دراسات وبحوث

منى زيتون: عصمة الأنبياء

منى زيتونوصلني تعليق مهم على مقالي "الحاجة إلى علم نفس تاريخي"، قال فيه صاحبه:

لدي ملاحظة حول الحديث عن خطايا الأنبياء في الجزء المعنون "ما بين التعظيم والتدمير" وهو أن الأنبياء منزهون عن الخطايا والآثام، وهم معصومون، ومع هذا قد يصدر منهم خطأ بسيط بلا تعمد، أو يرتكبون خلاف الأولى. وهم مُنزَّهون عن الكفر والشرك. وقول النبي إبراهيم: ‏﴿‏هَذَا رَبِّي﴾ في زعم قومه. قال الواحدي في الوجيز: "في زعمكم أيها القائلون بحكم النجم وذلك أنهم كانوا أصحاب نجوم يرون التدبير في الخليقة لها". وقال البيضاوي في تفسيره (1/ 423): "وقوله: ‏﴿‏هَذَا رَبِّي﴾ على سبيل الوضع فإن المستدل على فساد قول يحكيه على ما يقوله الخصم ثم يكر عليه بالإفساد".

ردي على التعليق

بخصوص ما ذكر بعض المفسرين في قول أبينا إبراهيم ‏﴿‏هَذَا رَبِّي﴾ فهو مضاد لصريح معنى الآيات؛ ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 76- 79].

فمن الواضح أنه كان في رحلة بحثه عن الله، فأخذ يراقب وأخطأ أولًا واعتقد في صحة عقيدة قومه، لأنهم كانوا يعبدون الكواكب، ويصنعون لها تماثيل لتجسيدها على الأرض، وكانوا يخصون أكبر الكواكب المشتري ﴿كبيرهم﴾ بتعظيم أكبر، ولكن أفول المشتري في تلك الليلة كان دليلًا عنده أنه ليس إلهًا، فالإله لا يتحول ولا ينتقل، وفي اليوم الثاني عندما راقب القمر وأفل عرف أنه هو الآخر ليس إلهًا، فطلب الهداية من الرب الحقيقي الذي لم يكن عرفه؛ أي طلب من الله أن يدله عليه، وفي الصباح رأى الشمس وكان أفولها دليلًا عنده أن الرب هو الذي خلق هذه الأجرام كلها، وتبرأ أن يكون من المشركين به. وبهذا الرأي رأى ابن عباس فيما رواه عنه الطبري، وليس فيه انتقاصٌ من مقام الخليل إبراهيم، فقد كان فتى يطلب الهداية ويقين الإيمان.

وفي الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام وبين الله عز وجل، ثم بينه وبين فرعون في سورة الشعراء سنجد أن كليم الله يقر في حواره مع الله عز وجل بأن لقوم فرعون عليه ذنبًا ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (14)﴾، ويقر أمام فرعون بأنه عندما قتل الرجل منهم خطأ كان من الضالين ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)﴾، فهو رد على فرعون الذي كان قد وصفه بالكفر، والكفر ضلال بين العبد وربه، ولكن موسى قتل الرجل جهالة منه وضلالًا وليس كفرًا، قبل أن يُوحى إليه ويصير نبيًا.

وأود أن أوضح أن ما ذكرته أنت من عصمة الأنبياء من الخطايا أبدًا إنما هو رأي رآه مفسرون، ولا أراه موافقًا لما ذكره الله تعالى من قصص بعضهم في القرآن، وإنما العصمة تقرر في حقهم بعد نيلهم مقام النبوة، وهذا مما لا خلاف عليه؛ فهم جميعًا بعد نبوتهم معصومون. وهذا الرأي أقرب لتحقق الفائدة من كونهم بشرًا، لإمكان الاقتداء بهم، وليعلم المذنب منا أن ذنبه غير حائل بينه وبين أن يصل إلى درجة عالية من الإيمان إن تاب ورجع عنه. ولكن مما لا خلاف عليه أيضًا أنهم جميعًا منذ نشأتهم أتقياء، وأن أي خطأ وقع فيه أحدهم قبل نبوته لم يكن مقصودًا.

 

د. منى زيتون

 

في المثقف اليوم