دراسات وبحوث

عبد الجبار العبيدي: بين النص المقدس والرأي الفقهي

عبد الجبار العبيديولد الاسلام حراً خالياً من المذهبية، وسيبقى حراً الى أبد الأبدين. وما المذاهب الفقهية الحالية الا فتنة طارئة عليه.. وسنتطرق اليوم الى الميثاق والقوامة والنشوز لنتبين حقيقة النص الديني وما هدف اليه دون رغبة من مذهب او فرقة أو تنظيم.. هذه المذهبية التي دمرت حقوق نصف المجتمع (المرأة) فخلقت الفرقة والطبقية في المجتمعات الاسلامية حتى اصبحنا نحن وعهود التخلف سواء بسواء.

الميثاق:

يقصد بالميثاق هو العهد الذي يكتب بين الزوجين لعملية تكوين الاسرة الواحدة من الرجل والمرأة. ثم الاولاد، بدلالة الاية الكريمة: (.. وقد افضى بعضكم الى بعضٍ وأخذن منكم ميثاقاً غليظا، النساء 21).

هنا يطبق الميثاق في حالة الاستبدال بشروط اخرى ليست هي الكيف، وأنما الضرورة القانونية والشرعية كما جاء في الاية الكريمة: (وان خفتم الا تقسطوافي اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فان خفتم الا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ان لا تعولوا، النساء 3). ان نقض الميثاق بين الزوجين أمر في غاية الخطورة وعلى الاثنين الايفاء به شرعا ًوقانونا ًكما في قوله تعالى: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، ويخافون سوء الحساب سورة الرعد، آية 20). 

فالميثاق عهد مشترك بين الرجل والمرأة، شرعي ملزم، فلا طلاق بغضب، ولا طلاق بالثلاث.. فلا أصل لهما في النص القرآني، وهي مستحدثات فقهية طارئة على النص الديني. وهاذا ما ترفضة الايديولوجية الأعتقادية حين وضعت للطلاق شروطاً قاسية جدا- ففكر الامام الصادق (ع) هو فكر آيديولوجي وليس مذهباً كما يدعون- أنظر فقه الأمام الصادق.

والذي شهدته بنفسي شخصيا اثناء الدراسة العليا في القاهرة يرافق الخلاف بين الزوجين.. فترة زمنية واسعة غير محددة، لعل كل من الزوج والزوجة يعودا الى رشدهما ويتصالحى لما فيه خير العائلة والمجتمع والاستقرار الاجتماعي في الدولة، أضافة الى ما ورد في ضرورة وجود الحَكَم العائلي من الزوج والزوجة لعلهم يقومون بمهمة الاصلاح وعدم التفريق بينهما الذي من نتائجه الوخيمة تشتت الاولاد وما يرافقهما من مساوىء اخرى كثيرة وعداوات لا لزوم لها بينهما، يقول الحق: (وان خفتم شقاقاً بينهما فأبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها يُريد ا أصلاحاً يوفق الله بينهما، ان اللهَ كان عليماً خبيراً، النساء 35).

هذا هو الذي جعل الكثير من المصريين والسودانيين اليوم يتحولون الى الايديولوجية الجعفرية حفاظاً على حقوق بناتهما الارثية من الضياع بعد الوفاة للمورث وخاصة الذين لا يملكون الا البناتات في الخِلفةِ.. ومن الطلاق المتسرع دون تفكير نتيجة ساعات الغضب او لموقف معين لا يستحق مثل هذا القرار الخطير، كما نراه في المحاكم المصرية اليوم.. والذي شاهدته بنفسي اثناء الدراسة العليا هناك.

ان هذا التوجه هو الاخر ليس حلا فالاسلام واحد ولا مذهبية فيه ابدا، وماقيل في التعددية المذهبية ما هي الا أجتهادات فردية قديمة بحاجة الى مراجعة قانونية جادة وذلك بتثبيت الشرعية الدينية الاسلامية وفق مقتضى النص القرآني وأبعاد رأي الفقهاء المتزمت في التصرف الشرعي. أي أحلال القانون بدلا من احلال الرأي، وجعله تحت طائلة التغيير لصالح الفرد والمجتمع دون اعتراض من احد او من مذهب او جماعة او من متنفذين. ويستدعي الامر توحيد المحكمة الشرعية بمحكمة واحدة لأن الاصل فيهما هو ان العقل يحكم انه لا يجتمع على صدق نقيضان.

ان ثقافتنا الاجتماعية يعتريها النقص والتخلف حين أهملت حقوق المرأة بحجة الشرف والالتزام الاجتماعي وهيمنة الرجل على المراة بدوافع ذكورية محظة، وايدها الفقهاء ليس حقاً او واجبا في الشريعة والتشريع وانما خدمة لذوي السلطان الاكبرمن اصحاب النظرية الذكورية بدون تدقيق، وهي عادات مرفوضة بكل المقاييس ولا أصل لها في الدين ولم تأتِ بنص مكتوب.

أما القوامة:

هذه الكلمة جاءت بموجب الآية الكريمة (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعضٍ، النساء، 34). القوامة في الاية الشريفة لا تقصد جنس الرجال على النساء، وأنما تقصد القوامة بالقدرات المختلفة بين الاثنين عدلا وقانوناً، أنظر كلمة قوامة في لسان العرب، حين تعني العدل، وكلمة بعضهم تعني الجزء، وليس الكل. ففي قول الحق: (كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخرة اكبر درجات واكبر تفضيلا، الاسراء، 21). هنا الاية الكريمة تنفي التفضيل بالخلق وتبقي الافضلية بحسن الادارة والحكمة والثقافة والوعي.

فالقوامة لا تنحصر بالزوج والزوجة، بل بالاسرة كلها التي تقوم على التعاون والمحبة والرحمة والمودة، ولا علاقة لها بالتمييز بين الرجل والمرأة الا في عقول المفسرين من الفقهاء الذين لا عمل لهم الا المرأة والجنس وتأييد السلاطين. وهكذا جعلوا منها قانوناً ظالماً وباطلاً بكل المقاييس لحقوق المرأة التي كرمها الاسلام (وكرمنا بني آدم) ولم يقل الحق وكرمنا رجال بني آدم. فأين الخلاف والاختلاف؟.

واليوم وقد سادت الثقافة بين الاثنين، فلا بد من معالجة الامر بروح العصر الحديث ضمانا لحقوقهما معا، وانتزاع سلطة التفسير ممن هم ليسوا مؤهلين له بعد ان اخترقوا النص المقدس والادميين، فهل من يسمع ويجيب لنكون مع العالمين. وما ورد في القرآن من نصوص العدالة لم نقرأه في نصوص الحضارات الاخرى بالمطلق.

أما النشوز:

فالكلمة تعني الكراهية بين الزوجين الذكر والانثنى، يقول الحق: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ان الله كان عليا كبيرا، النساء 34). والنشوز هنا يعني الاستعصاء على الزوج لسبب من الاسباب، او هو نشز عليها نشوزا فهو مشترك بين الأثنين، اذ ليس الله جلت قدرته العظيمة من يعطي الحق لواحد دون الاخر، وهو ميزان الحق الازلي، لذا قال الحق: (وان أمرأة خافت من بعلها نشوزاً أو اعراضاً فلا جناح عليهما ان يُصلحا بينهما صلحاً، النساء 128)، والاية نزلت حسب قول القرطبي في التفسير في سودة بنت زمعة زوج الرسول(ص) حين خافت من الطلاق فأرادت الصلح والمصالحة معة، وفي حالة الاستحالة لها ان ترضى حسب اوامر الله الكريم، فألاية مشتركة الحدود والحقوق بين الاثنين ولا فرق بينهما بالمطلق حتى لوكان رسوالله، بوجب نظرية (اعدلوا ولو كان ذا قربى). وقيل في النشوز هو الكراهية بين الزوجين لاسباب معينة.. ليست بالضرورة من المرأة.

هنا يأتي دور الوعظ اي النصيحة والمصالحة لذات البين(فعظوهن) وأذا لم يتعظن فأضربوهن على أيديهن أي أسحبوا منهن القوامة، ولا الطلاق على الفاضي والمليان كما يحلو للرجل المتغطرس ان يتصور لأن العصمة بيده، هنا يجب ان تستبدل نظرية العصمة بنظرية الاستقامة كما جاء في أية التطهير، يقول الحق: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء.. . أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا، الاحزاب 33) والاية نزلت بزوجات الرسول وآهل بيته دون أستنثناء من احد، حتى نكون منصفين في الحكم دون تميز بين (س، ص) من أهل البيت العظام.. حين تقرأ الاية من قبلهم مقطوعة المقدمة. هنا التقييم يتم عن مدى الاستقامة وحفظ القيم الاخلاقية لا النسب كما يدعون، فلا معصوم في الدنيا ابدا الأ الله والرسول بالرسالة وليس بشخصة الامين. أنظر الأية 67 من سورة المائدة.. ونظرية الاستقامة في القرآن جاءت بعشرات الايات الحدية الامرية التي لا تقبل التأويل لان الاستقامة هي الحق والحق رب العالمين يقول الحق: (فأستقم كما أمرت، هود112). فاين الخلاف والاختلاف.

ولان اليد وسيلة لسحب القوامة لا الضرب، لأنها مشتركة بين الاثنين، فالضرب في الاية الكريمة لا يعني العنف أبدا، بل يعني سحب القوامة من ايديهن او من أيديهم(أنظر كلمة ضرب في لسان العرب التي تعني السحب وليس الضرب بالعنف). يجب على المشرعين من الفقهاء الذين ظلموا المرأة ان يعودوا الى صوابهم ليحقوا الحق ولو كره الكافرون، وصولا لأفضل الحلول في المجتمعات الانسانية التي قتلها الخطأ والتمسك به دون عقل او اساس من دين.. انظر قوانين المجتمعات الغير المسلمة (القانون الامريكي مثلاً)كيف تعامل المرأة في غاية الحق القانوني والأنصاف الأنساني كي لا يضيع الاولاد وهي دون معيل كما هو عندنا اليوم.

ان سيادة نظرية الضرب بالعنف تعني سيادة نظرية التخلف عند المسلمين، وهذا ما نعاب عليه اليوم عند الاوربيين والشعوب المتحضرة الاخرى، والاية الكريمة(34) من سورة النساء المذكورة اعلاه واضحة تماماً حيت تقول: (فلا تبغوا عليهن سبيلا)، أي لا تَدَعوا من فرصة الا وأغتنمتموها من أجل الوفاق والعيش الكريم، والاية الكريمة لا تفسر الا أيجابيا لصالح الانسان الذي اعزه الله وجعله في موقع التكريم. والرسول الكريم (ص) يقول حينما رآى الناس يضربون الآماء (لا تضربوا أماء الله)، فأذا حرم الرسول (ص) ضرب الاماء فهل أجازه على النساء الاخريات من الحرائر، تقييم فقهي ناقص بحاجة الى مراجعة، وحديث الرسول ثبت بكل مقاييس الاخلاق والاثبات، وقابل لقناعة المنطق. فهل نحن سامعون؟

لا خلاف ول أختلاف في النص المقدس.. وانما الخلاف في الفسير الفقهي الناقص ولا غير. ومن يدعي الخلاف فليأتنا بنص قرأني مبين، وفي النهاية فهو مخالف لاقوال القرآن الكريم.. احترموا شجاعة من يقول الحقيقة.. فالنص هو الحقيقة وليس اقوال فقهاء الدين.. من الخارجين على النص.

 

د. عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم