دراسات وبحوث

مدرسة الاخلاق العصرية في القران الكريم.. فلسفة اسلامية معاصرة

كيف تعرف ان الله عزوجل راض عنك؟

في البدء لابد من توضيح وجهة النظر الخاصة القائلة بان القران الكريم ليس بحاجة دائمة الى رجال الدين او المؤسسات الدينية حصرا، من اجل معرفة التفسيرات والتأويلات المتجددة او العصرية، اي تلك الوظائف التخصصية المهتمة بالمعارف او الدراسات التراثية والتاريخية، لتحديد اسباب واماكن نزول الآيات القرآنية وتأويلاتها، هذه المجالات لها مؤسساتها ورجال الاختصاص المعنية بها، بل نحن ننظر الى التفسير من ابواب المعرفة الاكاديمية العلمية الفطرية الحديثة للآيات القرآنية الواضحة، والا يمكن للمسلم وفقا لنظرية التفسير المؤسساتي او الحوزوي ان يجعل من بعض آيات القران غير مهمة (التي تسمى بالمنسوخة)، مع ان هذا الباب استخدم من قبل الجماعات السلفية الارهابية لتبرير جرائمها، أي انها رجعت للتراث الاسلامي فعادت لتفسير تلك الآيات (وبالأخص الآيات التي تحدثت عن الحدود والكفر والشرك) بطريقة ساذجة متخلفة وشيطانية، الا ان هذا النهج الخاطئ لايمنع ان تخرج في المقابل مدرسة قرآنية نقيض المدرسة الشيطانية، بمعنى انها لا تأخذ من القران الا تفاسير الخير، وما يتوافق مع الفطرة البشرية السليمة، اذ لايوجد التباس لدى عقلاء البشرية ان الجرائم سواء ارتكبت باسم الدين، او بثقافة الكراهية او المصالح هي جريمة وعمل شيطاني،

لهذا يمكن اعتباران اي تفسير يخدم الجمال الكوني والحياة الفطرية السليمة هو عمل خير، لابد ان يتم تشجيعه والحث عليه، من هنا نقول ان لكل مسلم الحق في فهم الخير القراني، ورب سائل وهل هناك فهم او ذكر للشر في القران، نقول نعم لكن ليس في ذات القران ومحتواه وتأويلاته (اي ان القران لايدعو للشر كما يفعل الارهابيون الدواعش انما حث على الابتعاد عنه تجنبا لما قد يصيب الجاحد والمفسد والمسرف شرا يوم القيامة، وهي عقوبة نار جهنم)، وانما من يقوم بتفسير القران لأغراض وافعال الشر، واستنباط التأويلات الخاطئة في تنفيذ العقوبات والحدود والتعامل مع الاخر غير المسلم كما قلنا (او اغتصاب النساء بحجة زنى جهاد النكاح)، هي المفسدة والجريمة الكبرى التي يتعرض له الدين الاسلامي اليوم،

الله عزوجل ذكر الخير والشر في القران كذكره الجنة والنار، وفيها نوافذ للفهم الشيطاني (للمنافقين والمنحرفين ومن في قلوبهم مرض الكراهية والحقد والشر)، فيأتي المنحرفون فيأخذون كل اية ذكرت بأنها ستوصل صاحبها الى نار جهنم ويطبقونها على بني البشر، وكأنهم وكلاء لخالق السماوات والارض، بينما شأن البشرية كما ورد في القران العمل الصالح فقط.، هذا المدخل الذي نتمنى ان يأخذ حيزا فيه الفهم الحديث لمعرفة رضا الله من سخطه، واعتبرهما جزأ من منظومة المدرسة الاخلاقية الالهية، التي جاءت في عدة مواضع من القران الكريم بعيدا عن الاركان الاسلامية الخمس، كالعمل الصالح، والحسنات، والصدقات، وكف الاذى عن البشر والكون كله، الخ.......

نعود الى صلب البحث الذي يهتم بفهم الانسان للقران الكريم بشكل طبيعي ودون تدخل من علماء التفسير، لاننا نؤكد على ان الحديث لايختص بالاسباب وازمنة او امكنة النزول (مكية او مدنية)، انما دراسة الاسباب والقواعد الالهية التي نستطيع ان نفهمها اليوم وليس قبل اربعة عشر قرن، بعبارة اخرى الانسان مجبر على فهم القران في عصره وزمانه وليس كما نزل قبل قرون، لماذا؟

 لان الادوات المعرفية التي يمتلكها قد تغيرت بفعل ارادة الله سبحانه وتعالى، وليس بفعل البشر كما يدعي المتشددون......

تقاس درجات ايمان المسلم عند العامة من الناس بالمظاهر المتزمتة لممارسة العبادات والمعاملات، وبالأساليب المتشددة المفرطة في اجتناب مايسمى المحرمات، لكن تلك الاشياء او هذه الامور تبقى مجرد تصور ظاهري لمن يرون او من هم يدعون هذا الايمان، لعل بعض الاشخاص بالفعل لديهم حالة ايمانية نقية وصافية، حيث تصبح جوارح وحواس الانسان معتادة على الصمود امام مغريات الحياة، لكنها قواعد فردية لايعول على صحتها الا في حالات الاختبارات الصعبة التي قد تؤذي صاحبها احيانا او توصله الى الشهادة في سبيل الله عز وجل، كمعارضة الانظمة الفاسدة ومواجهة الطغاة،

اذن هل يمكن اعتبار تلك المعايير الخاصة بتمييز المسلم العادي عن المؤمن، هي كلمة الفصل في حالة التفكير والتفسير والتحليل الشخصي لمعرفة موقع العبد عند ربه عزوجل، او للوصول الى نسبة مقبولة من القناعة بأن الله سبحانه وتعالى راض عن اعمالنا وافعالنا وتصرفاتنا،

نعتقد ان الله عزوجل لم يسن ويشرع القوانين والالتزامات والممارسات العبادية من اجل معرفة طاعة العبد وايمانه به فقط، انما هي وسيلة واسلوب وطريقة التخاطب مع الله سبحانه وتعالى، حددت بطريقة الهية لغايات وحاجات بشرية فطرية، مع ان الله سبحانه وتعالى يذكر ان الكون والمخلوقات كلها تسبح بحمده لكنها لم تكن عاقلة كالانسان، ولهذا شعرت البشرية بالفرق في ضرورة ارسال وبعث الانبياء والرسل اليهم، وضرورة ايجاد الاديان لإشباع الروح الانسانية الضعيفة امام حقيقة الكون واسراره والماهيات الاخرى،

قال تعالى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ . وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ . (الصف1)

هذه الآية اعلاه تؤكد ان المخلوقات والكون تمتلك حواس وحركات وظروف ومتغيرات وطبيعة خاصة تختلف عن حواسنا نحن البشر.

نعتقد ان درجات ايمان المسلم لاتكتمل الا باجتناب كبائر المحرمات (وهذه رؤية فلسفية اسلامية خاصة تميز بين انواع المحرمات تبعا لحجم اثارها)،

هناك ثلاثة معايير او اسس وقواعد ايمانية مهمة وصعبة في نفس الوقت، يستطيع المسلم ان يعرف على اقل تقدير ان الله عزوجل راض عنه ام لا،

هناك آيات توضح تلك الحقائق منها قوله تعالى:

 [ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] (التوبة: 100

وقال عزوجل في مورد الرضا ايضا

[لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] [المجادلة: 22

وذكر الله سبحانه وتعالى في القران الكريم ايات كثيرة حول رضاه عن عباده منها:

 (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (التوبة: 21)

 (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }المائدة16

 (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ال عمران 162

 (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ﴿٢٦٥ البقرة﴾

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾ [14آل عمران:

[أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }التوبة109

[ (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }آل عمران174

في جميع ايات الرضا التي ذكرها الله عزوجل في القران الكريم لم تتطرق الى علاقة الصوم او الصلاة او الزكاة او العبادات عموما (بل وحتى العمل الصالح) برضاه سبحانه وتعالى، انما جعلها اساس الدرجات الخاصة بمعرفة المؤمنين، الذين اكتملت عندهم الخصائص الشرعية للإسلام مسبقا، وهي كما قلنا سابقا العبادات والمعاملات والاعمال الصالحة، بحيث تكون بمثابة الطريق الصحيح للوصول الى اولى خطوات درجات الايمان، اما الدرجات القريبة من الايمان، تلك التي تجعل من الانسان المسلم ان يقتنع جزئيا على اقل تقديرمن ان الله راض عنه، وتمنع عنه ايضا المخاوف والشكوك والتساؤلات المتكررة عند اشتداد الازمات النفسية حول مسألة رضا الله اوسخطه عليه، نجدها بينة عبر المقارنة بين تلك الحالتين، اي بين حالة السخط والغضب التي وردت في القران الكريم مع حالة الرضا، وهي بالطبع تعطي انطباعا واقعيا عن حجم ومساحة الفرق بينهما عند الله سبحانه وتعالى،

نذكر بعض من الآيات القرآنية التي تحدثت عن سخط الله عزوجل منها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴿١٣ الممتحنة﴾

[ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ] (سورة البقرة 176

 (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿١٠٦ النحل﴾

 (يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا ﴿٨ الجاثية﴾

 (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ﴿٦٠ المائدة﴾

في الامثلة القرآنية السابقة تصبح الامور الى حد ما واضحة، لمعرفة طرق رضا الله عزوجل من سخطه، اي ليس بالعبادات والمعاملات الظاهرية فقط، يمكننا معرفة الخير والشر، إنما ببعض الامور التي تجعل الله عزوجل راض او ساخط على الانسان، وقد وقع اغلب المسلمين في شراك الشيطان منذ العهد الاموي حتى يومنا هذا، ولعل ماحصل في عهد النظام البعثي البائد في العراق، وتعامل المجتمع مع النظام المنحرف على انه نظام دولة شرعي، على الرغم من ان حجم الظلم والاستبداد كان كارثيا، بطبيعة تعامله الشيطاني الوحشي مع الناس، واساليبه القمعية، وتصرفاته البعيدة عن الله سبحانه وتعالى في التعامل مع المؤمنين والعامة كانت جلية علنية، الا ان المجتمع اختلطت عليه مفاهيم الرضا والسخط، اي الخير والشر، فصار البعض منهم مطية للشيطان.

اذ اننا نعتقد ان المحرمات العظيمة هي ثلاث المال الحرام والزنى والاكل الحرام وشرب الخمور، ويمكن اضافة القتل العمد، لكننا نستثني حالة القتل العمد على اعتبار انها ليست عملا شهوانيا مهما، يمكن ان تدفع الانسان ليقع فريسة لهأُ، انما هي جزء من الحرام الاكبر اي جمع المال (اغلب جرائم القتل والافساد تكون من اجل المال)، فصورة عظمة (المسماة اعظم الكبائر) المحرمات الثلاث تظهرمن خلال طبيعتها الشهوانية، اي تكمن في انها تمتلك الحالات الشهوانية العظمى المتنازع عليها من قبل الانسان، والمنتشرة بصورة متوارثة على مستوى البشرية جمعاء، ولهذا يعد الانسان المسلم الذي يتجنب تلك الاعمدة الشيطانية الثلاث، قريبا من الشعور بحالة الاطمئنان النفسي النسبي بأن الله راض عنه،

هذه الحالة تؤكدها مسألة النفاق المنتشر بين المسلمين في عهد النبي محمد ص، والانحراف الذي حصل بعد وفاته ص من اجل المال والشهوات الاخرى، وصولا حتى يومنا هذا، (التي لازالت بعض الانظمة العربية المسلمة الشكلية، تمارس عمليات الاستبداد، والعمالة للأجنبي وبيع الكرامة، ودفع الرشاوى وقمع المؤمنين والبسطاء من الناس، ونهب منظم مستمر لثروات الشعوب المسلمة من اجل نزواتها وشهواتها الحيوانية المفرطة، بل سقطت اغلب الحركات الاسلامية ورجال الدين في شراك الفتنة الارهابية الداعشية بعد 2003 طمعا بالمال والجاه والسلطة)،

على الرغم من ان ظاهرهم الاسلام (اي المنافقين)، ويعدهم غالبية المسلمين اليوم من صحابة الرسول ص، الا ان الله سبحانه وتعالى حشرهم في القران الكريم في خانة الكافرين،

وهناك آيات قرآنية كثيرة تحدثت على وجه الخصوص في نفاق بعض المسلمين في عهد النبي ص منها، ...

قال تعالى في سورة النساء: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)

(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، (67التوبة)

[يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ] (73التوبة) المائدة

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ] (91) (المائدة)

ماحصل في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وبداية نشوء مقومات اركان الدولة الاموية، ومن ثم مجيء العهد العباسي، كانت مقدمات الكوارث التي انتجت التطرف والارهاب والتشدد والتخلف والتقوقع او الانكماش المعرفي للمسلمين، كلها كانت ترفع شعار الاسلام والايمان وتطبيق الشريعة، الا انها كانت دول استبدادية ظاهرها الاسلام، وباطنها دول شيطانية دموية فاسدة، لايمكن ان يرضى الله سبحانه وتعالى عنها (لهذا بدأنا نسمع بعض الاصوات الباحثة عن الاسلام المحمدي الاصيل بأدانتها لتلك الحقب السيئة، ومن انها لم تعد تحترم الموروثات والاساليب التاريخية الممجدة للفتوحات الاسلامية، واعتبارها جزءا من شهوات السلطة والمال والجنس)، انما منها تأسس وقام عليها مفهوم اسلامي خطير هي دولة الخلافة، التي ظهرت بعد اربعة عشر قرنا في دول الارهاب البربرية المتوحشة الداعشية،

ونجد ان هؤلاء ادعياء التشدد الاسلامي، ينتهكون قدسية الاسلام بتجاوز المحرمات العظمى الثلاث، فمارسوا عملية سرقة الاموال، وممارسة الزنى (جهاد النكاح)، والاكل الحرام اضافة الى عمليات القتل الوحشي العمد.

يظهرعظم ضرر تلك المحرمات من خلال الايات القرانية العديدة، التي ذكرت شهوة حب المال وكنز الذهب والفضة، حيث قال الله عزوجل في هذه الابواب..قال تعالى :

وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (الانفال28))

 (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:34-35

هناك بالطبع ايات قرانية كثيرة تتحدث عن درجات الحرام المختلفة، فحرام شرب الخمر ليس كحرام القتل العمد، وحرام سرقة دولار واحد، ليست كحرام سرقة ملايين او مليارات الدولارات، تترتب عليها اثار كبيرة وخطيرة منها مرض وجوع الالاف من الايتام والفقراء وكبار السن، فنجد ان الله سبحانه وتعالى عندما اراد ان يتحدث عن حالة تجنب الوقوع في الزنى، ذكر لنا احسن القصص، هي قصة نبي الله يوسف ع، حيث قال رب السموات والارض

، (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24سورة يوسف)

الله عزوجل يقول لعباده ان تلك الشهوة المحرمة خارج اطارها الشرعي، هي ليست سهلة لكنها دليل بين عن ايمان المسلم، واخلاصه لله سبحانه وتعالى باجتنابها،

 

خلاصة البحث المختصر:

يمكن ايجازه بعدة نقاط مهمة منها

اولا: ان الحرام درجات هي جميعا من الكبائر، لكن لابد التمييز والتفريق بين حرام يمكن ان يغفره الله، واخر لايمكن ان يسامح به بسهولة كاقتراب المسلم من حالة النفاق، او حالة عدم الرضا، او عدم المغفرة والتسامح مطلقا وهي تخص الكفار والمشركين والمنافقين والمسرفين في الالحاد والعداوة وعبور حدود الله عزوجل...

ثانيا:ان رضا الله عزوجل دليل على ايمان المسلم، ومنها اجتناب المحرمات العظيمة الشهوة (المال –والزنى- والاكل والشرب الحرام كلحم الخنزير وشرب الخمور والقتل العمد)، هذه المحرمات ليست سهلة الاجتناب، فهي اكبر الشهوات التي تتقاتل عليها البشرية منذ الازل،

ولنضرب مثلا على ذلك، اشتهرت في الآونة الاخيرة موائد رمضانية لإفطار الصائمين، يقوم بها اما بعض الراقصات او التجار والموظفين والمسؤولين والحكام الفاسدين، هؤلاء يعتقدون ان تكفير الذنوب بتزكية المال الحرام والتصدق به، يمكن ان يكون كفارة عن اصل الحرام، التي جاءت منه تلك الاموال (علما ان قسم من هؤلاء يمارسون الطقوس او العبادات الاسلامية كالصلاة والصوم والحج، الخ.)

وهذا هو احد الامثلة الذي يحدد قدرة الشهوات الكبيرة القوية على محاربة ومواجهة واختراق القدرات النفسية او الايمانية للمسلم، فيضطر ان يمارس الحرام، ومع هذا يعمل كل شيء من اجل كسب رضا الله عز وجل، معادلة صعبة متناقضة لايمكن قبولها...

ثالثا: الاطمئنان النفسي يمكن معرفته بالحصول على نسبة كبيرة من درجات الايمان للمسلم في اجتناب المحرمات الكبيرة، التي تمس جوهر حياته اليومية، فما يحصل من انهيار خطير في ايمان المسلمين، لاسيما فساد النخب الاسلامية وكوادرها المتقدمة من اجل المال الحرام، لهو مؤشر خطير على وجود حالة شيطانية متوارثة منذ عهد الخلفاء الراشدين، وهي حالة عدم الاكتراث لسخط الله وغضبه، او اهمالهم بمسألة الاهتمام بتقدير نسبة ايمانهم ما داموا يقومون بالعبادات كاملة كما يعتقدون، فالبعض يعتقد انه يمارس العبادات الاسلامية بشكل صحيح ومتقن (كرجال الدين المنحرفين اخلاقيا لسرقتهم اموال العامة، والعمل بتجارة بيع الفتاوى الكاذبة، كتكفير الشيعة)، وكأنه مجرد واجب الهي جامد لاحياة فيه، بينما نعتقد ان تلك العبادات او اركان الاسلام الخمس هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لمعرفة طريق الايمان، ورضا الله عزوجل، وهي من الواجبات والتمارين النفسية للمسلم الملتزم بتطبيق الشريعة وممارسة العبادات والمعاملات الحسنة اليومية، اذ ليس سهلا ان يجتنب المسلم تلك الشهوات العظيمة السوء، التي يذبح من اجلها احيانا ملايين الابرياء، من قبل الملوك والامراء والرؤساء وزعماء العالم، وكذلك عصابات الجريمة المنظمة والتجار والاغنياء (الخ.)،

ولا يلتفت هؤلاء لإعمالهم ولمن حولهم، وما يفعل يوميا من اعمال تغضب الله وتزيد في سخطه علينا وفقا لما جاء في القران الكريم.

في العراق وبعض الدول العربية، انتشرت ظاهرة الاسلام السياسي، وتصاعدت حدة التطرف والتشدد والفساد المالي والرشوة، وزادت كارثة الجرائم الارهابية بحجة التدين والالتزام بالشريعة، الا ان الفساد المالي والاداري والاخلاقي تصاعد ايضا بشكل خطير، في بلادنا انحرف عشرات الالاف من الشباب والشابات بعد زيادة حالة الاحباط واليأس والفقر، التي انتشرت بين السياسيين الحاكمين في البلاد، يحمل هؤلاء في جعبتهم كتب الحلال والحرام، والحيل الشرعية كمفتاح للجنة، اذ اصبحوا يحللون الحرام، ويحرمون الحلال وفقا لرغباتهم وشهواتهم،

هؤلاء يحاربون الله والقران والسنة النبوية وعباد الله ليل نهار، انما نجد في المقابل ان اصحاب الخير، ممن يتجنب تلك المحرمات هم من الفقراء والمساكين والمؤمنين وحتى المسلمين العاديين، الذين لا تستهويهم مظاهر الشهوات كثيرا، من الذين يرضون بقسمة الله سبحانه وتعالى ورزقة.

 

نتيجة البحث:

يتضح من خلال البحث المختصر ان كل الازمات النفسية، وسوء عاقبة المسلم، هي مس من الشيطان ممكن ان تدفع بالإنسان عموما، والمسلم على وجه الخصوص نحو الهاوية، او تدفع به في طريق حب الشهوات والتطرف في استخدام شتى الوسائل والطرق والاساليب الدنيئة للحصول عليها..قال تعالى في تلك الحالات.

 ([وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ) (الأعراف 200 ـ)]

[وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) (ص)].

نعتقد ان كل مرض نفسي، وفساد اخلاقي، سببه الشيطان ولهذه لايوجد علاجا له سوى في القران الكريم..

والله عزوجل اعلم.

 

مهدي الصافي

........................

بحث فلسفي اسلامي مختصر يتحدث عن احتمالية معرفة الانسان درجات الايمان ورضا الله عن عباده،، فالفلسة التي نتحدث عنها هي فك الرموز الغائبة عن الوعي الجمعي....احيانا قد يكون عصارة البحث سطرا من نتاج التجربة المعرفية الشخصية في الاستنتاج من لفكر والتفكر والتأمل، ولكل انسان فلسفة وفكر ووعي ورأي الا انها تختلف في النتائج، ونسبة التفاوت، بين الخير والشر، او الصح والخطأ

 

في المثقف اليوم