دراسات وبحوث

وما ملكت أيمانهم .. وماملكت أيمانهن .. أين الموقف الانساني من الأماء عند المسلمين؟ / عبد الجبار العبيدي

 ويقول القرآن الكريم: (أو ما ملكت أيمانهن او التابعين، النور 31).

 

ان بحث ملك اليمين يحتاج الى دراسة خاصة ومعمقة في فلسفة القرآن الكريم، بعيدا عن أراء الفقهاء ورجال الدين التقليديين بعد ان ظل النص الديني بلا تأويل. فقد أعتُبرملك اليمين رقاً وعبودية من الناحية التاريخية اليوم رغم كونه موجودا في التنزيل الحكيم ورغم اختفاء مدلوله في عالم الواقع . لذا من واجبنا اليوم ان نبحث عن مدلول يتموضع فيه هذا المصطلح، ولا ندري لربما تكون نصف آيات الاحكام نسخت تاريخيا وهذه مشكلة لم يفطن اليها الفقهاء . ولهذا سنكون أمام العديد من الأشكاليات الذي أوجدها هذا المنطق الفقهي الرمادي الميت. فاللباس والحجاب في عهد الصحابة الأوَل لم يطل الاماء ولم يدخل في حشمتهن، فكن يمشين في الطرقات كاشفات الرؤوس والصدور، فقد روى أنس بن مالك أن أماء عمر بن الخطاب (رض)"كن يخدمن في البيوت والواحدة من هن كاشفة عن شعرها ويضطرب ثديها في صدرها دون وجل، أنظر البيهقي، السنن الكبرى 2/227" .

أما في مجال الجنس فثمة أشكالية أكبر الا وهي ان الذكور في المجتمعات الاسلامية على أمتداد العصور طبقوا عملياً قوله تعالى:( ألا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين، المعارج30). لكن التطبيق كان من جانب واحد فقط لا غير لماذا؟ لا تفسير عندهم له ولن يستطيعوا التبرير . ألم يكن هذا الامر تجاوزا على انسانية المرأة الانسانة؟

لقد اشار التنزيل الحكيم الى علاقات جنسية بين الزوج وملك اليمن، يقول الحق: (يا ايها النبي أنا أحللنا لك أزواجك اللاتي اتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك، الاحزاب 50). ويقول الحق: والذين هم لفروجهم حافظون. . . . الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، المؤمنون آية 5، 6). ويقول الحق :او ما ملكت أيمانهن، النور31).

 فأذا كان الزواج حالة اجتماعية شرعية منها الجنس والنسب والصهر، والاولاد والاسرة والعيش المشترك في الحياة تحكمها الشرعية المعلنة بالتصديق والشهود، فكيف اجازوا لملك اليمين ان تشارك الزوجة حياتها وهي لا تملك شرعية المتزوجين؟ في حين ان ملك اليمن هدفه جنسي بحت، الم يكن هذا يتعارض مع الشرعية بتدليس. واليوم كثُر الزواج بالمتعة والمسيار والعرفي، لذا ارى انه يجب ان يطلق عليه(عقد احصان)عوضا عن التسميات السابقة المستحدثة لكونه باطلا شرعاً وقانوناً. فأين المرجعيات الدينية وفقهاء

 

  2

الدين واصحاب دكاكين المتعة؟ امر في غاية الخطورة ان تترك الامور على عواهنها بأيديهم وغالبيتهم من المنتفعين من كل تدليس. وهم أس تخلف الشعوب الاسلامية اليوم.

وبالتطبيق الاحادي هذا أجازوا بموجبه للرجل المتزوج ان يطء أمته، ولم يجيزوا للمرأة أن يطأها عبدها، الم يكن هذا الأجراء مخالفة للنص القرآني كما في قوله تعالى :وما ملكت أيمانهن؟ وهل بمقدور أحد ان يلغي النص؟ فهل من حق عمر بن الخطاب ألغاء نص المتعة أو أيقافه ولم يأمر بتطبيق النص الاخر. وقلنا سابقاً ان الخليفة عمر(رض) اوقف نص المتعة ولم يلغيهِ، لأن ليس من حق عمر أوحتى النبي من ألغاء النص القرآني، لكن هذا الأجراء أتخذ من أجل صيانة الاسرة العربية التي اصبحت مهددة بالتفكك بسبب غياب جنودالفتح لمدة طويلة عن نسائهم عند فتوح فارس والشام، وان الروميات والفارسيات قد شغف بهن جنود الله في الفتح فنسوا ما فاتهم من زمن فأرادوا التعويض دون النظر الى التشريع.

 وفي الاخبار ان أمرأة من الاماء مارست الجنس مع عبدها فمنعها عمربن الخطاب او عاقبها والنص جاء مبهماً. ولحل هذه الاشكالية يجب التأكد من النص الضائع . وفي الغالب كان العرب يلجأوون لأخصاء العبيد على طريقة الرومان من قبلهم، وهي جريمة أنسانية لاتغتفر، فما هو حكم الشرع فيها؟ فقتل النفس في نظري أفضل من الأخصاء وحرمان الحياة لمَ لم نجد أجابة عند الفقهاء ورجال الدين عنها سوى ما ذكروه لمنعهم من معاشرة الجواري ولزيادة قوتهم الجسمية في العمل، ولم يقولوها صراحة لغيرتهم منهم جنسيا، واذا قرأت عن الخصيان عندهم لاعتراك العجب. هؤلاء يريدوننا ان نصدقهم بنقل النص وتفسيره، بعد ان خانتهم الحجة فيه؟ أنهم يصمتون ترضية للسلطان، أعتقد أنهم لن يستطيعوا الاجابة وسيبقوا من الصامتين صمت القبور؟والقرآن لم يفرق بين الابيض والاسود والعبد والسيد، يقول الحق : (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم، الحجرات 13.

وحين التفتيش في كتب الفقهاء ومقالاتهم عثرت على بعض أرائهم الضعيفة ولوا صمتوا لكان أفضل لهم من البوح فيها ومنها:

ان الذين حفظوا فروجهم من الحرام ولم يقعوا في الزنا فلهم الافضل ان يطئوا الأمة المباحة فلا لوم ولا حرج عليهم، وكانوا يعتبرون الاماء جزءً من أموالهم، ,لكن هل في نص قرآني يعتمدون عليه في الحجة والمنطق يبرر لهم ذلك؟ طبعاً لا، لكنهم يبررونه على طريقتهم (هكذا أجمع العلماء ورجال السلف) ولا ندري منهم هؤلاء العلماء ورجال السلف؟ ويعتبرونه من تمام نعمة الله عليهم وهم غير ملزمين بالقسم والعدل بينهم وبين الاماء، (الفتوى رقم 8720، 18851) كما يقول ابن القيم الجوزية. وكأن الأمَة حيوان لا شعور أنساني له، والقرآن لم يفرق بين البشر. الا يعد هذا التصرف خروجا على النص القرآني؟

ويدافع البعض عنهم بقوله :لم يعد الان من وجود لمُلك اليمين لكن بعض زعماء ورجال القبائل العربية يمارسون الزنا مع عبيدهم وخدمهم الى الان وخاصة في الدول الخليجية الثرية مستغلين فقر حالهم ومن يطلع على اروقة المحاكم اليوم يعتريه العجب والذهول من الممارسات الخاطئة مع عبيدهم وخدمهم. ويقول البعض من المتزمتين ان عتق العبيد في الاسلام قد قلل من الاماء، جواب لا يلتقي مع العدل والمنطق.

 

  3

حين ان القرآن الكريم لم يعلن رسمياً ألغاء الرق سوى ما جاء بآية العتق أختيارياً( فك رقبة) أي تخليص صاحبها من الاسر والرق والآية جاءت على سبيل النصح والأرشاد لكنها لم تكن حدية )سورة البلد، آية 13. من الغريب انهم كانوا يمارسون الزنا مع الأماء لكنهم يمنعون عبيدهم من ممارسته معهن، وكأن العبيد لا غرائز جنسية لهم ولا شعور انساني يحملون، ولم يكتفوا بهذا بل لجؤا الى أخصائهم جنسيا، وتلك جريمة لا تغتفر . وحين يقول القرآن الكريم( لا تعولوا) اي لا تكثروا من الاولاد خشية العوزفلم نجد نصا للتفسير، فكيف عالجوا هذا النص لاندري، ومن أين يأتون بالموانع الجنسية في ذلك الزمن المتوحش. لم يعطونا التفسير المنطقي للنص، ففسروه على هواهم .

ألم نقل لكم ان غالبية أراء الفقهاء ورجال الدين جاءت عن غير علم ودراية بالقرآن الكريم وما يحمل من اراء علمية وانسانية، وأنما على الحدس والتخمين وبمرور الزمن أصبحت قواعد خاطئة مطبقة بين الناس وكأنها حقيقة، فهل لا زلنا نؤمن بما يقولون ونحن في مشارف القرن الحادي والعشرين ليبقى العميان يتصرفون بنا على رأي هكذا أجمع العلماء وماقاله السلف الصالح وهم الجهلاء في تفسير النص والدين. ؟

ومع ألغاء نظام الرق اليوم في كل أنحاء العالم ومراقبة منظمات حقوق الانسان لهذا الالغاء، فقد نسخت آيات ملك اليمين تاريخياً، وهذا أمر في غاية الخطورة، مالم نبحث عن مدلول معاصر لملك اليمين نستطيع به تلافي نقص التشريع، أنطلاقاً من ان الرسالة المحمدية رسالة صالحة فعلاً وحقاً لكل زمان ومكان والا من حق المسلم وغير المسلم ان يبحث عن الجواب المجهول.

 ولعلنا نرى اليوم ان زواج المسيار المتبع في دول الخليح والزواج العرفي في مصر والذي شاع عند البعض مؤخراً، ليس زواجاً بالمعنى الكامل ، لكنه ليس حراماً عندهم بعد ان برره الفقهاء من وعاظ السلاطين، ألا يمكن أعتباره شكلاً معاصراً من اشكال ملك اليمين. هذه القضية يحتدم عليها النقاش اليوم بين المرجعيات الدينية التي تتهم الشيعة بممارسة الزنا المكشوف في المتعة وتغض الطرف عن الممارسة الاخرى عند السُنة في المسيار والعرفي الذي أصبح شائعاً حلالاً عندهم. علماً بأن زواج المتعة المستهجن والممقوت حضارياً جاء بنص قرآني آني ثبت، كما في الآية الكريمة :(فما أستمتعتم به من هن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة . . . النساء 24). اما حجتهم بان النص الغي من الخليفة عمر فهذه حجة واهية لا تستند الى دليل، لكنه جاء لحل اشكالية آنية لا حل لها في ذلك الزمان الصعب الا به، فالعودة اليه اليوم من أية فرقة لا يبرره عرف او قانون. وعلى من يستخدم المتعة اليوم مبررة بالنص عليه ان يفي بشروطها الشرعية لا الشروط الانية كما يتصورون. يجب على الحكومة العراقية ان تعلن انتهاء هذا التصرف الخاطىء بالقانون والا هي شريكة فيه .

 ليس هذا هو موضوعنا، ولكن الموضوع ينحصر في ملك اليمين وكيف أجيز للصحابة ومن تبعهم من استخدام الأمة كسلعة للمتاجرة الجنسية فيها في وقت جاءت آية الزنا بنص حدي لا يقبل التآويل . يقول الحق : (ولا تقربوا الزنا أنه كان فاحشة وساء سبيلا، الاسراء 32) . ان غالبية الصحابة أستمتعوا بالآماء، أنظرأبن حزم في المحلى 10/31 والالباني في ارواء العليل 1792 . فهل هم أجازوا الاستمتاع المبطن لأنفسهم ومنعوه عن الاخرين؟ وهل هذا يجوز في التهاون بحقوق الناس عند المسلمين، والعدل في الاسلام مطلق.

 

-             4

علماً بأن جيوش الفتح استخدمت الروميات والفارسيات اللواتي وقعن في الاسر كجواري أصبحن اماء لهم وقسم منهم تزوجوهن فيما بعد والاسلام يقول :(عاملونهن بالحسنى ولا تسبى الذراري)، فهل يجوز شرعا وقانونا معاشرة الأمة قبل الزواج منها. والا من أين جاءت كل هذه التجاوزات الفقهية على المرأة عند العرب والمسلمين حين قالوا: لا يقطع الصلا ة الا مرور المرأة والحماروالكلب، أنظر صحيح مسلم كتاب الطهارة، والمصادر التاريخية الاسلامية المعتمدة لديهم الان تحت مادة أماء. لقد استهانوا بالمرأة وخرقوا النص الديني الذي يحميها. فأين أنسانية الانسان التي كرمها الاسلام عندهم ؟

لاشك نحن اليوم نعيش ازمة فقهية حادة، ولنصرخ باعلى اصواتنا :اننا بحاجة الى فقه جديد معاصر، وبحاجة الى فهم معاصر للسُنة النبوية، ويقول البعض ماهو البديل؟البديل هو صياغة نظرية أصيلة في المعرفة الأنسانية (جدل الأنسان) منطلقة من التأويل العلمي للقرآن الكريم لا التفسير الفقهي الترادفي الناقص الخطير، فالمنطلق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي الجديد. علنا نستطيع ان نتخلص من الملايين من هذه الكتب الفقهية التي سممت عقول الناشئين وتدرس على أنها الاسلام فولدت لنا فكر القاعدة الأعتدائي الرهيب فهل من مجيب؟

علماء الاجناس يقولون : ان لا تفاوت بين أجناس البشر وان اختلفوا في اللون والجسم، فالتركيب البدني واحد، والقدرات الذهنية واحدة، وتشترك الاجناس كلها في درجات الذكاء، ولا ادري لماذا كان الماضون يرون ان الجنس الاسود اقل ذكاء وقدرات عن غيره من الاجناس، وهذا وَهمُ لا يقوم على اساس . انهم يتجاهلون ان المفضلين في الاسلام هم الذين يمتازون بخلق متين وامانة وصدق وصفاء نية وبعدُ عن الخداع وليس باللون والمعتقد، ألم يكن عنتر بن شداد وعمار بن ياسر من السود . لقد ثبت بالتجربة العلمية والعملية ان ذلك يقوم على العصبية لا على اساس علمي رصين، وهي عادات توارثوها من الجاهلية ولا زالوا بها يلهجون.

 انا أعتقد من وجهة نظري الخاصة ان الاية الكريمة كانت محددة بشروط الرضا من الجانب الاخرفي ممارسة الجنس مع الأمة، وهذا ما فعلته اوربا اليوم حين اباحت هذا التصرف وتخلصت من اشكالية الجنس ومعاقبة من يمارسه بالرضا. فلم َأغفل الفقهاء هذا الشرط أو أهملوه هل كان نتيجة وقوعهن في الأسر، لكن الا يعلموا ان للأسر شروط في الاسلام تمنع هذا التصرف وتصون حرية الاسير؟، (انظر شروط الاسير في الأسلام ). وهذا احراج اخر لهم. وهنا تساووا مع الرومان فأخترقوا الحقوق ولم يُبلغوا عن أساءة الاستخدام ولو قرأت ما يكتبه رجال الدين اليوم في الاماء لشاب رأسك قبل آوانه من تمرير الخطأ الأنساني على البشرحتى أوصلونا الى قناعة الخطأ . وقناعة الخطأ ولدت لنا مجتمعات متخلفة جرت كل هذه الهلمة حتى اصبح الرجاء والامل منها بعيد. بهؤلاء سنبني الاوطان ونلحق بالشعوب الاخرى حضارياً ؟

ويبقى السؤال الأهم وهو:هل المشكلة في عدم فهم الفقهاء للنص القرآني؟ام اصل المشكلة في النص القرآني نفسه. المرجعيات الدينية العليا مكلفة شرعا وقانونا بالأجابة الواضحة دون أبهام. وليس بفرض الرأي الميثولوجي على الناس دون دليل .

 

 5

الحكومات هي المسئولة، ولو كنا نمتلك حكومات شعبية وقانونية عادلة بصحيح تلتزم بأوامرالدين ونواهيه لما وصلنا الى هذه الاخطاء القاتلة والمدمرة ابدا، لكننا اليوم نحن شطار في تعددية المذاهب وشحن البغضاء والكراهية بيننا لاغيرمن أجل ان نبقى من السائدين. اذن لابد من تشريعات جديدة ملزمة بقانون توقف مهزلة المتعة والمسيار والعرفي ما دامت لا تتماشى مع العصر الحديث، لا ان نفتح لها دكاكين الفاسدين تحت اشراف رجال الدين ليمرروا علينا أكاذيبهم وحيلهم التي أصبحت مكشوفة عند الجميع، فهل من حكومة وطنية تخلصنا من هذا الخطأ الكبير؟. لكن فاقد الشيء لا يعطيه.

 

د. عبد الجبار العبيدي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2178 الاربعاء 11/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم