قراءات نقدية

ركب البحر ذاكرتي.. رسائل الى الوطن مفعمة بالصبر والعنفوان

قاسم ماضيللكتابة عن ديوان الشاعر العراقي المقيم في "تركيا " وتحديدا ً في "اسطنبول"، شاكر السامر، والذي جسد شكل قصائده عبر إنسيابية مختلفة تلائم وضعه الذي مًر به، نتيجة ما رآه من ظلم، وقهر وتفشي الإوضاع السيئة، التي احرقت الأخضر باليابس، في ظل السيطرة عليه من قبل جهات عديدة فاقدة الضمير في وطنه الأم، الذي عاش فيه وتربى تحت شمسه وفوق أرضه التي أحبها منذ صغره، وهو يرى الشاعر في معظم قصائده ان البلاد بحاجة إلى وحدة وطنية .

"صباح ُ الصليب والهلال في شموخ الرُبى، وحارات الشمال والجنوب، في بصرة السياب والخليج " ص9 . هذا القلق الذي ينتاب شاعرنا " السامر " جراء الضياع، والخوف،والشعور بالملل من الحياة وتكاثر اللوعة والحزن، جعله يبوح بما في داخله، حتى سعى أن يرسم كلماته عبر مواويل يستعطف فيها القارئ، ليشاركه همه الواضح في هذه القصائد التي وضعها في ديوانه المعنون " تركب البحر ذاكرتي "

صباحك يا عراق أحلى والذ، من أسفار ِ النبوة والبشر، صباح قلعة الأسود، في غابة تحّف ُ بها السفالةُ والقهر " ص11

مستخدما الشعر كوسيلة للتحدث، وهو بذلك ينشد القصائد ليعبر عن مأساة هذا الوطن وشعبه واصبح شعره كنهج للتعبير عن مشاعره بطريقة تجعله يشعر بالراحة وبالتالي يخلق مساحة لسماع صوته في إغترابه عن وطنه، وفاعلية الشعر الذي يكتبه هي مستمدة من تجربته الغنية والمليئة بالفكرة الرئيسية لقصيدته .

إلى وطني الذي حط رحاله ُ، في جسدي، ومضى معي، غريبا ً، وحبيبا ً " ص7 .

3867 شاكر السامروهو في قصائده المعنونة في هذا الديوان "ومنها " تحية الصباح، تغريدة الاباء للثائرين، سباكير أرض الدماء، نريد وطن، مدهشة التحرير " وغيرها من القصائد يطالب الجميع بزيادة الوعي ودعوته إلى التغيير، وهناك الكثير من الشعراء الذين سبقوه طالبوا ومنهم " جون تروديل " و " يندي روز " وهي بالتالي تدعو إلى إشعال ولهب روحي " وعن المصائب التي يواجهها شعبنا العراقي . الذي أصبح تحت عناوين متعددة واتخذ مسارات عديدة أشعلت في داخله هذا الهم اليومي وظل يواصل سبيله وفقا لضرورة داخلية لا يتحكم فيها،لينتج لنا صورة لوطنه من خلال تعلقه بهذا الوطن الذي عاش فيه وشرب ماءه، حتى أصبحت ظاهرة الحنين واضحة في مخيلته وهي جزء لا يتجزأ من ذاكرته،لأنه تأثر نفسيا وفكريا وثقافيا بوطنه الذي غادره مرغما، فتفجرت في نفسه بواعث عديدة ممزوجة بالألم واللوعة . " تشرين ُ أحلى، تشرين ُ أنقى، تشرين ثورة، وانتفاضة الكبرياء، تشرين رجولة أنثى وكرم الخنساء " ص89

وهو يقول لنا عبر أكثر من قصيدة أنني بحاجة إلى وطن وهو غيض من فيض،إذا أدركنا إنما عبّرَ عنه هو مأساة شعب كامل يعاني الأمرين من جراء هذا الإحتلال الغاشم .وهو لا يزال يكتشف بإحتشام هذا الكم الهائل من ضجيج السياسي الذي صال بهذا الوطن وكشف عورته .

" دعي الحزن لحزني، فما زلت ُ بهذي البلاد ِ، أمد ُ سفوحي لإرتقاء الربيع، على العهد والدرب، أنادي الأحبة العالقين بصمت الروح مذهولاً "

نبحر ُ في بعض نصوص شاعرنا " السامر " وهو يقودنا إلى صياغات تركيبية للنص الحديث،وهنا على ما اعتقد قبل كتابة قصيدته أخذ يلوح لنا بعدة أسئلة من خلال ما كتبه في هذا الديوان " تركب البحر ذاكرتي " وهل باستطاعة الشاعر ان يستخدم لغة خاصة به وهي لغة التعبير عن مضامين افكاره التي إنطلق منها في هذا الديوان،وهل شاعرنا " السامر " هو رهين المؤثرات الايديولوجية التي أثرت على لغته التي وظفها داخل هذا الديوان،وهنا نؤكد على هذا مشكل أنطلوجي في الوجود والزمان،

" وبغداد ُ على مرمى من وجعي عليك، سأستفيق ُ ذات َ غربة ٍ، في انتظار الضحكات " ص41

الكتابة الإبداعية هي موهبة وتأمل أولاً، وكذلك جهد خلّاق عنيد لسنوات وممارسة كتابية يصرف الكاتب الكثير من عمره فيها، كي يحقق بصمته الشخصية سرداً أم شعراً أم مسرحا ولهذا كانت تأملات شاعرنا " السامر " تأملية وفلسفية وقراءة تراكمية كي يضع نصب عينيه هذا الجهد المميز والمثير في كتابة قصيدته التي أراد للقارئ التعرف على مسارها الفكري والجمالي، وهو يتحدى الظلم والقمع الذي يحدث لأبناء هذا الوطن، ولهذا استخدم معظم قصائد هذا الديوان لأنتقاد الأحداث و لإظهار وجهة نظر اهله واحبته وأبناء شعبه بأسلوب شعري جذاب تتسق من خلاله موسيقى الكلمات مع مقاصدها المؤثرة، وهو يعطي صوته ل " اولئك الذين يفقدون صوتهم " مستخدما قصائده في هذا الديوان علاجاً للكثير من القضايا التي يمر بها الوطن .

لعراق ٍ ذُل من كرم البخلاء، وتجار الأديان، وسلاطين الخضراء المأفونة بالاشرار، وروحي تطل، بشوق مخسوف جناج بالهجران " ص71

و يعمل شاعرنا ومنذ القصيدة الأولى من أجل هدف تحقيق المساواة بين جميع المكونات، داعيا عبر قصائده تحقيق العدالة الإجتماعية التي يمكن للجميع الإستفادة منها عبر لغة ممتعة وفيها من الدلالات الكثيرة والاستعارات التي جعلت من قصائد شعرَ سلام وشكوى سياسية واحتجاج على القمع " وهذا ما قاله الناقد " سومرز ويليت " بأن القصائد التي تقدم إعلانا قويا ً عن الهوية المهمشة والفردية هي عنصر أساسي في ذخيرة البطولات " فجاءت رسائله واضحة في هذا الديوان " تركب البحر ذاكرتي " الصادر عن دار منشورات جلجامش " ناشرون وموزعون – العراق- بغداد وهو من القطع المتوسط ويقع في 149 .

ما كان يوسف نملة، وما كان أخوة يوسف فيلة، ولكن الفرق كان، بين إنسان وإنسان " ص4

بقى ان نذكر أن شاعرنا السامر صدرت له مجموعة شعرية بعنوان " سأغرز ُ رايتي " عام 2019، ورواية " صفحات الوداع " عام 2020 في اسطنبول، ومجموعة قصصية بعنوان " نساء يغزلن وجه القمر " عن دار منشورات جلجامش عام 2020، وهو عضو اتحاد ادباء العراق .

***

قاسم ماضي – ديترويت .

في المثقف اليوم