قراءات نقدية

دراسة في الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر حسين عبد اللطيف

حيدر عبدالرضاديوان (نار القطرب) أنموذجا

البؤرة الإستعارية ومنظومة الدال الميتاشعري

الفصل الثاني ـ المبحث (3)

توطئة:

أن منظومة الشعريات وفق سياقات ومقولات النقد الشعري والمباحث الفكرية في معاينة الشعر وفقا لما جاءت به مرجعيات لوسيان غولدمان في البنيوية التكوينية هي من الصياغات النسقية القديمة والتي تم فصلها وتحديثها بموجب تجليات البلاغة والحركة الأسلوبية التجديدية في واقع المقاربات الإجناسية، لذا تجلت لنا القراءة النسقية في الوعي النقدي الحداثي، وتحديدا فيما يتعلق بتلك المقاربات ذات التوجه السيميائي والألسني التي تابعت الحركة الشعر العربي وتحولاته الإيقاعية، نظرا لظروف الإيقاع الشعري كونه الأكثر تجليا في مقولة الأنساق، حيث ارتسمت ملامحه في الوعي النقدي المعاين إلى حركة وقائع العينات الأنموذجية من الخطاب الشعري الحداثوي.

ـ التحولات النوعية في بنيات الدال الزمني.

تهتم العلامات السيميائية، كما ذكرنا في أكثر من فصل وباب ومبحث في دراسة عوالم شعر حسين عبد اللطيف، أبان هذان الفصلان من دراسة كتابنا، بأنها ذات طوابع إدراكية ـ رؤيوية، خاصة تحمل من المعنى ما يتجاوز طبيعة الملفوظ نفسه، وفي أفضل الحالات تبقى إجرائية (التبديل ـ الاستبدال) توضحان لنا مدى سننية الأوضاع الشعرية كحالة شرطية في المرسوم بالوحدتين قاب قوسين (الممكن ـ الإمكان) فهذان المدلولان مرتبطان سياقيا بمدلولات متعددة، كل منهما يشكل بذاته الاتجاه المتحول والمتحرك في دينامية وإمكانية إشارية ومؤشرة بمنطق الوحدات التعيينية الحاصلة في محصلات معطى الأداة ولغة الفاعل والمفعول في مستوى موضع علاقة التشاكل والتنافر في دائرة العلاقة الدلالية، وفي تأويلات الدال الشعري المركز من جهة أخرى.وهذا الأمر ما حدا بنا إلى التجديد والتركيز في دراسة محتوى (البؤرة الإستعارية) في نموذج مظاهر البنيات القولية في قصيدة ديوان (نار القطرب) للشاعر عبد اللطيف، ذلك لكونها توفر التلاحم والانسجام في خطاب الواصف حيث توافر الإمكانية المحايثة في بناء مستويات افتراضية جادة من لعبة الملمح في مكامن إطار البنية الشعرية:

أتلمّس خاتمَ أيامي،

في الوحدةِ،

تقبلُ ريحْ

وتغادر ريحْ

يتفلّتُ...

من طوق الشجرة

كالحلمةِ.. برعمْ

فأصيحْ:

رملٌ فوق الفودين

رملٌ فوق الكتفين

رملٌ فوق العتبة.

 ص77 ـ قصيدة:ازهرار

يبدو أن حالة مجسات التهيئة والتشكيل الدوالي تصب لذاتها اتجاها مغايرا لما تنتجه جملة (أتملس خاتم أيامي) وما تفيض منها من مرسومية دلالات قاب قوسين (الدال الحضوري: أتلمس /خاتم أيامي:علاقة احتوائية) ويمكننا قراءة المعنى بما يوعز لنا الإشارة حول معرف ثيمات (العزلة ـ الفراغ ـ البحث في الهامش) ولكن التشكيلين هما من الافتراض إذ يقدمان حركة عكسية في دائرة الزمن العابر والغابر (تقبل ريح = تغادر ريح) أي أن مساحة الإنتاج الزمانية هنا، محض بعدا ذاتيا في المكان والعلامة والتنصيص.قد بدأ إنتاج المكان في الأسطر الشعرية، ليتضمن دالات حركية في الإشارة والاستعارة التي هي قصد المعنى المكنون: (يتفلت.../من طوق الشجرة ـ كالحلمة..برعم /فأصيح:رمل فوق الفودين ـ رمل فوق الكتفين ـ رمل فوق العتبة) تأتي إجرائية البؤرة الاستعارية في المقاطع الدوالية ضمن آهلية مؤولة في مساقط تخوم الأشكال ولأن الدالان (الريح ـ الوحدة) هما الغالبان في البؤرة، تظل أغلب بنيات النص عرضة إلى حركة زمنية آخذة في الزوال والاضمحلال، امتدادا نحو قرائن الإنتاج الفائض من حركة دال الريح (وبقايا ريح ـ تتقرفص عند الباب) الدالات في هذا التشكيل يجسدان بعلاقتهما بالبؤرة الاستعارية اتجاهين:يمثل الأول (الذات الآنوية) في حركة المعنى، ويمثل الثاني في خط الافتراق عن شكلية المكان (عند الباب) ليكونا في المحصلة الأخيرة عينان في ذات الزوال الزمني من الدلالة المرسلة:

وتهيمُ مع الغزلان ـ الريحْ./ص77

لقد قمنا إذن بعملية التمييز الضرورية ـ وهذا ما يهمنا في كون البؤرة الاستعارية في النص، مرجعها الأكيد هو المعادل النصي وليس الوضوعي بالضرورة، فبين (الذات ـ الريح) هي النتيجة القصوى في نزوع الريح نحو المرموز لها بالتمكين المكاني (تتقرفص عند الباب) ما يشير في الوقت نفسه إلى تركيبة مكانية حصلت بمفعولها هو الذات في المبتدأ الأولي (أتلمس ـ خاتم ـ أيامي = الوحدة = قرين ـ الريح).

ـ جدلية الريح في تمثيلات الصورة الفضائية.

تفترض العوامل الاستدلالية المجاورة في النص الشعري، بين خطاب مجاله الذات وملفوظ مجاله المغايرة في قصدية الشاعر.أن العملية البنائية ـ الأسلوبية، تكمن بين انزياح الملفوظ عن الذات المتلفظة وعن حضور الذات بذاتها، وتكمن أيضا في حال انتقال ذلك الانزياح من مستوى (إخباري، تواصلي تقريري) إلى مستوى نصي محجوب عن شاشة المقاربة المباشرة.فعبر الحركة الاستدلالية نعاين صوت الشاعر غالبا ما يكون ـ شاهدا ـ على مستوى كينونة متناظرة وعلى جملة قرائن متشابهات في أوجه المعادل النصي، كما ونادرا ما، نجد صيغة التلفيظ في مستوى دلالي غير انفصالي عن وضيفة الاتصال الشعري الواقع ما بين (عامل تلفظ ـ شواهد ـ استدلال) كما الحال واقعا في بنى قصيدة (من دون جدوى):

ها نحن نجوبُ أقاليمَ المدنِ

بورودِ

من صنع الأيدي...

ومصابيحْ

ها نحن على الأبوابِ،

نصيحْ:

الريحْ

الريحْ

الريحْ./ص78

1ـ وظيفة التكرار المتواصل في الوجود المعدم:

تعتبر وظيفة الملازمة اللفظية في مواضع معاودة في الشكل الطباعي للنص، بمثابة (الصوت المناظر) الذي يجمع شتات النص وفق ركيزة تلفظية مشددة في محورها وإيقاعها وفسحة زمنها وتوكيدية مكانها اللغوية، لذا وجدنا جملة (هانحن) حلت في حدود مرجعية جماعية ذات شواهد فرضية في حضور المتراص من الأداة المجملة (نجوب أقاليم المدن..بورود) الحس الأخباري هنا أضحى علامة انتقالية بالنتيجة نحو (نجوب: نقل ـ شواهدي / = فضاء ملفوظ) في حين أن دال ( ورود) هو المجال القيمي في الاستدلال البؤروي للمستعار. ولكن ملامح هذا الدال تبقى غير خاضعة إلى نواة مرجعية طبيعية، خاصة وأن جملة (من صنع الأيدي...) تحيلنا إلى مقايسات وحسابات فقدانية في ذات النوع من التلفظ، وهذا الأمر يقودنا بدوره إلى فهم واو المضاف إلى دال (مصابيح) لنفترض لوهلة ما أن مستوى الدوال بهذه الحاكمية (ها نحن ـ كونيات مسند جماعي ناقص / نجوب أقاليم المدن ـ الحركة السالبة في اختلاف الأطراف / بورود..من صنع الأيدي: الاستدلال عبر سيرورة مستوى إحصاء التسمية) وبما أن ضمير المنادى الجمعي في مستهل النص قد حل حلولا تقريظيا، أي كملفوظ البائع الذي يمتدح بضاعته، يمكننا فهم أن خطاب التشعير بالمعلوم الجمعي، شاع في مجال القصيدة كحالة مضاعفة في تركيز القيمة القياسية للعدد والصوت وجهة المرسل، إذن هنا حالة من الأداة التنقيطية الملائمة وماثول الوظيفة التكرارية في جمل النص: (ها نحن على الأبواب، نصيح: الريح.. الريح.. الريح) أما المعادلة الأخرى في تمفصلات المسار التبئيري في الجمل، فتعرف على هيئة متحولات في الأوضاع الإشارية كحال هذه الجمل الآتية:

أطبقنا الأيدي

وفتحنا الأيدي

ما من شيء في الأيدي

...... /ص78

تجسد هذه الجمل الثلاث مؤشراتها تلويحا نحو دليل التراسل في كشف المخبوء والمكشوف، بما يدلل على إن حال النتيجة القصوى من الأوضاع في انبساط الأيدي وانغلاقها أو فراغها، ثم تليها خطية تنقيط طباعية، بوصفها علامة على انفصال الزمن والذات على تراتيبية ذلك الخواء الآسر من العلاقة الدوالية، إذ لا نعثر في النهاية سوى على ما يحيلنا على جملة العنونة المركزية للقصيدة (من دون جدوى)  حيث لا حياة ولا صور ولا غير الإيحاء بجفاف زفير ملفوظات الريح (قادتنا الريح.. إلى الريح./ص78) إي بمعنى أن دلالة الريح وفق طابعها المزدوج كحكاية رحلة منسية، تعني فيما تعنيه كفرضية على ذلك المتغير من السيء إلى الأسوأ وربما تعني من جهة ما، النتيجة كحالة كنائية عن حياة الذات الهالكة في صفير هبوب الريح المغادرة.

ـ سيميائية القرائن وفاعلية المقابل في فضاء التخييل

أن القيمة في مركب دلالات بنية القرائن، تعد حالة من حالات استعادات الترابط في الحافز والمحفز، وعبر وحدة جوهرية من التشكيل المقابل للهوية الدلالية في مجملها.الأمر الذي يحفزنا على استثمار ثنائية (جهة منفذ ـ مسار موضوعة ـ محمول حالة) اتصالا وتواصلا في أوجه المقاربة والعلاقة في التشابه والإسقاط التطابقي وغير التطابقي أيضا.نقرأ من خلال دالات قصيدة (متادور) ذلك التلفظ بالشيء المحوري وقرينه المحتمل ولكن في صورة خاصة من بدائل الاحتمال الراجح غالبا ما يشكل ثلث أرباع الحكمة وجدل الفاعل اللامتناهي في شاشة الاشتغال الإنتاجي إجمالا:

البحر... مثل الريحْ

البحر... لا يستريحْ

البحر... في الساحة

قرنٌ من القصدير...

 ص84 ـ قصيدة: متادور

الشعر عند حسين عبد اللطيف لا يمكن أن يحاط بحركات توسعية في خطاب القرائن، دون حلول الملخص والمختزل الذي من شأنه جعل الصورة الدوالية تنقل على محامل من القيمة الكونية في تجلياتها الإحساسية بوطأة الشعور بالأم المركز في حياة الشاعر، لذا نجد استجلاء قلب المعادلة في ممكنات متقابلة من القرائن التشكيلية وصولا بها نحو الأوضاع المؤشرة نحو طبيعة ذلك الاحساس المأزوم بحيوات الأشياء الذاتية في قرار ودخيلة الشاعر نفسه فإذا انتقلنا بالمعاينة بين الجمل الأولى في النص، لاحظنا وجود الدال وبعده حلول الفاصل التنقيطي ثم ورود أداة التمثيل بما يعاكس الدال الأول دلالة ورؤية.لكن لو دققنا في مؤشرات الزمن المرسل بين الدالان، لوجدنا ثمة علاقة مقاربة ومقارنة عبر الحس والتجسيد (البحر.. مثل الريح.. البحر...لا يستريح) أن العلاقة الواصلة ما بين جملتين هي بمثابة الماهية في علاقة المرسل الحسي، تعقبها خاصية توليدية للنفاذ في اشتمال الدلالة والدليل، إذ يمكننا توضيحها في هذه الصورة الرسمية (البحر ـ الريح = موجهان = علاقة زمن = حركية أحوال متماثلة/ الريح: تقلب الأوضاع / البحر: علامة قصوى من التواصل والانقطاع) إذا الدالان كلاهما له كفاءة الآخر في خلق أنساق تصورية متتالية، تكون فادحة الخروج على صعيد المألوف في طبيعة المتخيل: (البحر... في الساحة.. قرن قصدير.. ثور جريح) المشهد البحري يخضع ها هنا إلى قراءة شعرية ـ بصرية، متلائمة في الأبعاد والمحاور القرائنية المتلاحقة دون فاصلة التنقيط، فيما تأخذ مظاهر دال البحر، علامات معادلة ـ جدلية، تقارب أعمق أعماق التوصيف المؤسطر (في الساحة.. قرن قصدير / ثور جريح) وبع أن تبلغ الصورة الشعرية بما يقارب أنسنة الدال نعاين الشاعر وهو يوغل وصفه بالاحتمال الحسي المرتبط بأبعاد روحية البحر (البحر.. جريح يصيح / مرتجف الأعضاء الأغصان) إذ أن الصورة الحسية المتشاركة بروح المعادل النصي وتبئير الاستعارة تفرض لذاتها مبلغا ظاهريا من فاعلية (أنا الشاعر: الخارج الحسي ـ الداخل المعالج) امتدادا بالجمل للقصيدة نحو مرابع البدائل الاحتمالية المترتبة في روح الكائن المائي، حتى يتمخض عنه ذلك التقارب في الكينونة والرؤية والعين المصورة للشاعر نفسه تطابقا حسيا معادلا.

ـ معابد التشيؤ في طقوس فلسفة الذات العدمية

نقل أن الإبداع الشعري في عوالم شعر الكبير حسين عبد اللطيف، بوصفها ثروة لا تنضب من خزين الأفكار وتلوينات الرؤى الملفوظية الجمالية التي لا نظير لها في شجرة القصيدة الحرة (التفعيلة) فهذا الشاعر لديه من خزائن لغة الأحزان ما يغطي ويحجب كل مسرات الخلائق الأرضية.من أهم جملة الأسباب اإبداعية في قصيدة هذا الفذ، ملكة اللغة وفراسة الرؤيا ذات الأبعاد (الميتاشعرية).حسين عبد اللطيف موسوعة شعرية نادرة، لذلك نقرأ قصيدته وكأنها حالة من حالات الحوار السري مع كونية الأشياء.وما نبحث عنه في عوالم هذا الشاعر هو حداثة (الميتاشعري) بمعنى توليد الدلالات والأشكال خارج حدود نمطية وسنن الألوان الشعرية الطافحة في التقليد الذي يتطفل علينا في صحيفة أو ديوان شعري من شاعر إنشائي متخبط.أقول أن لشعر حسين عبد اللطيف موسيقى إيقاعية حروفية غير متعارف عليها في التجارب الشعرية إلا فيما ندر، على هذا النحو تبقى شعرية الشاعر محسوسة في حركة الهواجس والسكنات المكانية والزمانية ولغة الأشياء عنده في تقابل معادل من الاندماج والتراجع في ثقل وخفة الحركة الموضوعية للقصيدة:

لي من أسايَ أنا

في منزلي،

عندليبْ

يُسمعني

عند الصباح: النحيبْ

وفي المساء: النحيبْ

وأرقبْ الوقتَ

الذي ينمو..

ص87 ـ قصيدة: عندليب الأسى

في رأينا هناك أفكار وصور تتعدى مرسومية هذه الأحوال الملفوظية الناتجة من حراك الدوال.أضن من جهتي أن الشاعر غدا يستخدم المعادل النصي في صورة ذلك العندليب، خاصة وأنه هو من يقول (لي من أسايّ أنا.. في منزلي.. عندليبْ) المنطق الصوري في البوح الذي تحدده دوال النص، يرجح لدينا بأن العندليب هو دلالة الشاعر نفسه؟ولكن مغزى البلاغة الموضوعية لا تقر للشاعر بأن يكون هو المحور الدوالي في نصه المزاح، خصوصا عندما تتوفر للشاعر البؤرة الاستعارية والاستدلالية في طرح مفرداته الذاتية الخصبة في وقائع قصيدته.إذن لو تعاملنا مع جملة (في منزلي، عندليب، يسمعني) لوجدنا هناك أكثر من واصلة تمتد بين نواة الشاعر وذلك الدال العندليب تشكيلا مرمزا فالشاعر لا يسمعه سوى الشاعر والعندليب لا يطرب لصوته سوى ذوي الذائقة الشعرية والرومانسية، لذا فإن الجملتان (أرقب الوقت، الذي ينمو...) هي المساحة البينة في تعالق وعلاقة حياة الشاعر الثانية بدال العندليب، كقوله:

لعل الغصون

يأخذن قلبي

زهرة./87

ـ تعليق القراءة:

الشاعر كما يتضح من شعره، أنه مشغول بوعي الأحوال المصيرية التي تحيط بمسار حياته الحسية والروحية، إذ بات يتجلى فيها عبر موقفه ورؤياه المختلفة، مما جعل وجود قصيدته بدت وكأنها (يوميات من منزل الشاعر؟) إذ إنه غالبا ما يقدم في دلالات نصه، عوالم خارجية وحياة متفتحة من ذلك الآخر، بل أننا ألفناه يوظف أزمنة معطلة، أو أنها من ناحية أخرى تمضي على ذات الوتيرة الأحادية من مجموعة حيوات صار ينفي بعضها البعض بصورة متداخلة أو بصورة مكررة أو بثيمة معادلة لزمن مقولات الذات الخاصة بالشاعر نفسه:

قلبي الذي راحا

مُهَوَمَاً في الأبدْ

معلّقاً في الريح مصباحا

من يفتح الآن له البابا؟!

قلبي الذي أرتجيه

هو الذي خانَ بي

ص88

الاشتغال الاستعادي يرتكز في هذه المقاطع الشعرية على دلالات وجدانية محمومة بالفقد والأسى، إذ تبلغ لذاتها مبلغا خاصا في صيغة البديهيات أحيانا، ولكنها هذه هي حقيقة الاحساس المزدوج النابع من موجهات رؤية قلبية قاب قوسين، ولنذكر أيضا إلى القارىء الكريم بأن مختارات مجموعة (نار القطرب) هي من أفضل وأسمى أعتبارا في تجارب الشاعر الشعرية.

يطلق البحارة:

لحى غلايينهم

دون أن يفطنوا

إلا أن الدخان ـ هو الآخر ـ

يطلق حكمته الأخيرة

حول المصير./ص189 ـ قصيدة:خطاب إزاء خطاب

هكذا يتوازى السياق الشعري في المتن عبر تنوع الرؤى وتحولات إنفراد التشكيل في أعماق الموصوف الشعري، حيث لا تنتهي أفعال وآليات قصائد الشاعر إلا في وجودية الكائن الآخر، ذلك الكائن المتمثل في سؤاله الذاتي المتفهم بشتى الحواس الوجودية..إنه (حسين عبد اللطيف) عندليب شعرية الأسى، الذي لن تتكرر آفاقه الشعرية في إيما من التجارب الشعرية القديمة والحديثة، كما وتظل مجموعة أعماله الشعرية بمثابة الختوم السومرية الأثيرة.يشغلنا فعل الكتابة حول تجربة هذا الشاعر، كما تشغلنا جملة مؤولاتنا الملائمة لفحوى دلالات قصيدته، لأن أفعال وأحوال شعره منظومة قولية فعلية متكاملة لا يسبر غورها سوى من لازمه الشرط والإجراء والحجة والمقاربة المعلقة في محطات انتظار اللامتوقع من القادم عبر سفر المتن النصي وهو في أشد تموجاته وحالاته الباطنة والظاهرة والمقابلة والملحقة في لؤلؤة القصيدة.

***

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم