قراءات نقدية

الكاتبة السورية إنعام ديوب في روايتها الأولى (1-2)

مفيد خنسة(الحب أون لاين).. هل يمكن أن يتحول إلى حب حقيقي؟

تمهيد: شهدت الرواية من بين الفنون الأدبية ازدهاراً كبيراً، حتى غدا حضورها في الثقافة العربية منافساً قويّاً للشعر الذي يعتبر ديوان العرب، واستطاعت الرواية العربية إلى حد كبير أن ترصد التحولات العميقة التي طرأت على أنماط العيش في البيئات المختلفة، وروايات نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وحنا مينة مثال حيّ على ذلك، ورواية (حب أون لاين) للكاتبة السورية إنعام ديوب المقيمة في الكويت، تتناول موضوعاً هاماً وخطيراً في المجتمع العربي المستهلك لمنتج التكنولوجيا الأوروبية الحديثة، خاصة وسائل الاتصال عبر الشابكة الإلكترونية، (الأنترنت)، إنها تطرح أسئلة أساسية وعميقة حول العلاقات التي تنشأ بين المستخدمين في هذا العالم الافتراضي الذي فرض وجوده من خلال غزوه لأوقاتنا واستلاب الواقع الحقيقي وتحويله إلى واقع افتراضي، حتى أصبح جزءاً أساسياً في الحياة اليومية.

مقدمة:

لست لأدعي أنني أضيف جديداً على صعيد علاقة المؤلف بالبطل في العمل الروائي، لأنه موضوع مطروق كثيراً في النقد، ولعل الناقد السوفييتي بختين، من أهم النقاد الذين بحثوا في هذه العلاقة، ولكن رواية الكاتبة إنعام ديوب (حب أون لاين)، تفتح الباب واسعاً، للحديث عن علاقة المؤلفة ببطلتها (نعمة=أمل) بشكل أساسي، ومن ثم علاقتها بأبطالها الرئيسيين والثانويين، وذلك لأسباب أهمها:

المكان:

(1) الأمكنة في الرواية متعددة، (كندا، فرنسا، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، سورية) وهذا التعدد يجعل الفضاء الروائي واسعاً، ويتطلب من المؤلفة دراية كافية بأنماط الشخوص التي تتفاعل في مثل هذا التنوع المكاني، كما يتطلب من المؤلفة ثقافة كافية لأنماط الثقافات في تلك الدول، والكاتبة توظف كفاءاتها العلمية في بناء الرواية على هذا الصعيد، فهي حاصلة على البكالوريوس بالأدب الإنكليزي، إضافة إلى الماجستير بإدارة الأعمال من المملكة المتحدة، وهذا الاتساع المكاني يتناسب مع موضوع الرواية الذي يمكن أن يكون صالحاً في أي بلد من العالم، وهذا ميزة هامة تتصف بها الرواية.

(2) الأحداث: إن الاتساع المكاني يتطلب من المؤلفة الخبرة الكافية بأنماط البنى الاجتماعية، وطبيعة العلاقات فيما بينها، إضافة إلى الموروثات التاريخية، والعادات والقيم المختلفة، لأن نمط العلاقات الاجتماعية في دولة كالكويت مثلاً، يختلف جذرياً عن نمطها في فرنسا، أو كندا، والكاتبة تستثمر خبرتها على هذا الصعيد في بناء روايتها، فهي مدربة دوليّة في التنمية البشرية، وحاصلة على البورد الأميركي، إضافة إلى ذلك كله فهي باحثة في علم النفس الإيجابي، وقد حققت العالميّة في مجالات عدة، ولعل ذلك كان عاملاً أساساً في بناء أحداث الرواية بناء يبدو مقنعاً إلى حد كبير.

(3) تقاطع الأزمنة:

يمثل هذا الجانب في العمل الإبداعي عموماً نقاط ارتكازٍ أساسيّةً، وفي فن الكتابة الروائيّة بشكل خاص، فإن تقاطع الأزمنة يعني الزمن الذي تتقاطع فيه أزمنة مكوناتها الحسية والمعنوية، أزمنة الشخصيات وأفعالها، والأحداث الرئيسة والثانوية، إضافة إلى أزمنة الأمكنة فيها. وهذا الزمن هو الزمن المتحقق نتيجة ذلك التقاطع، وفيه يتجلى الزمن الفيزيائي، والزمن الافتراضي، وفي هذه الرواية سنجد أن تقاطع الأزمنة بين بطلة الرواية (نعمة) وبطلها (سعد) قد يصل بهما إلى الدرجة التي يبدو فيها هذا التقاطع مصادفات مفتعلة من قبل الروائية نفسها.

أهم أحداث الرواية.. مقدمات الحب:

المقدمة الأولى ل(حب أون لاين) بدأت باللقاء الأول بين فهد الكويتي المسلم وكاترين المسيحية من أب سوري وأم كندية في السفارة حيث كانت تعمل، حين قام بزيارة إلى صديقه عبدالله الموظف الكويتي في السفارة، فأخذت بمجامع قلبه، وأخذ يتردد بزيارات ومراجعات إلى السفارة بهدف التعرف عليها، حتى لاحظ صديقه عبدالله عليه، فصارحه بحبه لها، وقد روى عبد الله لنعمة تفاصيل قصة الحب الصادقة والمثيرة، بعد أن كانت كاترين على علاقة قلقة مع شاب سوري، وقد دفعها حبها لفهد أن تختاره وتفضله متجاوزة الاختلاف الديني، حتى تكللت علاقتهما بزواجهما الذي واجهته أسرته في الكويت بالرفض القاطع، ورفض أبو فهد أن تدخل كاترين الكويت رفضاً قاطعاً، وقد حتّم هذا على فهد أن يُبقي كاترين وولديها نعمة وفيصل في كندا، بينما هو بقي يتنقل بين الكويت وكندا، فهو رجل أعمال لديه الطموح والدافع لتكوين ثروة ومكانة، وبقيت كاترين محبة له وفية لذلك الحب الذي اختارته وفضلته عن أي حب آخر على الرغم من العائق الديني المنيع، وفي الوقت الذي سمحت الفرصة لفهد أن يستقبل كاترين ونعمة في الكويت أرسل إليهما فاستجابتا، حيث كانت نعمة قد بلغت من العمر ثماني وعشرين عاماً، بينما أخوها فيصل كان قد ذهب إلى فرنسا لإتمام دراسته الجامعية، وتبدأ الرواية سطرها الأول بهبوط الطائرة التي تقلهما في مطار الكويت لتطأ قدمها أرض الكويت للمرة الأولى.. وهكذا نتعرف على المقدمات الأولى ل(حب أون لاين). (إنه عصر يوم الخميس قرابة الساعة الرابعة والنصف، عندما هبطت الطائرة ووطئت قدماي أرض الكويت للمرة الأولى.

أمسكت أمي بيدي وكأنني طفلة في الرابعة. أمسكت يدي وكأنها تخشى عليّ من خطوات تقربني من بلد جديد وعالم مختلف، تضع يدها حول كتفي، وتنظر إليّ بشفتين مبتسمتين وعينين قلقتين(ص11).

محنة الفراغ:

في غرفتها المخصصة لها من بيت أبيها المنيف، بدأت نعمة تمل وتضجر من الفراغ والوحدة التي تعاني منها، على الرغم من حنان أمها الآسر، واهتمامها بها، وحرصها على توفير الراحة التامة لها، ورعايتها وكأنها ما زالت الطفلة الصغيرة المدللة، وعلى الرغم من احتفال الأب بقدومهما واستقبالهما بأبهى ما يمكن أن يكون، وتوفير سبل الراحة لها، فهو ما زال الوفي بحبه إلى زوجته كاترين، وفخور بنجاحه وقد كانت ثمرته نعمة وفيصل، ولكن أمها تضطر أن تتركها وحيدة في غرفتها بعد أن تطمئن عليها قبل خلودها للنوم، فما كان من نعمة إلاّ أن قررت اللجوء إلى (اللابتوب) لتبحث عن أصدقاء عبر مواقع التواصل على الشابكة علها تعثر على علاقات حقيقية مع شباب وشابات من بلدها الكويت، وأثناء البحث وجدت موقعاً اسمه "شادو" فسجلت الدخول باسم أمل، ومباشرة انهالت رسائل الترحيب وإرسال الورود من الشباب والبنات وإن كان من الشباب أكثر فأكثر، ولكن الحساب الذي أثار انتباهها هو أحد المستخدمين الذي وضع صورة الممثل الهوليودي المشهور جورج كلوني على (البروفايل) أما الاسم فقد جاء بالإنكليزية أيضاً، (missing missing) الذي كتب لها بالإنكليزية (Hi)!.

(ما الذي يقصده من هذا الاسم؟ هل هو في حالة من اشتياق كامل؟ أم إنه يقصد حالة فقدان وضياع؟) ص(70).

هكذا بدأت تحدث نفسها (نعمة = أمل)، معتبرة أن المستخدم لا يمكن أن يختار صورة كلوني اعتباطيّاً، خاصة وأن الصورة مختارة من فيلم له وقد بدا عليه الحزن واليأس، ولعل الفراغ العاطفي الذي تعيشه، والوحدة غير المعتادة بانفصالها عن أمها التي كانت تلازمها وتملاْ عليها حياتها، حتى أنها بلغت هذا العمر من دون أن تمر بمرحلة المراهقة، ولم تعش حالة حب من قبل، كل ذلك كان سبباً لاهتمامها بهذا المستخدم، ووجدت أن استخدامها للاسم المستعار مناسب، فمن يناسب جورج كلوني أكثر من أمل من دون علم الدين؟!، وها هي تتلقى منه ثلاث رسائل، (كيف حالك؟، أين أنت؟ أنا أنتظرك، ووجه مبتسم بجانبها) ص(70)، ومن ثم يتم التعارف والتواصل في ليالي أيام الخميس حين تكون وحيدة، إنه سعد مدرس جامعي يحضر لنيل درجة الدكتوراه الذي يعيش تجربة فاشلة مع زوجته، يتمكن من أسرها وإيقاظ أنوثتها الغافية تحت ستار شفيف لا يحتاج أكثر من كلام رقيق ناعم وجريء، حتى يلهب عاطفتها، ويرغمها على التعلق به، من دون أن تجرؤ على إخبار أحد بما هي عليه من إحساس بالذنب وارتكاب للخطيئة، لأنها معه، معه وحده، أحست بجمال جسدها المثير، معه وحده تجرّأت على تجاوز المألوف، إنها تحادثه وترسل له صوراً من غير أن تمكنه من معرفة صورتها الحقيقية، لأنها كانت تخفي من الصور الجانب الذي يمكن أن يعرّف عنها ويميزها، ووصلت إلى حالة من التردد والحيرة، هل هي في حالة من الحب الحقيقي؟ أم أنها في حالة من الحب الافتراضي؟.

الخروج من العزلة إلى واقع جديد:

منافسان جديدان لسعد يدخلان في حياتها بجديّة، ابن عمها بدر(مهندس) ديكور، الذي ولد حبه لنعمة ميتاً ومن دون مستقبل، بسبب موقف العم المتشدد والرافض لأي شكل من أشكال العلاقة بين الأسرتين بسبب كاترين!، وعزيز ابن مالك الشركة أبو عبد العزيز صديق والد نعمة الذي رشحها للعمل لديه، حيث نجحت بالاختبار اللازم للقبول بالعمل في الشركة وأثبتت كفاءتها بقطع النظر عن الصداقة القوية بين الوالدين، ومنذ لقاء عزيز الأول بنعمة في الشركة فتن بجمالها و خلال عملهما المشترك الذي أثبتت فيه خبرة استثنائية، ونجاحاً لافتاً ازداد إعجابه وحبه لها وأخبرها برغبة بالزواج منها والتقدم لطلب يدها رسمياً، وكان أمراً طبيعياً أن تفضله على بدر كخيار لها في محيطها المتاح، وهذا جل ما تتمناه الأسرتان معاً، ولم تخف نعمة إعجابها بقوة شخصية عزيز وطغيان حضوره، لكنها في الوقت نفسه لم تغفل أن عزيز الابن المدلل، وهو مدير الشركة التي يملكها والده، وإن حب التملك لديه طاغٍ إلى الدرجة التي تجعله لا يقبل أقل من الفوز وامتلاك ما يريد كما اعتاد خلال حياته، ولا ينقصه الذكاء و السلوك الراقي، ولعل اختياره لها كان بسبب رغبته العميقة في امتلاك نعمة بجمالها المثير، (لقد جعل حياتي في العمل ممتلئة بكل بما يكشف فراغها، متجددة بما يفضح روتينها، دائمة الحركة كفراشة أتاها الربيع على غفلة من الزمن ففاضت سعادتها في زوايا طريق)ص(155).

وفترة الخطوبة فرضت عليها واقعاً جديداً أخرجها من وحدتها وعزلتها، وخففت من تأثير حبها الافتراضي ل سعد، بفعل الحب الواقعي الذي هيّأت له الظروف المواتية للعلاقة الجديدة بينها وبين عبد العزيز الذي ينادى عزيز للتخفيف. لكنها بقيت تخفي حبها له لأنه (الرجل الوحيد القادر أن يخاطبها كأنثى وليس كامرأة).

حدثان مفصليان:

الحدث الأول:

يصادف أن يكون بدر إجازة في دبي، في الفترة التي كان يقضي عزيز إجازته في دبي أيضاً، وتطلب نعمة من بدر أن يقابل عزيزاً هناك، ومن أجل ذلك فقد حجز اليومين الأخيرين من الإجازة في الفندق الذي ينزل فيه عزيز، وتأكد بدر من أن عزيزاً قد صاحب فتاة شقراء خلال هذين اليومين، وعند عودته يخبر بدر بنت عمه بأن عزيزاً ليس الشخص المناسب لها لأنه خانها خلال إجازته، وكان لهذا الحدث أثراً عميقاً في نفسها، فقد تأكدت من صدق مشاعر بدر تجاهها، وتقرر بأنها لن تكون له، (قررت، بعد تفكير، ألاّ أخبر أبي بالموضوع، وسأذهب إلى دوامي بشكل طبيعي، ولكنني أقسم يا عزيز إنني لن أكون لك يوماً) ص(276). وأصبحت تعامل عزيزاً برسمية، (ولم تعر اهتماماً لكل تساؤلاته الملحة لمعرفة سبب تغيرها وبرودها)، وترفض مقابلته خارج أوقات الدوام على الرغم من توسلاته المتكررة.

الحدث الثاني: 

كرد فعلٍ على فعل عزيز وخيانته وانتقاماً لكرامتها، قررت أن تستجيب لطلب سعد في تحديد موعد للقاء، لكن حادثاً تعرضت له بالسيارة قبل دقائق من الموعد المحدد حال دون الوصول إلى المكان الذي كان ينتظرها فيه، مما جعله يعتقد أن أملاً شخصية افتراضية، ويقرر أن يتركها، لأنها كررت عدم الوفاء بوعودها له، وتكرر ترددها وعدم استجابتها لمقابلته.

***

مفيد خنسه

 

في المثقف اليوم