دراسات وبحوث

قراءة في سفرِ الكتاب والقرآن لمؤلفه الدكتور المهندس محمد شحرور

abduljabar alobaydiأبتداءً نقدم شكرنا وأمتناننا لمجلة صوت العراق الالكترونية الغراء على المساهمة في نشر حلقات هذا الكتاب القيم الذي نرجو له ان يحتل مكانة الصدارة في اهتمامات القٌراء الاعزاء، لما فية من أهمية فكرية رائعة ستفتح شهية القارىء الكريم على مناقشة الرأي والرأي الاخر بكل حرية دون أشكاليات معينة قد يطرحها الكتاب. ستنشر حلقات الكتاب تتابعياً ان شاء الله.

ان الذي دعاني الى تجشم المتاعب في نشر الكتاب وبثوب جديد وقراءة معمقة، هو ما نشره الكاتب الفذ رشيد الخيون وما آل اليه من غمز الكاتب لكونه مهندسا لم ينجح في مهنته فتحول الى التآليف. ليكن في علم القارىء ان من يقابل الرجل يشعر لاول مرة انه امام عملاق في التراث الاسلامي والحضارة العربية الاسلامية وله رأي حصيف في كل ما شاب التراث من قراءة خاطئة بلدت افكار الاجيال العربية، ومحاولته ردم الصدع في هذا التوجه الخاطىء. أنه فكر نير يقدر ان يجيد؟

وسنقوم بنشر حلقات الكتاب كما وردت بتصرف والتعليق على بعض ما جاء فيه من افكارجديدة ومفيدة خدمة للقارىء الكريم، لعلنا نستطيع أختراق جدار الرفض المطلق دون مناقشة علمية جادة. وتجديد الرأي في الفكر العربي المعاصر الذي تنتابه الرتابة والحدية دون أجتهاد، والتي أقعدتنا عن التقدم الحضاري مع ركب الأمم الاخرى. نأمل من الله جلت قدرته ان يوفقنا الى كل جديد في عالم الكتاب والمعرفة.

ان المنهج اللغوي للكتاب يستند على مرتكزات منهجية رائعة قدمها الاستاذ الدكتور جعفر دك الباب سلط فيها الضوءعلى كل الجوانب الايجابية والسلبية للكتاب حتى لايغيب عن ذهن القارى الكريم اي نقص عند التقييم، بأعتبار ان القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة للرسول الكريم محمد بن عبد الله (ص). ويرى ان الدليل على كون القرآن معجزة، لأنه من عند الله، هو دليل علمي يجب ان تتظافر جهود أكابر العلماء، في شتى فروع المعرفة الانسانية، من أجل تقديمه واثباته بالدليل المطلق الذي لا يقبل التأويل وألا سنبقى نتعايش مع أوهام الفقهاء والمفسرين .

يقول المُقدم ان المؤلف تبنى المنهج التاريخي العلمي في الدراسات اللغوية معتمداًعلى مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية التي ركزت على تلازم اللغة والتفكير. ونظرية أبن جني التي بلورها في الخصائص معتمداً على بنية الكلمة المفردة. وعلى نظرية الامام الجرجاني التي بلورها في دلائل الاعجاز، والتي رأى فيها ان اللغة نظام لربط الكلمات، وخلص من كل هذه المنهجية القويمة والرصينة الى الانطلاق من ان اللغة نظام، وهي ظاهرة اجتماعية تقوم بوظيفة الاتصال، وان النظام اللغوي لم ينشأ مكتملاً طفرة واحدة، بل نشأ وأكتمل تدريجياً بشكل موازٍ لنشأة التفكير الانساني وأكتماله. وخلص بالقول الى أنكار الترادف اللغوي الذي على أساسه جاء التفسير القرآني منذ البداية الذي شابه الغموض في اساسياته، كون ان اللغة لم تكن فيها التسميات الحسية قد أستكملت بعد تركيزها في تجريدات.

وخلص المٌقدم، ان المؤلف قد توصل بفضل هذا المنهج العلمي الى عدة امور مهمة منها:

- أنكار ظاهرة الترادف اللغوي في القرآن الكريم التي لا زال الفقهاء والمفسرون يتبعونها خطئاً، لذا رفض المؤلف ان لفظتي القرآن والكتاب مترادفتان، كما أكد على كلمة ترتيل القرآن التي أعتبرها مغايرة لكلمة التأنق في التلاوة، وضرب مثلا في سورة المزمل (أنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا آية 5) مؤكداً انها لا ترتبط من بعيد او قريب بالتأنق في التلاوة، حيث ان وصف القول بالثقيل، لا يُقصد به الثقل في التلفظ والنطق، بل وعورة فهم معنى ما يشتمل عليه القرآن من علم. وهو توجه منهجي جديد بحاجة الى مناقشة ودليل. ولا زالت هذه المطالبة لم تتحقق الى اليوم.

ان هذا التوجه قد يصدم القارىء بعدم ترادف القرآن والكتاب، وهي نظرية جديدة تهدم التصور السائد في فهم الاسلام القائم على ترادف القرآن والكتاب. وهنا لابد من تقديم تصور مغاير وجديد في فهم التأويل القرآني اليوم من قبل العلماء مجتمعين لا منفردين، مستندا الى قوله تعالى (...وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم، آل عمران آية 7). ومعروف ان الذِكرالحكيم هو الصيغة الصوتية المنطوقة لما يشتمل عليه المصحف بين دفتيه.

وفي الباب الثاني من الكتاب تطرق الباحث الى جدل الكون والانسان، وعلى خصوصية خلق الكون، وخلق الانسان، ونشأة الألسن وأستنطاقها. فظهر له ان الايات القرآنية تشتمل على قانون الجدل العام كما في قوله تعالى: (كل ُشيء هالكُ الا وجههُ، القصص88). وقانون الجدل الخاص بالانسان الذي ميزه بالارتقاء بالعقل ليصبح خليفة الله في الارض بواسطة العلم ولا شيء اخر غير العلم واليقين كما جاء في الآية54 من سورة الكهف: "ولقد صَرفنا في هذا القرآن للناسِ من كلِ مثلٍ وكان الانسانُ أكثرَ شيء جدلاً".

وفي الباب الثالث يقول المٌقدم ان الباحث توصل الى رؤية جديدة للصراط المستقيم وللمعروف والمنكر. وطرح فهماً جديدا للسنُة النبوية الشريفة وعالج الفرق بين سُنة الرسول والسنة النبوية، استنادا الى ما قصده الفقهاء لا العلماء في الفرق بين الرسول والنبي، ودعا الى فقه جديد ينطلق من مبدأ التلازم بين الاستقامة والحنيفية (نظرية التطور) كما في دراسته لموضوع حقوق المرأة الناقص حسب رأي الفقهاء. وقدم عرضاً رائعاً لموضوع الشهوات الانسانية حين فرق بين الغرائز والشهوات، فالغرائز هي رغبات غير واعية ذات منشأ فيزيولوجي بحت كما في غريزة الطعام والجنس، بينما الشهوات هي رغبات واعية ذات منشأ معرفي وأجتماعي مقرونة ببداية تاريخية ثابتة كما في ظاهرة الاسراف في التصرف الانساني.

أما القصص في القرآن فقد جاءت وفق المنهج اللغوي والعلمي المتطور الجديد لمساعدة القارىء على فهم الامور الجديدة بسهولة ويسر وليس قصصا على سبيل العضة والأعتبار. لذا فقد كشفت ان القصص القرآنية تمثل خط تطور التاريخ الانساني بالمعرفة والتشريع حين اصبحت سلوكا بشريا معتمدا وهي جزء من تراكم الاحداث الانسانية بعد وقوعها كما في سورتي يوسف والكهف.

وتحدث عن جدل الاضداد في معرفة الآيات القرآنية وانواع المعرفة الانسانية ، الفرقان والوصايا التي وردت في سورة الانعام 151-153 ، وخاض في تعدد الزوجات والفرق بين الأرث والوصية القرآنية وكتب في عدد الانبياء والرسل ولماذا نزلت رسالات السماء بهذه التعددية.

وخاض في الآيات الحدية والحدودية والمحكمات وغير المحكمات والمتشابهات وآيات التعليمات وفرق بينها بالمنطق العلمي الصحيح وهو يطرح القبول للمناقشة والحوار- وهذا هو اسلوب العلماء- واعطى فكرة واضحة عن الآيات التي نزلت وفي بدايتها حروف لا كلمات مثل ن والقلم وما يسطرُن، وقال: انها ايات مختصرة كل منها له معنى معين لم يستطع الفقهاء في ذلك الزمن المتقدم ان يفكوا طلاسمها لاعتقادهم بترادف اللغة في التفسير. واخير نظرية ان القرآن نزل على سبعة أحرف واعطى تفسيرا علميا لها. ورفض ان يكون القرآن قد اعترف برجال الدين، وخولهم حق الفتوى على الناس، ويملكون الاسرار المقدسة مفنداً بالآية 174 من سورة البقرة.

لقد استطاع هذا الكاتب الفذ ان يحول القرآن الى منهج علمي تاريخي بحاجة ال تأويل جديد، - لقد أستفدت وتعلمت منه الكثير- ، لينقذ الاجيال من تفاسير القرآن الفقهية التي انتهى زمانها والتي وصلت اليوم الى أكثر من 120 نفسيرا مغايرا ولا ندري اين الصحيح. من هنا استغلت السلطة وعاظ السلاطين ليحموها من اي تطور جديد ولأبقاء القديم على قدمة خدمة لسلطتهم الجائرة في حكم المواطنين.

وفي الحلقات القادمة سنبدأ بنشر محتويات الكتاب والتعليق عليها ما وسعنا من جهد علمي معتمدين على الله القديران يمنحنا القوة.

والله الموفق .

 

د.عبد الجبار منسي العبيدي     استاذ جامعي سابق .

 

في المثقف اليوم