كتب ومراجع حفظت تاريخ وجغرافية البلد...(ص 89)

- غادرت المكان وقد اختزنت ذاكرتي زخما كبيرا من الأحداث المتنوعة الاسرة... (ص 103)

و الناظر في هذه المتواليات، يميز فيها بين نوعين من الوصف:

- وصف موضوعي مثل:

" المطار فضاء بنظام ذكي يقدم كل الخدمات...(ص 10)

- " مونتريال كما رأيتها لأول مرة، بحيرات شاسعة متعددة ومختلفة تنافس البحر و تسمو عليه، تمتد فوقها الجسور الشاهقة والبديعة، هندسها مبدعون حولوا المعرفة إلى إبداع وابتكار....(ص14)

إلـى آخـر ذلك مـن الوصف الموضوعي، حـيث ينعت الواصـف موصوفاته بمـا هـي عليه مـن أحـوال وهيئات، غير أن هنـاك صنف ثـان مـن الوصف، اصطلحنا عليه بالوصف الانفعـالي، حيـث يغلب الانفعال في التعبير ويظهر التأثر بما يصف:

- "السيارة فاخرة مجهزة بمكيف وكراسي ناعمة ومريحة ونظام صوتي في كل أرجاء السيارة، لا تشعر بالتعب ولا بالملل، تشعر بإنسانيتك حقيقية تمارسها في أرقى صورها....(ص 13)

- " وأنا أقف أمام مشهد النقل المدرسي، شعرت بنوع من الغربة مع نفسي، لأنني كنت مشدوها ومندهشا....(ص 19)

- " على هذه الساحة المعدة للاحتفالات والمباهج وإقامة الأعراس الفنية والثقافية، ترتقي العلاقات الإنسانية وتترسخ القيم الكونية النبيلة والأصيلة، كل الأنشطة تدعو إلى السلام والانفتاح.(ص22)...."

فـي مثل هذه المتواليات، وهـي كثيرة، ينقل الواصف انفعالاته ويصور كيف أثرت فيه أو تأثر بها وخلقت لديه إحساسا معينا وشعورا مغايرا غير متوقع.

- بنية الاندهاش في النص:

تفيد المعاجـم أن الدهشة حيرة وارتباك وذهـول، أي ما يعتري الإنسان مـن حـالة ناشئة عن حدوث أمـر غير متوقع ومفاجئ. في لسان العرب مثلا: الدهش ذهاب العقل والوله وقيل من الفزع ونحوه[5]، بمعنى أن الاندهاش ناجـم عـن تأثير عنصر خارجي مثل الاشياء الغريبـة أو العجيبـة والمفاجئـة. إن ما يحصل لـدى المندهش من تنبه ذهني ويقظة فـي التأمل وإعمال النظر والفكر في هذا المختلف الغريب والمفارق للمألوف والمعتاد يخلـق هـذا النوع من الإحساس. ويمكـن لنا أن نرصد بنية الدهشة / الاندهاش كما تحققت فبي النص وفق الخطاطة التالية:

3578 بنية الاندهاش

يتمثل المدهش فـي البيئة الجديدة التـي زارها الكاتب، أي كندا عامة ومونتريال خاصة. هي بيئة مخالفة لبيئـة الكاتب مـن حيـث الجغرافيا والتاريخ والعمران والثقافـة والعلاقات الإنسانية والتمدن ومظاهر الحضارة.هذه البيئة يحكمها التنوع والانتظام والدقة. وتسودها قيم إنسانية وحقوقية وثقافية متعددة ذات طابع كوني إنساني.

المندهش هـو المسافر عينه، وهـو الكاتب السارد نفسـه، الوافد مـن بيئـة ذات مقومـات وخصـائـــص معروفة ومألوفة لديـه. بيئـة يحكمها التخلف وتطبعهــا الفوضى ويغيب عنها التخطيط والبرمجــة في كثير من المجالات: التربية والرياضة والتعليم والسياسة والنقل والخدمات والصحة....

الاندهاش أو الدهشة إحساس تولد لـدى المندهش جراء تفاعله وتأثره بالمندهش، فجاء التعبير عـن ذلك إما قولا: مـن خلال ملفوظات وعبارات تنقل ذلك الإحساس أو حكيا حيث يسرد رحلته إلى هـذا البـلد وينقل من خلال ذلك اندهاشه بما رأى وشاهد وعاين.

إن الدهشة إحساس وانفعال تولد لحظة مواجهة بين وعـي الكاتب الزائر أي المندهش وعالم المدهش، العالم الجديد حيث يتضمن ما يخلق هذا الإحساس فتكون الكتابة تعبيرا عنه وتظهيرا له.

3579 منونتريالالوعي بالدهشة:

يقف القارئ لهذا النص، عنـد بعـض المقاطع التي ضمنها الكاتب وعيـه بهـذا الإحساس وعبـر عنه تصريحا لا تلميحا:

- " فقد تملكني شعور بالدهشة....(ص7)

- " وأنا أقف أمام مشهد النقل المدرسي، شعرت بنوع من الغربة مع نفسي، لأنني كنت مشدوها ومندهشا....(ص 19)

- " أماكن في مونتريال وكذا أوتاوا عليك ألا تفوت فرصة زيارتها، إنها مذهلة وجذابة......(ص 30)

- " متحف جميل شاسع ومغر لا تستطيع التحرر من سلطة جماله لأنه يستهويك ويشدك ويدهشك.....(ص 150) 

هكذا، كان الكاتب واعيا بما تحقق لديه مــن إحساس بالدهشة وواعيا بمصدرها الكامـن فـي العـالم الجديد الذي زاره ورصد معالمه وتأثر بمستوى تحضره ورقيه.

تمظهرات المدهش في النص:

كثيرة هـي عناصر المـدهش في النص، ومتنوعـة هي التعبيرات عن ذلك، مثل السيارة والمطار والخدمات والمدن:

-" المدن فضاءات جذابة تفتح كل ابواب الأمل.....(ص 32)

-" عمل مضبوط جدا وممارسة قانونية لا يستهان بها داخل هذا الفضاء الاستشفائي(ص73).

- " وأنت تتأمل في البناية (البرلمان) من الداخل، تشعر باحترام كبير وتكن احتراما آخر لهـذا البلد الـذي يجتمع منتخبوه تحت هـذه القبة للبناء والتشييد والتقدم فـي أفق خلق الثروة لإمتاع المـواطن وتعزيز علاقة الثقة في الوطن....(ص 147)

هذا على سبيل التمثيل، وهناك تعبيرات ومقاطع سردية مهمة عن المدهش الذي يمـكن أن نحدد أهـم عناصره: العمران، وسائل النقل، البيئة،الشوارع،الجامعة،المستشفى، العلاقات الاجتماعية، الرياضة، المتاحف، الساحات، البرلمان، المناطق السياحية....

إن المدهش يخضع إلى النظـام والدقـة ويتأسس عـلى المعرفة والعلـم والدراسة، والنتيجة أن كــل شيء في هذه البيئة الجديدة خاضع للدراسة والمعرفة:

" العالم يسير غير مكترث بما يدور في المحيطات المظلمة، وما يهندسه أعداء الإنسانية.

العالم لا يوقف عجلة رحلته الأبدية. يتقدم إلى الأمام غير مكترث لوجودنا أو عدمه، ساعيا إلى خلق تكنولوجيا تيسر الحياة وتسعد الإنسان وتفتح آفاق الرفاه (ص 121-120)"

هـذا العـالم المدهش المضيف يفتح " الشهية عـلى الإقبال عـلى الحياة (ص13) " فهـو لا يدهشـك فقط، بـل يشعرك بإنسانيتك. يشعرك بالأمن والأمان والارتياح.

- المقارنة وتأكيد الدهشة:

صَاحَب التعبير عن الاندهاش وعـي بالفرق بين الهنا والهناك. بين بيئة الكاتب – المغرب- والبيئة الجديدة. وقد تحقق ذلك من خلال آلية المقارنة التي هي كامنة بالضرورة في بنية أي رحلة:

- شعرت هنا بإنسانية دافقة وبوضع اعتباري عز نظيره في بلدي..(.ص 14)

- المدرسة على هذه الأرض، فضاء لاحترام الحق في الحياة، للمحبة والتربية والدفاع عن القيم التي يؤسس لها المجتمع...(ص 19- 20)

- خمنت وتساءلت بعد أن عبرت رأسي العديد من الأسئلة الكبيرة، كنت أنطلق مما نعيشه ونعانيه. (ص 30)

- الراهن العربي اليوم بحاجة إلى طرح أسئلة آنية نابعة من عمق التحولات التي يعرفها المجتمع. المجتمع الذي يراهن على الخطابات الاستهلاكية. (ص 61)

- لكن لماذا تبادر إلى ذهني هذا الوابل من الأفكار ؟ (ص 62)

- مرت بخلدي تباعا قضايا وإشكالات كثيرة: تعليمنا وصحتنا وخطاباتنا اليومية التي تفوح إحباطا وتذمرا. أقاومها بقوة وجسارة، لكنها تصر على أن تبقى عالقة ناشبة مخالبها في جدار الذهن والذاكرة...(ص 127)

هكذا، جاءت المقارنة كأسلوب توسل به الكاتب للتعبير عن الفرق بين العالم الجديد، العالم المدهش، وبين عالمـه وبيئته الأولـى – المغرب -. كما جـاءت المقارنـة للكشـف عـن الوعي الثقـافي والعمـق الفكـري عند الكاتب والأمـل أو الطمـوح الذي تشكل عـند جـيل مـن الكتاب المغاربة أصحـاب مشاريـع سياسية ، حيث كـان الطموح كبيرا أن تنجع مشاريع التغيير في المجالات الحيوية مثل التعليم والتربية والسياسة والخدمات والحقوق والقيم.

المقارنة عامة فـي هـذا النص، سبيل إلـى إثبات درجـة التحضر الذي تحـقق فـي الهنـاك، قياسـا إلـى الواقع العربي عامة والمغربي خاصة، الذي لا زال يرزخ تحت إكراهات التخلف الاجتماعي والثقافي والسياسي.

خاتمة:

نص "مـن كازابلانكا إلـى مونتريال" مـن النصوص الرحلية المعاصرة، التي انمازت بوعـي كاتبها الفنـي والفكري والثقافي إضافة إلى الوعي السياسي والمعرفي. وقد كـان لهذا الوعي أثره في الكتابة والإخراج السردي لها،حيث اقترن ذلـك بالتعبير عـما أدهشه فـي تلك الرحلة مــن مظاهـر التمدن التـي تحققت في الهناك وافتقدت في الهنا.

***

ا لدكتور المصطفى  سلام – المغرب

............................

[1] - R.Le Huemen: Qu est ce qu un récit de voyage ?(Les modèles du récit de voyage)Litterales.n7.Paris.x.Nanterre.1990.P11.

[2] -عبد الرحمن شكيب: من كازابلانكا إلى مونتريال.كثير ما يحكى و يقال.(رحلة).سليكي إخوان.طنجة. ط1. 2021.

[3] - فؤاد قنديل: أدب الرحلة في التراث العربي. مكتبة الدار العربية للكتاب. مصر. ط 2002.ص ص 19- 20.

[4] - سعيد يقطين: السرد العربي: مفاهيم و تجليات. منشورات الاختلاف. دار الأمان. ط1. 2012. ص 175

[5] - لسان العرب: مادة (د ه ش)

في المثقف اليوم