قراءات نقدية

الشاعر السوري صقر عليشي في (عواقب الحرير) وَالحديث الشعري المثير (4-4)

مفيد خنسةالفرع التاسع:

يقول الشاعر:

(تقول:

مددتَ يديكَ وكنتَ جريئاً...

أما خفتَ عاقبةً للغضبْ؟

فقلت: لديَّ مفاتيح غيبٍ

تدلّتْ على جانبي للركبْ

**

وقلت:

القميص الذي كنتِ

أهديتنيهْ

بقيت طويلاً أنام وأنهض فيهْ

ترهّل جداً

وحوّل عن جسدي سيرهُ

مضى لونه دونما رجعةٍ

أيمكن أن ترسلي غيرهُ؟

**

تقول:

ذهبتَ طويلاً تحدّق فـيّ

وتلمسُ ... تلثمُ ... خذ نفساً !

دختُ..

لن أعرف اليومَ دربي

فقلت:

أحاولُ

جمعَ

مؤونة

قلبي

**

وتسأل من أيّ غيبٍ

سريتَ إليّ بهذي القبلْ

وأين هي النّحَلاتُ التي

أخرجتْ من بطونِ اللذاذاتِ

هذا العسلْ؟

تعلّمني من جديدٍ.. وأفهمُ جداً.

 سأختص بعد قليلٍ

بعلم القبلْ

فهذي الطويلةُ..

تذهب أبعدَ من عنقٍ للزرافهْ

وهذي الصغيرة كاللمعِ...

هذي التي لم تدَعْني

ألامس فيها المسافهْ

لكلٍ لها رأيها في العذوبةِ

تعطيهِ مكتملاً... مقنعاً...

وتعطي عليه إضافهْ)

يبين الشاعر في هذا الفرع صوراً لحالات متفرّقة بين العاشقين وعقدته (مددت يديك وكنت جريئاً) وشعابه الرئيسة هي: (تقول: / مددتَ يديكَ وكنتَ جريئاً.../ أما خفتَ عاقبةً للغضبْ؟) و(تقول: / ذهبتَ طويلاً تحدّق فـيّ/ وتلمسُ ... تلثمُ ... خذ نفساً (! و(دختُ/ .. لن أعرف اليومَ دربي) و(وتسأل من أيّ غيبٍ/ سريتَ إليّ بهذي القبلْ) و(وأين هي النّحَلاتُ التي/ أخرجتْ من بطونِ اللذاذاتِ/ هذا العسلْ؟) و(لكلٍ لها رأيها في العذوبةِ/ تعطيهِ مكتملاً... مقنعاً... وتعطي عليه إضافهْ)، أما شعابه الثانوية فهي: (فقلت: لديَّ مفاتيح غيبٍ/ تدلّتْ على جانبي للركبْ) و(وقلت: / القميص الذي كنتِ/ أهديتنيهْ) و(بقيت طويلاً أنام وأنهض فيهْ) و(ترهّل جداً/ وحوّل عن جسدي سيرهُ/ مضى لونه دونما رجعةٍ/ أيمكن أن ترسلي غيرهُ؟) و(فقلت/: أحاولُ/ جمعَ/ مؤونة/ قلبي) و(تعلّمني من جديدٍ.. وأفهمُ جداً./ سأختص بعد قليلٍ/ بعلم القبلْ) و(فهذي الطويلةُ.. / تذهب أبعدَ من عنقٍ للزرافهْ) و(وهذي الصغيرة كاللمعِ... هذي التي لم تدَعْني/ ألامس فيها المسافهْ). 

في المعنى:

الأسلوب في هذا الفرع يجمع بين الخبري والإنشائي، وفيه يقدم الشاعر صوراً متفرقة لحالات من الحوارات التي تدور بين عاشقين، وتخلو من مكاشفات عميقة وبوح صادق عن تفاصيل دقيقة تحتاج إلى شجاعة كافية كي يبلغ الشاعر هذه الدرجة من الصراحة والوضوح، فقوله: (تقول: / مددتَ يديكَ وكنتَ جريئاً.../ أما خفتَ عاقبةً للغضبْ؟/ فقلت: لديَّ مفاتيح غيبٍ/ تدلّتْ على جانبي للركبْ) يبدو واضحاً، لأن سؤالها بعد أن مدَ يديه وانتهى، يشير إلى أنها كانت راغبة، ومفاتيح الغيب لديه تمثلت في أنه أدرك رغبتها من خلال خبرته وتجربته، ومن خلال ركبتيها المكشوفتين المثيرتين من دون تحفظ، فلا خوف من غضب راغب وإن أبدى غضبه، وقوله: (وقلت: القميص الذي كنتِ/ أهديتنيهْ/ بقيت طويلاً أنام وأنهض فيهْ/ ترهّل جداً/ وحوّل عن جسدي سيرهُ/ مضى لونه دونما رجعةٍ/ أيمكن أن ترسلي غيرهُ؟) أي بكل بساطة وشفافية وتلقائية، يجد أن القميص الذي أهدته إياه لم يكن عنده غيره لذلك كان مضطراً أن يستخدمه ليل نهار حتى غدا بالياً لا يستر جسده، لذلك يطلب إليها ما إذا بإمكانها أن ترسل له قميصاً جديداً؟ ومثل هذا السؤال ثقيل على رجل شرقيّ، والشاعر يريد أن يكسر الحاجز الوهمي الذي يفرضه المجتمع بين الرجل والمرأة، وأن من الكبائر على الرجل أن يقبل على نفسه هديّة امرأة، فكيف إذا قبل أن يطلب منها أن تهديه هديّة؟!!، وقوله: (تقول: / ذهبتَ طويلاً تحدّق فـيّ/ وتلمسُ ... تلثمُ ... خذ نفساً ! / دختُ.. / لن أعرف اليومَ دربي/ فقلت: / أحاولُ /جمعَ /مؤونة/ قلبي) أي كما لو أنه في دأبه ومثابرته ونهمه في سبر أغوار جسدهاً نظراً ولمساً ولثماً يجمع غلال مواسمه من حقوله الواسعة، حتى كادت لا تعرف كيف الدرب كي تعود أدراجها. وقوله: (وتسأل من أيّ غيبٍ/ سريتَ إليّ بهذي القبلْ/ وأين هي النّحَلاتُ التي/ أخرجتْ من بطونِ اللذاذاتِ هذا العسلْ؟ / تعلّمني من جديدٍ.. وأفهمُ جداً./ سأختص بعد قليلٍ/ بعلم القبلْ)، أي أصبحت على درجة من السعادة والمتعة التي جعلتها تتساءل مندهشة من أين ابتكر هذه الطريقة بالقبل؟، كما تتساءل أين النحلات التي أخرجن هذا العسل الذي ترتشفه من ثغره الشهي، لتدرك أنها هي التي علمته فنون القبل، قد أصبح ذا خبرة ودراية كافية لينال شهادة الاختصاص بفن وعلم القبل. حيث يعطي لكل من القبل حسبما تشتهي من العذوبة وتريد، فقوله: (فهذي الطويلةُ.. تذهب أبعدَ من عنقٍ للزرافهْ) أي الطويلة تحب القبلة الطويلة كطول عنق الزرافة، وقوله: (وهذي الصغيرة كاللمعِ... ) أي والصغيرة تفضل القبلة الخاطفة كاللمع، وقوله: (هذي التي لم تدَعْني ألامس فيها المسافهْ) أي هناك من يفضلن القبل من غير ملامسة بينهما، وهو على اعتبار قد أتقن علم القبل فإنه يمنحها حسب الاستعداد والقبول، وقوله: (لكلٍ لها رأيها في العذوبةِ/ تعطيهِ مكتملاً... مقنعاً... / وتعطي عليه إضافهْ) أي لكلّ منهن رأيها العملي في معنى العذوبة وهي تعبر عنه على أكمل وجه، لا بل تضيف عليه عذوبة إضافيّة، لتوفر الرغبة والقابليّة، والتورية واضحة هنا، فالمعنى القريب للرأي بالعذوبة، هي وجهة النظر الخاصة للأنثى، ولكن المقصود المعنى البعيد وهو أن لكل امرأة أسلوبها العذب في القبل، والإضافة في المتعة والعذوبة.

الفرع العاشر:

يقول الشاعر:

(أقول:

خذيه على محمل الجدّ قلبي

خذيهْ...

وإن شئت ألا تعيديه لي، فليكنْ.

ضعيهْ

بجانب رأسك. فوق المخدةِ

أو في الخزانةِ بين ثيابكِ

من بعد أن تغلقيهْ

وليس كثير التّطلّبِ قلبي

يريدك أن تخطري لدقائقَ فيه

يريدك أن تذكريهْ

وما زادَ..

ذلك من فضل ربّي

**

تقول:

أخذتُ على محمل الجد قلبكْ

أخذت يديكَ... ذراعيكَ...

شَعرك هذا الرماديّْ....

جمعتُ حالي.. وعطري...

ومحفظة اليدّ..

جمعت صرّة عمري

وجئت لأنموَ قربَكْ

**

تقول:

أتيتَ بوقتكَ..

لو جئتَ قبلُ

لما كان سهلاً عليَّ

ولو جئتَ بعدُ

لكنتُ انغلقت على داخلي

لماذا أتيت بوقتكَ،

قل لي لماذا؟

لو جئتَ قبلُ

وتضحكُ ..

إذ رحتُ أعزو إلى لون عينيّ،

هذا.

**

تقول:

إذا من يديّ فلتَّ

فكيف ستفلتُ من رقتي

فقلت:

وكيف سيخطر لي مثل هذا؟! ...

إذا اسطعتِ أنتِ

افلتي).

يبين الشاعر في هذا الفرع صورة التوافق بين العاشقين وعقدته (خذيه على محمل الجدّ قلبي) وشعابه الرئيسة والثانوية واضحة.

في المعنى:

يجمع الشاعر في هذا الفرع بين الأسلوبين الخبري والإنشائي، فقوله: (أقول:/ خذيه على محمل الجدّ قلبي/ خذيهْ... وإن شئت ألا تعيديه لي، فليكنْ./ ضعيهْ / بجانب رأسك. فوق المخدةِ/ أو في الخزانةِ بين ثيابكِ/ من بعد أن تغلقيهْ) يبين أن الشاعر يقصد المعنى المجازي للأخذ على محمل الجد، أي يطلب منها أن تعتبر الحب الذي يملأ قلبه أمراً حقيقياً وعليها أن تتعامل بجدية، لكنه سرعان ما يستخدم الأخذ بالمعنى الحقيقي، ثم يبني على ذلك، فإن أرادت ألاّ تعيده فهو لا يمانع أبداً، لكنه يريدها أن تضعه بالقرب منها، إلى جانب رأسها فوق المخدة ...، أو بين ثيابه في الخزانة... ، وبدلاً من أن يقول: ثم أغلقي عليه الخزانة، يطلب الإغلاق للقلب، لكي يبقى مختزناً ما فيه من الحب، وقوله: (وليس كثير التّطلّبِ قلبي/ يريدك أن تخطري لدقائقَ فيه/ يريدك أن تذكريهْ / وما زادَ ../ ذلك من فضل ربي) أي مرافقتها لقلبه لن يكلّفها من الجهد شيئاً، لأنه لا يكثر من الطلبات إليها، إنه يكتفي بأن يمر طيفها لدقائق فيه، إنه يريد على الأقل أن تذكره، أما إن زادت على التذكر بشيء فذلك فضلٌ من الله عليه، وقوله: (تقول: أخذتُ على محمل الجد قلبكْ / أخذت يديكَ... ذراعيكَ... شَعرك هذا الرماديّْ.... جمعتُ حالي.. وعطري... ومحفظة اليدّ.. جمعت صرّة عمري/ وجئت لأنموَ قربَكْ) أي تجيبه واثقة أنها حسمت أمرها وأخذت محبته التي يختزنها فيه لها بجدّيّة ويقين، ودليلها على ذلك أنها أخذت يديه بيديها، وذراعيه بذراعيها، كما أخذت شعره الأشيب الرمادي، ثم لملمت أحوالها، وهيأت نفسها، ورشت العطر المفضل لديها، وحملت محفظة يدها، وما تختزنه من التجربة في حياتها، وجاءت لتكمل ما تبقى من عمرها إلى جانبه، وقوله: (تقول: أتيتَ بوقتكَ.. لو جئتَ قبلُ / لما كان سهلاً عليَّ / ولو جئتَ بعدُ / لكنتُ انغلقت على داخلي/ لماذا أتيت بوقتكَ، قل لي لماذا؟ / وتضحكُ .. إذ رحتُ أعزو إلى لون عينيّ،/ هذا.) وإن لم يكن يحتاج توضيحاً للمعنى، لكنّه تفصيلٌ حياتيّ بسيط مفعم بالدلالات والمعاني، إذ أنه جاء إليها، في الوقت الذي تحتاجه فيه، لم يتقدم ولم يتأخر، وكأنهما بالتخاطر على موعد محدد، إنه وقت الرغبة والحاجة إلى الحب، فلو أنه جاء قبل وقته لما كان سهلاً عليها أن تبادله الحب!، ولو أنه تأخر لكانت اضطرت للعزلة والخلوة بنفسها، ومجيئه المدهش في الوقت المناسب يجعلها تكرّر سؤالها، ثم تضحك .. عندما يبرر مجيئه بسبب لون عينيه، والمعنى الذي تخفيه ضحكتها ولون عينيه هو تبادل الحب!. وقوله: (تقول: إذا من يديّ فلتَّ / فكيف ستفلتُ من رقتي/ فقلت: وكيف سيخطر لي مثل هذا؟! ... إذا اسطعتِ أنتِ / افلتي) واضح ولا يحتاج إلى للشرح أو التفسير، فهي تريد أن تقول له: إنه لن يستطيع أن يتحرر من وثاقها، أما هو فلا يمكن أن يخطر في باله أن يفلت من وثاقها، لأنه على يقين من أنها لن تستطيع التحرر من وثاق حبه المتين.

الفرع الحادي عشر:

يقول الشاعر:

(أقول:

النساءْ يحريني لغزهنْ

فحيناً يضقنَ

وحيناً

يكنَّ السماواتِ في وسعهنْ

أكونُ أفتش في غامضٍ

فيطلعنَ لي من وضوحٍ شديدٍ...

ومن خلف ما لا أظنْ

تقول:

وهن لباسٌ لكمْ..

وأنتمْ لباسٌ لهن

(تقولُ:

القصيدةُ جاءت

موفّقة البحرِ.

أين عثرت على البحر؟

يمشي رخاءً به الوزنُ،

ناهيكَ أن القوافي تطلّ

على النفسِ،

والجانبِ المختبي

تلازميني أين أذهب هذي القصيدةُ.

بالأمس غطيتها بلحافي

وأرقدتها جانبي

فكيف أقدم شكري؟

فقلتُ:

"ولوْ" ! ..

واجبي)

يبين الشاعر في هذا الفرع صورة الارتباط الوثيق بين العاشقين وعقدته (النساء يحيّرني لغزهن)، وشعابه الرئيسة هي: (أقول: / النساءْ يحريني لغزهنْ/ فحيناً يضقنَ) و(وحيناً/ يكنَّ السماواتِ في وسعهنْ) و(تقول: / وهن لباسٌ لكمْ.. / وأنتمْ لباسٌ لهن) و(تقولُ: القصيدةُ جاءت/ موفّقة البحرِ. ) و(أين عثرت على البحر؟) و(تلازميني أين أذهب هذي القصيدةُ./ بالأمس غطيتها بلحافي) و(وأرقدتها جانبي/ فكيف أقدم شكري؟)، أما شعابه الثانوية فهي: (أكونُ أفتش في غامضٍ) و(فيطلعنَ لي من وضوحٍ شديدٍ... / ومن خلف ما لا أظنْ) و(يمشي رخاءً به الوزنُ،/ ناهيكَ أن القوافي تطلّ / على النفسِ،/ والجانبِ المختبي) و(فقلتُ: "ولوْ" ! .. / واجبي.).

 في المعنى:

يجمع الشاعر في هذا الفرع بين الأسلوبين الخبري والإنشائي، وفيه يقتبس من الآية الكريمة في القرآن الكريم (... هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ... سورة البقرة (187))، فقوله: (أقول: النساءْ يحريني لغزهنْ/ فحيناً يضقنَ/ وحيناً/ يكنَّ السماواتِ في وسعهنْ/ أكونُ أفتش في غامضٍ) أي يجد الشاعر ما يشبه اللغز المحير في طبع النساء وسلوكهن، تارة يكنّ واسعاتِ الصدر، طويلاتِ البال إلى غاية ما يمكن أن يرتجى، وتارة أخرى يكنّ ضيقاتِ الصدر، سريعاتِ الغضب والنفور، وقوله: (أكونُ أفتش في غامضٍ/ فيطلعنَ لي من وضوحٍ شديدٍ... / ومن خلف ما لا أظنْ) أي ذلك اللغز يتجلى في أنه يكون يفتش عنهنّ في عوالم غامضة غير مفهومة، فيظهرن له من عوالم واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وكما يظهرن له من خلف ما لم يكن يحسب له حساباً، وقوله: (تقول: وهن لباسٌ لكمْ.. وأنتمْ لباسٌ لهن) أي يكون جوابُها لحل هذا اللغز الذي يبدو له، هو معنى الآية الكريمة المقتبسة، أي حين يضيق أحدهما- الرجل أو المرأة- على الآخر أن يتسع كي يستطيع احتواءه، فيعذر ضيقه، ويغطي ضعفه ويستر عيبه، فكل منهما متمّم للآخر ومكمّل له، ولا يمكن لأحدهما القيام من دون الآخر، وقوله: (تقولُ: القصيدةُ جاءت/ موفّقة البحرِ. أين عثرت على البحر؟/ يمشي رخاءً به الوزنُ،) أي إنها معجبة بقصيدته التي جاءت إيقاعاتها المتتابعة المستمدة من بحر شعري مناسبة جدّاً، حيث تنساب الموسيقا فيه بلين وعذوبة، وقوله: (ناهيكَ أن القوافي تطلّ/ على النفسِ،/ والجانبِ المختبي) أي بالإضافة إلى حسن اختيار القافية التي تمتع النفس والقلب، وقوله: (تلازميني أين أذهب هذي القصيدةُ./ بالأمس غطيتها بلحافي/ وأرقدتها جانبي/ فكيف أقدم شكري؟

فقلتُ: "ولوْ" ! .. / واجبي.) أي من شدة إعجابها بالقصيدة التي كتبها لها، فإنها تلازمها أينما ذهبت، حتى أنها وضعتها إلى جانبها وغطّتها بلحافها لأنها تمنحها الدف والحنان البالغ، وهي لا تعرف كيف ستشكره على هذه القصيدة الفريدة، بينما هو يجيب بمنتهى البساطة والعفويّة، لا شكر على واجب، فهذا الواجب يفرضه الحب، الحب الصادق.

القصيدة الاحتمالية والنص الممكن:

تتألف القصيدة من أحد عشر فرعاً، وكما لاحظنا فإن كل فرع من فروع القصيدة يتكون من حالات في القول المتبادل بين الشاعر وصديقته، والحالات تبدو وكأنها منفصلة ومستقلة، ويبدو أن ترتيب الحالات في الفرع الواحد ليس ذا أهميّة، وفي الوقت نفسه يبدو أن ترتيب الفروع ليس ذا أهميّة أيضاً، بسبب تلك الحالات التي بنيت عليها القصيدة، ولو لم يكن الترتيب ذا أهميّة كما يبدو لنا، لكان من الممكن أن نعيد ترتيب الفروع في القصيدة، وكل ترتيب جديد ممكن يمثل قصيدة جديدة على الترتيب الجديد، وإذا لاحظنا أننا نستطيع إعادة ترتيب الفروع ب(39916800 ) طريقة، ذلك يعني أنه يمكننا أن نحصل على تسعة وثلاثين مليوناً وتسعمئة وستة عشر ألفا وثماني مئة قصيدة احتمالية، وكل قصيدة منها يمكن اعتبارها نصّاً ممكناً، وإن كان نصاً افتراضيّاً، وسيكون النص الأصلي واحداً من هذه الإمكانات، ولنا أن نقدر أن الشاعر لا يقبل أي نصّ من هذه النصوص الناتجة عن نصه الأصلي بإعادة ترتيب فروعه، وإن كانت القصيدة الممكنة تتضمن الفروع والشعاب والكلام نفسه، وهكذا حين نبسط القصيدة، ونفكّكها إلى تراكيبها وجملها ونجري عليها تطبيقاً لهذا المنهج على غرار الفروع الثلاثة الأولى، يمكننا أن نهتدي إلى الكيفيّة التي استطاع الشاعر من خلالها أن يبنيها هذا البنيان المعتمد بشكله النهائي الذي أعلنه منشوراً في مجموعته الشعريّة. فإذا كان بإمكاننا أن نحصل على حوالي أربعين مليون قصيدة افتراضيّة التي تمثل عدد إمكانات إعادة ترتيب فروع القصيدة الشعريّة، فماذا لو أخذنا بعين الاعتبار عدد إمكانات إعادة ترتيب الشعاب الرئيسة والثانويّة في القصيدة؟!، من دون شك سنحصل على عدد كبيرٍ جداً جداً، أما إذا اعتبرنا القصيدة مؤلفة من حالات منفصلة فإن عدد إمكانات إعادة ترتيب هذه الحالات سيصبح عدداً خياليّاً لكبره، ولعل المبدأ قد أصبح واضحاً، ولكن بقي أن نلفت العناية إلى أن هذا العدد الخيالي، سيتضاعف من جديد من حيث عدد المعاني المحدثة في القصيدة إذا أخذنا بعين الاعتبار تعدد المعاني للمفردة الشعرية الواحدة، وهكذا فالآلية معقدة جدّاً وليست بالسهولة التي اعتاد النقد التقليدي أن يقدّمها بأسلوب انطباعي تبتعد بمحتواها عن المرتكزات العلمية والمنطقية التي تساعد على إنشاء حكم معلل، وليس الاقتصار على إطلاق الأحكام والتصنيف وتوزيع الألقاب بمزاجيّة الناقد الذي يمارس سلطته على النص، فلا يأخذ منه ما يفرض عليه من حق، ولا يعطيه ما يستحق عليه من واجب.

التوازن وتمثيل القصيدة:

يمكن اعتبار المرأة هي مركز توازن القصيدة، كما يمكن اعتبار كل عقدة نقطة توازن فيها، بالإضافة إلى كل كلمة يتقاطع بها فرعان فأكثر:

(1) العين: هي نقطة تقاطع بين الفروع، الأول والثالث والثامن والعاشر فهي تمثل نقطة توازن.

(2) القلب: هي نقطة تقاطع بين الفروع، الخامس والثامن والتاسع والعاشر فهي تمثل نقطة توازن.

(3) الحب: هي نقطة تقاطع بين الفروع، الثالث والخامس والسادس والثامن والعاشر فهي تمثال نقطة توازن.

فإذا مثلنا مركز توازن القصيدة بدائرة صغيرة، ومثلنا عقد الفروع على محيط دائرة مركزها مركز توازن القصيدة، ومن ثم مثلنا نقاط توازن القصيدة على محيط دائرة أخرى بحيث تتوزع وفق درجات ارتباطها بالفروع، ومن ثم مثلنا فروع القصيدة على شكل أشعة منطلقة من مركز توازن القصيدة، ومثلنا الشعاب الرئيسة والشعاب الثانوية كأشعة منطلقة من العقد للفروع، عندئذ نكون قد حصلنا على تمثيل دائري للقصيدة. وهذا التمثيل سيبين كيف أن القصيدة في بنيتها تميل إلى التوازن ، وهذا ما يفترضه منهج النقد الاحتمالي، وهو أن القصيدة الشعرية تميل في تركيبها إلى التوازن.

***

مفيد خنسه

في المثقف اليوم