دراسات وبحوث

رجاء موليو: الأعياد اليهودية.. عيد الفصح نموذجاً

رجاء موليويحتفل اليهود بأعياد كثيرة، تتضمن مواسم واحتفالات وطقوس مختلفة وهذه الأعياد إما أنها تعود إلى أصول دينية نص عليها العهد القديم، أو أنها تعود إلى أصول وجذور تذكر بمواسم زراعة والحصاد وصارت رموز لأحداث تاريخية لها أهميتها في الحياة اليهودية أو أنها تتصل برؤية الهلال أو التوبة والتكفير عن الذنوب، ومن الأعياد الدينية ما هو خاص وما هو عام وإن كانت النكبات التي نزلت باليهود وخاصة على يد الأشوريين والبابليين والرومان قضت على كثير من أفراحهم وأعيادهم الخاصة. ولكن الشريعة حرصت على الأعياد الكبرى حتى إبان السبي والعودة ولم يكتفي الإسرائيليون بها فأضافوا إليها أعياداً أخرى من واقع الاختلاط بالمجتمعات الجديدة الغالبة.

تعريف الأعياد وأهميتها

تعريف الأعياد عند اليهود: الأعياد تقابلها اللغة العبرية "بيساح" وكلمة "حجيم" وهذه الأخيرة مفردها "حج" ويقابلها كلمة "موعيد" وجمعها "موعاديم" والأخيرة أوسع في نطاقها الدلالي فهي تشكل كل الأعياد اليهودية[1]. وتستخدم كلمة حجيم لإشارة إلى عيد الفصح وعيد الأسابيع عيد المضال "أعياد الحج الثلاثة" أما كلمة "موعيد" وجمعها موعاديم فتشير إلى الأعياد السابقة وكذا عيد رأس السنة "روش هشاناه" ويوم الغفران "هذه مواسيم الرب المحافل المقدسة التي تنادون لها في أوقاتها".

ويتسع النطاق الدلالي لكلمة "أوقاتها "موعاديم" لتشير أحياناً إلى كل المحافل المقدسة ومنها السبت وعيد بداية الشهر القمري وكان الأنبياء يشيرون إلى كل هذه الأعياد باعتبارها المحافل المقدسة[2].

وتنقسم الأعياد اليهودية إلى قسمين الأعياد التي جاء ذكرها في الثورات أي التي نزلت قبل التهجير وتلك التي أضيفت بعد العودة من بابل.

من كل ما سبق يتضح أن العيد اليهودي هو يوم أو سلسلة من الأيام يحتفل بها اليهود كمناسبة دينية أو دنيوية لحدث هام في التاريخ اليهودي.

أهمية الأعياد عند اليهود:

لقد كان اليهود يقدسون الأعياد عندهم ويجعلون لها في قلوبهم مكانة سامية إذ أنها تذكرهم بحوادث تاريخية تتجلى فيها محبة "يهوه" لشعبه المختار وكذلك تذكرهم بإحسانه إليهم وبركاته الفياضة في زرعهم وحصادهم. وتوجب عليهم مع فرحهم يتقربوا ويعبدوا الرب ولا يحضرون إليه فارغين وتتمثل أهمية الأعياد في حياة اليهود في قيامهما بدور كبير في دعم فكرة الشعب المختار.

وأهمية هذا العيد تتمثل في أن اليهود يعتقدون أن الرب قاد اليهود بنفسه وأخرجهم من نير العبودية، ولأن الخروج كان بصورة اضطرارية، إذ أعجلهم الخوف من اللحاق بهم فقد أعدوا خبزهم على عجل فطيراً قبل أن يختمر لهذا أصبح على اليهود أن يأكلوا الخبز الفطير في الأسبوع الثالث من شهر نيسان ويقيموا احتفالات في بدابة العيد ونهايته حيث يتلون الأدعية ويقيمون الصلوات ويحرقون القرابين.[3]

عيد الفصح: الفصح كلمة عبرية يقابلها في العبرية "بيساح" وهي تعني العبور و"المرور" و"التخطي" ويعتبر الفصح أول الأعياد السنوية عند اليهود ويجب عليهم الاحتفال به مهما كان الأمر وهو عبارة عن تذكار لليهود بخروج موسى عليه السلام ببني إسرائيل من مصر ونجاتهم من بطش فرعون لذلك كان اليهود يطلقون عليه اسم موسم الحرية وكذلك عيد الربيع أو عيد الفطير.

وقد اكتسب هذا العيد على مر العصور أكثر من اسم لكل منها معناه ومغزاه وأشهر هذه الأسماء الفصح، أو الفسح وأصل معناه المرور والعبور، وهذا الاسم يذكر اليهود بأكثر من شيء:

مرور ملك العذاب فوق أرض المصريين دون المساس باليهود.

مرور الشتاء ليفسح المجال للربيع.

عبور اليهود من العبودية للمصريين إلى الحرية.

عبور البحر مع موسى.[4]

وقت عيد الفصح ومدته:

يحدد سفر اللاويين وقت عيد الفصح فيقول: في الشهر الأول من الرابع عشر من الشهر بين العشائين فصح للرب، وفي اليوم الخامس عشر من الشهر عيد الفطير للرب" كما يشير أيضاً هذا السفر إلى أن مدة عيد الفصح أو الفطير ثمانية أيام فيقول: "سبعة أيام تأكلون فطيراً في اليوم الأول يكون لكم محفل مقدس، عملا ما من الشغل لا تعلموا وسبعة أيام تقربون وقورا للرب" وفي سفر الخروج يذكر أن مدة هذا العيد تقع بين يومي الرابع عشر والحادي والعشرون من شهر نيسان فيقول "في الشهر الأول في اليوم الرابع عشر من الشهر مساء تأكلون فطيراً إلى اليوم الحادي والعشرين من الشهر مساء أيام لا يوجد خمير في بيوتكم ورغم أن سفر اللاويين يحدد مدة هذا العيد إلا أن فقهاء اليهود جعلوها تنقص يوما لمن يحتفلون به في فلسطين[5]. ويقولون إن السبب في هذا هو أن التقويم اليهودي لم يتم تحديده إلا في زمن متأخر بالنسبة لموسى، وخشي المشرفون اليهود من وقوع غلط أو اختلاف عند بعد مكان إقامة اليهود بالنسبة لفلسطين فكانوا يزيدون في الأعياد الكبيرة  يوما من باب الاحتياط، ولكن يتسنى للحجاج المسافرين أن يصلوا إلى الأرض المقدسة في الموعد المحدد وكذلك لعدم تمكن من إبلاغ ظهور الهلال أن الشهور اليهودية قمرية[6].

وعيد الفصح معناه شهر الخضرة أو تكوين السنابل الذي دعى بعد السبي البابلي "نيسان" وكان يعقب أكل الفصح مباشرة، سبعة أيام عيد الفطر مباشرة سبعة أيام عيد الفطر لأن الفصح يقع في اليوم الأول من عيد الفطر.

كيفية الاحتفال بعيد الفصح:

والواقع أن طقوس الاحتفال بعيد الفصح كثيرة ومتعددة ومعقدة جداً ولعل سر ذلك هو تعدد المصارد التي أخذ عنها اليهود تلك الطقوس المختلفة، ورغم أن هذه المصادر دنيوية وأحياناً وثنية فإن حاخامات اليهود قد فسروها بطريقة تضفي عليها مغزى دينياً.

وطقوس الاحتفال بهذا العيد مختلفة كما ذكرنا وهي كما يلي:

الاستعداد قبل العيد يذكر سفر الخروج أن الرب كلم موسى وهارون وأمرهما أن يأمرا بني إسرائيل بالاستعداد لعيد الفصح ابتداء من اليوم العاشر من شهر نيسان فيعدوا ذبائحهم وقرا بينهم.[7]

ومن خطوات الاستعداد أيضاً: التفتيش عن الخميرة ويجب فيه على اليهودي أن يتأكد من أن أية خميرة لا تصلح للخبز قد أبعدت عن البيت تماماً. أما أهم أيام هذا العيد فهي أول يومين وآخر يومين فيه بينما الأيام الأربعة الوسطى تعتبر بين وبين.[8]

إذ يلتزم فيها أكل الخبز الفطير ولكن تقترن بطقوس احتفالية كبيرة ومن الجائز قطع العطلة في هذه الأيام الأربعة عند الضرورة ولذلك جرى العرف عند اليهود على تسمية هذه الأيام الأربعة الوسطى (أيام تحليل العيد)، أو فك الاحترام عنه، لذلك وصفت هذه الأيام ب (العيد الصغير) ، بينما اليومان الأولان واليومان الأخيران تؤلف (العيد الكبير).[9]

وبعد هاته المرحلة نجد أن تعاليم الثورات توجب على اليهود أكل الفصح في وضع طقسي معين بحيث يبدأ اليهود في اليوم الرابع عشر بذبح الخروف وهم يلبسون نعالهم ويمسكون عصيهم ويشدون الثياب على أحقائهم ويأكلون بسرعة وعجالة ولا يأكلون منه إلا مشوياً بالنار مع فطير لا خمير.

وكان يصاحب هذا الاحتفال الطقسي خصب ورقص ولهو وغناء وشرب خمر وضرب بالأدوات الموسيقية في المساء حتى الصباح في فرح مقدس وتسلية بريئة وكل هذا يرمز للحياة القاسية المريرة التي عاشها بنو إسرائيل قبل وإبان الخروج من مصر.[10]

فتدور معظم الطقوس حول أمرين مائدة الفصح وحكاية الفصح فتوضع على مائدة الفصح حزمة من النباتات القاسية المرة كالخص أو الشيكوريا أو الكرفص ثم كأس من الماء المالح أو المخلوط بالخل رمز الحياة القاسية التي عانوها في مصر ورمز دموع جماعة إسرائيل أو المأكولات الكريهة على النفس (مثل تلك التي أكل أسلافهم أثناء الفرار من الصحراء).

وبجانب ذلك يوضع شيء من الفاكهة المهروسة أو المدقوقة في الهون أو المنقوعة في النبيذ (رمز الملاط الذي كانوا يستخدمونه في البناء في مصر) كما يوضع ذراع خروف مشوي (تذكرة بالحمل الذي كان يضحي به) وبيضة مسلوقة تذكرة بقربان العيد.[11]

ويوضع على مائدة الفصح ما يلي:

أ – وضع ثلاث قطع من الفطير الواحدة فوق الأخرى ترمز القطعتان العلوية والسفلية إلى المن والسلوى إلى ما رزق بهما بنو إسرائيل في سيناء حيث تكون القطعة الوسطى رمز للآلام والمعاناة التي جابهوها في النية. ويشدد اليهود وجوب صنعها بالأيدي والوجوب ألا تحتوي على أي شيء يتعلق بالخميرة.

ب – استعمال أقطم جديدة لتهيئة الطعام والشراب باعتبار أن الأدوات المستعملة بخسة ولهذا يحتفظ المتشددون من اليهود بأطقم خاصة للمناسبة وقد جوز البعض استعمال الأدوات القديمة شرط تطهيرها بالماء المغلي أو عرضها للحرارة.

د – وضع كأس من النبيذ باعتباره نخبة النبي إلياء عندما ينزل من السماء معلناً اقتراب مجيء المسيح المخلص.[12]

وقد ظهر أثر هذه العادة في مائدة عيد الفصح إن تبني اليهود فكرة الكؤوس الثلاثة وأضافوا إليها كأساً رابعاً تشرب أثناء تلاوة القديش ولذا توضع على مائدة الفصح أربعة أقداح من النبيذ يشربها أعضاء الأسرة وهي ترمز إلى وعد الإله لليهود بتخليصهم وقيامه بإنقاذهم من مصر بنفسه دون وساطة وقد تمت عملية الإنقاذ عبر أربعة مراحل: (سأخرجكم- سأرسلكم وسأخلصكم وسأجعلكم شعبي المختار) كما يقال إن الكؤوس الأربعة هي رمز للشعوب الأربعة التي أدلت العبرانيين وهم البابليون والفرس واليونانيون والرومان.[13]

وهذا العيد يرتبط أساساً بواقعة الخروج من مصر ولذا نجد أن الصراع بين السلوقيين حكام سوريا والبطالمة حكام مصر قد ألقوا بضلالهم على عين الفصح فالمدراش الخاص بعيد الفصح والذي وافقت عليه سلطات الهيكل تحت نفوذ البطالمة أكد أن لبان هو التجسيد سوريا "أرام" الذي كان يحكمها السلوقيون وأنه يحاول الفتك باخيه يعقوب ولذا فقد جاء إلى مصر حسب أوامر الإله.[14]

وارتبط عيد الفصح بتهمة الدم إذ كان يسود الاعتقاد بين العامة أن أعضاء الجماعات اليهودية يعجنون خبزهم بدم طفل مسيحي ويقال إنه لهذا السبب كانت تفتح الأبواب بعد الانتهاء من مأدبة الفصح حتى يرى غير اليهود ما يدور في المنزل ولم يكونوا يشربون نبيذ أحمر في هذه المأدبة لسبب نفسه وعكس هذا يقرره سفر اللاويين  حرمة أكل الدم على اليهودي وحتى الغريب النازل عنده ويحكم بالقتل على الذي يأكل دم الحيوان ويبين أن "الرب" ويجعل وجهه ضده فيقول: "وكل إنسان من بني إسرائيل أو من الغرباء النازلين في وسطكم يأكل دماً أجعل وجهي ضد النفس الآكلة للدم وأقطعها من شعبها لأن نفس الجسد هي الدم".[15]

خاتمة: وبهذا يكون عدد الأعياد الرئيسية 7 ورقم 7 هو كامل فالله يريد أن تكون حياتنا كلها أفراح وأعياد. الحياة مع الله هي فرح وليست ضيق وحزن. وكان شهر تسري هو أول شهور السنة. وأول يوم في هذا الشهر هو عيد رأس السنة وبعد أن أسس الله عيد الفصح وهو يأتي في شهر نيسان، طلب الرب أن يكون شهر نيسان شهر عيد الفصح هو أول شهور السنة. وبالتالي صار هناك لليهود تقويمين الأول هو التقويم أو السنة الدينية وأول شهورها نيسان والرب طلب هذا لكي يذكر اليهود دائماً خروجهم من أرض العبودية. وأن حريتهم التي حصلوا عليها هي بداية جديدة لحياتهم مع الله.

وتستخدم السنة المدنية في الأمور السياسية والمدنية والزراعية، ولكن كل ما يخص الأمور الدينية كانوا يستخدمون فيه السنة الدينية.

والواضح أن الفصح يشير للصليب.

  

رجاء موليو - المغرب

دكتوراه - باحثة

.........................

المصادر والمراجع:

[1] - الإسلام واليهود دراسة مقارنة من خلال سفر اللاويين للدكتور عماد علي عبد السميع حسين تقريظ، والدكتور عبد الخالق إبراهيم إسماعيل، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى 2004، ص: 306.

2 - موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، عبد الوهاب المسيري، المجلد الخامس، ص: 375.

3 - الإسلام واليهود دراسة مقارنة من خلال سفر اللاويين للدكتور عماد علي عبد السميع حسين تقريظ، والدكتور عبد الخالق إبراهيم إسماعيل، ص: 307. وكتاب اليهود تاريخ وعقيدة للدكتور كامل سعفان، دار النصر للطباعة الإسلامية القاهرة، ص: 220.

4 - مقارنة الأديان، محمد أحمد الخطيب، دار المسيرة، ص: 217.

5 - الإسلام واليهودية دراسة مقارنة من خلال سفر اللاويين، علي عماد عبد السميع، ص: 312-313.

6 - نفسه، 313.

7- مقارنة الأديان، محمد أحمد الخطيب، ص: 217.

8- المرجع نفسه، ص: 218.

9- نفسه، ص: 218.

10- الإسلام واليهود، عماد علي عبد السميع حسين، ص: 315.

11- موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، المسيري، المجلد الخامس، المفاهيم والفرق، ص: 408.

12- مقارنة الأديان، محمد أحمد الخطيب، ص: 218.

13- موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، المسيري، ص: 218.

14- نفسه، ص: 410.

15- الإسلام واليهودية دراسة مقارنة من خلال سفر اللاويين، عماد علي عبد السميع حسين، ص: 316.

 

في المثقف اليوم