قراءات نقدية

إضاءة في رواية (نور خضر خان) للروائي جابر خليفة جابر

إحالات الوسائط المرجعية بين سيرة الحكي وبنية الروي

مهاد نظري:

عندما نعاين في أفق ممارسة الإمكانية الراجحة في مسلمات (الرواية المرجعية) نلاحظ مدى الكم والنوع الإجرائي في بنيات مستوى الظاهرة المرجعية الدائبة في مواضعات ومشخصات الوظيفة الخاصة بقيمة ال (الوسائط المرجعي ) كحالة لها مواثيق شكلية بنيوية في الإثبات للمتخيل على أن يلعب ذلك المستوى من العلائق النصية في مكونات الرواية، عبر وسائط وشرائط من أهمها: (السيرورة ـ المصدر ـ التعالق ـ الاستقراء المفترض) وهذه المحاور بدورها تمتلك لعبة (الوسائط) وليس الولوج إلى متون من جاهزية التخييل بالمحكي متواليا.بناءعلى هذه المقادير من التأسيس واجهتنا مخطوطة المقدمات الروائية في رواية (نور خضر خان) للروائي جابر خليفة جابر، بما يجعل من أحياز وشروط جملة مكوناتها البنائية والاسلوبية تتخذ من (ضمير المروي) شرطا في تخريجات النص عبر علائقه الممتدة ما بين محورين في المحصلة الحادثة من القص الأخباري ومؤثرات علاقات الوقائع الواصلة ما بين (الوثيقة الزمنية ـ الواقع المتخيل) وعلى هذا النحو من الوظائف، لاحظنا كيفية استثمار سياسة المؤلف في مخطوطة هذه الحكاية، ما جعل من دوره كحالة خلفية لا تخلو من إنقاذ مصير وسيرة وصنعة الوثيقة الخاصة بالمدينة والأحوال الشخوصية والأفعال إلى ممارسة نوعية في إعادة إنتاج نص الوثيقة أو الوثائق إلى صياغات مخصوصة من المحاور الروائية.

ـ حساسية تماثلات المركز التخييلي بالواقع المتخيل

ومن جملة محددات الواقع التماثلي للعلامة الشخوصية في النص، أن تبقى مجمل النواة الفاعلة في الرواية، كوسائل دلالية من شأنها فرض وقائعها الفعلية كعناصر شخوصية أو حوادث مرسلة ضمن مؤشرات متباينة في الوحدة الإرسالية للمسرود والسرد. لذا تقابلنا محددات الشخصية نور خضر خان كوسيلة تأليفية مشاركة على مستوى جمع حوادث مرجعية مصدرها الذاكرة السير ذاتية، ثم بالتالي يكون دورها مقصودا في تمثيلات الواقع النصي في نسيج الرواية ذاتها: (طفولتي في البصرة وحمائم الشناشيل في دار سهيلة خاتون، كلها حضرت أمامي وأنا أقرأ رسالة ـ واتس أب ـ من أمي: سيزورنا غدا خاجيك أبن قريتنا ماريام قادما من العراق كوني موجودة ماما./ص21 الرواية) أن طبيعة تمظهرات حكاية الرواية، تأخذ لذاتها بعض من سمات التخييل الذي يرزح تحت وطأة (الذاكرة السير ذاتية) مما يجعل كل متواليات الأحداث الشخوصية، في شتى من حكايات مروية على ألسن الرواة من الشخوص ذاتهم.

1ـ وحدات المسرود بين الأخبار والمراجعة التوثيقية:

قلنا سلفا بأن المؤديات الحركية في أحوال وقائع النص هي مرسلات المسرود من على لسان حال شخوصي ما في النص، وهذا الأمر ما جعل من مشروع الرواية كحالات منقولة من ملامح الذاكرة والإضاءة لها كوسيلة في مساحة تكوين الشرط الروائي.نعاين لوهلة أن الكاتبة للمخطوطة في الفصل الأول من النص، هي من قام في نقل المسرود ضمن مجلى من القدر المشخص في الحكي عن وقائع كانت قائمة في الذاكرة في مجمل تفاصيلها: (بهذه الرسالة بدأت حكاية حبنا الجميل أنا وخاجيك وزواجنا بعد عام تقريبا./ص21 الرواية) لعلنا نلاحظ بأن القص القائم هنا قائما على أساس حكاية الحوادث أو بعض من المستذكرات التي تنطلق بها حاضرية الضمير الشخصي لكاتبة المخطوطة، وهذا الأمر قد جاء على عكس عملية قص الأحداث على نحوها الفعلي، أي بمعنى ما، أن جابر خليفة قد جعل من عملية المسرود انطباعا إخباريا، أي فهو لا يمنح مسافة أبعد في فعلية التفاصيل ومواقف الشخوص ضمن أرادة جادة في وظائف شخوصه، إنما جعلها مسرودة في نطاق من الوعي الإخباري، وهذا الأمر ما وجدناه في الشخصية سلام وحكايات الشخصية سهيلة راح يستغرق مسافات عريضة وطويلة من الصفحات في النص: (صافحت خاجيك وكان مبتسما، وسرعان ما استمتعت بأحاديثه، ومن دون مقدمات سحرني هذا الجميل بطيبته وابتسامته وشخصيته المرحة، لنقل أنني أحببت خاجيك منذ الدقائق الأولى..بقي معنا أياما قليلة لكنها كانت كافية لتوقد الحياة بكل جوارحي، وكدت أجن حين اقتربت عودته للبصرة، لولا أنه طمأنني بأننا سنلتقي قريبا وأننا سنتزوج./ص23 الرواية) يتنامى عبر النسيج المسرود، كذاكرة وكهوية تهجس بحنين الانتماء والتحذير إلى حياة تلك المدينة البعيدة من قبل الشخصية الكاتبة المفترضة، وهذا الأمر ما جعل من محكيات الرواية في فصولها الأخرى تشتغل على الواقع المرجعي بالواقعة المتخيلة في مقاديرها وتناقلات حوادثها في ألسنة المحكي.

2ـ واصلات المكان وتجسيد مداليل المعادل الموضوعي:

تعود بنا بعض من وحدات المسرود في الرواية إلى مواقف ومشاهد أكثر ألفة وحميمية، خاصة وأنها قادمة من الكاتبة نور خضر خان ذاتها، وهي تهم بسرد واقعة زيارتها مع والدها إلى دار زمان حيت كانت يومها طفلة تتوجس في ملامح وتجاعيد الشخصية سهيلة: (كم كانت حنونة وطيبة، فقد أجلستني بحضنها وقصت لي حكاية قصيرة عن فتاة صغيرة صارت حمامة وكانت تعيش في أعالي الشناشيل، وبينما أنا منشدة للحكاية فززتني حمامة طارت من بين الشناشيل ./ص24 الرواية) من شأن هذه الوحدات المتقاطعة، إبراز الرحلة المفترضة للشخصية نور خضر خان، فهي بدورها ذلك التكوين الراحل نحو فضاء مدينة لندن، فيما هي من جهة ما تتمفصل في الارتداد المكاني إلي بيت الشناشيل كبؤرة مشربة في ثوابت منزل الزمان الاستعاري.

ـ التشخيص الموضوعاتي في ثيمات النسج الروائي

تعميقا للوازع الوظائفي في فضاءات المسرود الحكائي، نعاين بأن (جابر خليفة جابر) قد مهد لأحداث روايته بوقفات مدارية، إذ من خلالها راح ينفتح نحو إيقاعات خاصة بالتفاعل التحاوري مع ذاكرة متداعية، تتشخص مجمل محاورها حول ثيمة الكينونة المكانية وما تتمخض عنها من مسرودات ذات ملامح حكائية قريبة من وظيفة الرواية السير ذاتية للمكان والزمن والشخوص عبر تنقلاتهم من جهة محاكاة الواقع إلى الحلم ثم إلى الحكاية.والشكل الذي قام بكتابته جابر خليفة في روايته، ليس كحالات الرواية التأريخية تحديدا، بل إنها حكاية تحتفي برموز الذاكرة القريبة من المكان والطفولة والحادثة والموت والمقادير المرجعية معا.

ـ تعليق القراءة:

في الواقع أود التنويه في هذا الحيز إلى أن جماليات رواية (نور خضر خان) لم تأت من خلال عمليات شديدة التقانة والتعقيد الأسلوبي.بقدر ما جاءت به من تداول حكايات ومواقف ذات أبعاد ذاكراتية، جعلت من توليد الحكي المسرود كعلامة دلالية نحو خلق الكتابة داخل الكتابة.وعلى هذا النحو فالرواية تومىء إلى سياق تذويت الزمن والمكان في المنبع المتخيل، هذا المتخيل الذي جعل منه خليفة بمثابة الوظيفة التي تبقى كإحالة نحو حكايات الشخصية سهيلة إلى ملاحم وأساطير مؤطرة بدلالات النسيج الداخلي والخارجي لبعض وحدات الرواية، وعلى هذا الأساس يمكننا عد رواية (نور خضر خان) بمثابة تحقيق حلم الكتابة بالنسبة للشخصية نور خان والسمو بعلاقاتها وشخوصها وأحوالها إلى مصاف رواية الإمساك بالذاكرة وتوطيد قيمها المرجعية، التي راحت تساند وحدة الوقائع والشخصيات والمدينة وذلك المنزل الزماني بالتفاصيل الأكثر حسية واحتداما بمؤشرات أقصى اللحظات الميلودرامية والصورة الكاملة في شريط المرويات في وسائط المرجعية الراجحة بين سيرة الحكي وأبنية مماثلات المروي وعلائقه السير ذاتية المتواترة .

***

حيدر عبد الرضا

في المثقف اليوم