قراءات نقدية

ألثنائيات الضدّية في شعر يحيى السماوي

من العسير التنقيب عن يحيى السماوي في شعره، فهو يتوزّع على أكثر من اثنين وعشرين مجموعة شعرية، بيد أنه قد يبدو من اللامجدي الخوض في هذا النمط الخارجي من التنقيب، فليس أمهر من الشاعر بما يملك من أدوات وخبرات أسلوبية على إجادة لعبة ثنائيته الضدية (التواري و الظهور) أو (الغياب والحضور) داخل لغته بحسب ما تمليه عليه القصيدة، وليس بحسب ما يُمليه هو عليها، لأن سطوة الأدوات داخل القصيدة على الشاعر أمضّ من سطوة الشاعر داخل القصيدة على أدواته. وهذا الفصل ليس مجرّد تخريج نظري، بل هو فصل ما بين التاريخ (أي الخارج) وما بين الفن (أي الداخل)، فالقصيدة هي التي تكتب نفسها من داخلها، ولا تُكتب من خارجها، وأن أية محاولة من الشاعر للجم اندفاع القصيدة والتضييق على جنوحها الطفولي ورغبتها في التحرر والانعتاق في مقابل فرض مخططه الفني عليها بكامل تفاصيله وأبعاده الهندسية الدقيقة المعدة مسبقاً، أن أية محاولة من هذا القبيل ستُنتج قصيدة أو نصاً معقلناً يمثل الشاعر أكثر مما يُمثل الشعر، أما دور الشاعر في تحقق رغبات القصيدة فهو أن يتلقي إيعازاتها ويُحسن تنفيذها. وفي خضم هذه العمليات الداخلية فإن الأدوات المعبرة أو المُجسّدة لذلك الداخل أشبه بطاقيات الإخفاء التي تختزن الطاقة السحرية الهائلة الكفيلة بتغييب الشاعر داخل نصّه أو قصيدته، كما أنها الكفيلة بإظهاره. وما أكثر طاقيات الإخفاء التي يستعين بها الشعراء للتخفّي أو للظهور. فلكل قصيدة طاقيّتها، بل ولكلّ حركة إيقاعية داخل القصيدة الواحدة طاقيّتها.

وما الثنائيات التلازمية أو التوافقية أو التكاملية أو الثنائيات الضدية إلا مظاهر لطاقيات الإخفاء التي يستعين بها يحيى السماوي ليس للتخفّي أو للتجلي فحسب، بل كنسق مضمر يستعين بإمكانياته التدليلية اللامحدودة للتمويه على حركة القصيدة الداخلية من أجل إطلاقها بالاتجاه الذي يحقق أهدافه الفنية من جهة، ويبلّغ رسالته الإنسانية من جهة أخرى في مظهر من التوازن المسؤول لا يرجّح أو يرتهن أحد الطرفين للآخر، لاسيما أنّ مسيرة حياة الشاعر باتجاه اليسار والتي بدأها مع أولى خطواته مع الشعر لن تمكنه من الحياد عن متطلبات تلك الرسالة.

هذه القراءة ليست في قصائد الشاعر المطبوعة في مجاميعه، بل هي لبعض قصائده المنشورة على موقع التواصل الإجتماعي facebook، وسواء كانت القصائد من هذا المنشأ أو من ذاك فإن العالم المرجعي لكلا المجموعتين واحد، والصوت المعبر عن ذلك العالم واحد، والسُنن التي تتحرى عنها هذه القراءة هي بالتأكيد بصمة الشاعر الملازمة له، لا تُزيّف، أو تُشوّه أو تُنحل أينما توزعت قصائده. وبالرغم من أن هذه القراءة غير معنية بالوقوف على الأصول التاريخية لمصطلح الثنائيات الضدية ومراحل تطوره وأشكال تحولاته، إلا أن ذلك لا يمنع من الوقوف على الواجهات الخارجية لبعض تلك المراحل مع الإشارة إلى أن مفهوم المصطلح بصيغته المتداولة، أو بكل وحدة من طرفيه سواء ما يتعلق بالثنائيات أو بمفهوم الضد أو التضاد هي ليست مفاهيم مستحدثين، فقد عرفها النقاد العرب الأوائل، إلا أنهم لم يتفقوا لها على تسمية موحدة، فقد توزعت التسميات ما بين الطباق أو التطبيق أو المطابقة أو التطابق، مع التنويه إلى أن التطابق في البلاغة هو غيره في النحو، إذ أنه في النحو يعني (العلاقة التي تربط طرفي الإسناد في الجملة وهما المبتدأ والخبر) (1). أما بالنسبة إلى مفهوم الثنائيات الضدية ففي المنظور النقدي القديم لم ترد (مصطلحاً قائماً بذاته، بل وجدت في مفهوم التضاد مفهوماً متداخلاً مع المصطلحات البلاغية الأخرى ولعل أهمها: الخلاف والطباق والتكافؤ والمقابلة والتناقض) (2)

ومع اختلاف النقاد العرب في تعريف المصطلح أو في تسميته إلا أنهم اتفقوا جميعاً في كونه الجمع بين النقيضين، فقد عرّفه أسامة بن منقذ في (باب طبقات التطبيق) بصيغة (أن تكون الكلمة ضد الأخرى) (3) والضد هو العكس مع خلاف ابن منقذ في كون الأول يحدث في لفظ ومعنى الكلمة، بينما العكس تختص به الجمل. فقد جاء في باب العكس (هو أن تأتي الجملتان إحداهما عكس الأخرى كما قال الله تعالى "يُخرج الحيّ من الميّت ويُخرج الميت من الحي") (4)

لا تُسلم الثنائيات الضدية مفاتيحها في أغلب قصائد يحيى السماوي للقراءة الأولى، وقد يؤجل البحث عنها، أو في خفاياها أحياناً إلى مرحلة الفحص ولم الشعث، فهي عادة ما تتوارى تحت طبقة من الموجهات المضللة (بكسر اللام الأولى)، أو المموّهة بتداعيات وتفرّعات الصورة الشعرية التي تبدو في ظاهرها مركبة أو متفرّعة، لكنها في حقيقتها صورة واحدة تتفرّع من داخلها إلى صورتين ضديتين، فمن قصيدة (أنا آخر العشاق):

(وبعثت نهري من رميم جفافه

فاخضرّ شاطئه...)

إلى هنا تبدو الصورة التي تتمخّض عنها ثنائية (الجفاف / الإخضرار) واحدة، ولكنها سرعان ما تتفرّع إلى ثنائية أخرى من خلال الصفة الملحقة بالفاعل (الشاطيء)، فهو في صورته الأولى شاطيءٌ (مُقرّح) ولكنه في الشق الثاني من الثنائية (استعاد روافده)، وبذلك يكون قد برأ من تقرّحه. لكن هناك حالة من التقابل ما بين وحدتين دلاليتين من مجالين مختلفين، كالتقابل ما بين (العين والرحلة) حيث جُمعا معاً في بنية صورية واحدة من خلال عنصرين نحويين هما: أداة العطف (الواو) والصفة (زائدة)، وكلا الوحدتين تنتميان إلى المتكلم (عيناي ورحلتي)، وفي حين ربطت الصفة ما بين الوحدتين الدلاليتين بتوسط الغائب / الغائبة، ربطت أداة العطف ما بين الجملتين الشعريتين اللتين تشكل كل وحدة دلالية من الثنتين بؤرتها، وحسب التركيبة التالية:

ألجملة الأولى:

ألوحدة الدلالية الأولى = عيناي

ألصفة = زائدتان

ألتوسط = عليكِ

أداة العطف: (ألواو)

ألجملة الثانية:

ألوحدة الدلالية الثانية = رحلتي

ألصفة = زائدة

ألتوسط = يا مقدسة البداية والنهاية

والملاحظ أنّ البنيتين الصوريتين اللتين تدوران معاً في فلك (المخاطب / المخاطبة) قد أضفتا على حالة التقابل ما بين الوحدتين الدلاليتين (عيناي ورحلتي) مظهراً ضدياً، وإن كانت دلالتا الوحدتين المتباعدتين نسبياً لا تكشف بجلاء عنه، ولكنه تجلى فيه من خلال انعكاس الصيغتين الضديتين للمقدسة / المخاطبة، أي (البداية / النهاية) اللتين جاءتا من الناحية النحوية خبراً ل (تكوني) ولكنهما من الناحية المعنوية صفتان في الوقت ذاته للمقدسة:

(عيناي زائدتان إن لم تُطبقا جفناً عليكِ

ورحلتي إن لم تكوني - يا مقدسةُ - البدايةَ والنهاية

زائدة)

فهاتان الصفتان ليستا مجرد ملفوظين لملء الفراغ الإيقاعي، بل هما موجهان دلاليان للمعنى المتفرّع عن الوحدتين الدلاليتين (ألعينان) و (رحلتي) إذ أنّ توسط المقدسة في المعنى المتفرع عن كل من هاتين الوحدتين يساهم بدوره في توسط لازمتيها أيضاً (البداية والنهاية) بين تينك الوحدتين.

وتنفتح أحياناً الثنائيات المتناغمة على الثنائيات الضدية لتشكلا معاً نظاماً ثنائياً غيرياً، كما في قصيدة (ضجيج أخرس) والتي أول ما تواجهنا فيها العنونة بثنائيتها الصوتية ما بين الصفة والموصوف المتضادين والتي لا نجد إيضاحاً صريحاً، أو حتى تلميحاً في القصيدة يغطي ما تثيره من تساؤلات عن دلالة الضجيج، لاسيما أنها قصيدة الصوت الواحد، صوت المتكلم، مع حضور المخاطب كضمير، وليس كفعل، ولذلك ظل موقعه داخل القصيدة متوارياً خلف نداءات المتكلم الكابحة المحذرة، من دون أن تصدر عن ذلك الأول أية إشارة، أو ردة فعل، تكشف أولاً عن موقعه أو هويته، وأن تسوّغ ثانياً دواعي الإنفعال والتوتر في التوجيهات الكابحة للمتكلم.

تستهل القصيدة بحشد من التوصيفات المتناغمة والمتعارضة في الوقت عينة موجهة من الصوت الوحيد / صوت القصيدة أو صوت الشاعر إلى المخاطب الذي يمكن أن يكون هو ذاته الشاعر لتكون القصيدة بهذا المعنى صدى ارتداد صوت الشاعر إلى ذاته، وما هذه الآلية في الحوار الذاتي إلا وسيلة للتمويه على الذات، ومنحها مظهر الآخر، وهي وسيلة لجأ إليها الشاعر في أكثر من قصيدة للتحرر من هيمنة الغنائية الصرفة، والحد من سطوة الذات. فإن كنا قد اتفقنا بدءاً مع هذا التأويل، فسنقرأ القصيدة كرسالة انعكاسية من الشاعر إلى ذاته في مظهر أقرب إلى جردة حساب مثقلة بتعداد الخسائر من أجل إقناع الآخر بوقف اندفاعه. وفي هذه الجردة يتخذ الشاعر عدة إجرائية بعضها متوافق وصفياً كما يتجلى ذلك في الإستهلال، من قبيل توصيف الطفل بالفتى، وبعضها الآخر متضاد، ويتجلى تضاده بثلاثة مظاهر:

ألمظهر الأول:

حيث تثبّت الثنائية ضمن قالب زمني ضدي، يتجلى فيها المخاطب بصيغتين، فهو من جهة متناغم عمرياً إلى حد ما، كما في (ألطفل / الفتى) وقد أشرنا لذلك فيما سبق، لكن هذا المظهر المتناغم والمتكامل يتراصّ كطرف أول في ثنائية ضدية طرفها الثاني (الكهل)، أي:

- ألطرف الأول المزدوج = (ألطفل – الفتى)

- ألطرف الثاني = الكهل

ألمظهر الثاني:

ويتسم بكونه مظهر سلوكي يرتسم ضمنه المخاطب (الطفل) بسلوكين متضادين هما (القتيل / القاتل) ولعل هذا النمط من التضاد المتطرف ما بين طرفيه من جهة، ووقوعه وصفاً ما بين أطراف ثنائيات متناغمة تتضاد مع الطرف السالب فيها هو الذي يخفف من غلواء التوصيف، ويمنح الطرف السالب (القاتل) تزكية سلوكية تسمح بقبوله طرفاً إيجابياً في فضاء الهيمنة المجازية للتوصيفات.

ألمظهر الثالث:

وتهيمن عليه الصفة العاطفية من خلال الثنائية الضدية (ألنشوة / ألحزن) بالرغم من الفارق السطحي ما بين العاطفتين. ومع هذا المظهر سنعود إلى بداية هذه القراءة، وإلى هذه الإشارة التي يدخلها الشاعر في قصيدته، والتي تكشف عن حالة من التماهي ما بين شخصيتي المتكلم والمخاطب بما يحول القصيدة إلى مونولوج داخلي للأنا المتشظية، أو الذات الباحثة في أعماقها عن آخر َ تحاوره، وتفرض هيمنتها عليه. إذ أن الطرف الثاني من هذه الثنائية يحيل إلى الهوية المكانية للشاعر معبراً عنها ب (الحزن الفراتي)، وهي هوية راسخة في قصائد الشاعر أو في مداخلاته ونصوصه الموازية. وفي حين جاء الإستهلال بأداة نداء مخصوصة لمنادى بعيد (أيها) أدنت بقية القصيدة المنادى بضع خطوات ليكون أقرب إلى صوت القصيدة من خلال ضمير المخاطب القريب (أنتَ). هذه المسافة مكّنت الشاعر وهو يستعرض جردة حسابه من تقديم ثنائيات قد تبدو في ظاهرها من أصول بعيدة عن الترابط من حيث المعنى السطحي، لكنها في عمقها الدلالي تُنشيء أضداداً كفيلة ببناء ثنائيات ذات مغزى عميق كما في:

- (ألصحراء / ألزورق) في (أنت لا يمكن أن تجتاز صحراء بزورق) وهذا السطر الشعري يتناص مع بيت في الزهد لأبي العتاهية (5) نُسب خطاً لأبي نواس (6):

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها   إنّ السفينة لا تجري على اليبس

- (ألبحر / ألعكّاز) في (وتجوز البحر بالعكّاز) حيث تحيل أداة العطف (ألواو) التي تتقدم الفعل إلى عبارة (أنتَ لا يمكن أن...) في السطر السابق.

- (ثقيل الصخر / طوق نجاة) في (فاتخذ غير ثقيل الصخر طوقاً لنجاة)

- (ألصخر / ألموج) في (كلّ صخر يتحدى الموجَ يغرق) وهذه الثنائية يمكن أن تتفرّع منها ثنائية أخرى، ففي مقابل الفعل (يغرق) يمكن أن يكون فعل الضد المفترض (يطفو) قريناً نوعياً ملازماً ل (ألصخر) لتكون الثنائية الأخرى المقابلة ثنائية فعلية طرفيها هما فعلي (يطفو / يغرق).

تلك النماذج محاولات لفتح الحدود النمطية للدلالات أو بالأحرى لتهشيمها من أجل تقبّل معاني أعمق وأشمل من الصيغ الموروثة بما يمكنها من التداخل مع بعضها في ثنائيات مبتكرة تُفارق الثنائيات القاعدية المتواترة عرفياً تقوم على علاقات تلازمية افتراضية تبنيها الأنساق النصية الداخلية من خلال إعادة تركيب العناصر المرجعية الخارجية. وبنفس الآلية التهشيمية للثنائيات القاعدية لا نعدم أن نجد ثنائيات متناغمة أو مصاحبات أو متلازمات لفظية هي بدورها تتموضع خارج محددات الدلالات القاموسية مثل (ماء سراب / قطرة في دورق) في:

(كلّ ما في الكون من ماء سراب

لن يساوي قطرة في قعر دورق)

ولو اطّرحنا الضدية المجتزأة بالمفهوم الذي وقفنا على صور منه من خلال تفكيك النص إلى وحداته الصغرى، والتفتنا إلى القصيدة ككتلة متحققة في منظومة خطابية متراصة واحدة، لتمكنا عندئذ من تشخيص نمط من التضاد ما بين اتجاهين حركيين لشخصيتي المتكلم والمخاطب، على افتراض أنهما شخصيتين منفصلتين ضمن منظومة حوارية ناقصة (من طرف واحد)، فالإتجاه الأول يمضي باتجاه الأمام يمثله المخاطب، بينما يمثل المتكلم الإتجاه الضد بحركة إلى الوراء، أو في تقدير آخر الوقوف في المكان. ويمكن تفكيك هاتين الحركتين المتضادتين:

- فالطرف الأول يمثله الفعل (يجتاز) وهو افتراض ضمني أملاه تأويل نهيه أو إيقافه من قبل الطرف الثاني عن محاولة الإجتياز بقطع عدم الإمكانية (لا يمكن أن تجتاز) في (أنت لا يمكن أن تجتاز صحراءَ بزورق)

- والطرف الأول تمثله جملة (يجوز البحر)، وهو كسابقه افتراض ضمني أملاه تأويل نهيه من قبل الطرف الثاني مضمناً معنى المنع أو الإيقاف أو النهي عبر أداة العطف (الواو) التي تحيل إلى ما سبق من عدم الإمكانية، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في (... وتجوز البحرَ بالعُكّاز).

- والطرف الثاني يقدم للأول حلاً لاختيار غير دمع الندم، وهذا يعني ضمناً أن الطرف الأول قد وضع في حسبانه سلوك الخيار الضد، أي اختيار دمع الندم (فاخترْ غيرَ دمع الندم المُرّ على ثوب تمزّق).

- والطرف الثاني يبسط أمام الأول تبعات تحدي الموج، مما يعني ضمناً أن الطرف الأول كان قد اختار سلوك هذا الخيار إن لم يسلكه بالفعل (كلّ صخر يتحدى الموج يغرق).

وهكذا يمكن الاسترسال في تقصي واستخلاص الثنائيات الضدية من نص يحاول إخفاءها.

وكما في القصيدة السابقة لا تقتصر المعاني الضدية في قصيدة (كلنا تشرين) على الثنائيات النمطية مثل (النور / الظلمة) أو (اليقظة / السبات) بل يجتمع الطرفان النمطيان ومن ثمّ ينفتحان على ظلال معانيهما من خلال ما يرسمانه من الصور الشعرية كما في:

(وشاهروا النور على الظلمة

والورد على الرصاصة العمياء والسكين)

إذ أن المعنى المرتبط بمفردة الورد يمكن أن يتجاوز دلالته المعجمية إلى دلالته الرمزية في ضوء اقترانه بالرصاصة العمياء والسكين، كما أن هذا الإقتران يؤهله من جهة أخرى لكي يتموضع بموضع الضد مع كل واحدة منهما أي: (ألورد / الرصاصة العمياء) و (ألورد / ألسكين). وكما للطرف الأول فإن للطرفين الثانيين من كلا الثنائيتين معنى يتجاوز المعنى القاموسي إلى دلالتيهما الرمزيتين، وهما دلالتان واسعتان تُغطيان أفقاً واسعاً من معاني القسوة والسلب.

من جهة أخرى تنفتح الثنائيتان من طرفيهما لتستوعب أفق القصيدة بكامله، فالدلالات المفتوحة للنور تستوعب الإفتتاحية الخماسية للمفردات المتناغمة مع بعضها (ألنهر / النخيل / الصخر / الندى / ألطين) والتي قد توهم باستقلال بنيتها التركيبية وتكاملها الإيقاعي عن الثنائية الضدية، بالرغم من أداة العطف (ألواو). ولكن هذا الإيهام لا يصمد أمام هيمنة الطرف الأول من الثنائية، أي (النور) الذي استوعب تلك الإفتتاحية، وأدخلها ضمن المعنى الخفي لمعجمه المفتوح، بينما يتسع الطرف الثاني المزدوج من الثنائية الضدية، أي (الرصاصة العمياء والسكين) ليستوعب دلالات ما سيتلوه، أي (موقظو الأمان). وقد تشهد القراءة بعض الإنقطاعات المخادعة لامتدادات هذه الثنائية، لكنها انقطاعات تمهّد للبحث عن وسائل اتصال صورية تمدّ أواصر مع الخطوط المقطوعة للثنائية الضدية. وهذا الإتصال قد يأتي من مجال دلالي آخر ليست له علاقة مباشرة بطرفي الثنائية، بيد أن له ثمة آصرة إيحائية معهما، إذ سيتراصف الظبي والغزال مع الطرف الأول، في حين يتراصف الذئب والتنين مع الطرف الثاني، ولسنا بحاجة لتفصيل الفارق ما بين المجموعتين الحيوانيتين، وما يعكسه ذلك الفارق من دلالات.

وتقف عبارة (جميعنا تشرين) المكررة كعارضة مفصلية تتوقف عندها احتمالات التوسع الدلالي للطرف الأول من الثنائية، بينما تخصص المسافة التي ستعقبها بالكامل لاستيعاب توسعات الطرف الثاني السلبي ممثلاً بالنفايات والمحاصصين، وتلكما الصفتان المباشرتان والتقريريتان بكل محمولاتها النثرية هما صفتان لمجموعة واحدة تعاني الفصام ما بين الوعد والفعل:

(جميعهم عرقوبُ في الوعد

وفي أفعالهم إبرهة اللعين)

والشاعر في هذا الفصم الحدّي لجأ إلى نمطين من الثنائيات:

ألنمط الأول:

يمكن وصفه بالثنائية المتناغمة، ويمثل طرفيها كل من الشخصيتين التاريخيتين الرمزيتين عرقوب وإبرهة، فالشخصيتان متناغمتان ومتشابهتان في سلبيتيهما بالرغم من اختلافهما في طبيعته، فسلبية الطرف الأول في إخلافه الوعو، بينما سلبية الثاني في عدوانيته، وبغض النظر عن ذلك فالطرفان يتكاملان مع بعضهما في السوء والسلبية.

ألنمط الثاني:

تمثله الثنائية الضدية ما بين (الوعد / الفعل) أو بمعنى آخر (الوعد / إخلاف الوعد) وقد جاء المقبوس السابق لتوضيح هذه الثنائية.

هذا، وقد تكررت عبارة (جميعنا تشرين) ثلاث مرات، وفي كل مرة كانت تمهّد لدفع الثنائيات في اتجاه تتوخى من ورائه تحقيق هدف محدد يتباين مع كل تكرار عن التكرارين الآخرين:

- ففي االتكرار الأول مهدت العبارة لطرح ثنائية (النور / الظلمة) وما تنطوي عليه من مدلولات مفتوحة ومفارقة.

- وفي التكرار الثاني اختصت العبارة بالطرف الثاني السلبي من الثنائية الضدية، وقد فصلنا فيما سبق في تمظهرات هذين التكرارين.

- أما التكرار الثالث والأخير الذي مهد للختام، فقد عادت العبارة لتشكل الثنائية الضدية، ولكن بصيغة إيحائية خصت بها البلد الأمين (أي الطرف الأول من الثنائية) بينما ألمحت من خلال الإرادة:

(نريد أن يعود وادي الرافدين

البلد الأمين)

أقول ألمحت من خلال الإرادة باستعادته كونه ما زال بعرف القصيدة مسلوباً، ومن الطبيعي أن هذا التلميح بالاستلاب يطرح السؤال الضمني عن الجهة التي تستلبه، وهنا تحيلنا العبارة من خلال هذا الإيحاء إلى الطرف الضمني السلبي الثاني من الثنائية الضدية. مع ملاحظة أن الشاعر عمد إلى الإشارة لوطنه بصيغتين، ألأولى (بعدية) وقد أشار إليها بملفوظها الجغرافي (وادي الرافدين)، وهي الصيغة التي صار إليها الوطن بعد تحكّم من وصفهم ب (ألنفايات والمحاصصين) في مقدراته، حيث جُرّد الوطن من خزين إرثه الروحي، ولم يعد سوى وادياً لرافدين على الخارطة الجغرافيه. أما الصيغة الثانية، فهي (قبلية) وقد أشار إليها الشاعر بتسميتها التاريخية (البلد الأمين) وقرنها بإرادة العودة كما سبقت الإشارة، وهي إرادة استعادة الحضارة والوطن والتاريخ معاً.

في قصيدة (قلق) يموّه الشاعر أحد طرفي الثنائية في الآخر ليُمكن المتلقي من المشاركة معه في البحث عنه، بما يحرر مسؤولية التلقي والتأويل من الحكر عليه. فمنذ السطر الأول يضخ الشاعر حزمة متشابكة من الثنائيات الضدية، بعضها مكشوفة الطرفين، وبعضها توكل مهمة الكشف عن الطرف الخفي إلى الآخر المكشوف من خلال التأويل الضمني:

(منذ دهر وأنا أركض وحدي

في سباق الفوز بالجنة والنصر على بئس المصير)

فالجار والمجرور (منذ دهر) المنعقدان على زمنية ماضية وبعيدة يطرحان سؤال الماضي والحاضر، فأداة الجر (منذ) قد حددت زمن البداية بوضوح من خلال مفردة (الدهر)، وبذلك يكون الطرف الأول من الثنائية الضدية قد اتّضح، ووضوحه ضمن إمكانية تحديد الطرف الثاني، فليس من المنطقي أن أن يبقى المتكلم محتجزاً في الماضي، بينما صوت أناه (منذ دهر وأنا...) ينطلق من قاعدة في زمن الحاضر. لكن هذه الثنائية الضمنية بما تتطلبه من تخمين أحد طرفيها تبدو أوضح مدخلاً من الثنائية المركبة التي تعقبها، أي (في سباق الفوز بالجنة والفوز على بئس المصير)، إلا أن الأمر لا يستقيم بهذا التصوّر، لأن العبارة الثانية من المقبوس تشكل بحد ذاتها ثنائية ضدية (ألنصر / بئس المصير)، وهذه الثنائية يمكن تفكيكها والاستحواذ على طرفها الثاني، أي (بئس المصير) ليكون الطرف الثاني السلبي من ثنائية ضدية طرفها الأول عبارة (ألفوز بالجنة)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكن في مرحلة التفكيك والتركيب هذه اعتبار المفردتين المتناغمتين (الفوز والنصر) طرفين في ثنائية متناغمة أو تكاملية. هذه الثنائية الضدية المركبة تعقبها ثنائيتان ضديتان، الأولى ذات حمولة زمنية تُحيلنا إلى ثنائية الإستهلال (الليل / الصبح) في (مرّة يسبقني الليلُ وأخرى أسبق الصبح). والثانية هي ثنائية ضدية تعاقبية (الأول / الأخير) في:

(ليتني أعرفُ: هل كنتُ بها الأول

أم كنتُ الأخير ؟)

وهاتان الثنائيتان الجليتان مرتبطتان معاً بثنائية أخرى لكنها ثنائية ضمنية في أحد طرفيها يمكن تحريها في (وحدي أركض الأشواطَ مجهولَ المصير) إذ أن إقرار الشاعر بمجهولية المصير هو استنتاج نهائي جاء بعد جهد أولي من المنطقي أن يكون قد بُذل من أجل بلوغ مصير معلوم. وبذلك فهذه الثنائية الضمنية الطرف (معلوم المصير / مجهول المصير) هي الحلقة الرابطة للثنائيتين الضديتين السابقتين، والتي بدونها، أو بدون توقع طرفها الضمني يتبدد معنى الضدية.

***

ليث الصندوق

............

(1) ألجملة الإسمية – د. علي أبو المكارم – مؤسسة المختار للنشر والتوزيع – ألقاهرة – ألطبعة الأولى – 2007 – ص / 49

(2) بنية الثنائيات الضدية وصيغها في نصوص تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها – دراسة لسانية تحليلية – د. بدر بن علي العبد القادر – مجلة كلية التربية – جامعة عين شمس – العدد السادس والعشرون (الجزء الرابع – 2020 – ص / 67

(3) ألبديع في البديع في نقد الشعر – أسامة بن مرشد بن علي بن منقذ حققه وقدم له عبد آ. علي مهنا – دار الكتب العلمية – بيروت – 1987 – ص / 63

(4) نفسه – ص / 78

(5) ديوان أبي العتاهية – دار بيروت للطباعة والنشر – 1986 – ص / 230

(6) ديوان أبي نواس – وضعه ورتبه وشرح ألفاظه محمود كامل فريد – المكتبة التجارية – القاهرة 1945 – ص / 231

....................

- ألمرفق –

نماذج من شعر يحيى السماوي

أنا آخـر الـعـشـاق

أنا آخـرُ العـشّـاقِ من أحـفـادِ " أنـكـيـدو "..

وأنـتِ بـقـيّـةُ الوحشيةِ الأشـواقِ " سيدوري ".. (*)

هَـبَـطـتِ إلـيَّ مـن فـردوسِـكِ الـعـلـويِّ..

أنْـسَـنْـتِ الـضّـواري في كـهـوفِ الغابةِ الحجريةِ الأشجارِ..

صـرنـا فـي هـوانـا خـارجَ الـتـاريـخِ

والـكـتُـبِ الـقـديـمـةِ والـجـديـدة ِ

والـلـغـاتِ الـسّـائـدةْ

**

عـلّـمْـتِـنـي كـيـف اصـطـيـادُ غـزالـةِ المـعـنـى

وكـيـف أسـوقُ نـحـو الـبـيـدِ والـواحـاتِ

قـافـلـة َ الـغـيـوم ِ الـشّـاردة ْ

**

وأعَـدْتِ لـلأشـجـار ِ خـضـرَتَـهـا..

ولـلأنـهـارِ مـوجَـتـهـا..

ولـلـعِـذق ِ الـيـبـيـسِ نـضـائـدَهْ

**

وأعـدْتِ لـيْ مـا كـنـتُ قـد أهـرقـتُ مـن مـاءِ الـسـنـيـنِ

عـلـى رمـال الأمـسِ فـي

وطـنـي الـمُــخَـرَّز ِ بالـمـقـابـر والـمـشـانِـقِ..

والـمُـسَـيَّـجِ بـالـخـنـادق ِ..

والـمُـطـرَّز ِ بـالـتـصـاويـر ِ الـقـمـيـئـةِ..

والـمُـحـاصـر ِ بـالـجـيـوش ِ الـوافـدةْ

**

وأقـمْـتِ لـيْ كـوخـًا عـلـى سَـعَـة ِ الـهـوى..

الـنـهـرُ فـيـهِ الـكأسُ..

والـخـمـرُ الـمَـسَـرَّة ُ..

والـحـقـولُ الـمـائـدةْ

**

وأعَـدْتِ رسـمَ مَـلامـحـي..

هـذّبْـتِ قـافـيـتـي..

قـتـلـتِ الـمـارقَ الـشـيـطـانَ فـي جـسـدي..

هَـدَمْـتِ جـمـيـعَ حـانـاتي الـقـديـمـة ِ..

والـكـهـوفَ الـفـاسـدة ْ

**

آمـنـتُ بـعـد ضـلالـتـي:

فالـلـهُ واحـدُ..

والهدى في العشقِ واحدُ..

والعراقُ العاشقُ المعشوقُ واحدُ..

والسماوةُ واحدةْ..

**

وأنـا ـ الـفـقـيـرَ إلـى هـواكِ ـ اثـنـان ِ:

جـذرٌ ضـاربٌ فـي عُـمْـقِ طـيـنِ الأمـس ِ..

جـذرٌ لا رفـيـفَ لـهُ..

وغـصـنٌ دون ظِـلٍّ تسْـتـبـيـهِ الـرِّيـحُ..

أنـتِ جـمَعْـتِـنـي

فـأعَـدتِ جـذري لـلـغـصـونِ..

ولـلـنـخـيـلِ قـلائـدَهْ

**

وبـعـثـتِ نـهـري مـن رمـيـم ِ جَـفـافِـهِ

فـاخْـضَــرَّ شـاطـئــهُ الـمُـقـرَّحُ

واسْـتـعـادَ روافـدَهْ

**

طـوبـى لـنـهـري فـي تـلاشـيـهِ الـمُـبـاركِ فـي حـقـولِـكِ..

لانـبـعـاثـي فـيـكِ طِـفـلا ً شـاعـرًا

يـلـهـو فـيـنـسـجُ مـن خـيوطِ الـمـاءِ قـرطـاسـًا

لـيـكـتـبَ بـالـضـيـاءِ قـصـائِـدَهْ

**

عـيـنـايَ زائـدتـانِ إنْ لـم تُـطـبِـقـا جـفـنـًا عـلـيـكِ..

ورحـلـتـي إنْ لـم تـكـونـي ـ يـا مُـقـدَّسـةُ ـ الـبـدايـةَ والـنـهـايـةَ:

زائـدةْ

..........

(*) سيدوري: صاحبة الحانة في ملحمة جلجامش.

**

ضجيج أخرس

أيـهـا الـطـفـلُ الـفـتـى الـكـهـلُ

الـقـتـيـلُ الـقـاتـلُ الـنـشـوةُ

والـحـزنُ الـفـراتـيُّ الـمُـعَــتَّـقْ

أنـتَ لا يُـمـكـنُ أنْ تـجـتـازَ صـحـراءً بـزورقْ

وتـجـوزَ الـبـحـرَ بـالـعُـكَّـازِ..

فـاخْـتـرْ غـيـرَ دمـعِ الـنـدَمِ الـمُـرِّ عـلـى ثـوبٍ تـمَـزَّقْ

كـلُّ صـخـرٍ يـتـحـدّى الـمـوجَ: يَـغـرَقْ

فـاتـخـذْ غـيـرَ ثـقـيـلِ الـصَّـخـرِ طـوقـاً لـنـجـاةٍ

وسِـوى الأشـواكِ فـي مـعـركـةِ الـنـيـرانِ بَــيْـدَقْ

كـلُّ مـا فـي الـكـونِ مـن مـاءِ سَــرابٍ

لـنْ يُـسـاوي قطرةً فـي قـعـرِ دورَقْ

لم تعدْ في دورقِ القلبِ سوى رشفةِ نبضٍ

فـاحْـفـرِ الأرضَ بـأضـلاعِـكِ إنْ كـنـتَ ظـمـيـئـاً

وتـوضَّـأْ بـيـقـيـنٍ قـبـلَ أنْ تـدخـلَ مـحـرابـاً وتَـعْــشَــقْ

مـا تـبـقّـى مـن حـريـرِ الـغـدِ

يُـكـفـيـكَ لأنْ تـنـسـجَ ثـوبـاً مـن مـيـاهٍ لـيـسَ يُـحْـرَقْ

**

جميعنا تشرين

جـمـيـعـنـا تـشـريـنْ

الـنـهـرُ والـنـخـيـلُ

والـصـخـرُ الـنـدى والـطـيـنْ

وشـاهـرو الـنـورِ عـلـى الـظـلـمـةِ

والـوردِ عـلـى الـرصـاصـةِ الـعـمـيـاءِ والـسِّـكِّـيـنْ

ومـوقِـظـو الأمـانِ مـن سُـبـاتِـهِ فـي الـوطـنِ الـمـمـتدِّ

مـن خـاصـرةِ الـنـخيـلِ حـتـى قَـدَمَـيْ حِـمـريـنْ

نـريـدُ لـلـعـراقِ أن يـكـونَ حِـصَّـةَ الـعـراقـيـيـنْ

أنْ يـحـرسَ الأنـعـامَ فـيـهِ الـظـبـيُ والـغـزالُ

لا الـذئـبُ ولا الـتـنِّــيـنْ

أنْ نُـرجِـعَ الـسـنـبـلَ للـحـقـولِ

والـدخـانَ لـلـتـنُّـورِ

والـعـبـيـرَ لـلـنـسـريـنْ

ولـلـمـحـاريـبِ بـيـاضَ الـدِّيـنْ

جـمـيـعـنـا تـشـريـنْ

نـرفـضُ تـدويـرَ الـنـفـايـاتِ

ونـأبـى أنْ نـظـلَّ سـلـعـةً خـرسـاءَ

فـي سـوقِ " الـمـحـاصـصـيـنْ "

جـمـيـعُـهـمْ " عـرقـوبُ " فـي الـوعـدِ

وفـي أفـعـالـهـم " أبـرهـةُ " اللـعـيـنْ

عِـقـدانِ مَـرّا

لـم يـزُرنـا مـرَّةً واحـدةً عـيـدٌ

فـيُـجـلـي بـالـمـسـرّاتِ هـمـومَ الـوطـن الـحـزيـنْ

جـمـيـعـنـا تـشـريـنْ

نـريـدُ أن يـعـودَ وادي الـرافـديـنِ

الـبـلـدَ الأمـيـنْ

**

قـلـق

مـنـذ دهـرٍ وأنـا: أركـضُ وحـدي

فـي سـبـاقِ الـفـوزِ بـالـجـنَّـةِ والنصرِ على بـئـس الـمـصـيـرْ

مـرةً يـسـبـقـنـي الـلـيـلُ وأخـرى أسْــبـقُ الـصـبـحَ

وفـي الـحـالـيـنِ

وحـدي أركـضُ الأشـواطَ مـجـهـولَ الـمـصـيـرْ

لـيـتـنـي أعـرفُ: هـل كـنـتُ بـهـا الأوَّلَ ؟

أمْ كـنـتُ الأخـيـرْ ؟

 ***

في المثقف اليوم