قراءات نقدية

اللغة المحتفية بذاتها.. قراءة في رواية الحصاد الارض المزروعة الغاماً

للاديب طه الزرباطي

لان الروايةَ جنسٌ ادبيٌ مرنٌ بإمكانها حمل عناصر مختلفة واستيعاب أجناس متعددة فان الاديب يغير أدواته التعبيرية واشكاله الكتابية كلما احس بضرورة لذلك، لم تعد اللغة في الرواية الجديدة مجرد وسيلة لتصوير الاحداث وانما تسخير كل طاقاتها في بناء خطاب ينتهك التابوهات، ويشتغل على الوعي واثارة التساؤلات وغيرها من الخطابات التجريبية، فلم تعد اللغة الشعرية خاصة بالشعر وانما غدا السرد يعتمدها في كثير من الاحيان وهي نوع من التجريب الذي اعتمدته الرواية الجديدة وهو احد الملامح والتقنيات في اساليب الكتابة الروائية التي تنوعت اتجاهات كتابتها تبعاً لطريقة الكتابة وجمالياتها وتوجهات روادها وعلاقتهم بحداثة السرد وتتواكب مع سياق الزمن الراهن ..

هذا ما لمسناه في رواية (الحصاد في الارض المزروعة الغاماً) للأديب طه الزرباطي في طبعتها الاولى الصادرة عن مؤسسة مصر مرتضى للطباعة والنشر، بيروت،2012 .

شعب أراد ان يكون حياً، فضل السجون والموت في أراضيه بدل ان يعيش المنافي القسرية التي اجبروا على اللجوء اليها بعد ان ضاقت أرض الوطن بما وسعت، انها حقا مأساة وطن، وقضية وطن" اختر الوطن على الرغم من كل شيء وبلا شروط، هناك الكثير من الرائعين والمبدعين يموتون ويولدون يومياً داخل الوطن، تلسعهم الأسواط ؛ بل تهترئ الأسواط بجلودهم" ص152

يرصد لنا الكاتب معاناة المثقف العراقي في ظل الانظمة الشمولية، جاءت الرواية على فصلين كبيرين بلا عنونة داخلية بسرد متصل قد يثقل على المتلقي الا انه عزم على تقطيعها على مقاطع سردية بفواصل نجمية

 العتبة البصرية الاولى:

 لوحة الغلاف التشكيلي رائد الواسطي تجمع أربعة مشاهد بثنائية ضدية (الابيض والاسود) يظهر فيها مشهد لأنسان يتألم مستغيث يكاد القارئ يسمع أنينه ومشهد لنخيل مقطعة الرؤوس تموت واقفة واخرى لشخص مستدبر يتطلع الى الطريق يرنو الى مستقبل بعيد، تتوافق مع ما جاء في المتن الحكائي أحسن الروائي اختيارها ولم تكن اعتباطية وانما تعبر عن قصدية وفلسفة الروائي .

العتبة البصرية الثانية:

عنونة صاغها الكاتب بمثابة الوثيقة الشرعية تنتمي لصاحبها ولنصها وهي الوسم والاثر جاء بقصدية وارادة وانها ليست فطرية انما تلخص أفكار الذات وفلسفتها الواقعية

عنوان طويل لافت جاء متربعا أعلى لوحة الغلاف بالخط الاحمر العريض لمفردة (الحصاد) ومن ثمة تكملة العنوان في اسفلها (في الارض المزروعة الغاماً) بالون الابيض وحجم خط أصغر وكأنه عنوان فرعي يكمل دلالة المفردة (الحصاد) وبلونها القرمزي في معناها الدلالي يجعله بمثابة طعم استدراج القارئ وبذلك يصبح بؤرة تندفع منها الدوال وخيط رابط بين الكاتب والقارئ للولوج الى عالم الرواية .

فقد بات التلازم بين الدال اللغوي والدال البصري وادراكه في النص الحديث من المسلمات مع تطور تقنيات الطباعة المعاصرة، حيث يعد "التشكيل البصري امتداد للوعي اللغوي، حيث تولد الدلالة من التفاعل بين التشكل الماثل في تخطيط الصفحة وهيئة الطباعة الحديثة والمعنى الكامن في اللفظ .."1

 وقد يتبادر في ذهن المتلقي أول ما تقع عينه عليه انه عنوان فاضح يعبر عن الحرب الا ان الروائي يحاول ان يكسر افق المتلقي في حيثياتها .

الاهداء: دلالة الاهداء جاءت عميقة موحية وكنص مواز ومدخل أولي واستهلال مرتبط بالسياق النصي ومعبر عنه، وبلغة شعرية انشائية بسيطة ومكثفة تاركا بياضات وفراغات لتقوية البنية النصية تفاعلياً بينه وبين المتلقي  لعل نقاط الحذف ونقطتي التوتر التي وظفها الروائي، تنتظر الاملاء من قبل قارئ منفتح مع النص، لإشراكه في عملية بناء النص، من خلال دورها الفعال في توسيع فضائه الدلالي، خالً من الاسهاب والذي يشبه الخاطرة الحزينة وكعنوان استهلالي يعبر عن خراب ودمار حل بوطنه وبمدينته الام تعيش المأساة والمحن:

"الى المدينة، الام، والمنفى،الى النخلة

التي احترقت بنيران الاهل ... ولم تركع ...

الى أطرافها السوداء... الى الانهار التي روضت لتجري في أوطان الآخرين .. فأعلنت عصيانها"2

قصص كثيرة تتكرر عبر الازمان من قمع وقهر ومصادرة الحريات الا انا التمايز يكون في..4205 طه الزرباطي

 تقنيات البناء الروائي:

تنفتح الرواية بتقنية السارد المشارك متخيَّل تقمصه الكاتب عبر حوار داخلي (مونولوج) كاستهلال موسع تلتقي في مصب الترابط النصي يصل الى اكثر من خمس صفحات لجلب انتباه القارئ وشده الى الرواية فبضياع انتباهه تضيع الغاية "فالاستهلال ليس الا مجس الاكثر حساسية في ايضاح ما اذا كان العقل الكامن وراء النص جماعياً يمتلك مشروعاً أم كان فردياً محدد الرؤية"3

" لم أكن أبحث عنك، ربما كنت أبحث عني فيك ومنذ أزمنة بعيدة وغير خاضعة للتسلسل الكوني المعتاد، أيها الوطن السجن، السجن الطوعي، أو كنت أبحث في قمامة الأفكار المتكدسة، اللذيذة والمتناقضة فب آن واحد، بالضبط كالحياة أو كالموت الخلاص"

اتخذ الروائي تقنية الراوي (السارد) كقناع أو راوياً ضمنيا – داخلياً – مشاركاً في الأحداث ومحدود العلم إلا بما يشارك في فعله، وهي اداة تقنيته ووسيطه ليكشف به عالم قصصه، ومن خلاله يستدعي شخصياته ويمنحهم حرية التكلم عن ذواتهم بعيدا عن سلطته الفاعل في تشكيل العالم المتخيل الذي يعد عنصرا فنياً من عناصر السرد القصصي وقطب الرحى الذي تدور حوله عناصر اللعبة السردية،حتى يتحول السارد من أناه الى حديثه مع الغائب:

 "كان يتذكر دائماً- كنوع من الترويض كان يتذكر او التحذير، او التعذيب الذاتي – ذلك الشاعر الفرنسي الذي قرأ له يوما لا يدري أين ما معناه مخاطبا الجنود الذين سيرمونه: اولادي أنا أناضل من أجلكم ..أبنائي ايها الحمقى.. من أجل خلاصكم، يا أولاد ال... وكان يبرر سؤاله الكبير، نجن نناضل من أجل غد، ربما بعيد ..بل ربما بعيد جداً" ص 10

السرد:

أما عن سردية الحدث أي طريقة عرض الأحداث، فقد استخدم طريقة الترجمة الذاتية، حيث تولى سرد الأحداث الشخصية المحورية (مجيد) بضمير المتكلم(أنا) قدّم الشخصيات وحلّلها تحليلًا نفسيًّا من وجهة نظره. يتحرك بين شخصيات يغوص في اعماقها يكشف لنا حالاتها المتعددة بين الحياة والموت ويتركها احيانا تتحدث ويستمع اليها وقد يطول السرد أحيانا.

وقد يتساءل القارئ عن الصمت الطويل دون تدخل الطرف الآخر او تقاطعه في ايماءة او وقفة او تعبير!

الرواية التي بين ايدينا رواية تذكرنا بأحد المناضلين ورمز من رموز اليسار (سلام) وبعض من رفاقه المثقفين، وما تحملها الرواية من تراجيديا ومأساة العراقيين... الرواية من وحي الخيال وان حصل التشابه في بعض الأسماء فإنها محض صدفة الا ان هكذا احداث تتكرر في كل الأزمنة وفي جميع البلدان التي ترضخ تحت سطوة الانظمة الشمولي..

التداخل النصي:

الأدب إناء ومدخل التناص لأنه يهتم بقضايا الناس، اتاحت الكثير من التقنيات والآليات لاختراق النصوص واظهار جمالياتها، حاول الروائي الدخول في مغامرة الرواية الجديدة في تحطيم النموذج التقليدي وتوظيف تقنيات سردية تفسح المجال للتراسل بين الاجناس الادبية والفنية لاستشراف القيم الفنية والدلالية،انصهرت فيه نصوص اخرى لتشكل في ذلك البناء المتناسق وتعزز ادبيته وشعريته وبنياته الاسلوبية والتي تفاعلت وتعالقت منتجة نصاً جديداً.

احد اشكال التداخل النصي، الذي ظهر على شكل اقتباسات وتناصات من الموروث الشعبي والفلكلوري العربي والكوردي،موظفاً رموز وشخصيات فنية وأدبية ، (هشام الركابي)، (ان الطريق الى الاشياء اجمل من الوصول اليها) ص129، هنري ميلر (عملاق ماروسي) " زحل هو الامل للعرق الابيض الذي لا يكف عن الثرثرة عن عجائب الطبيعة ويبدد وقته في افناء أعظم العجائب قاطبة الا وهو الانسان" ص160، محمد خضير (بصرياثا)، (بجعات جايكوفسكي)..

ان التفاعل النصي أثرى الخطاب الروائي، وذلك بإقحام بنيات نصية مأخوذة من الموروث الشعبي والفلكلوري في الغناء العربي والكردي ذكر مقامات (الدشت) و(النايل) وذكر لأسماء مطربين عرب وكرد (ناظم الغزالي / طالعة من بيت ابوه / والمطرب حسن زيرك، ومن تناصاته الشعرية للمتنبي:

وأشد ما عانيت من ألم الجوى

قرب الحبيب واليه وصول

كالعيس في الصحراء يقتلها الظمأ

والماء فوق ظهورها محمول

بذكر الكاتب الحواري العراقية البائسة (ابو السيفين، وطاطران، والقشل،، وعكد الأكراد، والفناهرة، وعكد الجام، وعكد اليهود، وعكد النصارى، ودعيسي، وكوجة سوزي، وعكد خجه)، ويذكر اسماء لسجون (ابو زعبل، النهايات، نكرة السلمان، ابوغريب، الصحراوي..

ففي روايته (الحصاد في الارض المزروعة الغاماً) يتفاعل مع الاحداث من حيث مناهضة الخطاب السلطوي والتمرد على الاوضاع في سياق ايديولوجي:

 "أشاطر كمال رغبته بالعودة للوطن ليس الى سجون النظام ولكن الى معية إخواننا المحاربين في الجبل والهور وفي كل مكان يمكن اعلان المقاومة قريباً من نبض الشعب، من هذه الارض نفسها"ص158

وفي نصه:

"كان يرفض قطعيا فكرة أن يؤمن ثمن عبوديته، وأن يصبح من حيث لا يحتسب لولبا في مصفحة الامبراطور كما تعود أن يسمي"ص164

الاستفهام:

يعود السارد الى الواقع المأساوي، فيثر العديد من التساؤلات الفلسفية والاجتماعية والثقافية، والسياسية التي أطلقها الكاتب على لسان السارد مجيد، لعلنا نبحث عن إجاباتها عنده، وإن لم نجدها فلنفكر نحن بالإجابات، هي دعوة من الكاتب لإشراكنا كمتلقين في عمله الأدبي .

" بالله عليك هل يستحق شعب يحمل كل هذا الحب ما جرى له، وكل الضرائب التي سيدفعها ثمناً لأخطاء وكوارث ليس له ذنب فيها، المستقبل المرهون، المبهم!؟" ص155

الاستفهام الذي يفيد في تعزيز بعد المعنى الخفي من خلال بناء خطابه على اسلوب السؤال فعلامة الاستفهام تؤثر على مساحة البياض، وكذلك علامة التعجب التي تحمل دلالة فنية كبيرة وما توحي للقارئ بالدلالة المبطنة:

"كل شيء هنا كالموت ساكن وحجري وملعون، وحتى تأكلك الظنون، والمخاوف، والاسئلة الرخيصة، هل الوطن جواز سفر؟ فمن لا جواز له لا وطن له، هل اضع ذكرياتي في آلة التجميد ؟ حتى يحين الوقت؟ أين اخبئ الروائح التي تتداخل في رأسي، تتقاتل، حيث يكون لمطر تشرين الاول عطر مميز ومختلف عن مطر شباط او آذار، ... "ص 170

الشخصيات:

لقد حقّق الكاتب عنصر التشويق في الحدث القصصي إلى حدّ جيد نسبيًّا، عن طريق التضمين الحكائي التي رفدت الحبكة الرئيسية على لسان الشخصية المحورية (السارد المشارك مجيد) والذي يمكن اعتباره الشخصية الواصلة الناطقة باسم المؤلف هذه الشخصية الواصلة هي أكثر ما تعبر عن شخصيات الرواية (يحكي لنا قصة سلام وزوجته شهلاء وما قاسوه في السجون

وبتقنية السير غيرية، يروي لنا قصص على لسان شيرين ابنة سلام وحبيبها كمال،قصة صويلح،قصة الشيخ بدر الدين المقدسي،قصة مام حسن، عامر الاعرجي ..

إضافة إلى أنه أجاد في التعبير عن نفوس الشخصيات، وانتظام الأحداث والشخصيات في حبكة مترابطة معقولة، اكتسبت صفة السببية، وتكاملت بالمعنى أو الرسالة التي أراد الكاتب إيصالها إلى المتلقي.

شخصيات نامية:

وهي شخصيات تتطور من موقف إلى آخر بحسب تطور الأحداث، لا يكتمل تكوينها حتى تكتمل الرواية، وتتكشف ملامحها تدريجيًّا خلال السرد، مثل شخصية كمال، شيرين ..

الشخصيات المرجعية: وتكون حسب مجال شهرتها: تاريخية، أسطورية، مجازية، واجتماعية....مثل، سارتر، ببلونيرودا وعزرا باوند، محمود درويش، ادونيس، محمد الماغوط، أمل دنقل، والشاعر الكردي (الخاني)...،

الأسلوب:

استخدم الكاتب الأسلوبين الواقعي و المباشر في سرد الأحداث، وبالنسبة للشخصيات جعلها تتحدّث بلغتها، ومستواها الفكري ما أكسبها المنطقية والواقعية والصدق، وتكون بذلك جاذبة لاحتوائها على عنصر التشويق، لنرَ كيف تتكلم شيرين:

"علاقتي بالشاعر الشاب كمال تطورت بشكل دراماتيكي كما يقول الروائيون الذين سأحذو حذوهم، وكنت قد اخبرته بمقولة برناندشو" الغرباء جميعهم أصدقاؤك ولكنك لم تتعرف عليهم بعد" وقد استلطف هذه الفكرة" ص132

المجرى الخطي للأحداث:

استثمار الكاتب لتقنيات السرد من استباق واسترجاع وتلاعبه بالأزمنة والأمكنة بما تناسب مع الشخصية الفنية بإطارها الإنساني والثقافي والمعرفي، وتنويعه في أسلوبية السرد، على مستوى زمن في الرواية،" ومن العناصر التي تكون الرواية ببنيتها الزمانية والمكانية وبتلاحم البنيتين يتشكل العمل الابداعي الفني " 5 فقد تخلى الكتاب عن المجرى الخطّي للأحداث، أخذ الكاتب يتنقل عبر الزمن ليربط الأحداث والوقائع ببعضها من دون اشتراطات زمنية، ويتم ذلك بالتداعي الحر كتقنية سردية:

" النخيل المحترق الخاوي الذي يكشف عن أجساده النحيلة الخاوية، والتي كانت تحيط بالمدينة صفوفاً متعاقبة، تنتشر بينها أشجار الرمان بأنواعها والحمضيات، والمشمش والكمثرى، حيث ترعرعت دودة القز ولامست الأجساد الحرير الطبيعي" ص168

عند فحص الزمن فثمة زمن ماضٍ مستعاد هو زمن الحدث، وزمن حاضر هو زمن الكتابة، وزمن غير متعين يحدده وعي القارئ أثناء إنجاز فعل القراءة:

"آثار الشفلات العسكرية التي حولت المدينة الى انقاض مدينة الى مجموعة ذكريات قد لا تعني شيئا للآخرين ممن لا يعني لهم الوطن ابعد من حدود مصالحهم الضيقة"

قدم لنا الزرباطي سرد روائي مفعم بالصور الشعرية اضافة الى تضمينه

 نصوص شعرية التي لم تؤثر على سير الاحداث كون المبالغة في الشعرية قد يفقد القارئ تتبع الحدث لجأ الكاتب الى الوصف بلغة شعرية لإبطاء حركة السرد وادخال المتعة لدى القارئ ما يبعد الملل والرتابة في الاسترسال بمتابعة الاحداث:

" أمرر أصابعك الطويلة في ثنايا الطين

أخلق وثناً أو وطناً

أو مغارة....

كي نختبئ حتى المساء

حتى تمُرَّ الشهب العطشى الى دم العاشقين

مرَّا في حنين الذاكرة

كهمستين

الطائرات توزع التفاح والنابالم

أخلق لي أبا من طين،

أخلقه قوياً لاختنق،

من حبة الرمان شفتي حبيبٍ

حبيب عالق في الذاكرة

لكن قد يتساءل القارئ عن دواعي الإشارة في الهامش عن عائدية النص للكاتب واظهار صوت المؤلف فهي بالتالي كل العمل الروائي يحسب للكاتب، حيث ان النصوص الشعرية التي جاءت على لسان السارد (مجيد) والذي يعبر عن وعي الذاتي للشخصية "وان يحافظ العمل الادبي نفسه على مسافة تفصل بين البطل والمؤلف" 4، وقد يكون للروائي رأي آخر

استعمل الكاتب اللغة العربية الفصحى، والعامية وبعض اللهجات في اللغة الكردية وحتى الانكليزية

امتازت الرواية بالشعرية ربما لكون الروائي شاعرا او الشاعر روائيا كأسلوب الخروج والتمرد على القوالب الجاهزة.

حيث برع في نظم تلك الألفاظ في تراكيب قصيرة أو متوسطة، سليمة تمامًا من الناحية النحوية، انتظام تلك التراكيب في سياق المعنى يجعلها دقيقة جدًا في رسم الصورة التي يريدها الكاتب:

"النخيل المثقوب بالشظايا والرصاص، النخيل الذي سرق، بل ذبح لتزرع في الارض، النخيل الذي أصابه الجذام، والذي يرفع رؤوسه بعناد منظره لا يملأ العيون، سعفه الأصفر الهزيل، يتجه نحو بعد أن استسلم للرياح الجنوبية الشرقية يبدو عليه الخواء "

ارى ان الرواية مضغوطة ومكتنزة ومكثفة الاحداث ومن الممكن ان تصل الى ثنائية او ثلاثية...

اجتماع التراكيب يعطي صورًا جميلة تجعل النص ينزاح نحو الجمال:

"شفتاها كشفتي كرزة حمراء داميتين، ويانعتين"

تعبير عن الثقافة الأدبية الشاملة للكاتب ومدى قدرته على توظيف مكتسباته الثقافية في مضمار عمله الأدبي..

***

طالب عمران المعموري

............

المصادر

1- يوسف حسن نوفل، موسوعة الشعر العربي الحديث والمعاصر، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، مصر، ط1، 2006،ص53 .

2- الزرباطي، طه، الحصاد في الأرض المزروعة ألغاماً، مؤسسة مصر مرتضى للكتاب العراقي، بيروت، لبنان،2012 .

3- الاستهلال فن البدايات، ياسين النصير، دار نينوى، سورية، دمشق،2009 .

4- ميخائيل باختين، شعرية دوستيفسكي، ترجمة د. جميل نصيف التكريتي، الدار البيضاء.1986،ص72 .

5- المعموري، غانم عمران، المغايرة والتجريب في السرد الروائي، ط1،دار أمارجي للطباعة والنشر، العراق، 2022 .

 

 

في المثقف اليوم