دراسات وبحوث

المرتكزات الفكرية في تأصيل ظاهرة التشويه لشخصية الرسول محمد

محمد كريم الساعديمن المفكرين الذين أسسوا لظاهرة التشويه الثقافي في الفكر الغربي هو المفكر الكنسي (توما الاكويني - 1225-1274) الذي حاول التمسك بنفس الاوصاف التي اطلقت على الرسول محمد (ص) في تلك الحقبة الزمنية، إذ نقل عن (توما الاكويني) هذه الصفات عن الرسول في قوله: محمد... ضلل الناس بوعود بمتعة جسدية تدفعنا نحو شهوة الجسد . كذلك فقد احتوت تعاليمه تصورات كانت مطابقة لوعوده، فأعطى سيطرة كاملة للمتعة الجسدية . في هذا كله – وهو امر ليس من غير المتوقع – كان يطيعه رجال شهوانيون، أما ادلته تأييدا لمذهبه، فأنه لم يضع امامنا الا ما يمكن ان يُفهم فحسب بواسطة القدرة الطبيعية لأي شخص يتمتع بأكثر درجات الحكمة تواضعاُ، وفي الحقيقة فأن الحقائق التي علمها قد مزجها مع اساطير كثيرة ومع مذاهب على قدر كبير من الزيف، لم يقدم اية علامات انتجت بطريقة خارقة للطبيعة، وهي وحدها التي تعطي بصورة مناسبة شهادة على وحي الهي ؛ ذلك أنّ فعلاً مرئياً يمكن أنّ يكون الهياً فحسب يكشف عن معلم للحقيقية ذي الهام غير مرئي وعلى النقيض فان محمداً قال انه بُعث بقوة اسلحته – وهي علامتان لا يفتقر اليهما حتى اللصوص والطغاة . اكثر من هذا فان رجالاً يتسمون بالحكمة، رجالاً مدربين على امور الهية انسانية لم يؤمنوا به البداية، أولئك الذين امنوا به كانوا رجالاً قساة ومن التائهين في الصحراء، يجهلون تماماً كل تعاليم الهية، وبفعل اعدادهم اَجبر محمد اخرين على ان يصبحوا اتباعاً له بعنف اسلحته .

إنّ (توما الاكويني) في هذا الوصف لشخصية الرسول محمد (ص) واتباعه يؤشر الى عدة امور هي:

اولاً- إنّ هذه الشخصية تدعو الى التضليل من خلال إبعاد الناس عن الفضيلة ودفعهم الى شهوانية ومتع جنسية بعيداً عن الفضيلة التي كان (توما الاكويني) يعتقدها في لاهوته الديني فقط.

ثانياً- إنّ الرسول ليس لديه أدلة على أنه موحى اليه من قبل السماء، فهو لا يمتلك أي دليل حول هذا الموضوع، بل كان يقنع الناس من خلال المتع الجنسية الشهوانية بعيداً عن الحكمة و الوحي والمعجزات.

ثالثاً- تتضمن افعاله التي يدعو من خلالها الى النبوة والرسالة بالزيف وذلك كونه لم يقدم اي علامة على كونه مرسل ويمتلك الهام الهي يسانده في هذا الموضوع.

رابعاً- إبتعاد الاشخاص الذين يتصفون بالحكمة عنه، بل كانوا اتباعه هم فقط القساة وقطاعين الطرق وهم كُثر اجبروا الناس على الدخول الى الاسلام وبحد السيف.

إنّ (توما الاكويني ) في توصيفاته لشخصية الرسول (ص) وافعاله من المؤكد انها تخلو من الموضوعية كون هذه الاوصاف يوجد ما يفندها في القران الكريم ومنها أنّ الرسول (ص) في القران قد شرع للناس من خلال الوحي ما يُيسر امورهم وعلاقاتهم الزوجية واليات التعامل بين الزوجين دون أنّ يكون هنالك افراط في ذكر الجانب الجنسي في هذا المجال، وكان ذكر الزواج في القران الكريم لغرض تنظيم الاسرة والمجتمع ومصداق ذلك الآية الكريمة رقم (72) في سورة النحل المباركة (بسم الله الرحمن الرحيم: والله جعل لكم من انفسكم ازواجاً وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات افبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون )، وكذلك توجد آيات قرآنية اخرى في هذا المجال، وكون هذا الكتاب يناقش موضوعه الاساءة في الثقافة الغربية لشخصية الرسول محمد (ص)، فلا يمكن ان نذكر آيات قرآنية اخرى كون الكتاب ليس من شأنه أنّ يسردها ويذكرها، واذا اراد القارئ البحث في هذا المجال سيجد آيات عديدة في هذا المضمون.

وفي مجال آخر يصف (توما الاكويني) الرسول محمد (ص) بالزيف وعدم تقديم الادلة والبراهين بأنه موحى اليه من قبل (الله) جل جلاله، علماً أنّ القران الكريم يشير الى جملة من الآيات التي يؤيد كون المعجزات التي قدمها الرسول عديدة و منها في سورة الروم، وكذلك انشقاق القمر كما في سورة القمر، بل إنّ الاحداث التي وقعت للرسول والانبياء السابقين هي في حد ذاتها آيات وبراهين، والقران الكريم في ذاته اكبر دليل على نبوة محمد (ص) فكيف الرسول (ص) يتهم بالزيف في هذا المجال؟ و لو أنّ (توما الاكويني) قرأ القران الكريم لتبين له بطلان ما أدعاه من الاوصاف ضد الرسول .

واخيراً فمن اشار على (توما الاكويني) بأن اتباع الرسول (ص) هم فقط من القساة و قطاع الطرق والتائهين في الصحراء، ألم تكن هذه الاوصاف متشابهة الى ما كان يوصف به الشرقي كونه قاسي القلب ولا يعرف الرحمة، وهل إنّ الرسول (ص) كان قد أجبر الناس على اعتناق الاسلام بالسيف، فهنالك ابناء ديانات اخرى كان الرسول (ص) يعاملهم بإحسان ومنهم اليهود والنصارى وغيرهم من لم يدخل في الاسلام، كانوا يعيشون في وسط المسلمين وهم آمنون على نفسهم و مالهم و عرضهم، بل أنّ الاسلام ديانة تدعو الى العلم و المعرفة ايضاً و التسامح و ما اية (لا اكراه في الدين) الا مصداق لذلك، وكذلك ابتدأ الإسلام بـ (أقرأ ) وليس بـ(اقتل).

وننتقل الى الشاعر والمفكر والسياسي الايطالي (دانتي اليغييري 1265- 1321) من الذين ساهموا في بناء التصورات الفكرية عن الرسول محمد (ص) في نتاجه الادبي الذي تأثرت به المجتمعات في اوربا، وعمل على تثبيت هذه التصورات في الفكر الغربي من خلال عمله الادبي (الكوميديا الالهية)، والتي سنركز هنا فقط على الدور الذي لعبته كوميديا (دانتي) سلبياً في رسم صورة الرسول (ص)، وفي فصول اخرى سنركز على ما جاء في كوميدياه عن الاسلام والرسول (ص) .

ينقل لنا (اي . بي، دانزيف) في كتاب (دانتي مفكر وسياسي) أن دانتي انخرط بالعمل السياسي ضد الآخر الذي يراه بالضد من دولته العالمية، إذ يقول (دانزيف): إنّ دراسته لدانتي كمفكر سياسي طرأت له فكرة واحدة هادية في معالجة هذا الموضوع؛ ان اهتمام دانتي بالشأن السياسي يبدو له امراً تحدده ثلاثة عوامل رئيسية، اولها مصادر ممكنة بالإلهام: المدينة، الامبراطورية والكنيسة. ولا يتطابق هذا الالهام فقط مع المشكلات الرئيسية التي واجهت (دانتي) في زمانه، بل انها تفسر وتصور الطوابق، أو المواضع المختلفة التي لا يكون من الممكن بدون مجهود مفرط اكتفاء اثر تطوره الفكري، ومساهمته في ايجاد مبررات لتكوين مفاهيم ساهمت في رسم تصوراته ومعتقداته في النظرة الى الاخرين المغايرين أيضاً، ومنهم المسلمون لأن انخراط (دانتي ) ليس فقط كشاعر، أو أديب ايطالي، بل مفكر و سياسي عمل على بناء صورة لشكل الدولة العالمية التي يطمح لها، تكون للكنيسة دوراً مهماً فيها، وأنّ (دانتي) الذي عمل على دعم الفكرة من خلال مطابقته في كوميدياه مع المعتقدات التي سار عليها مجموعة من السياسيين والملوك و البابوات عن الحملات الصليبية لاستعاده الاراضي المقدسة في فلسطين ، وقدسها الذي كان يشكل رمزاً مهما في عمل دانتي الذي تأثر في هذا المجال بالملحمة الفرنسية (اغنية رولان) والتي تروي أحداث كبيرة في حقبة الحكم العربي للأندلس و كذلك عمل (اليسكان) . وهذان العملان الملحميان اللذان صورا القتال ضد المسلمين، أو ما يطلق عليهما بأسم (السراسنة)، أي الشعوب الشرق أوسطية، وللإشارة الى العرب منهم خاصة والمسلمين بصورة عامة في هذه المنطقة، إذ ورد ذكر محمد (ص) في احداهما تحت عنوان (Mawnets) وهو اسم محرف مشتق من أسم (محمد ص) الذي يدل على عبادة الاصنام . وفي اليسكان بصورة خاصة فأن احد مقاطعها يشير الى شخصية مسلمة تتبرأ من دينها الاسلامي ومن عبادة (محمد ص). وهذه الاحداث في هاتين الملحمتين شكلت جزء مهم من وعي (دانتي) ورؤيته للإسلام وللرسول .

أما مصادر (دانتي) الاخرى التي ساهمت في بناء تصوراته الفكرية عن الاسلام والرسول (محمد ص)، فهي ترجع الى عدد من المفكرين و رجال دين مسيحيين عمل (دانتي) على الأخذ منهم في تكوين افكاره عن الاسلام ودعمها بأراهم وهؤلاء هم:

اولاً- بيتر المبجل، أو بطرس المبجل في بعض الترجمات، والذي درس الاسلام والنصوص المعنية بنشوء الاسلام ونبيه وأستنتج بأن الإسلام هو هرطقة مسيحية، قامت بالتوسع بقوة السيف واحتلت مناطق واسعة في أسيا وافريقيا وأوربا (اسبانيا تحديداً).

ثانياً- فينسان بوفيه: الذي تأثر ايضاً ببيتر المبجل وجاءت اراه متوافقة مع آراء (بيتر) حول أنّ الرسول محمد(ص) ليس نبياً ولا موحى اليه، فهو يرى بأن الرسول (ص) قد وقع تحت تأثير (الراهب النسطوري سرجيس بحيري)، الذي علم الرسول في الليل، وأمره أنّ يذهب الى قومه في النهار و يقول إنه نبي وعلمه (جبريل الوحي)، ويرى (فينسان) بأن محمداً(ص) ليس نبياً، وهو يمتلك قساوة وشراهة، مما جعلت هذه الصفات الدين الاسلامي ديانة غير مستقرة.

ثالثاً – برونيتو لاتيني: أخذ من التاريخ المسيحي المبكر عن الاسلام وعن رسول الاسلام، وكان يرى بأن الرسول(ص) كان ناسكاً وقع في خطأ، ورأي (لاتيني) متطابق مع الرؤية التي تقول: أنّ الرسول أخذ عن الراهب (سرجيس بحيري) .

هذه الآراء الثلاثة أوجدت عن (دانتي) صورة مختلفة عن الحقيقة تذهب الى أنّ الرسول (ص) هو باذر الشقاق، كونه أخذ تعاليم مسيحية مشوهه من الراهب النسطوري، وبذلك ساعد في زرع بذرة الشقاق وغيرها من الأوصاف التي سنذكرها عند مناقشتنا للكوميديا الالهية.

إنّ هذه النظرة التي تبناها (دانتي) في تصوراته حول الاسلام ورسوله محمد(ص) هي لم تأتي عن محض الصدفة، بل كان هذا الاسلوب هو الرائج عن المسلمين في تلك الفترة، فالشهوانية والأبعاد الجنسية التي اتهم بها المسلمون ورسولهم قد تبنته عدد من القيادات المسيحية في هذا الاتجاه مما ولد نظرة سلبية قلدها عدد من المفكرين والادباء و الفنانين، وغيرهم، وانعكست ايضاً في السياسة ضد الاسلام ورسوله (ص)، فمثلا في كتاب (مفترق طرق الثقافات) لـ (توماس هيلاند اريكسن) يرى بأن الكثير من المصادر والمراجع اللاتينية من العصور الوسطى الاوربية المكتوبة عن الاسلام تحاول أنّ تؤكد وتثبت بأسلوب شديد التأثير أنّ الاسلام تجد فيه رغبة عارمة للجنس، وهكذا اتهم المسيحيون الرجال المسلمين – على نحو تقليدي – بأنهم زناة لدرجة شنيعة ورديئة. وهذه الصورة التي عمهما الغربيون على الإسلام، انعكست بصورة خاصة على الرسول محمد (ص) باعتباره المؤسس لهذه الافكار، وحتى أنّ بعضهم الصق هذه الصفات بشخصيته، أي أنه هو من أوجدها في الاسلام وجعل المسلمين يمارسونها من خلال عم تحريمها لهم في العقيدة الاسلامية، وهذا ما أكده (توماس هيلاند اريكسن) إذ يقول: الى جانب ذلك فأن محمد (عليه الصلاة والسلام) قد ابدى شيئاً جنسياً غير مقبول بالمرة، إذ ما اعتبرنا العقيدة المسيحية هي المعيار، لذلك فأن تأثير (دانتي) بالكتابات المسيحية و التي جعل منها ركناً اساساً في رؤيته الفكرية و السياسة وفي كتاباته الادبية، كانت معيارها، او جزء مهم من المعيار هي العقيدة المسيحية، بشكلها المباشر من خلال (بيتر المبجل)، أو بطريقة غير مباشرة من خلال (فينسان بوفيه، وبرونو لاتيني).

ومن الشخصيات الفكرية الاخرى التي حاولت ان ترسم صورة عن رسول الاسلام الكريم محمد (ص)، هو الفيلسوف والاجتماعي والروائي و المؤرخ (شارل لوي دي سيكوندا) المعروف بأسم (مونتسكيو 1689-1755)، وصاحب الرسائل التي نسبها الى اقلام شرقية ليصف المجتمع الاسلامية بما يتلاءم مع الرؤية التي كانت سائدة في المجتمعات الغربية التي تصور المسلمين على وفق الافكار والتصورات المناوئة لهم، وهنا يذكر (ديورانت ) صاحب (قصة الحضارة) إنّ (مونتسكيو) قدم الرسائل على انها مكتوبة بقلم(ريكا وأوزبك) وهما سائحان فارسيان في فرنسا ومراسليهما في اصفهان، أنّ هذه الرسائل لم تعرض فقط نقاط الضعف والاهواء والتحيز عند الفرنسيين، ولكنها كشفت ايضاً عن حماقات السلوك والمعتقدات الشرقية من خلال الكُتاب انفسهم و كانت الهرطقات الدينية في الرسائل اكثر ترويعاً وتنفيراً من الهرطقات السياسية. فهو يرى بأن الديانة المسيحية خالية من أي هرطقات دينية لأنها هي الاولى وتأتي في مقدمة الديانات الاخرى، بل هي في درجات عليا من حيث المعتقدات والتصورات عن العبادة والألة وما يجعل من هذه الديانة هي الخالدة والديانات الاخرى مليئة بالصور المشينة والعادات السيئة، لذلك فأن تصورات (مونتسكيو)، التي حاول تدوينها في رسائله كانت تعبر عن طبيعة الصور المرسومة عن أبناء الديانة الاسلامية في المعتقدات الكنسية، و(مونتسكيو) لم يخرج عن هذا الاطار، بل حاول أنّ يجعل من هذه المعتقدات تنطق عن لسان أهل الشرق والمسلمين أنفسهم من خلال (ريكا و أوزبك) و مراسليهما في أصفهان، حتى يظهر للعالم الغربي مصداقية تصوراته عن الشرق المسلم، هذه الارض التي قامت على الانحرافات و الهرطقات والمخالفات العقلية والفكرية التي تتعارض مع المعتقدات السليمة المنتشرة عند الغرب وكنائسهم دون التحقق من هذه المعتقدات الخاطئة من أرض الواقع، حتى أنّ هذه المعتقدات الخاطئة عن الشرق والاسلام والمسلمين وعن مؤسس الدولة الاسلامية الرسول محمد(ص)، قد جعلها كجزء من أفكاره أثناء تدوين كتابه (روح القوانين او روح الشرائع) التي يرى فيها ان الدولة الاسلامية هي مناقضة لروح القانون، وأنّ هذه الدولة قائمة على الاستبداد الذي أصبح من سمات الدولة وركنها الذي توسعت من خلاله الى بقية المناطق التي وصل اليها الاسلام.

وإذا انتقلنا الى مفكر غربي آخر، هو (فرانسوا ماري آروويه) المعروف بـ(فولتير1694-1778) ويراه البعض بأنه صاحب الخطاب التنويري الذي اعطى للفكر الغربي دفعه الى الأمام في مواجهه الافكار الرجعية في وقته، لكن هذا لا يمنع من أنّ (فولتير) قد بقي حبيس الافكار المنغلقة تجاه الاسلام والرسول محمد (ص)، على الرغم من أنّ افكاره خالفت بعض الشيء من سبقوه في الرؤية الى الإسلام بصورة عامة لكنها تجاه الرسول(ص) بقيت منغلقة، لذلك فأن الخطاب التنويري: وتجسده فلسفة الأنوار التي تمثل أحد اهم الأركان المؤسسة للفكر الغربي المعاصر ومرجعيته يعتز بها الفرنسيون. هذه الفلسفة، كما هو معلوم، ظلت حبيسة رؤية توفيقية براغماتية تجمع بين مدح الاسلام وذمه، والاعجاب به و استهجانه، والانبهار به والسخرية منه. وقد تجسد ذلك في مواقف فولتير(Voltaire) الذي اقر بأن الاسلام لم ينتشر بواسطة السيف، لكنه في الوقت نفسه يعد الرسول (ص) (متمرداً)، (خائنا ) و(مجرماً).

إنّ هذه التصورات التي وضعها (فولتير)على الرغم من إنه يشير الى إنّ دولة الإسلام لم تنتشر بالسيف، أي بالقوة، لكن مثل هكذا تعاليم تنتشر بدون قتال لايمكن ان تنتشر مع شخصية تتسم بالتمرد والخيانة والجرم . وهنا اما وقع (المحجوب) في سوء فهم نوايا (فولتير)، أو أنّ (فولتير) كان غير منطقي في رسم صورة لرسول الاسلام وهي صورة مشوهة لايمكن أنّ تحقق أفكارها انتشار واسع في المجتمع الاسلامي، ونحن مع الرأي الثاني ، لأن (فولتير) كان يرى في شخصية الرسول (ص) رؤية غير جيدة كونت مجدها بالجرم والتمرد والخيانة، وهي الحقيقة التي بنى عليها فولتير تصوراته، اذ صور الرسول (ص) كنموذج للتعصب والطغيان الدينيين، في استغلاله مشاعر البسطاء و معتقداتهم الساذجة لبلوغ غاياته الشريرة كما أنه في نظره متعصب، عنيف، محتال وعار على الجنس البشري، وأنه انتقل من كونه تاجراً، ليصبح نبياً مشرعاً وملكاً، وبقوله: (ان محمد عندي ليس سوى مَراء Tartuffe بيده سلاح، انه زير نساء وأعظم عدو للعقل، وهذه الاوصاف اكدها في مسرحية بعنوان (محمد )، والتي يصور فيها شخصية الرسول (ص) على ما كان يعتقده من اوصاف مشوهه و صور بعيدة عن هذه الشخصية العظيمة، وهذه المسرحية، سنتناولها في الفصل القادم المخصص للأعمال الفنية والادبية المسيئة للرسول(ص).

إنّ كل (مونتسكيو وفولتير) قد أصبحا من مصادر المهمة التي أستقى منها الفيلسوف الالماني (جورج فيلهلم فريدريش هيغل 1770- 1831)، في نظرته للإسلام وللمسلمين والمؤسس لهذه الدولة الرسول (محمد ص) . إنّ تأثير (مونتسكيو) على (هيغل) كان من خلال كتابه (روح الشرائع) ومصادره التي بنى عليها تصوراته للنظرة للإسلام، بل ان التأثير جعل (هيغل) يستخدم الالفاظ نفسها فيما يخص تكوين الدولة الاسلامية المناقضة لروح القانون، وكذلك تصورات (مونتسكيو) عن الاستبداد الاسلامي، أما تأثير الذي خلفه (فولتير) على (هيغل) فيما يخص المظهر السياسي الاسلامي، وعلى الرغم من أنّ (فولتير) قد انتقد (مونتسكيو) فيما يخص الدولة الاسلامية عنده، لكنه لم يتخلص من النظرة ذاتها، وقد سار في نفس المنهج عند (مونتسكيو) مما شكلا مصدراً مهماً لهيغل في هذا المجال.

***

الاستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

........................

المصادر

- دين شيلديفين، بريندا: دانتي والشرق، ترجمة: سمير كرم، القاهرة: المشروع القومي للترجمة، 2010، ص115-116.

- اريكسن، توما س هيلاند: تفرق طرق الثقافات، ترجمة: محي الدين عبدالغني، القاهرة: المشروع القومي للترجمة، ص327- 328

- ديورانت، ول وايريل: قصة الحضارة، عصر فولتير، الجزء الثاني من المجلد التاسع، ترجمة: محمد علي ابو درة، بيروت: دار الجيل للطبع و النشر والتوزيع، ص150-151.

- رشيدة، محمد رياحي: هيغل والشرق، بيروت: دار الروافد الثقافية ناشرون، ووهران: ابن النديم للنشر والتوزيع، 2012، ص54-55 .

- بن سعيد، المحجوب: الاسلام والاعلاموفوبيا، دمشق: دار الفكر، 2010، ص13.

- احمد، السيد ابراهيم: مسيرة الاساءات الى خاتم الرسالات (ص)، انترنت: شبكة الالوكة، شبكة اسلامية فكرية وثقافية شاملة، في 12/1/2013.

في المثقف اليوم