قراءات نقدية

الأحلام والواقع لا يلتقيان

صبيحة شبرصدرت عن دار السرد في المتنبي المجموعة القصصية الثانية للقاص كاظم فرج العقابي تحمل عنوان (أنين قلب) في حجم متوسط في مائة وتسع وعشرين صفحة، تضم المجموعة اربعا وعشرين قصة قصيرة، استمدها الكاتب من الواقع المعيش، او والحالة الذي يتراءى للإنسان بمكانية تغيير الواقع الى افضل،

 يطالعنا في بداية الصفحات كلمات الاهداء الجميلة، التي كتبها القاص موجها اياها الى اسرته زوجته وأولاده والذين ساعدوه في طبع المجموعة، ومن ضمنهم حفيدته نوار وابنته غصون، تستوقفنا القصة الأولى في كتاب المجموعة وهي بعنوان (عشاق في مملكة البحر) تحكي القصة عن عاشقين يرومان أن يجدا مكانا، افضل من المكان الذي يسكنه البشر، فقد اضنتهما حالة الانسان المتردية، فيذهبان الى البحر، ويعرضان على سكانه أن يتم لجؤوهما الى البحر، هربا من قسوة البشر ودناءتهم، فيرحب بهم سكان البحر وخاصة الطيور  فبقيا عند اهل البحر ينعمان بعيشهما، حتى طرح المضيفون عليهم السؤال الذي لا يمكن الاجابة عنه، ما الذي جاء بكم الى هنا؟ ولماذا تركتم الأوطان العامرة بأهلها ومشاعرهم الى البحر الذي لاتعرفون غته شيئا، ولا تدركون كيف يعيش اهله وما الروابط التي تربط بينهم،، تصعب على العاشقين الاجابة عن السؤال الموجه لهما، فهم لا يريدون الاساءة الى أبناء وطنهم أمام الأغراب عنهم،، ويطول انتظار اهل البحر لاجابة ضيوفهم عن السؤال المطروح، فيقروون طردهم من البحر، ويرى بطل القصة انه لا بديل عن الاوطان، فمهما كانت ظروف الوطن قاسية فلا يصح الهروب الى مكان آخر، ولكن عملية الطرد من فردوس البحر لا تتحقق، فانهم كانوا نائمين وفي الرؤيا يتم نية طردهم لكنهم في الحقيقة ما زالوا في احضان الوطن ينعمون بدفئه، قيدركون ان حياتهم البائسة التي لا ترضيهم يمكن ان يناضلوا ويبذلوا الجهود الكبيرة من اجل تغييرها فالحياة لا تتغير لوحدها، بل لا بد من وجود من يقوم بالتغيير وليس الامر ارادة فردية، بل التغيير يكون بتصميم مجموع الجماهير الشعبية التي تكون مصلحتها في احداث التغيير نحو الافضل ..3774 كاظم فرج العقابي

في قصة (أنين قلب) التي اختارهاا القاص عنوانا للمجموعة، يتحدث بطل القصة عن اوجاع الروح التي تنشأ عن فقدان الحب او رحيل الحبيب وعدم القدرة على رؤيته، يروي لنا بطل القصة بشكل جميل ما حل بروحه، وسعيه لمغرفة لماذا يشعر ان روحه مكبلة بالقيود، تئن بسجنها، فهي قد فارقت جسده وتحتضر، ولم يجد سبيلا لايجادها، فيذهب الى السجان الذي قيد روحه، ويتوسل به ان يرأف بحاله، وان يسمح له بمقابلة روحه، التي اوشكت على الوداع، فلا يقبل السجان السماح له بما يريد ، فقرر بطل القصة ان يهاجم السجان لرؤية الروح التي فارقته،وينجح أخيرا في مقابلة روحه ويحضنها وتحضنه ويقبلها وتقبله،واذا به يكتشف ان تلك القبلة كانت من زوجته التي ايقظته من النوم بقبلتها ثم تفارق الحياة على أثر المرض الخبيث، وقد نجح القاص في الربط بين الحب والروح، فان الروح تحيا بالحب وتموت حين تفقده،فقد بطل القصة الشعور بالحياة حين فقد زوجته الحبيبة،...

في قصة (أبي ايقونتي) يتم فيها تكريم الاب، فهو الانسان العامل من اجل سعادة اسرته وهنائها، ويحاول الابناء والبنات ان يردوا بعض الجميل الى ابائهم، تحاول بطلة القصة وكانت اما ان تقوم باحتفال بسيط تكريما لأبيها اعترافا بفضله ونضحياته الكبيرة واغداقه الحنان على افراد اسرته، ويقوم الاب بهذه القصة بدور والد الاحفاد بعد استشهاد الوالد، فتقوم الام بعمل الاحتفال وتشتري الكيكة وتقطعها وتشتري العصائر بهذه المناسبة، قصة ابي ايقونتي قصة جميلة تعبر عن مآثر الاب وتحمله المضني والمتعب لاسعاد اسرته، فهو اب كريم الاخلاق اصيل، يهتم بالفقراء ويناضل من اجل خيرهم ودفع الغبن عنهم، ومهما حاول الابناء ان يردوا بعض الجميل على آبائهم فهم لا يستطيعون ذلك، فان الأب المثال لا يستطيع ان يكونه كل الرجال..

في قصة (الأمل) تبقى الزوجة تنتظر العودة فهي تأمل بعودة زوجها هادي من الاسر،تنتظر العودة طيلة عشرين عاما، ويطول الانتظار ولا يتحقق الأمل، وحين تسمع ان وجبات من الاسرى ستعود الى تراب الوطن، يظل الامل يعاودها، تنتظر وتجرب بدلات عرسها لترتديها عند عودته ـ والامل لايخيب، ويغزوها الشيب بعد ان تزوجت ابنتها،وتوفيت والدة هادي،وفي احدى الليالي تسمع دقات تلى الباب، وحين تفتح الباب ترى رجلا في الاربعين من عمره، قد وخطه المشيب، فتدرك ان الحقيقة دنت منها بعد طول انتظار، وان زوجها قد ودع الحياة، يعري القاص المجيد ظواهر المجتمع السلبية ، والتي قلبت المقاييس فيه الحروب العبثية التي اشعلت ضد الجيران والاشقاء وكان من نتيجتها الاف الشهداء والمعوقين والاسرى الذين لا يعرف احد موعد رجوعهم، ومعاناة الجماهير من الم الجوع نتيجة الحصار المفروض وكل هذا ادى الى الاحتلال الذي جاء بالارهاب والطائفية وتخريب النسيج الوطني والتفجيرات التي تطال الابرياء من عشاق الحياة والجمال ..

قصة (العاشق الفيرزوي) تتحدث عن عاشق لاغاني فيروز الجميلة ، التي تدعو الى حب الحياة والجمال،يصادف احد الجنود في محاربة الارهاب يشاركه الاهتمام بفيروز، فيقرر سائق السيارة ان يشتري مجموعة اغاني فيروز ليهديها الى الجندي العاشق، فيذهب الى المكان الذي رأى الجندي فيه فلا يجده، فيظن ان الجندي لابد ان يكون في المكان في الغد، ولكنه يتفاجأ ان الجندي عاشق فيروز والحياة قد ذهب ضحية للارهاب، هذا العدو الذي عانى منه العراقيون كثيرا، فمجموعة القصص القصيرة التي كتبها القاص المبدع كاظم العقابي تعري المظاهر السلبية التي تنخر في المجتمع العراقي، وتقف هذه القصص مع الجماهير الشعبية المطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد ...

 ولا تخلو المجموعة من العناية بمن يقضي نحبه بالسكتة القلبية عند سماع خبر مفرح او محزن، او شدة التوتر والغضب، ففي قصة (اللقاء المرتقب) يقرر الصديق ان يقابل صديقه المشتاق اليه، فيذهب الى منزله، ويدق الجرس ولكن لا احد يرد، فيتصل هاتفيا بالصديق الذي يخبره انه في منزل اخر قريب يذهب الزائر الى المكان المراد ، فيفاجأ ان صديقه قد قضت عليه السكتة القلبية نتيجة الخبر المفرح بلقاء الصديق ..

في قصة (عنفوان الحب) نجد علافة حب كبيرة تربط بين نور وجمال، تقرر المتعطشة الى المعرفة، والتي أثرت انها سوف تهاجر بعيدا عن وطنها الحبيب العراق، لتستقر في بلاد أخرى، وجمال يحاول ان يثنيها عن عزمها، حب جميل ومتين يربط بين القلبين، يمعهما عن الارتباط ببعضهما برابط الزواج، زواج جمال من امرأة اخرى وله ولدان اثنان، فلا يمكن للحبيب جمال ان يجمع بين المرأتين في بيت واحد، كما انه لا يستطيع ان يجعل لكل امرأة منهما بيتا مستقلا، نظرا لصعوبة الظروف،رغم ان الحب بين جمال ونور كبير جدا، لا يمكن ان تنال منه الاشاعات المغرضة التي تحاول التفريق بين العاشقين، تنفذ نور قرارها بالهجرة، فقد عرفها جمال انها تقوم بكل ما تريدة وما تتخذه من قرارات،تذهب نور الى جمال لتودعه مخبره اياه ان هذا هو اللقاء الأخير بينهما، وانها سوف تحافظ على حبها نقيا كبيرا طاهرا مهما ابتعدت، فهذه القصة الجميلة تبين ان العواطف الكبيرة، ان سكنت القلوب المرهفة الأبية، لا يمكن ان تزول او تجف شعلتها..

في قصة لطيفة من قصص المجموعة عنوانها (حلم) يراود بطل القصة حلم طالما راود اصحاب الشعور المرهف والقلوب الرقيقة ذكورا واناثا ان الحبيب يعلم بما يكنه في قلبه من حب كبير، فيقرربطل القصة ان يعترف للحبيبة بلواعج القلب ومتاعب الفؤاد ـ ثم يتراجع عن قراره خشية ان تكون الحبيبة مرتبطة، لكن القلب يحدثه ان الحبيبة ليس لها ارتباط بآخر، فيقرر اخيرا الاقدام على الاعتراف بالحب، ويجد ان الحبيبة تدرك ما في قلبه وتشاركه في رقة مشاعره، فيتواعدان على الوفاء لبعضهما، لكنه يتفاجأ انه ما زال نائما في الفراش وهو يرى رغبة عاشق تتحقق ، يقرر انه في الغد سوف يرى الحبيبة ويعترف بالحب الذي اضناه .

تصحبك المتعة وانت تقرأ في قصص المجموعة الجميلة (أنين قلب) للقاص المبدع كاظم فرج العقابي، التي تبقى مسيطرة على وجدان القاريء حتى ينتهي من قراءة اخر قصة من المجموعة، الف تحية وتهنئة للقاص في مجموعته الثانية وهو المبدع المميز ...

***

صبيحة شبر

في المثقف اليوم