قراءات نقدية

دراسة في رواية (في قلبي أنثى عبرية) للكاتبة خولة حمدي

حيدر عبدالرضاصراع الأضداد في مداليل حكاية العنف العقائدي،  المبحث (1)

توطئة: تنتظم أنساق ومحاور ودلالات رواية(في قلبي أنثى عبرية)للدكتورة الروائية خولة حمدي في الرؤية الموضوعية التي تعالج ذلك النموذج من أفق وبنية (الأضداد) المتكرسة في جملة ممارسات وتجاوزات الأطر العقائدية في مظاهر ثنائية (الإسلام ـ اليهودية) وعند التدقيق في مجالات الوسائل العواملية في طبيعة حكاية الرواية الميلودرامية، نجدها تنصب في انضاج الفعل المعتقدي لدى بواعث وماهية الفرد اليهودي الضال عن مؤديات الشكل المعتقدي ومرجعي السليم الذي يترتب في طبيعة وملامح ومكونات الخطاب الإسلامي، وما يقتضيه من حقيقة تتناهى عن كل رفضية وخرافية وتحريفية عقائدية متردية.تبدأ مهمة الرواية في عرض شخصية يهودية تتمثل بالدال الفاعل جاكوب،  هذا الشخص المتعلق بتلك الطفلة اليتيمة المسلمة، حيث تكفل برعايتها بعد موت والدتها المسلمة، وقد أوصته هذه المرأة قبل وفاتها وبعد قبول جاكوب نفسه إلى حضانتها والاهتمام بها بالشكل التام، بأن تبقى أبنتها محافظة على دينها الإسلامي شرطا، دون تأثيره عليها كونه يعتنق وعائلته المعتقد اليهودي المسوف.وما كان الأمر إن ماتت المرأة وأصبحت هذه الطفلة المسلمة من ضمن اهتمامات الشخصية جاكوب ذات الخصائص الموقفية المحايدة عاطفيا من قبل الفارق العقائدي من ناحية الطفلة ريما.صحيح أن الرجل ذا نزوعات غير متمسكة في مواقفها المعتقدية من جهة التدين اليهودي، ولكنه كان شخصية أبوية ذا مواصفات صافية من اللطف والترحم والانسانية والتمسك بالعهد الذي قطعه مع نفسه بعد رحيل تلك الأم المسلمة التي أودعته بأمان وثقة طفلتها في قائمة رعايته الحنونة.وهذا الأمر ما دفع جاكوب أن يتحلى بكامل عهوده الانسانية حيال هذه الأمانة الثمينة، فأخذ يتعلق بها وجدانيا إلى أبعد الحدود، وكأنها فردا مكملا لأحد أبنائه باسكال وسارة.في الواقع ان دلالات رواية خولة حمدي موضع دراستنا، من الروايات ذات السمات الخلوصية إلى دينها الإسلامي أخلاصا وإيمانا وتأثيرا، لدرجة أن من يتابع محطات سردها في الرواية، يتنبه إلى موفور خلفيتها الثقافية والمعرفية في الجانب العقائدي، وكم أنها واسعة الإلمام بخصائص موضوعتها في هذه الرواية.

ـ مقدمات ومناصات في عتبات الرواية

يثير فينا عمقا ونحن نطالع ما جاءت به عتبات الرواية، من ذلك التقديم الخاص الذي يقر بأن حكاية هذه الرواية ناتجة عن معطيات قصة حقيقة ليس إلا، طبعا مثل هذا الإيعاز لا نعول على صدقيته نقديا، مهما بدا موصولا لنا بوثائق تصديرية مسوغة من قبل طبيعة التقديم في نوعية كل شكل من أشكال فن الرواية، لأن مثل هذا النوع من العتبة صار من الزحمة والنمطية وما تخص فيه أغلب الروايات الصادرة حاليا على المستوى المحلي والعالمي، نظرا لأهمية الإسقاط الفني إلى الرواية من قبل اقتنائية القارىء وجذبه لها، كل هذا ليس بالأمر الهام أبدا بالنسبة ألينا كنقاد، مادامت الادوات الروائية الموظفة في سياق النص، أكثر رجاحة في دليلها الإقناعي والترغيبي لنا، فكل ما يغامرنا في النص هو الحذق في صناعة النص نفسه، وليس في حقيقة أو اختلاف النص في مرجعيته الوثائقية أو التخييلية.

ـ استثارة الباعث السردي وملابسات مغايرة المعتقد:

كلما تعمقنا في مسار أحداث الأسلوب الروائي الذي كان جاريا على خلفية شاهدية وموقعية الراوي (الخارج ـ الداخل)، كلما لاحظنا حجم الوظيفة الاستثارية التي يبرزها ويرشحها الحاصل المعتقدي لدا شخوص الرواية وعبر مكوناتها البنائية (الفضاء: المكان ـ الزمن ـ الراوي ـ الفاعل الشخوصي ـ مساحة التبئير) ولفرط ما جذبتنا الأحداث الروائية في النص، كنا نصرف النظر عن الكثير من الهفوات والتعديلات اللازمة في وظيفة النص، ولكن أعترف أن الموضوعة الحكائية عبر خصائصها التكوينية ـ النواتية، غطت علينا وعلى الرواية جملة هفوات كانت متلبسة في ملبس النص ومحكومة من جهة ما بنزعة (الانطباع ـ الغلو العاطفي ـ الإسراف الإنشائي في الوصف والتفاصيل) ثمة وحدات في الأحداث والأفعال الشخوصية، ما ساورها حالة من حالات أهواء الراوي والروائي في الآن نفسه، فمثلا وقوع شخصية ريما في حالة زهدية ـ تصوفية من التدين، لدرجة إنها أصبحت تتشح من جاكوب بعباءة لإسلامية وما يترتب على حالة إنكفاءها الإجمالي في أقصى حالات العزلة والركون في غرفتها، بعد ما كانت تحابب الرجل بحكم كونه من تولى رعايتها بصفة الأب المخلص بادىء ذي بدأ.وفجأة شغلها الإسلام والإيمان بطريقة لا تعد سببا وجيها في سلوكياتها في بعض فقرات السرد، ما جعل جاكوب يغير نظرته إليها، بعد ما كانت هي كل شغل حياته وعاطفته الأبوية.بمثل هكذا تغيرات قفزية بالمشاعر والأحاسيس، التي لا تناسب عمر طفلة ما زالت في طور الرعاية، قد لا تحملنا مثل هذه الفقرات إلى دعم حكاية النص الخاصة بريما بمؤشرات إيجابية إطلاقا، فهناك في الحقيقة حالات من الإفراط والمفارطة التي لا تناسب مقاصد الأهداف التدرجية في نمو علاقات البناء الروائي نوعا ما: (رفع جاكوب حاجبيه في استغراب .. فمن عادتها أن تحدثه عن كلام الشيخ بالتفصيل، وتسرد على مسامعه كل ما تحفظه من دروسها..لكنها اليوم بدت ساهمة، وكأنها مرا ما يشغل عقلها الصغير، بالكاد أجابت عن سؤاله بكلمة واحدة، وعادت إلى إطراقها./ص13 الروية) من أجل أن لا نغفل شيئا ما من أحداث الرواية، وحتى نكون أكثر أمانا في الحرص على عدم إهدار وقتنا المبحثي في موضع دراستنا لبعض الوحدات الروائية نقول بدءا كان جاكوب في مستهل الرواية، ممن كان يحرص على إيصال الشخصية ريما يوميا في ذهابها وإيابها إلى ذلك المسجد، فهي ممن كان لا يخفي عن جاكوب كل مرويات دروسها من قبل ذلك الرجل الفقيه.ولكن مع مرور الوقت وزهد التعمق في دروس دينها الإسلامي الحنيف نعاين بأن حالة التدين قد فعلت فعلها الإيجابي في أناة الطفلة ريما، وحرك فيها الإدراك العقائدي فعلا مضاعفا في مشاعرها بالاختلاف والتمايز بين الإسلام والعقيدة اليهودية، فشارعت إلى التمييز عبر مصفاة الحق بأن دينها يرتب عليها جملة واجبات تعاملية وعبادية وحقوق من المحارم والمحلالات وهناك عقاب وثواب إلى من لا يتقيد بأمرها، لذا فما كان لريما سوى التقية والحفيظة من كل الخبائث والمكاره التي ينص عليها القرآن الكريم وبعض من وصايا روايات عن الرسول الأعظم .كانت قد حفظتها عن ظهر قلب.على حين غرة ساور جاكوب الظن والشكوك والأحداث الحاصلة في أفعال ريما من جراء دروسها في الأصول والعقائد والشرائع، فسرعان ما وجدها: (وصلا إلى المنزل فأفلتت الصغيرة كفه وانطلقت تركض إلى غرفتها..تابعها في صمت متعجب..أن تصرفاتها تبدو غريبة اليوم..هل هناك من ضايقها في المسجد أو أساء معاملتها؟يجب أن يتأكد من ذلك..كان يهم باللحاق بها حين ظهرت تانيا عند باب المطبخ، وفي عينها نظرة غريبة ..يعرف جيدا نظرة الاحتجاج تلك التي تطالعه بها زوجته في كل مرة يخصص قسطا من وقته لريما وممارساتها الدينية./ ص14 الرواية).

2ـ هوة المنغصات والتأثيرات في معطيات الواقع العائلي:

في الحقيقة وضحنا في بداية دراستنا بأن الشخصية جاكوب صاحب عائلة تتكون من زوجة تدعى تانيا وطفلان هما باسكال وسارة، إلى جانب ريما التي تحتل لذاتها منزلة مهمشة في غرفة متواضعة في المنزل اليهودي.قلنا أن جاكوب رجلا يحفظ حدود الأمانة والأخلاق التي تؤهله إلى تقديم الرعاية الكاملة إلى ريما، رغم كونها تشكل نشازا وحدها في أسلامها دون باقي الأسرة، ورغم ما يلاقيه جاكوب من علامات استنكار ورفض من قبل زوجته في موضوع تبني ورعاية ريما وسط عائلتهم اليهودية المتشددة من قبل تانيا تحديدا، فطالما كان جاكوب يسعى مع زوجته إلى التخفيف عن كاهلها ذلك الغل المستفحل في قلبها حقدا على ريما اللامرحب بها دوما وسط العائلة سوى من طرف جاكوب.لذا أحيانا يبدو موقف جاكوب من زوجته ضعيفا ومهزوزا ولا يعرف من نفسه تبريرا واحدا يقنع به زوجته إزاء وضع ريما في مفاصل وجودها وسط العائلة: (لم تتقبل تانيا تماما وجود ريما وممارساتها الدينية ..توجه نحوها مبتسما، وهو يحاول تجاوز العاصفة المقبلة بسلام..رغم مرور ثماني سنوات على زواجهما لم تتقبل تانيا تماما وجود ريما بين العائلة فهي تبقى بالنسبة إليها دخيلة، ولن تصبح يوما من أصحاب البيت./ص14 الرواية)ضمن أطر هذه المشاهد من النص، نعاين بأن الأجزاء السردية الخاصة بأفعال جاكوب وريما، هي الأكثر تسليطا في منظور الراوي، فمن ناحية ما تبقى علاقة جاكوب مع سارة أبنته العاكفة على دروسها العلمية، إذ تعد هذه البنت من النوابغ في محضر الأحداث الصاعدة، كونها تمتاز بقابلية فوق طبيعية من الذكاء ونبوغ الفطرة، لذا لا تجد الوقت الكافي على مسايرة ومجاملة والدها معها عادة، وحتى الآخر باسكال كان يتمتع بدرجة فطرية متوسطة ومكتسبة من الذكاء والمواظبة على دروسه، مع إزدياد حرص المتابعة عليهما من قبل الأم تانيا، فهذه الأم توفر لهم كل ما لا يشغلهم عن تحصيلهم العلمي، وبالمقابل من هذا يبقى الأب جاكوب مجرد آلية تهيأ لهم وسائل التدبير المعيشي والترفيه عنهم من خلال سفرات سياحية في نهاية كل عطلة أسبوعية.نفهم من كل هذا بأن جاكوب لا يجد أهميته كونه أبا بالضرورة، إلا من خلال ريما ومناداتها له بـ (بابا يعقوب؟) إذن فريما كانت تحتل بذاتها موقعا مخصوصا في صدر وعقل الأب جاكوب فهو طالما يشعر بالأمان والأعجاب في نظراتها إليه حيث يهم بالأنفراد فيها قرب سريرها بذلك الحنو الأبوي، يقص على مسامعها أجمل الحكايا قبل خلودها للنوم، أو أنه كان العون لها في حل أصعب المسائل الحسابية في دروسها، ذلك كونه صاحب المراس الأول في مجال التجارة كتاجرا إلى جانب ملكيته لمعمل خاص في صناعة ملابس الأطفال.أقصد من كل هذا أن هذه الفتاة كانت بالنسبة إليه المحرك والحافز الوحيد الذي ينشط ويحفز كل مكوناته في حياته العملية والعاطفية المجردة من المشاعر الأبوية مع الطفلين سارة وباسكال، إذ لا يوفق كونه أبا إلا من ناحية ريما، ولكن العاطفة الخاصة ما بين ريما وجاكوب الأبوية، لم يكتب لها الديمومة كمثل حالها القديم، فهو كان يحب من جهة ما ما عودها عليه منذ صغر سنها أن تناديه(بابا يعقوب) ولكن ريما مع دروسها الفقهية مؤخرا، قد أصبحت أكثر انطوائية وانعزالا مع ذاتها في غرفتها: (كانت ريما تبكي بحرقة على صدره، وهو لا يفهم سبب بكائها، أبعدها قليلا عنه، ونظر في عينيها متوسلا: ـ ريما،  حبيبتي.. أخبريني ما بك؟هل هناك ما يؤلمك؟هزت رأسها نافية،  فألح في السؤال:ـ هل أزعجك أحد؟ هزت رأسها علامة النفي وسكتت.بعد لحظات قالت بصوت متهدج:ـ أنا خائفة عليك... لا أريد أن تذهب إلى النار؟ اتسعت عيناه دهشة، وارتخت ذراعاه من حولها، وظل يحدق فيها بعدم استيعاب، فتابعت في إصرار: ـ الشيخ يقول إن من لا يؤمن بدين الإسلام يذهب إلى النار..وأنا أحبك كثيرا ولا أريدك أن تذهب إلى النار./ص17.ص18 الرواية)كانت ردود فعل الشخصية جاكوب ذا تأثيرا في متعلقات نزعة التمييز بين الأديان ليس إلا، مما حدا به القول إلى ريما بترك هذا الشيخ وعدم الذهاب إلى المسجد مجددا.ولكن الهوة التي برزت بين ريما وجاكوب لم تكن ذا العيار الثقيل، فقط كان يظنها جاكوب نزوة عابرة من الاختلاف في معتقدات ريما الإسلامية، ولم يحن له معرفة بأن ريما قد ترسخت لديها مبادىء وقيم العقاب والثواب بكافة حذافيرها وأصبحت مع مرور الوقت إلى قديسة ربانية ضليعة في علوم الشريعة الإسلامية.

ـ قيامة العقائد تدق الأبواب وتقلب المقادير

لن تتناقض القيم العقائدية الإسلامية أو تكسد في كل مكان لها في مسار الرواية.فهناك في الجزء الآخر المتواز من الحقيقة أفعال ومحاولات ريما في بث لواعج الإسلام في قلب عائلة جاكوب اليهودية، مثلها ما حدث مع الشخصية ندى اليهودية بطريقة كان مؤثرها الأوحد حدوث حالة تصادفية شملت مقدمات في الإنشاء السردي في الرواية.في الحقيقة أن طبيعة الأحداث في دلالات رواية(في قلبي أنثى عبرية) مردودها المتوازي قائما بين جهتين (عائلة جاكوب ـ ريما) في حين عائلة (سونيا وجورج وندى ـ احمد) قد تكون لكل عائلة موجهها السببي الخاص في الدعوة إلى الإسلام من جهة ما.نعاين من الجهة الثانية الشخصية أحمد وصديقه حسان من أصحاب المقاومة في جنوب لبنان ضد المحتل الصهيوني، وهما من عوائل مسلمة.فجأة أصيب أحمد وهو يباشر مع صديقه حسان في أحدى عمليات المقاومة بإصابة بليغة من خلال إنفجار قذيفة اسرائيلية، فما كان من أشلاءها المتشظية في الأنفلاق سوى أصابة ساق المقاوم أحمد ببعض الجروح النازفة.تظهر لنا الرواية حصيلة أسعاف حسان بسيارته إلى جانب صديقه أحمد الذي كان يتلوى ويتضور ألما ما جعل الدموع والصراخ تشي بمدى معاناته من قرار وموقع إجابته: (أنتبه حسان إلى تلاشي قواه وتهاوي أوصاله..فأخذ يهزه في عنف، ويحركه الخوف: أحمد ...أحمد أبق مستيقظا... سنصل قريبا؟حرك أحمد ذراعه ليشعره بحضور عقله واستمرار مقاومته.فتنهد حسان وهو يعود إلى التركيز في القيادة..أخذ يتذكر السويعات القليلة الماضية في تأثر..كانا في مهمة في أراضي الجنوب..لم تكن أول مهمة لهما معا، فقد أنظما إلى المجموعة في أوقات متقاربة، وبسرعة تم التآخي بينهما في الله./ص19 الرواية).

1ـ الاسترجاع الزمني وتشخيص مبئرات الحبكة:

نحن إذن إمام شخصيات متكلمة ضمن حوافز فعلية وماضوية يفصلها صوت الراوي داخل لسان الوعي الشخوصي.فالمسرود ليس دائما في وحدات الرواية، حلولا مباشرا من ضمير الشخصية، بقدر ما نجده مرسلا في طابع خاص من وسائل تقنية (الخطاب المروي) إذ يبقى الراوي في هذا النوع من الخطاب على ما يبدو عليه في حال المشهد الذي يجمع (أحمد = حسان) حدثا قوليا تتخلخله فقرات من الشخصيتين في موضع من الكولاج أو في صيغة غير مباشرة من الشخصية ذاتها، أو أن إجرائية خطاب الشخصية غدا على أكثر من علامة في الاسترجاع الزمني والترهين المكاني، وصولا بصوت المروي ليأخذ شكلا نسبيا في الاسناد أو التعليق أو الردود في مضاعفات التركيز في الحوار المسند من قبل شاهدية الراوي: (لكن هذه كانت أول عملية حقيقية، في الأراضي المحتلة./ص19 الرواية) كما نلاحظ أن الخطاب هنا جاء مسرودا في استعراض الزمن الارتدادي، ولكن لا يمكننا الجزم في الوقت نفسه، بأن هذا الاسترجاع مفصولا عن عين اللحظة الحدثية التي تجرى الآن بموجب الراوي المسند بصوته في وعي التلفظ الواقعة التي تبين من خلالها إصابة أحمد ويجرى الآن نقله من قبل صديقه حسان.فالخطاب بهذه الصفة حل ناقلا للزمن الذي يوفر للأحداث اللاحقة تعريفا بنفسه، أي بما يحدث من خلف حجب واقعة الإصابة لأحمد، فإذن الراوي هنا بين خطابين، خطابا ذاتيا مسندا لصوت الشخصية، وخطاب استرجاعي لزمن أحداث الواقعة وأسبابها: ( راح يجيل بصره في الشوارع الهادئة في توتر، وهو يبحث عن أقرب مستشفى يمكنه أن يتوقف عنده.ليت أحمد كان أكثر وعيا، فهو يعرف المدينة جيدا.نشأ فيها مع عائلته ولم يغادرها إلا من أجل الدراسة./ص19 الراوية)المداخلة هنا فعلها صوت الراوي المناوب لصوت الشخصية حسان، والتتبع والعرض لتفاصيل حياة أحمد، كونه من أهل المدينة وتفاصيل أخرى أخذت تستخدم كوظيفة من التبئير (الداخلي ـ الخارجي)  للشخصية أحمد، ما دام حضوره في هذه الوحدات يتطلب عرض أجزاء من سيرته،  إلحاقا بما تترتب عليه المساحة النصية القادمة من القدرة على الظهور بمظهر الأسباب وحلول دائرة العرض بما يستوفي المعرفة بمواقفه في هذه المدينة وسكانها على الأغلب الغالب: ( ـ صرخ حسان في غيظ: ـ الإطار انفجر ..لا حول ولا قوة إلا بالله ؟أخذ يضغط على الفرامل في هدوء عجيب مناقض للموقف العصيب/نظر حسان إلى صديقه في قلق.. ما العمل الآن؟./ص20 الرواية).

2ـ القفة الزمنية: زمن الحادثة، والعلاقة بين التلخيص والوصف:

لجأت الكاتبة في بعض مشاهد روايتها إلى التلخيص في وتيرة السرد والمسرود، ومن خلال زمن الحادثة لحسان وأحمد هناك لاحقا فاصلة من العلاقة التي تربط الوصف بزمن ترتيب الأحداث اللاحقة في حكاية المقاطع السردية من زمن الحادثة ذاتها، ولكنها ليست مؤاخاة للحادثة نفسها، بل أنها إحالة إلى ذهن المتلقي بما سوف يكتمل في علاقة ربط الوصف بالتلخيص ..تواجهنا عائلة المنزل اليهودي الذي تسكنه ندى وشقيقتها دانا، التي تكبرها بعدة سنوات، ووالداهما جورج وسونيا قد سافرا إلى بلدة ما إلى حضور حفلة زفاف لبعض الأقارب في بيروت على حد تعبير الرواية: (كانت دانا تطالع جريدة الأمس في اهتمام، بل لعلها قرأت الملف الخاص بالمقاومة اللبنانية، والأحداث الأخيرة التي هزت الساحة السياسية مرات ومرات، محاولة دراسة هذه الظاهرة.. رفعت رأسها فجأة وقالت كأنها تخاطب نفسها: ـ أنه لشيء عجيب حقا ..كل هؤلاء الشباب اللذين يتركون عائلاتهم ومستقبلهم وينظمون إلى جيش مبتدىء لا يعترف أحد بمشروعيته!!! ألقت ندى نظرة احتجاج، ثم قالت في ثقة: ـ أنهم يدافعون عن وطنهم ولا يهمهم أن يعترف بهم أحد طالما كانت قضيتهم عادلة؟./ص20 الرواية).وما يعنينا هنا هو الاستباق في ملف ذات العلاقة من زمن حادثة حسان وأحمد، كي تؤول هذه الدلالات كحصيلة تمهيدية على مستوى من التجسيد والفعل الرابط والعلامة الاختيارية المرجحة في بنيات مساحة الأحداث القادمة من زمن الرواية.

ـ تعليق القراءة:

في الحقيقة حاولنا في مبحثنا هذا دراسة المرحلة أو الخطوة الأولى من زمن وحدات رواية (في قلبي أنثى عبرية) للروائية التونسية خولة حمدي، وبما أنها الرواية الأكثر تأثيرا في مجال فحوى موضوعتها الباحثة في أشد الدلالات تعقيدا في النسيج الروائي .إذ أننا سوف نعاين كافة أقسامها ومراحل تمثيلاتها السردية المحفوفة بروح من التحليل والتبصر والتأني، لكونها رواية تستحق الدراسة المستقلة في كل جزء من أجزاءها على هيئة علاقة مبحثية قوامها التقويم والتحليل لأهم مداليل الرواية الأكثر تركيزا وتأويلا وابداعا .

***

حيدر عبد الرضا

في المثقف اليوم