دراسات وبحوث

الكتاب والقرآن قراءة معاصرة تأليف ا. د. محمد شحرور (5)

abduljabar alobaydiالأعجاز والتأويل في القرآن الكريم

يَعتبر المسلمون القرآن هو كلمة الله الى الناس ومعجزة محمد (ص) بحدِ ذاتها. وكلمة الأعجاز مشتقة من العجز، أي الضعف وعدم القدرة على الرد . والمعجزة في أصطلاح العلماء، أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة.

وأعجاز القرآن: يقصد به أعجازه للناس أن يأتوا بمثله، أي نسبة العجز الى الناس بسبب أعتقاد المسلمين بعدم قدرة أي أنسان على الآتيان بمثله .

وقد تحدى القرآن المشككين بأن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله، فعجز عن ذلك بلغاء العرب على التحدي، واذعنوا لبلاغته وبيانه وشهدوا له بالأعجاز، وما زال التحدي قائماً لكل الأنس والجن الى اليوم .

وعندي لو ان العرب كانوا جهلة بمعنى الجهل لما ادركوا معاني كلمات القرآن العظيم ولما أعترضوا عليه في التغيير والتبديل من الجاهلية الى الاسلام، ولو كان محمد من الذين لا يقرأون ولا يكتبون - كما أدعى صاحب كتاب خرافة أمية محمد - لما كتب رسائل الأمراء والملوك بيده الشريفة، كما أثبتت الوثائق النبوية الصحيحة والمعتم عليها اليوم - أقرأها في مكتبة المتحف البريطاني قسم الوثائق النبوية ستجد الصحيح -، لكننا مع الأسف قرآنا التراث على طريقة ما عرضه علينا الفقهاء في التفسير اللغوي دون التأويل العلمي له كما طالبهم به القرآن الكريم في الآية (7) من سورة آل عمران ..؟ لكن الجاهل عدو ما جهل...؟

ان بداية القول في أعجاز القرآن تاتي من الموازنة بين الآيات التالية كما يوردها المؤلف هي:

الاولى يقول الحق: (فويل للذين يكتبون الكتابَ بأيديهم ثم يقولون َهذا من عند اللهِ ليشتروا به ثمناً قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون، البقرة79) .

والثانية يقول الحق: (قل لأن أجتمعت الانسُ والجنُ على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثلهِ ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرا، الاسراء 88).

والثالثة يقول الحق: (أم يقولون أفتراه قل فأتوا بعشرِ سورٍ مثله مفترياتٍ وأدعوا من أستطعتم من دون اللهِ ان كنتم صادقين، هود13).

في الآية الاولى يحذر القرآن الناس من يكتبوا الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عندالله .وفي الآيتين الثانية والثالثة يتحدى الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعشرِ سور من مثله.

فأذا كان المقصود بالكتابة الخط اليدوي،، فهذا يعني أن المقصود في هذه الاية هم كتبة الوحي وقالوا هذا من عند الله وبالتالي فالويل والثبورلهم، أما اذاكان المقصود بالكتابة هو أضافة احكام أخرى الى الكتاب، فهذا يعني اليهود الذين أضاف أحبارهم أجتهادات اليه، وخاصة في الرسالة، بأضافة عقيدة التثليت التي أنتقلت الى المسيحية وأصبحت عقيدة عندهم الى اليوم، وقد نفاها القرآن الكريم بقوله: (لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من آله الا آله واحد، المائدة، 73).

والكتاب كما نعلم عند موسى و عيسى هو التشريع فقط (الرسالة) والرسالة عند اليهود والنصارى مفصولة عن التوراة والانجيل، يقول الحق: (ويعلمه الكتاب والحكمة والوراة والانجيل، آل عمران 48) . والتوراة لم تأتِ الا بتسع آيات بينات، يقول الحق: (لقد آتينا موسى تسعَ آياتٍ بيناتٍ، الاسراء 101)، . وفي المسيحية بثلاث آيات بينات، يقول الحق: (وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدسِ، البقرة 87)، بينما القرآن جاء بأكثر من ستة ألاف آية كلها بينات، يقول الحق:

(وأذ تتلى عليهم آياتنا بينات..يونس آية 15).والمقصود بالايات البينات هي الآيات المادية القابلة للابصار.، لذا فلا يوجد في القرآن شيْ غير مادي لكن بعض الايات غير مدركة بالعين المجردة كما في الروح والغيبيات. وهذا امرألتبست فيه الرؤيا الحقيقية عند اليهود والنصارى، لذا تم التحذير منه.

اما عند المفسرين الأسلاميين فقد ظل وهما لايُدرك.

والتحذير من الانسياق وراء التشكيك بالقرآن هو منع ممارسة التزوير في الاحكام لذا قال تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله، البقرة 79)، لكن مع هذا فهناك تداخل وتكرار في ايات السور كما في البقرة 173 والنحل 115، والمائدة 3. لذا كان الاجدر بالفقهاء والمجامع العلمية الانتباه الىذلك.اذن كيف نسمح للمزورين ان يزورا الشهادة العلمية والوثائق الرسمية باليقين في دولة العراق الجديد دولة الدين دون أعتراض من الحاكم ومرجعيات الدين ...؟. لذا علينا ان نفصل أجتهادات الرسول (ص) عن أجتهادات الفقهاء لاحقأ، حتى لا يُحمل النص اكثر من طاقته، قال الرسول بعد فتحه مكة: "ايها الناس لا تنقلوا عني غير القرآن حتى لا يختلط كلامي بكلام القرآن، انظر الواقدي في المغازي ت207 للهجرة). "

من هنا ندرك ان السُنة النبوية محددة الألزام وليست ملزمة في كليتها لأن العصمة في الآيات الكريمات وليس في المرسلين . ولمنع تأويل الآيات في الأحكام الفقهية وجعلها بديلا للنص القرآني، لان التأويل يحمل مفهوم النسبية في المعرفة، بينما الفقه يحمل مفهوم الضرورة المرحلية ليس الا. فالسُنة النبوية التي بين ايدينا بحاجة الى مراجعة وتفسيربعد ان دمرها وزور اغلب نصوصها أبن هشام (ت218 للهجرة) في سيرته التي مسخ فيها السيرة النبوية الصحيحة عند ابن أسحاق (ت150 للهجرة) ترضية للسلاطين العباسيين وقلدهم فيما بعد غالبة فقهاء الدين .

فالتأويل نستنج منه نظريات فلسفية وحقائق علمية موضوعية تفيد الناس جميعا، وهذا ما هدف اليه القرآن في مصطلح الحنيفية (نظرية التطور)، التي جاء بها القرآن، يقول الحق على لسان أبراهيم: (اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، الانعام 79). . وبما ان التأويل القرآني يحصل بعد نزول القرآن على النبي، لذا يحذر القرآن من كتمان الحقائق عن الناس وما ينتج عنها من فوائد علمية وعملية، وقد ورد هذا التحذير في قول الحق: (ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، البقرة 159).

اذن من اين جاء التقديس لمرجعيات الدين (قدس سره) لقد تلاعبوا بعقول العوام وجمدوا الفكر لصالح السلطان ليضيفوا لانفسهم هالة التقدير والاحترام التي لا تخرق فأماتوا كل أعتراض عليهم في الفتوى بتأييد السلطان. لقد حان اليوم وقت رفض التفسير وتبديله بالتأويل لنعي معنى القرآن العظيم، ولنشق الكفن عن التخلف ولفلفة فقهاء الدين من تفسير المفسرين ...؟

يقول المؤلف:

هذه الظاهرة حصلت عند المتصوفة في مراتب المعرفة في قولهم لأئمتهم (قدس الله سره) .والمؤلف يطرح سؤالا حين يقول: أية أسرار هذه المقدسة عندهم، والشيعة الامامية تذكر كلمة (قدُس)؟ مبتكرة منذ عهد البويهيين في القرن الرابع الهجري ويجيب عليهم المؤلف بأحتمالين هما:

الاول أن يكون عندهم فعلاً أسرار وكتموها وبذلك يكونوا قد دخلوا تحت بند الاية الشريفة(159) السالفة الذكر. والاحتمال الثاني، وهو الارجح انه لا يوجد أي أسرار لديهم وهذه الأسرار ليست أكثر من وهم وخرافة، أرادوا بها ان يعلوا من مكانة فقهائهم، والوهم والخرافة لا يحملان اية صفة قدسية. ثم يعلق بقوله: ان هؤلاء الذين يدعون أنفسهم من العلماء لم يفيدوا الناس والمجتمع بشيء أكثر من أن أضروا به في الوهم والتخريف وأحتكار الدين لمصلحتم ومصلحة السلطان الغاشم، بينما العلماء الربانيون الحقيقيون هم الذين صنعوا لنا الكهرباء والتلفون والدواء والسيارة والطيارة وأدخلونا في معارج التقدم، وعندي هو الصحيح .

أما التحذير الرباني الثاني فقد جاء في قول الحق: (ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلأً أولئك ما يملكون في بطونهم الأ النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، البقرة 174). وهذا التحذير الثاني جاء لبقية الآيات التي هي آيات الأحكام والمواعظ والوصايا التي يجب ان تستنبط منها الاحكام الصحيحة غير المزيفة ولا يجوزكتمانها عن الناس او التخلي عن تطبيقاتها بالمطلق كما هو اليوم عند السياسيين المفبركين الذين خانوا الله والقسم

واليمين، وذلك بوجوب وجود منابر فقهية حرة عندهم وعدم التقيد بفقه مذهب من المذاهب بعينه، والمذهبية تتغير مع الزمن وبموت صاحبها فهي ليست قرآنا لمحمد. لأن الفقه ظاهرة متطورة مستمرة، وأول من بدأ به هو الرسول (ص) وهو ما نسميه بالسُنة النبوية .

من هنا تتبين لنا حقيقة موضوعية في غاية الاهمية وهي ان التقيد بمذهب معين ما هو الا أستبدال المذهب بالنص الأصلي للقرآن الكريم، وهذا مخالف للنص القرآني نصا وروحاً. حتى أصبح الرأي المذهبي هو الذي يخفي النص المقدس وراءه، وأصبح الفقه يتبع نظرية شرح المذهب لا النص، فحلت الفتوى مكان القانون، وشاع الحكم الدكتاتوري الذي به أحتمَت السلطة بالتبرير الفقهي وعزل الشعب عن حقوقه الاساسية، حين أصبح رجال الدين وعاظاً للسلاطين كما هو اليوم في أمة العرب والاسلام، والقرآن الكريم لا يعترف برجال الدين ولا يخولهم حق الفتوى عن الناس، ولا يميزهم بلباس معين كما فعل رجال العهد القديم . لذا فقد أتهم المسلمون الشيعة بأن لهم قرآن اخر سموه بقرآن فاطمة الزهراء، وهو محض أفتراء..لم اعثر عليه خلال دراساتي الجامعية العليا حتى في مكتبات مراجعهم ومكتبات النجف الاشرف فهي تهمة ليس لها من أصل..؟

 

أما تحدي الأعجاز القرآني فهو الذي ذكرناه في بداية الحديث.

لقد ترتبت على عملية الأعجاز القرآني أمور جدلية كثيرة منها: السحر والشعوذة، وشق البحر، وعدم حرق ابراهيم بعد رميه بالنار، وولادة المسيح من مريم دون ان يطأئها رجل، والجنة والنار، وأهل الكهف، والعصا والثعبان . وكلها أمور

كان الأجدر بالفقهاء ان لا يدخلوها ضمن الايات اللا مدركات بعد ان جاءت كلها بتحدي رباني قادر على كل شيء يقول الحق: (كن فيكون)، و بعد ان القرآن حوى الحقيقة المطلقة للوجود بحيث تفهم فهماًً نسبيا ًحسب الأرضية المعرفية للعصر الذي يُحاول فهم القرآن فيه. لأن القرآن حوى الحقيقة المطلقة والفهم النسبي لهذه الحقيقة بآن واحد، وهذا لا يمكن لأي أنسان أياً كان أن يفعله أو يدركه وهي من ضمن الآيات غير المدركات، يقول الحق: (وتلك حدود الله فلا تقربوها..، البقرة 187.) . لذا فان القرآن يحذر من الدخول في مناقشات علمية او لاهوتية دون معرفه الانسان القاصرة بها كما في قول الحق: (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلمَ تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون، آل عمران 66). وهكذا لعب الفقهاء دورا كبيرأً في أبعاد الحقيقة الموضوعية عن الناس خدمة لدكتاتورية السلطة العباسية الفاقدة لشرعية حكم الناس بالقرآن الكريم ورجال الدين .

لقد رفض الأمام علي (ع) شرعية معاوية في حكم الشام، ورفض الامام الحسين (ع) الاعتراف بشرعية يزيد بن معاوية في حكم الدولة الاموية ودفع حياته وحياة من معه ثمنا وتضحية لها، ورفض الامام الكاظم موسى بن جعفر(ع) بأضفاء الشرعية على حكم هارون الرشيد العباسي، رفض الامام رفضا باتا فقتله في سجنه وهو راضٍ بقدر الله العظيم - هؤلاء أهل البيت، فكيف أضفوا الشرعية الذين يدعون أتباعهم على احتلال الوطن العراقي من الاخرين، وسكتت عنها فقهاء ومراجع الدين عندهم، الم يكن هذا تعارضا مع النص في القرآني العظيم ...؟.

وعندي...؟

ان المسلمين في العصر الحاضر يعيشون أزمة فقهية حادة، فهم بحاجة الى فقه جديد معاصر، وبحاجة الى فهم معاصر للسُنة النبوية، ورفض لفتاوى رجال الدين الذين لم يمنحهم القرآن هذا الحق بالمطلق، وبعد ان تم تشخيص هذه المشكلة من قبل العلماء المُحدثين الذين يؤمنون بالفكر والحرية والتقدم، ولكن دون وضع حل لها، لأن السلطة المنتفعة من الفقه الناقص القديم تحول دون الوصول للجديد الصحيح. لذا يجب أختراق الفقه الأسلامي الموروث من (الفقهاء الخمسة) لنتمكن من أعطاء البديل، وهذا ليس صعبا ولا مخالفا للشرعية الدينية اذا توفرت الأرادة فأراؤهم مجرد اراء أجتهادية فردية وليست قرآن حكيم، بعد ان أصبحت لا تتوافق وعملية التطور الحضاري في العصر الحديث، لأنتاج المنهج الجديد في الفقه ولأظهار حقوق المرأة وهي نصف المجتمع التي أماتها الفقه القديم ولازالت لعبة بيد المشايخ المتخلفين كما حصل لها على يد مشايخ البصرة، ولتحديث مناهج التدريس التي غلفت العقول بغلاف الخطأ في التفسير. .أنها المطالب القرآنية للجماهير.

من هنا سنتمكن من صياغة نظرية جديدة في المعرفة الانسانية منطلقة من القرآن الكريم، أذ ان المنطلق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي الجديد، فهل لنا من حاكم واع ٍ يساعدنا في انقاذ الامة من تسلط رجال الفقه القديم ومؤسسة الدين، لنخطوا خطوة الحياة الجديدة كما فعلت أوربا في العصر الحديث؟.هذا مستحيل في مجتمع يؤمن بالخرافة والتدجيل وأختراق القانون بالباطل مؤيدا من فتاوى رجال الدين.أذن ليس أمامنا الا اصرار الواعين من المثقفين الأحرار على طريقة الأوربيين برفض مؤسسة الدين بالفكر والقوة من أجل التغيير في حكم دولة المواطنين .

ان النتيجة المباشرة لما قلناه بتصرف، هي أن كل التفاسير القرآنية الموجودة بين أيدينا حاليا (120 تفسيراً)، لا تعدو اكثر من تفاسير تاريخية مرحلية للقرآن كلها متشابهة ومنقولة من بعض دون تدقيق، أي لها قيمة تاريخية لأنها نتاج أشخاص عاشوا منذ قرون لذا علينا ان نرفضها بالمطلق ونستبدلها بالتأويل العلمي الصحيح. واليوم قد بطلت معارفها وتغيرت لغتها، لأن اللغة نظام، وظاهرة اجتماعية ترتبط بوظيفة الاتصال التي تؤديها فهي متغيرة باستمرار، لذا نرى في كل يوم تظهر علينا مصطلحات لغوية وعلمية جديدة بحاجة الى تعريف، فكيف نبقى نفسرالآيات وفق قواعدالتفسير القديم...؟ ألم يكن هذا تناقض مع التأويل العلمي للقرآن الكريم؟.

اذن لا بد من تغييرها.لناتي بعلم فقه جديد حوته الآيات القرآنية الكريمة وقد حرمنا منه من سنين.

لذا لابد من ان نخترق المستحيل، وعلينا ان نلغي الصحيحين في الأحاديث، فليس كل ماجاء بهما صحيح . وليس كل ما جاء في بحار الأنوار للمجلسي صحيح .

أما التأويل:

فهو مشتق من(أولَ) وهذا الفعل من أفعال الاضداد في اللسان العربي فنقول أول الامر وهو عكس أخره، وفي هذا المعنى الأول جاء قول الحق:(هو الأول والاخر، الحديد2). ونحن نقول: ان السرقة تؤول بصاحبها الى السجن، اي تنتهي به . فالتأويل هو ما تنتهي اليه الاية من قانون عقلي نظري أو حقيقة موضوعية مباشرة ومن خلال هذا الطرح العملي والعلمي يصل الباحث الى قاعدتين أساسيتين هما:

الأولى:ان الوحي لا يناقض العقل، والثاني: ان الوحي لا يناقض الحقيقة. ومن هنا ننطلق، ان كل ما أوحي الى محمد(ص) هو من عالم الحقيقة ومن عالم المعقولات، حيث لا يوجد شيء في الوجود المادي غير قابل لأن لا يعقل، ولكن هناك عجزاً وقصورا في الأدراك العقلي للمفسرين والفقهاء في الموروث القديم، وبالتالي لا توجد آية من آيات الكتاب غير قابلة ان تعقل الان وفي المستقبل، وان كل الحروف التي جاءت في أول بعض السور القرأنية هي آيات وليست حروف زائدة كما يدعون كما في الاية (ن والقلم وما يُسطرون سورة القلم)، لذا علينا أن نتهم أنفسنا بالقصور عن فهم تأويل آياته تأويلا منطقيا صحيحاً، ويتحمل التفسير وزر هذا الخطأ الكبير .

من هذا المنطلق جاء قول الحق: (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم، آل عمران 7)، أي ان علماء التخصص هم المناط بهم التكليف في شرح النظريات القرآنية والحقائق العلمية التي يمكن أستنتاجها من الآية القرآنية كل حسب أختصاصه والارضية المعرفيه لعصره كما حصل في أكتشاف نظرية النشوء والأرتقاء لداروين فهي نموذجاً حياً للتأويل كما يقول الحق في القرآن:(بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله، يونس 39). هنا نلاحظ كيف تم الأستعجال بتكذيب القرآن من قبل الملحدين قبل ان يؤول بعد من قبل العلماء الماديين . ولا احد من الفقهاء والمفسرين المسلمين يرد لفقدانهم الحجة والدليل.

وفي التأويل حقائق علمية كثيرة نستطيع الوقوف عليهامنها: ما جاء في سورة يوسف، يقول الحق:(وقال يأأبتِ هذا

هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً، يوسف 100). وهذا يفسر رؤية يوسف في الحقيقة الموضوعية الخارجة عن الادراك او الوعي الشخصي له، هذا التحول هو التأويل الذي فشل المفسرون بأن يعطوا تفسيرا علمياً حقيقيا .

 

وكذلك في قصة موسى والعبد الصالح وما آلت أليه الأحداث، ولم يستطع موسى الصبر، فيرد الحق عليه بقوله:(سأُنبئُك بتأويل مالم تستطع عليه صبرا، الكهف 87).

وفي قول الحق في سورة الأسراء: (وأوفوا الكيلَ أذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خيرُ وأحسن تأويلا، الاسراء 35) فهنا جاء التأويل لأثبات أيفاء الوزن لتحقيق الاحسن في عدالة المجتمع وعدم التفريق بين الناس في الحقوق والواجبات، وهي قوانين لم يلتزم بها الحاكم المسلم منذ وفة الرسول (ص) الى اليوم، استثناءً بفترات قصيرة في دولة المسلمين؟. وأما نظرية الحق والعدل هي التي نسيناها في العلم والعمل والتطبيق، والحق والعدل جاء مطلقا في القرآن الكريم غير قابل للتغيير، يقول الحق: (ويحق الله الحق بكلماته، يونس 82).، فحكامنا اليوم في غالبيتهم يخالفون النص في القرآن الكريم.. فماذا تسميهم ...؟

وللتأويل سبع قواعد ذكرها العلماء وليس الفقهاء فيها كل التفاصيل التي منها نستق العلم والحقائق الموضوعية لتحقيق عدالة المجتمع وتقدمة، وعدم وقوعه فريسة بيد الحكام الظلمة الذين أساؤا أستخدام السلطة لتحقيق مآربهم الدنيوية الخاصة ومن هنا حاربت السطة التأويل القرآني وعدوه خروجاً على العقيدة، وهي:

الأولى – الابتعاد عن مفسري القرآن بالترادف اللغوي الخاطىء، لأن اللسان العربي لا يحوي صفة الترادف اللغوي.

الثانية - تحصين المعاني القرآنية، فاذا حصنتها يبقى التساهل او الشفافية في العبارة وارداًً.

الثالثة -فهم الفرق بين الأنزال والتنزيل، لأنه من اسس نظرية المعرفة الأنسانية، اي المعرفة بين الوجود الموضوعي (التنزيل) والوعي الأنساني لهذا الوجود (الأنزال).

الرابعة – الترتيل القرآني (ورتل القرآن ترتيلا)، اي تنسيق السور القرآنية تنسيقا حسب الموضوع الواحد، فكثير من السور في القرآن اليوم متداخلة لذا تأتي بعض آيات القرآن الكريم مكررة بلا معنى، لذا يجب أبعاد التداخل وهذا التداخل حصل خطئاً عند عملية جمع القرآن الأولى في عهد الخلافة الراشدة كما جاء في سورة الفرقان حين يقول الحق:(وقال الذين كفروا لولا نُزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا). ولأن الترتيل هومن قواعد البحث العلمي في القرآن، وليس التلاوة ولا التنغيم كما زرعوه في رؤوسنا خطئاً لذا لابد من التصحيح .

الخامسة – عدم الوقوع في التعضية لقول الحق تعالى:(كما أنزلنا على المقتسمين، الذين جعلوا القرآن عضينَ، الحجر 90-91) . فالتعضية جاءت من عضنَ وقد شرحها النبي(ص) بأن قال:(لا تعضية لوارث، أنظر الزمخشري فعل عضنَ). والتعضية هي قسمة ما لا ينقسم كالسيف والحصان، لأن في قسمتيهما تفسد قيمتها، لكن يمكن تكون فيها الترضية بين الوارثين، وهذا مالم يشر اليه التفسير القديم .

السادسة – هي اسرار مواقع النجوم لقول الحق تعالى: (فلا أقسمُ بمواقع النجوم، الواقعة 75)، لان في القرآن قوانين لاحداث موضوعية متفرقة لآيات مختلفة كالفجر والشفع والوترَ والليل أذا يسرِ، اي ان مواقع النجوم هي الفواصل في الايات القرآنية ولا علاقة لها بمواقع النجوم في السماء فيه، وهي مفاتيح تأويل القرآن، وفهم آيات الكتاب كله، لأن كل آية من آيات الكتاب تحمل فكرة متكاملة مستقلة عن الأخرى وهنا سر الاعجازفيه . وهذه نقطة هامة جدا لمعرفتها والخوض فيها لأثبات الحقائق العلمية في القرآن والتي أهملها السلف من المفسرين لجهلهم بها، لأن التفسير العلمي لم يعاصرهم وقتذاك .

والسابعة – هي تقاطع المعلومات، وهي أنتفاء التناقض بين الايات القرآنية وخاصة في التعليمات والتشريعات، حتى نستطيع ان نفهم ماجاء في سورة النور يقول الحق: (وقل للمؤمنات ان يغضضن من أبصارهن....ولا يبدين زينتهن آية 3)... وهي آية الزينة مع آيات المحارم في سورة النساء (الآيات24، 23، 22).، لمرفة فهم الزينة بشكل ينطبق مع العقل والواقع وبشكل لا يناقض البعض مع البعض الاخر، لان كلام القرآن موحدا في التوجه الأنساني الصرف.

من كل هذا نعلق ونقول:

ان التأويل قابل لتطور المنطق و النقض على مر السنين، لأن تأويلات العصور- أي عصر- كما يقول المؤلف تقوم على أساس نسبية معرفتنا للحقيقة به. وهذا هو أهم بند علينا ان لا ننساه وعلينا ان نؤكد عليه للأجيال القادمة لكي لا تتحجر عقولهم ولا

تتزمت، ولكي تُكون روح المنهج العلمي في البحث عن الحقيقة هي المهيمنة على أجيالنا المقبلة، كما جاءت في روح القوانين وقد أكد عليها فولتير وغيره من علماء الأوربيين..وقالوا انها وجدت في القرآن الكريم، انظرتعليقات جفرسن كاتب الدستور الامريكي العظيم. ..

وعلينا اليوم واجبا دينيا وأخلاقياً وقانونيا أن نسحب القرآن من المفسرين والفقهاء لنأوله من جدبيد ليتماشى مع التطور ونحرمهم من استغلال العامة بفقه عقيم قديم – بعد ان مضى عليه زمن طويل عندهم - نسحبه من أيدي السادة الوعاظ المعروفين بالعلماء- وهم ليسوا بعلماء بل فقهاء - الافاضل أو رجال الدين حيث يجب ان يكون موقف هؤلاء العلماء الأفاضل من القرآن كموقف العامة منه تماماً: وهو التسليم، لأن معلوماتهم بالنسبة للقرآن لا تزيد عن معلومات العامة بتاتاً وان كان لهؤلاء الناس دور فدورهم وعظي بحت. علما ان لفظة العلماء لا تنطبق عليهم، فهناك فرق كبير بين العالم والفقيه وبين مصطلحي العلم والفقه ومعرفتهما في النظرية والتطبيق .

فهل بأمكان علماء التخصص الذين ذكرهم القرآن في سورة آل عمران آية (7) تخطي الصعاب وتبني التأويل القرآني وفق المنطق العلمي الصحيح والاصرار على التغيير .لذا نطالبهم بعقد مؤتمر علمي نعلن فيه بطلان نظريات رجال الدين في التفسير، ونزع سلطتهم من الدولة وحصر مهماتهم في الشرعيات ولا غير كما فعلت الدول المتقدمة التي انقذت شعوبها منهم ونقلتها الى العصر الحديث . لا أن نطلق يدهم في مصير المواطنين، وها تراهم اليوم كيف يخربون العقول قبل الدين؟والا هل يعقل ان الدول لا تصلح الا اذا ظهرت دولة المهدي المنتظر- كما قالها الكربلائي في خطبة الجمعة من ايام- الذي انتظرناه اكثر من 1400 سنة ولم يظهرفهل لنا ان ننتظر أكثر؟ مورفين قاتل تحت سلطة الدين.

بنظري ستبقى هذه الطروحات أمنية في مجتمعات ضاعت فيها المنهجية العلمية وحقوق الناس وضاعت العدالة وحقوق المرأة بضياع القانون؟

 

عرض الدكتور: عبد الجبار العبيدي - بتصرف

 

في المثقف اليوم