قراءات نقدية

زكية خيرهم: النضال من أجل البقاء والمقاومة في رواية:

النضال من أجل البقاء والمقاومة في رواية "نيران طرفي النهار" للروائية د. لطيفة حليم

تعد رواية "نيران طرفي النهار" للدكتورة لطيفة حليم عملاً فنيًا متميزًا في الأدب العربي الحديث، لتميز أسلوبها بالتنوع والغموض وعدم التسلسل المتعارف عليه في الأساليب الروائية. تأخذ المؤلفة القارئ في رحلة بين الفكر والذكريات والأحداث التي تجري في الحاضر والماضي، وتتناول موضوع القهر بكل أشكاله السياسي والاجتماعي، بالإضافة إلى موضوعات متنوعة مثل صعود التكنولوجيا وتحديات العولمة. يمكن أن يكون من الصعب بعض الشيء اتباع السرد الغير تقليدي لكنه يستحق الجهد من القارئ. فالرواية تضفي صوتا ملحميا ومؤثرا على الموضوعات الحيوية والمعاصرة. والتركيز على النضال المستمر من أجل البقاء على قيد الحياة والمقاومة الفردية والجماعية، مما يجعلها نموذجًا للأدب العربي الحديث الجريء والمتميز في تناول المواضيع الحساسة والمثيرة للجدل بطريقة فنية متقنة نقدية ومتفوقة، تمكنت فيها الروائية من توصيل رسالة قوية حول أهمية الصمود والتحدي في ظل الظروف القاسية التي يواجهها الفرد والمجتمع، مما يجعل روايتها إضافة قيمة للأدب العربي الحديث. إن هذا الأسلوب الاسترسالي الذي تعتمده الكاتبة، على الرغم من عدم انتمائه لتيار الوعي الشائع، يعد وسيلة فعالة لإبراز الميثولوجيا النفسية الفردية وتأثيرها على وجدان الشخص. وباستخدام هذا الأسلوب، تتمكن الكاتبة من تقديم وصف دقيق ومفصل للأحداث والشخصيات، وتجعل القارئ يتوغل في أعماق نفس الشخصيات، ويشعر بتحولاتها النفسية وتعقيداتها، مما يمنح الرواية شكلاً ملموسًا للحياة. تمحور رواية "نيران طرفي نهار" حول تقديم مشاعر الشخصيات وتفاعلاتها مع العالم المحيط بها، وتحقيق هذا الهدف يتم بأسلوب نفسي يضفي عمقًا وتعقيدًا أكبر على الرواية. وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب النفسي يضيف تعقيدات داخلية أكثر، إلا أن الكاتبة تستطيع ببراعة تحقيق الجوانب العاطفية والنفسية للشخصيات وتعقيداتها الداخلية. وهذا يساعد القارئ على الاستكشاف العميق للشخصيات وفهمها بشكل أفضل. إن قدرة الكاتبة على استخدام الأسلوب النفسي وتحليل الشخصيات وفهم دوافعها وسلوكياتها بشكل لا ارادي من أهم عناصر جعلت من نصها فضاء فنياً جميلاً ومؤثراً بشكل عالٍ. وقد اعتمدت الكاتبة في تقديم قصص وأحداث متكررة بطريقة جديدة ومميزة، ما يميزها عن النصوص الأخرى ويعزز من قيمتها الفنية العالية. تدور الأحداث بين زوج وزوجة يتحدثان عن الكتب التي تزيل عنها الزوجة الغبار وتُعرف المجتمع من خلالها على الكتب المعرفية، يمكن فهم هذا العمل الروائي بأن الموضوع الأساسي للعمل ليس التنظيف ولا يمكن تحديده بجانب منه، ولا يتعلق الأمر بالعرض الموجز للكتب التي تتعلق بالموضوع. بل يتمحور العمل بشكل أساسي حول الفن الأدبي، ولا ينبغي الاهتمام بالعرض الجانبي الذي يهمل ثم لا يحفز الانتباه للإبداع الروائي. تمسح الغبار في الرواية كعملية تنظيف الأتربة أو الغبار من سطح ما، سواء كان سطحا أفقيا مثل الأرض او عموديا مثل الأثاث. وقد تستخدم هذه العبارة في الأدب الشعبي والشعر كمصطلح تشبيهي للإشارة إلى تخلص شخص ما من الأحزان أو الأفكار السلبية. فربما استعملتها الكاتبة للدلالة على شيء معين في القصة، سواء كان ذلك بشأن تنظيف شيء مادي أو رمزي.

" تمسح الغبارعن كتاب تهافت التهافت...." ص 62

" تمسح الغبار. لاتهتم بما يكتبه العرب من شعر عن اغتصاب فلسطين. تهتم بما يكتبه شعراء العالم. لأنهم يطرحون قضية فلسطين برؤية كونية مختلفة عن الشعراء العرب." ص 278

" تمسح الغبار. و في مكاشفة ربانية صوفية هبطت من السماء، تكتشف أكذوبة الوطن. الوطن يمتلكه "جنكيزخان". تستغرب أمر مجموعة من طلبتها خرجوا إلى الشارع يضعون سكاتات في أفواههم. ص 282

" تمسح الغبار. تردد بهمس حزين - أنتمي لزمن الأوباش. تفكر في غربة "أسد" بكندا، والحكايات الطريفة التي يحكيها لها. تتعجب، لا يؤمن بالوطن ولا تعنيه مذكرات جده عن الوطنية. غادر ارضه مع مجموعة من المهندسين. نال شهادة الماستر من جامعة لافال وصادف 11سبتمبر وحملة الكنديين على العرب. لم يجد عملا." ص286

" ينتبه اليها وهي تمسح الغبار. يتعجب من حرصها الشديد على تقليب رسائلها الإلكترونية وقدرتها على ترتيب الكتب بخزانتها. مع علمه أن هذه الكتب لم تقرأها." ص 293

" تمسح الغبار وهي تفكرفي علاقة كرة القدم بالسلطة. تستعين بمحرك البحث. تجد أن هناك علاقة تركيبية بنيوية بين كرة القدم والسلطة" 307

" تمسح الغبار عن رواية هنا الوردة. تسأله عن الفرق بين جامعة الدول العربية وبين منظمة الأمم المتحدة"

استخدام التكرار في هذا العمل الروائي تقنية أدبية استخدمتها الروائية لطيفة حليم للاشارة الى الأحداث والمشاعر بطريقة غير مباشرة، لتترك المجال للقارئ لاكتشاف هذه الرموز وتفسيرها وفقًا لتجاربها الشخصية والثقافية. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا التكرار ليس مجرد حدث عفوي في النص، بل جزءًا من الأسلوب الأدبي الذي استخدمته الكاتبة لإضفاء مزيدًا من التأثير على النص والمشاعر التي تحملها. يمكن اعتبار رواية "نيران طرفي النهار" كعمل فني ينتمي إلى الحركة الحديثة في الأدب، حيث يتم التركيز على التعبير عن المشاعر والأفكار والتجارب الشخصية بدلاً من الاهتمام بالأحداث والحبكة السردية التقليدية. ومن خلال هذا النهج الفلسفي، تحاول الرواية تجسيد صورة مفعمة بالحياة والحركة والتنوع، تعكس الحياة الإنسانية بكل تعقيداتها ومتناقضاتها، وتفتح المجال أمام القارئ للاستكشاف والتفسير والتجربة.

***

زكية خيرهم

في المثقف اليوم