قراءات نقدية

هل البوح شعر؟.. مقاربة نفسية

صادق السامرائيبوح: تصريح، إظهار، كشف ما يعتمل في النفس والأعماق من مشاعر وأحاسيس ورؤى وتصورات.

فهل أن البوح شعر؟

السائد فيما يُنشر بالصحف والمنابر الإعلامية بأنواعها، يمكن وصفه بالبوحيات، لا بما ليس فيه، وبما لايمت بصلة إليه.

البوح الذاتي حديث مع النفس، وفي العلاجات النفسية يتم تشجيع إطلاق ما في دنيا البشر بحوارات إفتراضية مع الكرسي الفارغ، الذي يستوعب إندلاق ما يريد الشخص سكبه، ليستريح ويتخفف من ثقل ما يحويه.

والقراء النفسية لما يمكن تسميته بالبوحيات تكشف ما يلي:

أولا: إضطراب أفكار

ظاهرة واضحة وفاعلة، فما أن تقرأ نصا بوحيا حتى تصاب بالدوار، لأن الأفكار غير مترابطة، ولا توحي بمعنى أو هدف، وتحسب على أنها إبداع، وما هي كذلك.

ثانيا: التداعي الحر

أن تطلق العنان لأفكارك وتدعها تنثال على عواهنها، وهو من أساليب العلاجات النفسية القديمة، خصوصا في مدرسة التحليل النفسي، والعديد من النصوص البوحية تشير إلى إنسكابات التداعي الحر على الورق.

ثالثا: التعبير الواهن

 وضع الأفكار في عبارات ضعيفة، لا توحي بمهارة كتابية ذات قيمة معرفية، وأكثرها تشير إلى المحدودية والعجز على التفاعل مع فضاءات إدراكية ذات تأثيرات تحفيزية وتنويرية.

رابعا: الميل للغموض والإلتباس

بسبب إضطراب الأفكار تميل البوحيات إلى الغموض، فكأن الكاتب يسطر ما لا يدري، ويراه إبداعا ونصا به منفعة أدبية وثقافية، وهو "تدويخي"!!

خامسا: الإيروتيكية

البوحيات تشترك في الفضفضة الإيروتيكية المطعمة بنزعات رغبوية مكبوتة ومتخيلة، لإرضاء حاجات مطمورة في الأعماق، ومَن يقرأها يستطيع أن يشخص معاناة مَن أدلى بها.

سادسا: الحزائنية

الندبية والحزائنية من المشتركات الفاعلة في البوحيات المنشورة، وهي أشبه باللطميات والنواحيات الخالية من بريق أمل، وشعاع نور يحيِّ النفوس ويمدها بقدرات واعدة.

سابعا: الندم وجلد الذات

تبدو الكتابات البوحية وكأنها تعبير عن الندم، والأسف الأليم السقيم عما مضى وما إنقضى، وفيها ميل للقسوة على الذات ومحقها، والتمرغ بأشلائها والإستحمام بدمائها، حتى لتحسب أن ليل أصحابها لا يعرف الإنجلاء.

ثامنا: الهلامية

الموجودات ذات أشكال تشير إليها، والبوحيات بلا أشكال، كالسوائل المنسكبة فوق الرمال، لا تمتلك ما يدل عليها، ويكوّن هويتها ومنطقها للتفاعل مع ما حولها من الموجودات الواضحة الملامح.

تاسعا: ضعف اللغة

مما يثير الحيرة والعجب، ضعف لغة البوحيات، ففيها الأخطاء النحوية والإملائية، مما يؤكد على أن الذي يكتبها بحاجة إلى إعادة نظر بسلامة لغته، فكأنه يكتب بلغة لا يعرفها.

عاشرا: التنفيرية

لكي تقرأ نصا عليك أن تحصل على بعض المتعة والفائدة، وبغيابهما، تصبح مواصلة القراءة مكلفة نفسيا وفكريا، مما يدفع بالقارئ إلى النفور منها.

هذه ملاحظات سريعة حول أدب البوحيات الذي يطغى في المواقع ووسائل التواصل الإجتماعي بأنواعها، وهو نشاطات ترويحية وليس بإبداع وفقا للمفهوم السليم لكلمة إبداع، لكنه تفريغات نفسية ذات إنفعالية وعاطفية عالية، تمنح كاتبها أحاسيس الإقدام على إنجازٍ ما.

وربما الكثير منا تنطبق عليه بعض هذه الخصائص، التي تتفاعل مع ما فيه من التأزمات الداخلية، المتأثرة بالبيئة التي يعيش فيها.

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم