قراءات نقدية

سكوني وشجوني وتأملاتي في المجموعة الشعرية "ترنيمة المطر"

قاسم ماضيللشاعرة اللبنانية لبنى شرارة بزي.

 بأن أقضَّ  مضجع َ الحروف، فأجمع من شتاتها كلماتي، وأسكب في كؤوسها ذاتي " ص135

صدرت للشاعرة اللبنانية "لبنى شرارة بزي" مجموعتها الشعرية الجديدة والمعنونة "ترنيمة مطر" والديوان يقع في 149 صفحة من القطع المتوسط، والصادر من دار آشور –بغداد –شارع المتنبي،  الطبعة الأولى 2022. وكانت الشاعرة المذكورة قد أصدرت ديوانين " ابتسامة من رحم الألم، وحديث الفصول الأربعة  شعر هايكو، وهذا الديوان الثالث لها. تقول الشاعرة في بداية الديوان وفي كلمة الإهداء.

الى من ُتشرق ُ شمس حياتي لأجلهم ولا يكتمل ُ البدرُ إلا بحضورهم، إلى ربيع حياتي الدائم،ونبضات قلبي وخيوط فجري المبُهجة، إلى من أحيا بهم ولأجلهم، قرة عيني، أولادي " ص5

 الديوان الشعري للشاعرة "بزي" جاء على شكل مناغاة بقلب مفتوح وممزوج بآهات عديدة  وكأنه ينتظرعمليته الأخيرة التي شكلت لديها هذا التكوين الفني  داخل كل أاطرالصورة الشعرية التي جمعتها في هذا الديوان،فظلت عبر العديد من هذه القصائد تحمل  معها آحلامها العديدة ونبرة الشكوى ضد هذا الزمان.

تقول في قصيدة ذكراك " أبتسمُ عنوة ً، رغم الجراح " ص119

والشاعرة تحمل في طيات قصائدها التي تزيد عن سبعة وسبعين قصيدة  في هذا الديوان "ترنيمة مطر" وهي قصائد موحية تتلاءم مع متطلبات المشهد  الشعري الذي نعيشه الآن،و تتلاحم مع شبوب الوجدان الذي هو مقياس توازن به حرارة الشعرية وتناغم الالهام الذي يأخذك بمنظومة شعرية ممتلئة بالوعي والأدراك فضلا عن العناصر الجمالية، اي هو التعبير عن خلجاتها الداخلية بمعادلات موضوعية استلهمتها من معين هذا الكون الشاسع بمشهديته الغنية بالصور والاحداث  الذي إغتسلت بمياهه العابقة في روحها.

." أما أنا، فبقيت ثلاثمائة وجع، أو يزيدون، في جوف كهف، يعصمني من الظنون " ص137

 العديد من الوسائل والطرق التعبيرية التي تهمين على دواخلها التعبيرية والتي هيمنت عليها في بنية التكرار ولغة  غزلية تستهوي القارئ، وكأنها  تريد ان  تقول للقارئ أبقى حاملة للمبدأ الذي هو قناعتي وحقيقتي، وهي صاغية لهذا العالم كثيرا. لتشكل في قصائدها التي إنطلقت منها " بزي "   عنقودا من الصور المتسلسلة في سياق سلس  التي تحملها في ذاكرتها الحية محاولة بذلك سقي لوحتها وسمفونيتها الباعثة في الحياة سيلا من النور في عواطفها التي تضم الزمن والتاريخ المعاصر الذي تعيشه.وفي قصيدتها " ليلة العيد "

“الماضي يصبح جميلاً، حين يُطوى، كطي ًالسجل للكتب " وأبقى أنا، أسيرة التفاصيل " ص 10

3815 لبنى شرارةالشاعرة ظلت حبيسة الشعرالذي أخذ من وقتها الكثير، مؤكدة ذلك الانسجام بين اللغة ككائن حي كما يقول  "اليوت  " وهي ترى في هذا الديوان الشعري إنها تغوص وحدها في هذه الأغوار، ولا عين لها سوى عين الشعر،عبر أجمل المعاني وأرق الصور وبإنسيابية متناغمة ومتجانسة تطرب اذن القارئ.

" كقنديل ٍ عتيق، أهملته يدُ الزمان، فشح زيتُه، وشارف َ فتيله ُ على الاحتراق " ص116 وتنفذ من وراء قشرة الكينونة،و هذه القصائد المفعة بالأسئلة هي بداية جديدة لحياة الذين يعيشون معها  وهي " تدندن لروحها المتجذرة لحالة الشعور بهذا الغياب.

.فقصائدها مكللة بالمعنى وكما يقال " الشعر ليس إبتكارا للمعنى وانما ترويض له "  وكونها تشتغل على تجربة الموت والحياة وتستحضرها بطريقة جدلية متجاوزة المألوف في كل ما  يطرحه الشعر المعاصر، وكذلك ثيمة الحب التي لا زمتها في معظم قصائدها.

“وكأن الشمس َ قد أقسمت ببريق ِ عينيك، ألا تشرق بعد رحيلك، فوق ذلك البيت الحزين " ص 15

وهي تجسد قصائدها الوجدانية والذاتية والتي تتشابك بها الكثير من السمات الشعورية والنفسية التي أطلقت منها رؤيتها الفلسفية، وتتحكم في ذات الشاعرة الكثير من العوامل التي تحيطها   كما في عدة قصائد نذكر منها " رولا، لن تشرق مرة أخرى، في ليلة العيد، هلال آذار، في يوم ميلادي " وهي تخيط لروحها الملتهبة بليل الغربة، وهي تبحر في  هذا الغموض لتعزز هذه الادانة والشعور بالالم لما للقصيدة الحديثة من عمق في إنتاج المعنى كي  تبين لنا هذه الهواجس العفوية التي تنقلها الينا.تقول في قصيدة " رولا "

" تباً لتلك الريح الصفراء، أطفأت ضياءَ وجهك  الصبيح، وتركتني في ذهول غريب، متطاوحة، بين مطرقة العمر وسندان الذكريات " ص17

يقول الناقد " سعد عودة " الشعر وحده ُ من يستطيع أن يصل إلى نقاط تماس مع هذا العالم المفقود ومن الصعب الوصول إلى هذا اليقين بالفلسفة أو المنطق، الشعر يفعل ذلك من خلال عملية حفر هائلة داخل الذات فهو يعرف أن كل شيء موجود هناك، وتلك السمة وجدتُها في هذا الديوان " ترنيمة المطر " حتى اعطتها نكهة الحياة الدفاقة، وهي ترصد وتتأمل محاولة بذلك اعادة إبتكارهما، هذا الإكتشاف هو اعادة ذاتها الفردية والجماعية وصيانتها بروحها الشعرية.ورؤيتها الشعرية تستضيئ بالماضي لتضيئَ لنا بالحاضر والمستقبل، فإن حداثتها الشعرية من خلال التخيل والاستعارة والتشبيه والمجاز في هذه القصائد التي كونتها في صور شعرية متراكبة فيها من البساطة والعمق. كما تقول في قصيدة " ماذا يبقى مني ؟

" صوتك الدافئ الذي، يوقظ ُ في قلبي نبض الحياة، ابتسامتك التي، تحيي العظام وهي رميم " نظراتك الغزيرة كمطر نسيان، تنبت الحب من جديد، ماذا يبقى مني ؟ " ص18

ومن أشهر القصائد في هذا الديوان "ليتها تمطر بقوة " و " لونك الأنقى " و " تنهيدة الوجع " وغيرها من القصائد التي تظل عالقة في الذهن،ولهذا وكما يقول البعض من الدارسين والمعنيين من النقاد وهم يؤكدون مقولة " برناردشو " بأن الشعر وليد الحياة، وأن الحياة ليس لها قاعدة معينة  تتبعها في ترتيب أحداثها.

“ولكن، يعجز ُ الليل، أن يخلطَ بلونه الأسود، نقاء سريرتي " ص128

هذا التوغل في هذا الديوان يواجه عدم النسيان ولا مفر منه، فتجد تلك السمة هي الطاغية في معظم القصائد التي اعطتها نكهة لهذا الواقع اليومي وتدفقاته، حتى بات التأمل لديها من خلال هذا الرصد الجميل والمفعم بالحيوة كما في قصائدها.يقول عنها الشاعر " كمال العبدلي " فهي قد توافرت على شرط مهم من شروط القصيدة الحديثة دون أن تغفل مراعاة الجانب الفني المتعلق بانتفاء المفردات المعبرة عن المعنى الشعري الذي عكسته للقارئ، بقى أن نذكر أن  الشاعرة لبنى شرارة بزي قد حازت على العديد من الجوائز، وشاركت في العديد من المهرجانات الأدبية، ونشرت لها العديد من الصحف العربية والاجنبية وهي تجيد اللغتين الانكليزية والعربية وتُرجمت العديد من قصائد الى اللغتين الانجليزية والفرنسية.

***

قاسم ماضي – ديترويت

 

في المثقف اليوم