قراءات نقدية

إنعام كمونة: نص الشاعر قصي الفضلي: فَكَرَ بصمت / نيرفانا

يقول دوسوسير: "وجهة النظر تخلق الموضوع"1

مقدمة: التعبيرعن الذات فلسفة ثقافية جلية الوضوح في كينونة الشعر وكل الأداب والفنون، باستشعار حسي، نفسي، فكري، اجتماعي، وحتى السياسي والاقتصادي، تتبلور من معانات وإحباطات مؤثرة في محيط الشاعر وبيئته، فتتقمص رؤاه إثر تجارب واقع أو خيال يرسمه شعوره، بتشكيل رؤيوي يعاصر هموم الإنسان المجتمعية العامة والخاصة، وبفلسفة ذاتية تلامس حساسيته الشعرية، وتعكس أسلوب لغته الفنية في بنية النص، من لفظ ومعنى، بظاهر التعبير أو متماهي التركيب بمجازات ما بين إشارات ورموز ودلائل وغيرها، وأحيانا تتداخل بين شعرونثر وسرد، ليعبر عما تنضوي أعماق ذات الشاعر...

- والتعبير عن الذات من الأدب الإنساني، والذي أخذ حيزا كبيرا من الدراسات الإنسانية، كما في علوم الفلسفة والإجتماع والنفس، لأهمية نقل معاناة الإنسان من تأزم يعاصر أي مظهر من مظاهر الحياة، حتى اثرى حركة الحداثة بالتجارب الشعورية، واتسع حيز الرؤى في الدراسات النقدية الحديثة عن شعرية النص، وقد اشار الدكتور علي جعفر العلاق عن توثيق التجارب، (إن النص الأدبي شعرا كان أو رواية لابد أن يصدرعن تجربة عميقة شُكِل في هيئة من الصياغة شديدة الإرتباط بالتجربة وتشظياتها، وفي غياب هذا الشرط فإن النص لا يعدو كونه أنفصاما بين القول الأدبي ودوافعه)2.

- ونرى أن التعبير عن الذات أحد المسلمات بوجهة نظر النضوج بنقاش نفسي وافي، وأحيانا يعبر الشاعر عن رؤاه تحت قناع استدعاء الآخر، ليرسى الخطاب بجماليات عناصر النص الحديث من تشكيل وأبداع ...

العنوان:

- العنوان نواة النص ومفتاح تضمين الفكرة، ومرآة دلالات رؤى الشاعر، منه نستشرق فلسفة الشاعر اضاءة أولية بمديات الموضوع، فيكون المحرك الديناميكي لذهن القارئ ورؤى التلقي، لنطرق أول باب للقراءة ونستلهم الدلالات....

- "فَكَرَ بصمتٍ" بنية فعلية تشي بإشارة علمية لمركزية الذات في التأمل والنقاش لإيجاد الحلول لمشكلة ما، ودلالة للنشاط الذهني للعقل، ومن دلالة الفعل "فَكَرَ" جهد التفكر، عنوان يحفز تساءل القارئ، من الذي فكر بصمت..؟، منه نستوحي استدعاء الآخر بإنابة الضمير المستتر "هو" الفاعل، استعارة خفية يستحثها ذهن القارئ برؤى دلالية، بما تؤسسها ذات الشاعر لموضوعية الحوار، لذا يستشرف الشاعر عنوانه بدفقة إنسانية لمنظومة دلالية حسية وذهنية بإيقاع حيوي من سمة الفعل "فَكَرَ" ليستثمركل خلجات النفس بوعي دارك، ويستحضرطبائع وميول رغائبية، تتمركز بوظيفة "العقل" البيولوجية وفسلجة الحواس، وهو أسمى هبة شعورية ميزنا الله بها عن باقي الكائنات الأخرى فطرة للبشر...

- ويبدو من دلائل سيمائية "الصمت" أبعاد رمزية غائرة، ليس لفظا بوظيفته الحصرية فقط عن قدسية السكون وأنما يشير الى المرموز له بقصدية التواصل مع إرادة الذات وجوهرها النفسي، فالاستغناء عن كينونة الكلام دلالات تمرد عن قياسات المنطق اللفظي، فالصمت استلاب خصوصية الشاعر من صخب المحيط لتحليل رؤيوي رائق والوصول لدرجة الألهام بنتائج ناجعة ...

- ومن هيكلة عناصر العنوان "فَكَرَ بصمتٍ" تعبيرمنطقي متقن الصياغة، نابض بتوبوغرافية تضاد لمكونات وجود الأنسان يؤول لمقاربة زمنية معيارية الشعور بين (التذكر والنسيان)، بارتحال معنوي بين (الماضي والحاضر) تتمثل فيه دلالة انثيال حسي تُناظر (الغياب والحضور) من تاريخ الوجود بتيار وعي متواصل، تفصح عن معادل موضوعي نفسي لفترة زمنية بمواجهة الذات...

- كذلك نستجلي دلائل موضوعية غائرة من بؤرة "فَكَرَ بصمت" تنم عن رمزية الاعتكاف الوجداني الذي يتوحد فيه القلب والعقل للذات بمونولوج نفسي لاحتواء أي انفعال شعوري أوتأثرعاطفي، لاستنطاق الوضوح من أعماق الشعور كنقطة وعي، واستكناه صوفي مع الروح بتعرية أنيوية الذات من مجاملات نوازع الشخصية، ما يتيح للذات رؤى صائبة حين تكون بسلطة العقل وهيمنة المنطق بتوهج الإدراك...

- النص: نستقرأ من فحوى النص لغة الانتقاء السردي المركب في البنية الدلالية، وحشد من دلالات بنات أفكار وخواطر ذكريات الشاعر المتواردة في عتبات النص بأسلوب متناغم لمونولوج ذاتي التحاور، فمن بؤرة اشتغالات النص وتأسيس مجساته الجوانية نلاحظ توالد رؤى نفسية متزاوجة مع تضادات دلالية من ثنائيات فسلجة طبيعة الأنسان وبما تتأثر رؤاه من توبوغرافية مجتمع فيسرد موضوع الذات بقناع الآخر.

- لنبحث عن رؤى الشاعر ومرتكز تأمل صمته من عتبات النص...

- يؤجج الشاعر حكايته الشخصية بايقاع صوتي قلق من النسق التالي "هَمهَمَ نبضُه بلغةِ الغمُوض الشفيف"، بما توحي به دلالة الهمهمة من خفوت حسي يفصح عن رواسب الهموم، فيردد كلاما غير مفهوم من الآخر، يسمعه لكن لا يفهم مغزاه، فالهمهمة دلالة حسية مكتومة الانفعال من أعماق الروح ذاتية التفكر، فهل ممكن أن يهمهم النبض وكيف..؟، نلاحظ رمزية النبض ببعده الحيوي وباطن دلالته على استمرارية مفعمة بالحياة يشي بالتأثر والإنفعال، وعندما يهمهم النبض تستجيب له بقية المشاعر بتداخل عاطفي، فنرى من رمز الدلالة ملمح سيمائي لخلجات الروح ...

- كذلك سماع همهمة النبض تستنفر وجدان الحواس، وكان من الممكن أن يعبر الشاعر ب "همهم النبض بغموض شفيف" إلا أنه أضاف مفردة " بلغة" لتتشظى للقارئ سيمائية حديث النفس بطاقة التخييل لعالم لغة الذات، وما لغة الغموض إلا حديث النفس للنفس بتستر مشروع لعدم البوح، ومكنون شخصي للتفكر الذاتي بالمشاعر ونظرا للبعد النفسي لدلالة خيبة موجعة تنوء بعيدا عن اللوم، فنرى دلائل التناقض عن وصف مناجاة شخصية بال "غموض وشفيف" بروعة استعارات وتشكيل فني متوائم العبارة ...

- ومن ثم نتابع بماذا همهم نبضه وهمس لخاطره فاستجاب له الخاطر من إنزياح دلالي بتشكيل مركب ينشطر بدلالات حسية عالي النبرة في النسق التالي، " حلَّلَ خواطِره..فنثرت مايريد قائلة:"، نستدل من غور التعبير عن رمز الخاطر بالإيحاء عن ظاهرة فكرية ملهمة من استذكار روح الماضي لتناقش دواخل النفس بذات عفوية الشعور، فنلاحظ ذروة التفكر بعمق سريرة الذات باستقطاب خواطر رؤياه وفردها معنويا للأطلاع والفهم، مما يحيلنا لمقاربة دلالية زمنية حسية عن تجربة إنسانية بحضانة طيف الزمن...

- لنتابع ذات الشاعر وما أخبر به الخاطر من الآتي ...

- نلاحظ إيقاع تقريري التعبير مشحون من طاقة الاستذكار باستشعار الماضي من الفعل "كانت" في عبارة "كانت بلا قيمة..!.. "، مع فسحة تأمل تستوقف القارئ على علامات ترقيم من نقاط وتعجب تثير سمة من إيقاع الاستغراب والأضافة الذهنية، يحيلنا لدلالة آنية الحضور بحوار نفسي مع ذات الشاعر باتخاذ قرار بعمق بصيرة ...

- ويبدو من رموز النسق "فرس رهان خاسرة" لغة مستبطنة الدلالات بتشبيه مكثف لرمز استعاري بتشكيل استبدالي لمعادل موضوعي للتجربة الشخصية، نستقرأ منه ما يؤكد صفة التنافس الجمعي للوصول إلى نهاية المطاف لذا حتمية الفوز بهدف معين عمومية حياتية بمجهولية من يكون الفائز..؟. إحالة دلالية عن الحدث بلا محدودية الزمكان ...

- ومن المفردة الدلالية "هكذا" إشارة اختزلت لما تضمنت مقدمة أنساق النص لتشابك نسج المعنى لدلالات التجربة بتكرار المعاناة، ولنتابع ما انطوت عليه بقية أنساق المتن بتحفيز القارئ لاستكشاف سرهمهمة الذات ...

- نلاحظ من التعبير الشعري البسيط والعميق" حيث تقبعُ مفردات الجنون" استخدام الشاعر دلالة ظرفية زمكانية "حيث" فاختزل التوظيف بتقنية رائعة عن استحضار ذاكرة الماضي، متراكمة في البناء الحسي والذهني من دلالة "تقبع ومفردات"، صورة حكائية رائعة السرد للتكثيف الدلالي عن وعي الأنا بتوتر ...

- كما سخر الشاعر توبوغرافيا فوضى الوعي الذاتي ببعدها التداولي من سيمائية رمز "الجنون" بمعناه اللفظي، وهناك المتناص من يوميات الحياة والمستمدة من التراث الديني، بدلالة الحكمة في الموروث المتداول، لما لها من تأثير على أفق استقبال المتلقي للتأمل والتمحيص، فنلاحظ تضاد دلالي مخفي مع الوعي بباطن معجمية" الجنون" ومركزية تشظي دلالي تستهوي أفتراضات قناعة القارئ، باحالة تأويلية عن ترسب الذكريات في مخبأها المتناسي رغم مسافة الزمن ...

- ونجترح ضمير قناع ذات الشاعر "هو" من باطن إنزياح دلالي لفلسفة إنسانية تشي بتجذر الألم من المجاز الآتي، " على صفحات ذكرياته"، فالذاكرة المتمثلة في مركز حيوية "المخ" معتكفة صومعة التفكرتراوغ أنيوية النفس، وتتوارى خلف رزنامة الزمن، يحيلنا لمستوى تأويلي عن بانوروما دلائل يبثها الشعور ما بين القلب والعقل بتوهج الأحاسيس، ففي كل الأحوال صراع الزمن والذاكرة ما بين التذكر والنسيان يترك الأثر الغير ملموس بل المحسوس النفسي لذات السارد ...

- والأستمرار بمونولوج نفسي الدلالة حيث تتواجه سلطة الذاكرة مع شخصية الذات بواقع التفكر، وتبث كل شكواها بمناجات معاناة مترسبة في سنين الذاكرة، لنستقرأ ما كتب على صفحات الذاكرة من منحى نفسي بمقاربة الضمائر من الآتي، "حروف اسمها أسقَطها عمداً" يبدو من فنية البنية دلالة تكرار الضمير المتصل من مكنون عاطفي متراكم الأثر بفقد متعمد أرهق الذات...

- تبدو مقاربة زمنية متباينة التفكيرللذات المستذكرة نستحضرها من الضميرالمؤنث في "حروف اسمها" = هي، ومن ثم "أسقطه عمداً" نستفرضه من الضمير "هو"، بتضاد ملفت يفصح عن الدلالة المركزية المهيمنة في مضمون النص، ودلالة الصراع النفسي المستمر بين الفكر والمشاعر في اتخاذ قرار، فما بينهما زمن استحفظ في وجدان الذات، وأن يشي بدلالة فيما مضى لكنه يعطي إيحاء ماض بدلالة وعي الحاضر، وبدلالة تأويلية عن حضور وغياب الوقت للتفكر بصمت فيعيدنا لتشابك العنوان ودلائله الغائرة، لذا يسترجع القارئ دلالة "الغموض الشفيف" من نسق أول القصيد فيحل القصد عن ضبابية العواطف حينذاك والإصرار على حذفه من الذاكرة، مما يدل على هيكلية القصيد ترابط متين وتعالق الأنساق ...

- ولنتابع تعبير باسلوب لغة عميقة الإيحاء من منولوج الذات في الآتي "بين حفنات أقلام عتيقة" نلاحظ سيمائية الجمع للتعبير عن الكثرة والتعدد، بقصدية الرموز "حفنات، أقلام، عتيقة" تنوء باختزال مبطن إيحائي التشكيل عن القيمة الدلالية للفترة الزمنية بتأثيرها الحسي، والتي تشي بقسوة ألم التجربة وما ترسخ في وجدان الفكر، يتلمسها بين تقلبات أوجه الزمن، إحالة تأويلية عن معاناة عاطفية طويلة الأمد ...

- لنتابع الأنساق الثلاث الآتية وتمركزها بوحدة المعنى دلالة عن تأزم الارتباط العاطفي بمقاربات بليغة غائرة الإيحاء تضمنت ثيم ميتافيزيقية عن الموت والحياة لنتابع ...

- نرى أسلوب التكثيف الدلالي في التشكيل الصوري التالي، "تمر على قبر حلم عصيّ"، وباستعارة تناصية لرمزية "الموت = الفناء"، بهاجس ميتافيزيقي، لما له من مجهولية زمان ومكان، وسيرورة وجود لا علم للإنسان بها، كررها الشاعر بثلاث انساق متتالية مع استعارة رمز دلالي صوفي الإيحاء هو "الحلم= موت مؤقت" ومن باطن دلالاته الميتافيزيقية لحياة أخرى، ومن استعارة التشبيه المعياري بين الموت والحلم تؤكد دلالات الإحباط النفسي، فأن يقبر الحلم بدلالة اليأس، وأن يكون عصي نستبصره باحتمالات حلول، فكيف أن يكون الحُلم في قبر وعصي؟، إحالة لدلالة تأويلية الشعور وأشارة ضمنية بخطب المستحيل...

- استثمر الشاعر التناقض الإستعاري من العلاقة الجدلية للوجود بين الموت والحياة، بدلالة رمزية "الحرف" في السياق التعبيري "حيث يولد حرفٌ ليموت آخر" كمعادل موضوعي باللجوء لعلاقة عاطفية ثم لوعة إجهاض الأحاسيس عدة مرات، فدلالة الفقد في صيرورة الموت، والأمل في سيرورة الحياة مستلهما فلسفة وجودية بفرضياتها المتراكمة من توبوغرافية التراث الديني والاجتماعي، وبالتالي تحيلنا لأُفق دلالي متعدد الرؤى بين الواقع والخيال يستدركها القارئ بفلسفة فكرية إنسانية الشعور عن الوحدة والغربة ...

- وفي تضاد تراسلي بين فيزيائية فكر الإنسان وحيوية سيرورة الوجود بصورة حكائية تتمظهر من النسق الآتي "حكايته يرويها أمام سكوت الأموات" تعبير موجوع لرؤياوية الذات الموحشة بإيقاع صوتي حواري صامت مع الذات، دلالة عن منهجية وجود بدلالة رؤى حسية وتضاد غائر بين (الحياة والموت فهو يتكلم والآخر لا يسمع وكذلك تضاد غائر بين (الوجود والاوجود) فهناك عالم آخر هو لايراه، وتضاد آخر يمثل (الإنتماء والاإنتماء)، إحالة تأويلية عن أهمال الآخر، لربما وجع غير مسموح التصريح به...

- ومن أنساق الخاتمة نلاحظ ثيمة فلسفية عن سيمائية الوقت من أجندة ذاكرته ...

- نستقرأ سخرية القدر من المشهد الحسي تشي بها رؤى الشاعر من الفعل " فيبتسم: "، دلالة استنكارمقنع لذات الشاعر بإيقاع صوتي، ويسترسل واصفا الوقت بمنحه إنسانية الشعورمعنويا في التعبير المجازي عن زمن التجربة في الإنزياح الدلالي من الآتي "الوقت ابتسامة من يملك الأسرار كلها"، يبتسم الوقت ومتى..؟، فللوقت اسراره المغلقة بدلائل الكتمان، لذا يستوجب التوقف والتأمل..!!، حين تكون مواجهة سريرة الذات مع نفس الشاعر تتعري ذاته من الأنا الغرورستنفك قيود المكابرة، إحالة سيكولوجية التأويل عن إفاضة الوعي عند نقطة الاعتراف واتخاذ مشروعية القرار بقناعة ...

- ونجد كثافة الإيحاء من بساطة التعبير في المجاز الآتي، " لم يبق الكثير أيتها القصة العابرة"، بنية فنية جازمة العزم نستخلص من الضمير المتصل دلالة تضاد لحضور وغياب الذات، وتتجلى دلالات بمدارات متعددة منها باطني وظاهري لسيرورة لزمن، ونستقرأ من رمز "القصة" استحضار استعاري للآخر بابعاد خطاب مخاتل يشي بعلاقة الحبيبة أوالتجربة تنم عن بداية ونهاية حكاية، بما تختزن ذاكرته من فترات عذاب حسي، لذا سيغوص ذهن القارئ مرات عديدة، بكل عتبات النص وتفاصيل السرد ليستنتج أن كل ما يمر من تجارب العمر هو زمن مهمش، فيستقرأ دلالة زمن ضائع أيقنه الشاعربحواره النفسي مع الذات الصامتة بحزن المشاعر، إحالة لدلالة تأويلية بانتهاء دورالإحباط مستقبلا بوعد منه للتفكر ...

- ومن هذه الرحلة الزمنية نستقرأ دلالة المنطق من التعبير الحسي الصوتي الآتي "غادرت ضحكتكِ العارية"، خطابه للحبيبة يأتلف بمشهدية الغياب من اشارة الفعل "غادر"، يوحي لحوار استشعاري للآخر، بدلالة استحضاره بوهم النسيان، لأنه يستذكر ضحكتها من صفحات الذاكرة، مما يحيلنا لدلالة تأويلية عن محاولة التبرأ من أثرالماضي فهل من جدوى..؟...

- ومن قرار خاتمة ميتافيزقية المفهوم بتصور ذهني للقارئ نستقرأ الغياب والحضور من انيوية الزمن من صيغة بسيطة التعبير عميقة الدلالات "تلهثُ خلفه بلا روح "، يبدو بحسية الحوار تضاد دلالي غائر، فنجد الفعل "تلهث" أنثوي الأشارة بدلالة طاقة حركية عن سرعة تنفسس وصوت مسموع بظاهر المعنى، وباطن المعنى تشير لبعد نفسي الدلالة بالألتفات للماضي لما يتبعه من استمرارية الاشتياق...

- نستخلص دلالة الموت من "بلا روح"، توظيف رائع معنوي القصد لندم الحبيبة بدلالة استعادة الحبيب، إحالة تأويلية عن الموت السريري للتجربة في لا وعي الشاعر، باستدراج استفزازي لرؤى القارئ الوجدانية والإنسانية يستمدها من تجربة حميمية من ذروة النص ليتدبر ذهنه بالعديد من الدلالات، ومن رحى الخاتمة استذكر إحساس فكري راق لي للفيلسوف عبد الرزاق الجبران يقول فيه " كثيرون هم من أودعوا قلوبهم في الأوراق "3، فهل تحرر الفكر والذات مما طبع من حب في عمق الذاكرة يستذكره حتى النسيان.. ؟، وهل يمكن لذكرى الحب أن تموت بما فكَرَ بصمت ..؟ قد يكون شبه تحررأم نيرفانا للفكر والروح ...

- نستنتج من رسالة الشاعر خطاب ذاتي مؤثر، بإشكالية رؤى تسترعي انتباه القارئ لمراجعة مراحل عمره باتخاذ القرارات، وتلك محاولة ذكية للخطاب الأدبي المنبه لإستقراء الشخص ذاته، والتأمل العميق للأحداث في العلاقات الأجتماعية والعاطفية، وما يؤكد لتأويل دلالي لتوبوغرافية مراحل النضوج باختلاف وجهات النظر من عمر لآخر بالإنصات للوعي نضوج أحاسيس النفس بحتمية مواجهة الحقائق الواقعية وتعرية العقل من المؤثرات الخارجية والميول بمحاورة ذات الذات للعثور على الحلول.

***

قراءة بقلم: إنعام كمونة

........................

هامش

1- فرديناند دي سوسير عالم لغوي شهير

2- من كتاب الشعر والتلقي – دراسات نقدية

3- من كتاب جمهورية الله ص249

فَكَرَ بصمتٍ

قصــــ الفضلي ــــــي

هَمهَمَ نبضُه بلغةِ الغمُوض الشفيف

حلَّلَ خواطِره..فنثرت مايريد قائلة:

كانت بلا قيمة..! ..

فرس رهان خاسرة

هكذا...

حيث تقبعُ مفردات الجنون

على صفحات ذكرياته

حروف اسمها أسقَطها عمداً،

يبحث عن روحه

بين حفنات أقلام عتيقة

على أوراقه مكدّسةٌ عباراتُ الحب.. بحروف براقة ...

تمر على قبر حلم عصيّ..

حيث يولد حرفٌ ليموت آخر.. بلا نهاية

حكايته يرويها أمام سكوت الأموات..

فيبتسم: الوقت ابتسامة من يملك الأسرار كلها

لم يبق الكثير أيتها القصة العابرة

غادرت ضحكتكِ العارية

تلهثُ خلفه بلا روح

***

2017

في المثقف اليوم