قراءات نقدية

علي فضيل العربي سيميائية العلاقة بين الرجل والمرأة في رواية غابات الإسمنت

مدخل: صدرت رواية "غابات الإسمنت" للروائيّة والشاعرة العراقيّة، ذكرى لعيبي، في طبعتها الأولى سنة 2023 م، أي بعد أحد عشر عقدا من ظهور رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل (1913 م). حينذاك، كان الفنّ الروائي العربي في طور الجنين والتكوين في رحم الأدب العربي الحديث أيّام انبعاث النهضة الأدبيّة العربيّة في الشرق العربي (مصر، الشام، العراق)، وكان يعتريه الخجل والخوف من سلطة العادات والتقاليد ومن استبداد الدروشة الدينيّة. أمّا، وقد بلغت الرواية العربيّة المعاصرة مرحلة الفطام، فقد ظهرت على ساحتنا الأدبيّة ؛ السرديّة والشعريّة، أديبات ومبدعات وروائيات وشاعرات، شغلن الورى، وملأن الدنى - على قول الشاعر الجزائريّ والمجاهد الكبير مفدي زكريا -، وملأن الأنظار، وأسمعن - على قول شاعر الحكمة أبي الطيّب المتنبي - من بهم صمم. لقد جاءت سرديّة " غابات الإسمنت " لتنزع أقنعة الطابوهات السائدة خفية عن الأعين، في المجتمع الشرقي، وهي طابوهات ترعاها الأفكار الثيوقراطيّة، ويستغلّها الفساد السياسي والنفاق الاجتماعي الفظيع لقضاء مآربه الذاتيّة الضيّقة.

1 - سيميائية الذكورة الشرقيّة:

عُرفت الرجولة عند الإنسان العربي، منذ العصر الجاهلي، بمجموعة من الخصائص النفسيّة والأخلاقيّة، والسمات الجسديّة. فقد ارتبطت الرجولة بالشجاعة والشهامة والإباء والعزّة والمروءة والإقدام والقوّة والسؤدد والتضحيّة والإيثار. فإذا كانت الذكورة جنس، فإنّ الرجولة صفة يكتسبها الذكر بالدربة والتعلّم ومخالطة الرجال الحقيقيين والصادقين. فليس كل ذكر، هو بالضرورة، رجل. فقد يعيش المرء بذكورته، وهو فاقد للرجولة الحقة. وفي القرآن الكريم، ذُكر الرجال في مواضع البذل والتضحيّة والتعظيم. " مِنَ المُؤْمِنينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَه َعَلَيْه ِ، فَمِنْهُم مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرْ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاٌ " (الأحزاب / الآية 23)

عُرف المجتمع الشرقي (العربي / الإسلامي) منذ فترة ما قبل الاسلام بتمجيد الذكورة وتحقير الأنوثة. فكان الإنسان العربي في صحراء شبه الجزيرة العربيّة (اليمن ونجد والحجاز) يتشاءم من الأنثى ل، فإذا رزقه الله بنتا ظلّ وجهه مسودّا من شدّة الحزن والقنوط، إلى درجة الإقدام على وأدها. كما وصفه الله تعالى في محكم تنزيله. وهكذا انتشرت ظاهرة وأد البنات عند بعض القبائل العربيّة.

في رواية غابات الإسمنت، للروائيّة العراقيّة ذكرى لعيبي. قدّمت لنا بورتريه للرجل الشرقي، من خلال علاقاته المضطربة بالمرأة، زوجة وعشيقة. رجل في صورة شهريار زمانه، مستندا على عصا العصمة والقوامة.

بطلة الرواية هي السجينة، الجاسوسة، المخبرة، القاتلة لزوجها الخائن، إنعام عبد اللطيف الحاير (ميساء أدهم عبد الرحيم). أمرأة محكومة بثماني سنوات سجنا نافذا، جرّاء إقدامها على قتل زوجها الخائن وعشيقته، قضت منها ثلاث سنوات، واستفادت بالإفراج المسبق، وبشهادة (مزورة) حسن السلوك. وهو ضرب من الابتزاز الذي مارسته إدارة السجن، وعلى رأسها النقيب ابتسام علاّم، ومصالح المخابرات.

ترجع البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير (ميساء أدهم عبد الرحيم)، سبب دخولها السجن إلى زوجها الذي ضبطته متلبسا بالخيانة مع عشيقة له. فما كان ردّ فعلها سوى قتلهما معا دفاعا عن شرفها، وقدسيّة الحياة الزوجيّة. أيّ أنّها ارتكبت فعلتها تلك (جريمتها) عن وعي وقصد وإصرار، لكنّ مجتمعها الشرقي، المحكوم بأغلال التقاليد والعادات الباليّة، لم ينصفها ولم يعذرها، بل أدانها - إلى جانب وسائل الإعلام - ووقف إلى جانب زوجها الخائن، وتبرأت منها أسرتها.

جاء على لسان الراوية إنعام عبد اللطيف الحاير: " الناس والصحف رأوني مجرمة أستحقّ القصاص، مشفقين على زوجي " ص 19.

فقد وقف المجتمع برمته إلى جانب زوجها، الطرف القويّ. لم يلتمس لها قطمير عذر. ونزع منها حقّ الدفاع عن شرفها وشرف الرباط المقدّس الذي جمعها بزوجها، اشفق على زوجها الخائن، الزاني، وحرمها من....

و في موضع آخر تعبّر الراوية البطلة بحسرة عن الأسى الذي لحقها من أهلها بعد الجريمة: " أمّا أهلي الذين تخلّيت عنهم وتخلّوا عنّي، منذ دخلت السجن، فقد لاموني على فعلتي، وحجّتهم، مادام زوجي وفّر لي السكن والعيش والعمل، فلأدعه يفعل ما يشاء، لم يعلق بأذهان الجميع سوى بركة الدم ومقتل القتل الشنيع " ص 19.

و هذا الموقف من الأهل، يدّل على ازدواجيّة المعايير الأخلاقيّة في المجتمعات الشرقيّة، والانحياز الفاضح للذكورة، وإلغاء الطرف الآخر (الأنوثة). فالرجل (سي السيّد) يفعل ما يشاء، وما يجري على المرأة لا يجري عليه ؛ يخون زوجته في السرّ والعلن، يزني بعشيقاته بال رادع يردعه. أيّ أنّه يمارس حريّته في إشباع نزواته ورغباته، ويستغلّ مركزه في المجتمع لفرض سلطته على زوجته، باسم القوامة والعصمة.

الرجل الشرقي، الذي لقّبه نجيب محفوظ في ثلاثيته المشهورة (قصر الشوق، السكريّة، بين القصرين)، بـ (سي السيّد)، الرجل الأنانيّ، الساديّ، الأرعن، الصنم المقدّس، الذي ينظر لزوجته الأميّة أو المتعلّمة نظرة دونيّة ونقص وعور (المرأة ناقصة عقل ودين).... " لأنّ الأفضل للمرأة وفق العادات والتقاليد والعرف السائد، أن تلزم الصمت أمام زوجها في كلّ الأحوال ؛ حين يهينها تصمت، وإذا ضربها تصمت، أما إذا رأته متلبّسا بالخيانة والزنا فما عليها قبل كل شيء، إلا أن تكبت بنفسها وتستر كأنّها هي المذنبة، وإلا ستكون مضغة للأفواه " ص 27.

عالجت الكاتبة ظاهرة الخيانة في المجتمع الشرقي، بكل أبعادها ؛ الجنسيّة والسياسيّة والدينيّة والفكريّة. جاء على لسان الراوية (بطلة الرواية) إنعام عبد اللطيف الحاير قولها " اكتشفت أنّنا نعيش في مواجهة تسونامي الكذب الأكبر، رجل الدين المزيّف يكذب.. والسياسي الموالي لغير بلده يكذب.. والمثقف الذي لا يحترم نفسه.. وغير المثقف الذي يتّخذ من الكذب باب سخريّة.. والفقير والصغير والكبير... " ص 133.

إذن يعاني المجتمع الشرقي من أزمة عميقة، ذات أبعاد أخلاقيّة وثقافيّة وفلسفيّة. فالخيانة في رأي الراوية، بطلة الرواية إنعام عبد اللطيف الحاير (ميساء أدهم عبد الرحيم) سليلة الكذب الأكبر. فإذا كان رجل الدين – وهو من صمّامات الاستقرار الاجتماعي - مزيّفا، كاذبا، محرّفا للدين ومزيّفا للحقائق، فإنّ عواقب ذلك وخيمة على الفرد والمجتمع. وهنا، تثير الروائيّة، من زاوية خفيّة وتلميحيّة أزمة التديّن المزيّف في المجتمع الشرقي، وما نتج عنه من مجموعات متعصّبة ومتطرّفة، وأخرى إرهابيّة، أهلكت الحرث والنسل. حيث وجدت هذه الأخيرة دعما ماليا ومعنويا وإعلاميّا من المنظّمات الماسونيّة والصهيونيّة والنصرانيّة المتطرّفة، نظرا لقدرتها على تدمير الذات الشرقيّة المعتدلة، بأيدي أبنائه المغَرر بهم.

وهذا رجل السياسة الخائن لبلده، والموالي لأعدائه والخدوم لهم، يبيع ضميره الوطني والمهني في سوق الخيانة والكذب، طمعا في تحقيق مكاسب ذاتيّة، خاصة. إنّ الفساد السياسي نابع من خيانة الرجل السياسي للأمانة والمسؤوليّة، حين يستغلّ منصبه السياسي الرفيع في إشباع نهمه المالي ونزواته وشهواته الجنسيّة. لقد اكتشفت الراوية، بطلة الرواية إنعام عبد اللطيف الحاير (ميساء أدهم عبد الرحيم) عالما عجيبا بعد دخولها السجن، وصداقتها للنقيب ابتسام علاّم. اكتشفت عوالم العهر والمخدّرات والخمور والرشوة والابتزاز والشذوذ الجنسي والخيانة الدينيّة والسياسيّة والثقافيّة والكذب الأكبر وغيرها من المفاسد المُهلكة، عوالم لا يعلمها إلاّ من ولج إلى دهاليزها المظلمة. تصف منزل السيّد رئيس غرفة التجارة قائلة: " هذا المنزل للعهر وعمل الصفقات " ص 118. وفي موضع آخر تصفه النقيب ابتسام علاّم قائلة: " الوقح يعقد صفقات لدول أخرى بأرباح من الطرفين " ص 120.

كان الرجل الشرقي البدوي – ومازال - رمزا للأنفة والإباء والفحولة والكرم والإيثار والغيرة والقوّة التفسيّة والبيولولوجيّة. يدافع عن قبيلته وعشيرته، ويحميها بماله وروحه.

حتى قال أحدهم:

وما أنا إلاّ من غزيّة إن غوت ** غويت وإن ترشد غزيّة أرشد.

و كان الرجل الشرقي، إذا وقع في يد العدوّ أسيرا، لا يقدم على خيانة قومه مهما لقيّ من العذاب أو الإغراء، لأن ذلك السلوك الشائن، في نظره، كما هو سائد في عرف قومه، ينزع عنه صفة الرجولة.

لكنّ مخرجات التمدّن والحداثة والعصرنة، قضت على كثير من المباديء والقيّم الساميّة المرتبطة بالرجولة، والحافظة لها. وذلك بسبب مغريات الحياة وشهواتها وحبّ المصالح الذاتيّة والتملّك والسلطة. " " هناك رجال يملكون السلطة والمال والقرار السياسي " ص 90.

رجال أفسدتهم السياسة الرعناء والمال القذر والجنس الحرام (العهر والبغاء). فصار الجنس – مثلا – قوّة سلبيّة، استُغلّت لابتزاز النفوس الضعيفة. رجل " نقطة ضعفه النساء " ص 108.

بل تحوّل الجنس لدى الرجل الشرقي المتمدّن ورقة سياسيّة مؤثرة في أيدي الخصوم، ووسيلة ضغط لنيل المناصب السياسيّة الساميّة، أو العزل منها. " المعلومات التي بين يدي، أنّ السيّد رئيس غرفة التجارة، وهو منصب رفيع، بيديه الاستيراد والتصدير، وغرفة تجارة البلد... عرفت أنّه مغرم بالنساء، على الرغم من أنّه متزوج من اثنتين، واحدة منهما أجنبيّة " ص 107 / 108.

و تتساءل السجينة نجاح قائلة: " القانون. ولماذا لا يُسنّ قانون مماثل يوقف نذالة الرجال وسعارهم؟ " ص 62.

فهذا الرجل الشرقي (المتمدّن) المتعجرف، الخاضع لسيكولوجيّة وعادات مجتمع (القطيع)، الذي سنّ قوانين لوأد عقل المرأة ثقافيا وسياسيّا، ومصادرة عواطفها ومشاعرها، وسعى إلى اعتقال أحلامها في سجن (الحريم)، لا يُنتظر منه أن يسنّ قانونا يدينه، ويعيده إلى جادة الصواب، بل يستحيل أن يتنازل عن سعاره ونذالته.

الرجل الشرقي في رواية " غابات الإسمنت " لذكرى لعيبي، كائن مقهور، ذو شخصيّة مزدوجة، متناقضة، رجل مكبّل الفكر. يحاول تعويض عقدته الدونيّة، باضطهاد زوجته بأساليب شتى. وأبرزها الخيانة والتعدّد دون ضرورة اجتماعيّة أو أخلاقيّة، اللهم إلاّ رغبته في الإشباع الجنسي.

تقول السجينة الراويّة) إنعام عبد اللطيف الحاير (ميساء أدهم عبد الرحيم)، تصف زوجها الذي خانها، بعد شهر من زواجهما، مع فتاة أجنبيّة من " جنسيّة أخرى... من بلد غير بلدنا، جاءت تبحث عن لقمة العيش " ص 14:

" تألمت كثيرا، وجنّ جنوني ؛ ثم تظاهرت بالبرود حين سمعت أنّ زوجي جرّدها من الشيء الذي لا يعوّض بثمن، وعوّضها عنه بمبلغ كبير من المال مقابل سكوتها، المهم أنّه اشترى شرفها مثلما يشتري أيّة سلعة تعجبه في السوق: جلاّبية، حذاء، قلم حبر، ساعة، سيارة، أي شيء يخطر في البال، حتى إذا ما شبع منه، رغب عنه فألقاه بعيدا عنه " ص 15.

رواية غابات الأسمنت، للروائيّة العراقيّة ذكرى لعيبي، إدانة صريحة ومباشرة لسلوكيات الذكر الشرقي المسنود اجتماعيا ودينيّا وعرفيّا. هذا الذكر الشرقيّ الجاحد، الذي أنجبته امرأة (والدته) ؛ فقد حملته وهنا على وهن تسعة من الأشهر المؤلمة، ووضعته وأرضعته حتى الفطام ورعته في طفولته حتّى شبّ واشتدّ عوده، وفي الأخير أنكر الجميل، وبدت له المرأة ناقصة عقل ودين.

سيميائية الرجل الشرقي في هذه الرواية، تفضح خلق النفاق في علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الشرقي. فهو يزعم الدفاع عن الشرف، ويرتكب (جرائم الشرف) في حقّ المرأة، ولا يعاقب الطرف الآخر بالعقوبة نفسها. وكأنّ الخيانة وانتهاك الشرف تخصّ المرأة دون الرجل، إنّه أسلوب الكيل بمكيالين.

يبدو الرجل في رواية غابات الأسمنت، لذكرى لعيبي / مصدر كل الشرور التي تلحق المرأة. فكلّ السجينات والمضطهدات في الرواية هن ضحايا للرجل الفاسد أخلاقيا وسياسيا، بل للرجل المصاب بعقدة الفوقيّة المتسلّطة. وكأنّ تسلّط الرجل على المرأة، مظهر من مظاهر إثبات الرجولة الزائفة.

سيميائية الأنوثة الشرقيّة:

قدّمت الروائيّة ذكرى لعيبي في روايتها " غابات الإسمنت " المرأة الشرقيّة في ثوب الضحيّة. وجعلت بطلتها (إنعام عبد اللطيف الحاير) أنموذجا نمطيّا لسيميائيّة علاقة اللاتوازن، واللاتكافؤ بين الرجل والمرأة في المجتمع الشرقي. فرغم انتشار التعليم، والفكر الديمقراطي والحريّة والوعي بين الإناث، لم تتغيّر نظرة الرجل الشرقي إلى زوجته. باعتبارها في نظره، امرأة مطيعة، خاضعة لإرادته، خادمة لرغباته، آلة للتناسل، لا تتعدّى وظيفتها رعاية الأبناء والقيام بالخدمات المنزليّة اليوميّة ؛ من طبخ وغسيل وكنس، وغيرها.

و إذا كانت المرأة الشرقيّة في البيئة المدنيّة والحضريّة، قد نالت قسطا من الحريّة والتعليم الابتدائي والعالي والجامعي، وانخرطت في سوق العمل، مثل نظيرتها في الغرب، فإنّ المرأة الريفيّة لم يتزحزح وضعها الاجتماعي قيد أنملة، بسبب موقف الرجل الريفي إزاء ها، ومازالت مجرّد جسد يستغلّه الرجل لإطفاء هيجانه الجنسي.

لقد كانت المرأة الشرقيّة قبل الاسلام وبعده، سيّدة في قومها، رغم لجوء بعض القبائل الجاهليّة إلى وأدها. لقد كانت الخنساء أعظم شاعرة في قومها، وكانت هند زوجة أبي سفيان سيّدة أيضا، وكانت السيّدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوج الرسول محمد بن عبد الله صلّى الله وعلى آله وسلّم، صاحبة تجارة في قومها قريش نحو الشام، وكانت خولة بنت الأزور بطلة قومها في الحرب، وكانت زنوبيا ملكة في عشيرتها ومملكتها في الشام، وكانت ولادة بنت المستكفي أديبة وشاعرة في قرطبة، وكانت لالة فاطمة نسومر قائدة في جيش المقاومة ضد المحتل الفرنسي في الجزائر، وكانت دلال المغربي، ومازالت، رمزا للتضحية والفداء في فلسطين، وكانت جميلات الجزائر * مثالا للشجاعة والتحرّر. والأمثلة كثيرة، لا يمكن حصرها، ولا إحصاؤها، أبدا.

في حياة بطلة الرواية (إنعام) مفارقة عجيبة، ليست من صنع الخيال، بل هي من صلب الواقع الغرائبي الشرقيّ المعيش. لقد مرّت حياة البطلة بالمحطات التاليّة: مواطنة عاديّة وزوجة، ثم مجرمة، قاتلة لزوجها الخائن وعشيقته، ثم سجينة مثليّة محكوم عليها بـ 8 سنوات سجنا نافذا، ثم عميلة في جهاز الأمن والمخابرات تحت ستار امرأة أعمال).

أيعقل أن تتحوّل من مجرمة مدانة إلى حارسة على أمن الوطن. أليس ذلك من غرائب الأمور؟ إنّ حماية الوطن من العدو، يوكل إلى أناس أسوياء أخلاقيّا وسيكولوجيا، وليس لأناس مرضى، ومسبوقين عدليّا.

لكنّ الأمر في المجتمعات التي يسوسها الاستبداد السياسي، والفساد الأخلاقي، يبدو عاديا تماما. " فأنا منذ كنت في السجن، تمّ تهيئتي لأستدرج شخصيات كبيرة ذات مقام وثقل " ص 144.

وفي الحوار التالي، الذي جرى بين السجينتين (سابقا)؛ مديحة وإنعام عبد اللطيف الحاير، تفضح لنا الروائيّة واقعا مليئا بالدسائس والمكائد، وهو استغلال المرأة المكسورة الجناح والخواطر وابتزازها مقابل تبوأ مكانة اجتماعيّة راقيّة مصطنعة.

- (مديحة). حبيبتي أنا سيّدة مجتمع... أتصدّقين؟

- (إنعام). وهل سيّدات المجتمع أفضل منك؟

! - (مديحة). من قحبة إلى قوادة

- (إنعام). لا تقولي هذا.... لم تقولين ذلك؟

- (مديحة). هذا هو الواقع، وإن اختلفت المسمّيات.

- (إنعام). هذه قسمتنا.. وهذا هو نصيبنا.. أفضل من أن نجد أنفسنا في الشارع، لا أحد يدفع عنّا مكروها والجميع يستغلّوننا. أسألك بالله: ما جدوى الرغيف حين يستبدّ الجوع بالأرواح؟ ص 131.

إن هذا الحوار السالف بين المرأتين السجينتين سلفا (مديحة وإنعام)، يجسّد لنا نموذج المرأة الشرقيّة المعذبة والمستعبدة في مجتمع تقليديّ ومتخلّف ومتعجرف، يحكمه التمييز الفاضح بين الذكر والأنثى. مجتمع يستغلّ المرأة جسديّا وماديّا وروحيّا، ويعاملها كسقط المتاع.

المرأة في رواية (غابات الإسمنت) لذكرى لعيبي، امرأة متعلّمة ومثقّفة، وعاملة، من بيئة مدنيّة وحضريّة، لا بيئة ريفيّة وأميّة، أيّ أنّها نالت قسطا من الحريّة. لكن وجودها في مجتمع ذكوري ساديّ وظالم ومتعصّب ومغلول بالعادات والتقاليد الموروثة، جعلها مضطهدة ومستعبدة وضحيّة مسلوبة الإرادة، مستسلمة لواقعها المعيش.

و كأنّ عالم السجن في حياة نساء " غابات الإسمنت " هو انعتاق من سجن آخر مفتوح اكثر قسوة ومرارة، بلا أبواب ولا أقفال حديديّة مغلقة ولا أسوار اسمنتيّة مسلّحة عاليّة. إنّه سجن الذكورة الشرقيّة الرعناء. فقد وجدت الشخصيات النسائيّة، الناميّة والجاهزة على حدّ سواء، في مجريات أحداث رواية غابات الأسمنت، للروائيّة ذكرى لعيبي، بين أسوار السجن فضاء أكثر حريّة من الفضاء خارج السجن، أيّ فضاء الشارع والحياة الطليقة. وهذا ما عبّرت عنه بطلة الرواية إنعام عبد اللطيف الحاير بقولها: " فقد رأيت أنوار المدينة، ونور النهار مع حبيبتي وأنا في السجن، حين كنت أخرج معها. " ص 126.

أجل، لقد وجدت تلك النساء السجينات ضربا من الحريّة في السجن المغلق. فطفقن يمارسن حياتهن من جديد، لكن بشكل مختلف ومغاير لحياتهنّ قبل إيداعهنّ السجن. فقد كانت الحياة داخل السجن مستقلّة عن الرجل، وكأنّ السجن حررهنّ من قيود الرجل وتعسفه وظلمه وعصمته وقوامته الزائفة. وهكذا تنقلب معايير الحياة، ويمنح السجن حريّة وطمأنينة أكثر من العيش خارجه. أي أنّ المكان (السجن والشارع والبيت) ينتحل رمزيّة سرياليّة،

فالبطلة (إنعام عبد اللطيف الحاير) (ميساء أدهم عبد الرحيم)، أطلقت العنان لممارسة حياتها المثليّة والجوسسة، مضحيّة بكلّ القيّم والمباديء التي آمنت بها، ودافعت عليها، وكأنّها مارست سيكولوجيّة الانتقام للتخلّص من العار الذي حلّ ببيتها، والتطهّر من الخوف. " وجدت أنّي أصبحت في لحظة الغضب رسّامة ماهرة، أرسم باللون الأحمر وحده ؛ إذ لا شريك معه من الألوان الأخرى. الزرقة تلاشت. الأصفر يهرب. الأخضر غائب... والدم المسفوح يتحدّث بصوت على وقع بكائي " ص 18 / 19...

فقد قتلت زوجها الخائن رفضا للخيانة، ولكنّها بالمقابل، خانت نفسها واسمها وهويّتها ومبادئها وقيّمها وأنوثتها وفطرتها وإنسانيتها حين قبلت الانخراط في عالم المثليّة الجنسيّة (الشذوذ الجنسي)، وتغيير اسمها إلى (ميساء أدهم عبد الرحيم). وهذه مفارقة، تكشف عن اضطراب سيكولوجي عميق، وتناقض سلوكيّ رهيب وخروج بيّن عن الفطرة السليمة. قد يبرّر (بضم الياء وفتح الراء الأولى) ذلك السلوك، برغبة البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير (ميساء أدهم عبد الرحيم) في الانتقام من ماضيها الأسود، ومن بقايا ذاكرة مؤلمة، ونكاية في زوجها الخائن، أو محاولة لإثبات الفرق بين مفهومي الذكورة والرجولة. فقد سعت، وهي الأنثى قلبا وقالبا، إلى ممارسة طقوس الرجولة بعيدا عن الأنوثة لنفي مفهوم الذكورة عند الرجل الشرقي. وهو سلوك ينمّ عن عمق المأساة التي تعيشها المرأة الشرقيّة تحت نير الهيمنة الذكوريّة المكتسبة، والتي أوجدتها شريعة التقاليد والعادات البالية.

الهروب من الواقع المعيش، ليس، دائما، هو الحلّ المثالي في حياة الإنسان. وهو سلوك سلبي، يلجأ إليه الفرد حين يعجز عن التكيّف مع النسيج الاجتماعي. وهو سلوك نفسي قد ينشأ بسبب إصابة الشخص بطيف التوحّد، أو الكآبة أو انفصام الشخصيّة. لقد لجأت البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير - وبغير إرادتها – إلى الاختفاء من عيون مجتمعها، وراء قناع الاسم المستعار (ميساء أدهم عبد الرحيم)، لبدء حياتها من جديد، وهو ما يعني أنّها لم تتحرّر، بل وضعت نفسها في سجن جديد اسمه (التنكّر).

ورغم كرهها للرجل، بعد حادثة خيانة زوجها لها مع عشيقته ومعاقبتهما بقتلهما معا، وانخراطها في المثليّة الجنسيّة، ما فتئت تحن إلى الرجل. لقد أدركت أن وظيفة الرجل في العمليّة الجنسيّة والإنجابيّة لا تؤديها المرأة. لذلك نجدها (وهي الكارهة والناقمة من الرجل) تقرّر الزواج مرّة أخرى لا من أجل تحقيق سنّة النكاح الشرعي التي تنجرّ عن الزواج الحلال عادة. وإنّما لغاية أخرى في نفسها، من أجل إنجاب وريث أو وريثة لما تملك من مال وعقار. " فكرة الزواج والنسل الذي هو امتداد رائعة جدا، اقتنعت بها تماما " ص 169.

كما عبّرت النقيب ابتسام علاّم عن رغبتها تلك لحبيبتها إنعام عبد اللطيف الحاير قائلة: " عندي المال والعقار ؛ لكن أين يذهب كل ذلك في المستقبل؟ وأنت أحببتك وأحبّك إلى الأبد، أين ستذهب أموالك؟ " ص 164 ثم أردفت قائلة بجدّ وإصرار: " نتزوّج ونحبل ثم نطلّق " ص 164.

و أفصحت لها عن مخاوفها من ضياع ثروتها في المستقبل بعد وفاتها، فهي لا تريد أن يرثها أهلها. و" لا تضيّع ثروتها وتذهب لأهلها الذين ظلموها " ص 166.

و بالمقابل، لم تعارض إنعام عبد اللطيف الحاير فكرة حبيبتها النقيب ابتسام علاّم. لقد كرهت فكرة الاقتران برجل مهما كان مركزه الاجتماعي، فالرجال عندها سواسيّة، وإن اختلفت صورهم وأعمارهم وحسبهم ونسبهم. فهم في نظرها ساديّون وخونة. وهذا، الموقف النمطي الذي عبّرت عنه البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير، فيه الكثير من المبالغة القاسيّة والتطرّف المرضي والفوبيا الذكوريّة. إنّه موقف غير عادل، فظاهرة الخيانة الزوجيّة في المجتمع الشرقي استثنائيّة ولا تبلغ درجة العموم، ولا حتى درجة الجزئية. وقد تكون المرأة سببا مباشرا لها.

" لم أكن أريد العودة إلى حياتي القديمة، أنفر منها ولا أحنّ إليها قط، لذا ينبغي لي أن أخطط للمستقبل " ص 169. فهي ترغب في الإنجاب دون أن يدخل بها زوجها الجديد، أي دون ممارسة العلاقة الحميميّة المفروضة بين الزوجين. تقول إنعام عبد اللطيف الحاير عن زواجها من المفوّض عبد الحق " أصبحت زوجة مرّة أخرى.. زوجة بشكل آخر " ص 171. وتقول أيضا: " وكان أهم شرط عندي ألاّ يباشرني، بل نذهب إلى طبيبة من معارف ابتسام نسّقت معها لفحص السجينات، على أن تلقّحني من حيامن العريس في عيادتها، وتتأكد من تخصيب بويضتي" ص 170. وتعترف أيضا بقولها: " ومع قرفي الشديد من عبد الحق الذي رأيت فيه كلّ الرجال " ص 172. أي أنّ زواجها زواج مصلحيّ وظرفيّ، لا غير، فهي، كما تقول، كرهت جنس الرجال، كرها مطلقا، بسبب الخيانة،، ولا تثق في أحد منهم، وتصرّح قائلة: " قبل أن أراه قرفت منه، ذكّرني بصورة الدم، ولم أقنع نفسي قط أنّي يمكن أن أحبّه " ص 169.

ومن خلال اعترافات البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير، والنقيب ابتسام علاّم، بدت لنا أن ما تعيشانه من شذوذ ومثليّة وكراهيّة للرجل، ناتج عن وجود فجوة سوداويّة في النشأة الأسريّة، والنظام والتربوي. وكلاهما مبنيّ على ملمح تفضيل الذكر على الأنثى، أو كما قال الفيلسوف أرسطو: " إن الطبيعة لم تزود المراة بأي استعداد عقلي يعتد به، ولذلك يجب أن تقتصر تربيتها على شؤون التدبير المنزلي والأمومة والحضانة وما إلى ذلك ". وأضاف: " ثلاث ليس لهن التصرف في انفسهن: العبد ليس له ارادة، والطفل له ارادة ناقصة، والمرأة لها ارادة وهي عاجزة ". وقال أيضا: " إن المرأة للرجل كالعبد للسيد، والعامل للعالم، والبربري لليوناني، وإن الرجل أعلى منزلة من المرأة ".

و هكذا، نلاحظ أن المرأة قد وقعت ضحيّة الفلاسفة ورجال الدين والأدباء والعامة. وكأنّها، كما قال أرسطو: " المراة رجل غير مكتمل ". أو كما ادّعى سانتو توماس دي أكينو قائلا: " المرأة خطأ في الطبيعة، فهي ولدت من نطفة قذرة. ". وكأن الرجل ولد من نطفة ذهبيّة. أو كما زعم رجل الدين والحقوق مارتن لوثر: " الرجال لديهم اكتاف عريضة وأرداف ضيّقة. لقد وهبوا الذكاء. النساء لديهنّ أكتاف ضيّقة وأرداف عريضة، لإنجاب الأطفال والبقاء في المنزل ".

إنّ الرجل الشرقي والغربي، هما من أوصلا المرأة الشرقيّة إلى مستوى الهوان والحرمان من الحقوق الفطريّة. ممّا جعلها تتمرّد عليه، وعلى فطرتها. لقد رأت البطلة إنعام عبد اللطيف الحاير أنّ كيّانها آيل إلى الزوال، وأنّ هويّتها، كأنثى، مهدّدة بالاضمحلال أو المحو في كنف وجود وجود رجل أرعن وخائن وساديّ. لهذه الأسباب وغيرها انتحلت المثليّة، وتقمّصت دور الرجل والأنثى معا، بمعيّة النقيب ابتسام علاّم وأوامرها ومغرياتها، وراحت تمارس الإشباع الجنسي بأسلوب شاذ.

رسمت الروائيّة ذكرى لعيبي المرأة الشرقيّة في صور متباينة:

- فهي الكائن الأنثوي المستضعف ماديا وروحيا، وهي ضحيّة طغيان منطق الذكورة في المجتمع الشرقي القائم على سيادة العادات والتقاليد البائدة.

- هي المرأة المتمرّدة، التي تحاول بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، التحرّرمن عبوديّة الذكورة، وذلك لتحقيق وجودها وتميّزها، والحفاظ على خصوصياتها المعنويّة ومكانتها الاجتماعية.

- هي المرأة المنتقمة، غير المستسلمة، التي تدافع عن شرف كيانها أمام خيانة الذكر (الزوج) لها. تحت ذريعتي العصمة والقوامة. ولو كان ذلك بارتكاب جرائم القتل، أو ممارسة سلوكيات شاذة، كالمثليّة أو الاختلاس أو السرقة أو المتاجرة في الممنوعات والمحرّمات.

- هي المرأة المتناقضة في سلوكياتها ؛ فهي تمقت خيانة الذكر من جهة، ومن جهة تخون فطرتها وأنوثتها بممارسة الشذوذ الجنسي (المثليّة)، وقبولها بتغيير اسمها، وانتحال اسما مستعارا كما فعلت إنعام عبد اللطيف الحاير، التي تحوّلت إلى ميساء أدهم عبد الرحيم.

- هي المرأة التي أنصفتها الديانات السماويّة، وظلمتها القوانين الوضعيّة، وسحقتها العادات والتقاليد الميّتة والمميتة، بل لم تنج من ألسنة بعض الفلاسفة والمفّكرين ورجال الدين، كـ: آرثر شوبنهاور، الذي وصف المرأة بأنّها (حيوان طويل الشعر وقصير التفكير) وسان خوان الدمشقي الذي زعم أنّ (المرأة حمار عنيد)، وفرانسيسكو دي كيفيدو القائل: (الدجاج يضع البيض والنساء القرون) وغيرهم.

وبالتالي فالمرأة في رواية غابات الأسمنت، لذكرى لعيبي، مصابة بـ (فوبيا) الذكورة والخيانة الزوجيّة ومشاعر الإحباط وأزمة الساديّة الذكوريّة، وتعاني من عقدة الدونيّة في محيطها الأسريّ والاجتماعيّ. وكلّها مشاعر وأحاسيس سالبة، تنمو مع النمو العقلي والبيولوجي، لتمسي جزءا من حياتها اليوميّة، بل تغدو في حكم المباديء ومرتبة القيّم الأخلاقيّة والاجتماعيّة المقدّسة، التي يحرم عليها الخروج عنها، وتُجرَّم إن خرجت عنها وتُعاقَب العقاب القاسي.

إن سيميائيّة العلاقة بين الذكورة والأنوثة الشرقيتين، في رواية " غابات اللإسمنت " لذكرى لعيبي، ذات وجه سلبيّ، لا تتجاوز مخرجاتها حدود القمع المعنوي والمادي الممارس من طرف " الذكورة " على الأنوثة. فعوض أن يكون الرجل حاميّا لوجود المرأة وشرفها، وداعما لدورها المنوط بها في بناء المجتمع على أسس سليمة. سيميائيّة تعكس سطوة العادات والتقاليد، وهيمنة فلسفة القوامة والعصمة المكتسبة من البيئة الثيوقراطيّة المتزمّتة.

كلّ الأديان السماويّة كرّمت المرأة، كما كرّمت الرجل. ولم تفرّق بينهما في ممارسة العبادة. وحدّدت لكل منهما دوره البيولوجي والاجتماعي بدقة وإيجابيّة. لكن الرجل المدّعي كمال العقل وصفة الحكمة والرشاد، حرّف دور المرأة وشوّه صورتها في المجتمع، وحوّلها إلى آمة تُمارس عليها سلوكات العبوديّة، وخدمة الرجل باسم الطاعة الزوجيّة. والغريب في تلك العلاقة غير المتكافئة، وغير العادلة، أنّ حاجة الذكر إلى الأنثى ضرورة فطريّة، ويستحيل استمرار عمليّة التناسل، وآليات التكاثر للجنس البشري في غياب الأنثى، بل إنّ الأمر يشمل جميع الكائنات الحيّة ؛ الحيوانيّة والنباتيّة، البريّة والمائيّة دون استثناء. إنّ ظاهرة المثليّة الجنسيّة أو يسمى (مجتمع الميم) القائم على الشذوذ الجنسي، ستفضي – لا محالة – إلى انقراض الجنس البشري. والسؤال الذي يحيّر العقلاء، ويشيب له الولدان: كيف تنجب المرأة دون نكاح الذكر لها؟ إنّه لمن المستحيل أن يحمل الذكر مثل الأنثى ويلد ويرضع. إنذ مجتمع الميم، الذي يروّج له في الغرب، باسم الحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان، سيغرق الإنسانيّة في مستقنع الفساد الأخلاقي، وسيسوقها إلى أمراض مستعصيّة ومزمنة ومهلكة..

خلاصة:

سعت الروائيّة ذكرى لعيبي، في روايتها غابات الإسمنت، إلى إبراز أهمّ الطابوهات المميتة، التي مازالت تتحكّم في المجتمعين العربي والإسلامي (المجتمع الشرقي)، وتديره من وراء ستائر العادات والتقاليد الباليّة. وهي طابوهات تنشط في الغرف والدهاليز والأقبيّة المظلمة. لكنّ لا أحد يجرؤ على فضحها، إمّا خجلا، وإمّا خوفا من ردود الأفراد والجماعات، خاصة الجماعات المقنّعة والمتلحفة بالدين، وإمّا اعتقادا بأن الخوض في الطابوهات انتهاك للخصوصيّة والحريّة الفرديّة، وتهديد للسلم الاجتماعي.

و مهما، يكن، فإن مفهوم الواقعيّة في الأدب، ليس تناول ما هو ظاهر للعامة والخاصة، وما هو منسجم مع قناعات القارئ وإيديولوجيته وتوجّهاته السياسيّة والدينيّة والثقافيّة، بل لا بد أن يمتلك الأديب ناصية الإبداع، وملكة التنقيب في أعماق النفس البشريّة – من خلال كتاباته السرديّة أو الشعريّة – ويمتلك الشجاعة الأدبيّة الكافيّة لمواجهة فوبيا الخوف من الآخر، وما ينجرّ عنها من الصمت واللامبلاة. وقد امتلكت الروائيّة العراقيّة ذكرى لعيبي، في روايتها غابات الإسمنت، الشجاعة الأدبيّة، وحطمت قيود الصمت، وفكّت أغلال الخوف واللامبالاة والنفاق الاجتماعي.

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

........................

* غابات الإسمنت: رواية للكاتبة العراقيّة ذكرى لعيبي، صادرة في طبعتها الأولى سنة 2023 م، عن دار الدراويش للنشر والترجمة – كاوفبويرن – جمهورية ألمانيا الاتحادية.

* ذكرى لعيبي:

كاتبة وروائيّة وقاصة وشاعرة عراقيّة لامعة وغزيرة الإنتاج الإبداعي. من مواليد ميسان. هاجرت من العراق عام 2000 م، وهي تقيم بين ألمانيا ودبي. عضو في كل من: إتحاد كتاب وأدباء العراق، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، واتحاد الصحفيين العراقيين واتحاد الصحفيين والكتّاب العرب في أوربا. ودارة الشعر المغربي ومؤسسة حميد بن راشد النعيمي لجنة الطفولة والشباب (عضو سابق) مؤسسة المثقف العربي/ سيدني – أستراليا، مؤسسة وشبكة صدانا الثقافية / نائب رئيس إدارة مجلس المؤسسة لجنة دعم كتاب الطفل / القيادة العامة لشرطة الشارقة / عضو مؤسس نادي دبي للصحافة. بيت الشعر في الشارقة.

من إصداراتها:

لقد جاوزت إصدارتها 36 منجزا أدبيا، توزّع بين مجموعات قصصيّة للكبار وللأطفال وروايات ودواوين شعريّة ونصوص مفتوحة، وكتب مشتركة). نذكر على سبيل المثال، لا الحصر، مجموعات قصصيّة (الضيف، حبّ أخرص، ثامن بنات نعش، رسائل حنين، للخبز طعم آخر)، إضافة إلى مجموعة من الروايات (خطى في الضباب، يوميات ميريت، غابات الإسمنت،) كما لها إسهامات كثيرة في أدب الطفل (شمس ورحلة الأمس، حكاية الطاووس والثعلب، اللصوص والقلم المعطّر، قطرة الماء السعيدة)، أما إسهاماتها الشعرية، فنذكر لها ما يلي: (امرأة من كوز وعسل، يمامة تتهجّى النهار، بوح في خاصرة الغياب).أما الكتب المشتركة، فنذكر: ترانيم سومريّة المشتركة، العبور إلى أزمنة التيه، حكايات ميشا) وغيرها من الكتب.

لها لقاءات وأمسيات أدبيّة وشعريّة في كل من:

معرض الشارقة الدولي للكتاب.

مهرجان الشارقة القرائي للطفل.

إتحاد كتاب وأدباء الإمارات.

جمعية المثقفين العراقية / مالمو- السويد

النادي الثقافي العربي / الشارقة

قناة الشارقة الفضائية.

قناة الاتجاه العراقية.

قناة الشرقية من كلباء – هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون.

في المثقف اليوم