قراءات نقدية

العنف الجندري في رواية خبز على طاولة الخال ميلاد

اسيل عباس وادي

للكاتب الليبي محمد نعاس الحاصلة على جائزة البوكر لعام 2022م.

تبحث هذه رواية في مساءلة سياسات الهوية وهل بالإمكان تخريب إنجازية الجندر وأين تقف حدود الحرية الإنسانية فيما يتعلق بالرغبات والميول بيولوجيا أم ثقافيا؟ وهل يجب تذويت الهوية الفردية في النسق الجمعي في المجتمعات الأبوية. إذ ترصد الرواية الخلل الأخلاقي والثقافي في بنية المجتمعات الذكورية من خلال هدم معايير الفحولة المتعالية وتقويض جندريتها. وتبحث الرواية من جانب آخر في جندرة سلوك المرأة ثقافيا وتاريخيا مستندة في معالجتها على تفكيك سردية الأمثال الشعبية ودلالتها المجازية المعيبة التي وصمت بها المرأة العربية وبقيت تلاحقها تاريخياً بوصفها حقائق ثابتة في تكوين المرأة ثقافياوبيولوجيا.فامتازت الرواية بواقعيتها السردية ورصدها الحثيث بالسؤال عن المسكوت عنه بقضايا المرأة وما تعانيه من جرائم العنف المنزلي والاغتصاب الزوجي وجرائم الشرف وسفاح المحارم والانتحار، والأمومة والانجاب واختيار الزوج وفرض الحجاب والحرية والعمل.

وتعزو الرواية جانب من هذه التحولات في بنية المجتمع الليبي وازدياد حدتها أبان تسلم القذافي الحكم وممارسة سلطته الفاشية المظلمة في إقصاء التنوع الثقافي والعرقي والإثني.وكيف تبنت السلطة الحاكمة خطاب الكراهية والمفاهيم الاشتراكية والقومية وممارستها في قمع الحريات ونبذ الاختلاف وتعايش مع الآخر.

إذ تعالج رواية (الخال ميلاد) الأدوار الجندرية واشتراطاتها المجتمعية في تدجين كلا من المرأة والرجل في معاييرها الحتمية. إذ يفتح الكاتب روايته بالمثل لليبي الشعبي (عيلة وخالها ميلاد، وهي مقولة شعبية يعيرون بها الرجل لا يملك سلطة على النساء اللأئي يتبعنه، وهو إلى ذلك يقدح في أخلاق النساء أنفسهن). إذ يقول في مقدمة الفصل الثاني (تعيش يوم ديك ولا عشرة دجاجة) أما الفصل الثالث كانت مقدمته (الفرس على راكبها) ، بينما الفصل الذي يليه (البنات زريعة أبليس)، والذي بعده (اضرب القطوسة تتربى العروسة)، والأخير (الراجل مايعيبه شيء).

وعلى الرغم أن الرواية تتناول نسقية العنف الجندري لكنها حددت اشتراطات الميوعة والرجولة غير مكتملة من عتبة العنوان. أي لو كان فحلا لما فعل ذلك.فعنوان الرواية يوحي لأول وهله أن أحداثها تتحدث عن رجل منهزم أمام معايير الرجولة في نسقية الثقافة الأبوية بوصفه رجلا (المخنث). حيث يمثل ميلاد شخصية معقدة ومنسحقة وغير واعية بما تريد سوى أنها تريد أن تفعل ماتحب غير مبالية بهيمنة العنف الجندري ،إذ يعزو ميوله الجندرية/الأنثوية لأنه ولد وتربى في عائلة من النساء وهو الولد المنتظر ونمت جذوة ميوله من المعيشة بينهن (سألت الله ما الذي فعلته حتى تعاملني الحياة بهذه الطريقة. ألأنني كنت ولدا وحيدا لأخوات أربع، ولأني تعلمت ضفر شعر أخواتي وأنا في العاشرة، وصناعة الحلوى النسائية في الثانية عشرة، ولأني صنعت الخبز والكعك والحلويات والبريوش وتعلمت الطبخ منذ طفولتي؟ ربما لأنني رضيت أن أغسل ملابس زوجتي وأرتبها وأكويها،وأنظف بيتها وأغسل أوانيها؟ ربما لأنني تركت فراش الزوجية واللعب منذ أن يئسنا من إنجاب الأطفال، متى كان ذلك؟ نعم، عيد ميلادي الأربعين، عيد الميلاد نفسه الذي تحولت فيه تماما إلى ميلاد الذي يسخر منه الحي كله، ويوما ما ستسخر منه البلاد والكوكب أجمع).

إذ تبحث الرواية في تحقيق حرية الذات ضاربة التابوهات الجندرية ليس تمردا وإنما رغبة واعتيادا. إذ يقدم شخصية مهزومة فشلت في ايجاد مفاتيح الرجولة على حد قول ابن عمه العبسي الشخصية الفحولية الموازية لشخصية ميلاد بتحقيقها معايير الفحولة في مجتمع الذكور بوصفه زيرا للنساء.

إذ نلحظ أن التمثيل السردي جاء لتخريب الهوية الجندرية في ممارسة الادوار المشتركة من قبل ميلاد الذي يعاني رغم ميوله وضعفه أن الذي يفعله لا يناسب وجوده الذكوري ،حيث نشبت هوة الصراع من زواجه من حبيبته زينب المتحررة التي كانت ترفض إلى جانب أمه والمجتمع مايقوم به زوجها من تبادل الأدوار إذ هي تعمل خارجا وهو يقوم عنها في أنجاز الأعمال المنزلية فهي إشارة على الرجولة الناقصة عندما تأكدت بيولوجيا في مسألة الانجاب وعجزه في تحقيق غريزة الأمومة لديها.

- (اعذرني يا سي ميلاد، لكني أريد أن أسألك سؤالا شخصيا

- لا بأس بذلك.

- لماذا تزوجت زينب؟ لا تبدو لي رجلا متحررا، تبدو كشاب ترعرع على تقاليد المجتمع وأراها

مندفعة نحو التحرر.

- ماذا؟

- أسف، إذا لم ترغب في الإجابة فلا بأس.

- لا، لا... ولكن السؤال غريب، كيف بدونا لك كذلك؟

- من نظراتك إليها وهي تشرب النبيذ.

- نظراتي؟

- العيون تشي بالكثير.

- لا... لا أعرف، أنا وزينب تربينا مع بعض، وعشنا قصة حب.

هذا سؤال طرحته على نفسي مزات عديدة، عندما أقدمت على طلب الزواج من زينب. كنت في دوامة من الأفكار المتضاربة. فمن زاوية ما، كنت موقنا أن الحب هو ما دفعني إلى ذلك، رغبتي في العيش ما تبقى لي من حياتي برفقتها، لم أجد نفسي على طبيعتها مع أي امرأة خارج دائرةأخواتي وأمي، وها هي المرأة الوحيدة التي يمكنني أن أبقى معها من دون أن ترى في ذلك أمرا مريبا، قد يضر بصورة الرجل في مخيلتها. لم أكن مستعدا لأن اتزوج امرأة لا أعرفها، ثم إن تاريخي الطويل معها منذ الطفولة جعلني أرتاح لفكرة القدر المشترك بيننا. كانت زينب خياري العاطفي، إلا أن هناك زاوية أخرى جعلتني أحاول الهرب منها. المغامرات الجنسية التي عشناهافي البيتزاريا، وحادثة فضي لزينبتها في مزرعة عمي، ثم استمرارنا في فعل ذلك كلما أتيحت لناالفرصة في شقة عنها، كل هذا أثر في قرار زواجي منها، وحتى الساعات الأخيرة قبل قراءةالفاتحة، كنت أفكر في أن زواجي منها لم يكن سوى نتيجة لكوني الرجل الذي غزا جسدها قبل زواجها).

فالتمثيل السردي يصور صراعه العقيم مع فحولته المفقودة والمستلبة في مجتمع متهالك مقابل حرية زوجته التي يرفضها في أعماقه قبل مجتمعه. إذ تظهر الرواية ما يعانيه الرجل في الثقافة الذكورية إذ ما تخلى عن جندرته الأبوية وفرض جنسانيته في تعزيز وجوده الذكوري. وإن رجولته لا تتحقق إلا بسيطرته على زوجته وضربها وتأديبها وإلغاء هويتها، فيجلد زوجته بالحزام الذي اعطاه له ابن عمه ويقتلها بالموس الذي كان ينخر به العجين بعد اتهامها أنها تخونه مع مديرها ليستعيد رجولته الضائعة.

***

أسيل عباس وادي

طالبة دكتوراه

في المثقف اليوم