قراءات نقدية

ينال.. والموت الإرادي

ايهاب عدنان سنجاري

يقول الكاتب الفرنسي ألبير كامو: ليست الرواية سوى فلسفة تم تصويرها، من هذا المنطلق ربما !، شرع الروائي والكاتب الباذخ الاستاذ "امجد توفيق" لإعادة ترميم المحتوى السردي للمونولوج الفلسفي للإنسان ليخرج بمشاهد ذات تفاصيل مركزة خالية من التعقيد بعمل روائي اسمه "ينال" الذي يحمل اسم البطل، نوّه عنه الراوي في صفحات الرواية الأولى على انه اسم أرمني ومعناه "الفارس" أسماه والده تقديرًا لصديقه الأرمني الذي يحمل ذات الأسم، بينما عربيًا يفسره الى انه فعل مضارع كما هو واضح.

تأخذنا الرواية الى مشاهد استذكارية للبطل "ينال" تصور واقع مسكوت عنه داخل العراق الى واقع خارجه قَبِلَ به البطل لا يقل حظ الموت - اللاارادي- به عن واقعه الأول لكن بأدوار مختلفة، الأول كان به الضحية والثاني تاجرًا للسلاح ..

العجز هو حث على توليد فكرة النهاية، والتفكير بطريقة النهاية يُسرّع منها للبحث عن وسيلة تكون الأقل إيلامًا،او الأكثر شرفًا .

لكننا نجد في رواية "ينال" تحدٍ وترجيح لفكرة العقاب على الإنتقام حتى، بدايةً بعقاب من ارغموا البطل على بيع داره في بغداد، وانتهاءً بعقاب النقصان بتعريه بالإجابة عن سؤال جُسِّد بفعل لايُمكن ان يُنكر وهو .. الموت .3974 امجد توفيق

صراع يعيشه البطل مع ذاته المضطربة بين القبول والتبرير والرفض للأفعال التي تترجم معنى اسمه بالأرمنية تارة والعربية تارة اخرى، بين النُبل والتمكن، والتي يرغب بتلك الأفعال التغلب على شعور "النقصان" المُتسيّد عليه، لكن لاجدوى، كان التيقن بأنه .. لا كمال .. وهي رسالة واضحة لتأكيد مبدأ نقصان المرء مهما بلغ اقتدارًا .

من ناحية اخرى، لعل مبدأ الرضا وعدمه يلعب دورًا هامًا في الإكتفاء ويمنح صبغة الإستقرار للتفكير السليم للعيش اكثر ثباتًا وهذا ما يؤول الى الثبات المادي وإن اعترضته بعض الإرهاصات وهذا ما افتقر اليه البطل، مؤمنًا لا شعوريًا بنظرية شوبنهاور الفيلسوف الألماني المتشائم بالتعامل مع شعور النقصان .. بالموت الإرادي .. الإنتحار .

"ينال" رواية خصبة للتصورات، فسحة شاسعة للإندهاش، لغة فلسفية انسيابية تجبرك على التأمل في مضامينها، مثيرة كما الفلامنكو (ليس ثمة إثارة رخيصة – ص70)، فعلاً كان الروائي أمجد توفيق بسطوره يحمل رسائل اوصلها عبر لغة تقوم على التجانس المطلق بين الرصانة والإبداع، رواية فيها الكثير الكثير.

***

ايهاب عنان سنجاري

 

 

 

في المثقف اليوم