دراسات وبحوث

جدل الهوية الفردية بين الصوفية والوجودية

سليم جواد الفهد”الكائن في الكون ولم تفتح له ميادين الغيوب مسجون بمحيطاته ومحصور في هيكل ذاته“

(أبن عطا الله السكندري).

منذ لحظة الولادة يفرض على المولود الإنساني مواقف لا تقبل التغيير نسميها المواقف النهائية. كموقف الولادة نفسها فالمولود لم يختر أن يولد أي لم يطلب أن يوهب هذه الحياة فهو يولد رغماً عنه ثم جنس المولود من ذكر أو أنثى فهو لم يختر ان يكون ذكراً أو أنثى ثم اسمه فالواحد منا لا يختار اسمه، ثم هوية الابوين فلو قدر للمولود أن يختار أبويه لاختار أن يكون والده من الملوك حتماً، ثم المكان ثم الزمان فهو سيولد حتماً في زمان ومكان معينين قد لا يرغب فيهما، ويود لو أنه ولد في زمان آخر أو مكان. ترى ماذا بقي له من خيار..!!؟

واكثر من ذلك فماذا لو ولد هذا المسكين في احضان عائلة من طبقة المنبوذين في الهند... يا لحظه التعس.... حتماً سينطبق عليه قول (ابي الطيب المتنبي) : "رب عيش أخف منه الحمام". وطبعاً سيكون سعيداً أو غير تعيس على الاقل لو ولد في حضن عائلة من عوائل المهراجات.

على كل حال فمولودنا سيكتسب هويته وهي جملة من الخصائص الدالة عليه دون غيره.. فهو سيأخذ بالتأكيد صفات والديه بالوراثة وسيأخذ خصائص مجتمعه أو محيطه عن طريق العيش في هذا المحيط او المجتمع هذا على الأعم والاغلب.. وسيبقى هناك البعض خارج هذه المعادلة... هذا البعض موصوف بالقلة في كل زمان ومكان هؤلاء الذين يتم تسميتهم بالعظماء أو العباقرة وهم شذوذ عن القاعدة، لأنك تستطيع ان تعدهم وتعرف اسماءهم من مجموع الإنسانية العام منذ البدء الى يومك هذا.

هؤلاء العظماء تنزع أنفسهم الى نجاتها وتنشد خلاصها وهي من اجل ذلك تسلك سبيل الجدل الذي هو لون من المصير الذاتي تعانيه الذات وحدها علها تجد خلاصاً، وهو الجهد من اجل تحصيل الماهية... ذلك الجهد الذي يغير من وجود صاحبه من اجل ان يصبح عين ذاته، ولذلك كانت الذات إذ تغير من طبيعة وجودها كي تبلغ كمالها تسلك حقاً سبيل الجدل. وقد وجد هذا اللون من الجدل تعبيره الذاتي في الصوفية قديماً وفي الوجودية حديثاً.

ان كلا هاتين النزعتين تصران على الذات الفردية اولاً، وعلى خلاص هذه الذات ثانياً، وفي سبيل هذا الخلاص فان الذات تمر بنوع من الصيرورة التي تسودها القفزات. إن الذات الفردية في كلا النزعتين ليست معطى جاهزاً، ولكنها مهمة موكولة الى صاحبها كي يصنعها دون أي عون من صيرورة التاريخ.

نشأة الصوفية:

يقول صاحب الروح الطاهرة شيخي الذي عاش غريباً ومات غريباً في ارض الشام هادي العلوي (طاب ثراه) إن الإمام علي بن أبي طالب عند المتصوفة هو الجد الاعلى واليه يرجع نسب الصوفي. فالعديد من الحركات والفرق تنتسب الى علي. واذا ما نحينا الخوارج جانباً، فما من حركة سياسية او اجتماعية لم تصنع لها نسباً يوصلها الى علي. ومعروف ايضاً ان حركات المعارضة تبدأ منه، إذ يقال عنه أنه "اول من علم قتال أهل القبلة"، أي اول من وضع اصول الحرب الاهلية بين المسلمين. وهذا هو المفاد الصريح لقول (يوسف بن عمر) والي العراق، للأمويين عندما خطب بعد القضاء على ثورة زيد بن علي، فقال: " ان أول من فتح على هذه الامة باب الفتنة وسفك الدماء هو علي وصاحبه الزنيجي)، والزنيجي يريد به (عمار بن ياسر).

لكن علي لم يتصوف، وإنما شرع مبدأ زهد الحكام، وللتصوف آباء أقرب نسباً من علي بن ابي طالب قد يكون عامر العنبري من جملتهم. والعنبري جد مشترك للصوفية وللمعري، ولا تنسحب الابوة على ابو ذر او سلمان الفارسي خلافاً لقول بعض المعاصرين أو إدعاء بعض المتصوفة قديماً، فكلاهما سياسي محترف ومناضل اجتماعي يعمل من خلال السياسة اليومية، ولا يندرجان في وصف المثقفين الذي يعم المتصوفة. ويطرح سلوك سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري مفارقة التأصل الاجتماعي في تابع بالقياس الى المتبوع. ذلك أن أمامهما علي بن أبي طالب خالفهما في التملك والتسري وتعدد الزوجات مع بقائه ملتزماً بالدفاع عن مبادئه العامة. وكان قد تخلى عن امواله بعد الخلافة تحقيقاً لمذهبه بالزهد كالتزام للحاكم دون المحكوم. لكن سلمان الفارسي وابو ذر الغفاري اعتبروا فيما يبدو الالتزام شاملاً للقادة خارج السلطة، ولم يخصصوه بمن يتولى الحكم. كان ابو ذر ينشط ضمن المعارضة بإمامة علي، إلا انه انفرد بوتيرة خاصة للنضال كان فيها اكثر اندفاعاً وأقل تحفظاً من إمامه علي، كذلك امتنع ابو ذر عن امتلاك أي شيء عدا راتبه السنوي المخصص له في ديوان الجند، وهو خمسة آلاف درهم كان يعتاش منه، ويوزع الباقي على الفقراء، واكتفى أبو ذر بزوجة واحدة ولم يتسرى، إذ لم تكن عنده جواري ولا عبيد فهو ممن حرم الرق على نفسه، كما حرم الزواج بأكثر من واحدة. وشاركه في ذلك (روزبه الأصفهاني) أو سلمان الفارسي، وإذا ضممنا اليهما عامر العنبري تلميذ سلمان الفارسي الذي لم يتزوج اصلاً كما لم يكن له عبيد، فنكون ازاء ثلاثة من معلمي المشاعية في الاسلام، والمرجع الذي أخذ منه اقطاب التصوف الاجتماعي مسالكهم في الزواج بواحدة، وعدم امتلاك الجواري والعبيد.

يدرج ابو ذر في قائمة الأولياء فيترجم له في كتب طبقات الصوفية وتراجم الأولياء، ويمكن اعتباره من آباء الصوفية، إلا أنه وصاحبه سلمان الفارسي لا يصنفان في فئة أهل الثقافة، لأنهما كانا في عصر لم تكن الثقافة الاسلامية قد نشأت فيه، وإنما نشأت في عصر التابعين. وقد يكون معبد الجهني تلميذ أبو ذر اول مفكر في الاسلام. وأبو ذر شأن صاحبه سلمان الفارسي مناضل اجتماعي على طريقة (المسيح) بحركة وعي طبقي، وحس إنساني لا يشترطان جذراً ثقافياً. وفي زمانهما لم يكن المسلمون قد عرفوا كتاباً غير القرآن وهو كتاب عقائد وسياسة وتشريع لا كتاب معرفة فلسفية.

لقد تمسك ابو ذر بحكم آية (كنز الأموال) واستند اليها في نضاله ضد اغنياء قريش داعياً الى تجريدهم من الاموال الزائدة عن حاجتهم. وكانت عاقبته النفي الى (الربذة) مع زوجته وبناته، حيث مات هناك، وقد قال عنه (الزركلي) في الاعلام أنه (أول اشتراكي طاردته السلطات). ونرصع هذا الموجز بخطاب إمامه (علي بن ابي طالب) الذي القاه في وداعه يوم توجه الى الربذة منفياً.

" يا ابا ذر أنك اذا غضبت لله فأرج من غضبت له، ان القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فأترك في أيديهم ما خافوك عليه، وأهرب منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم الى ما منعتهم وما اغناك عما منعوك وستعلم من الرابح غداً والأكثر حمداً".

وتبدو غربة (ابو ذر) محكمة متكاملة يمشي وحده ويموت وحده- منفياً في الصحراء- ويبعث وحده، فياتي يوم القيامة يمشي وحيداً ولا صاحب معه يرافقه، غريب في الارض غريب في السماء، وأغرب ما في غربته انها في عز الإسلام.

اما (روزبه الاصفهاني) سليمان الفارسي، وسلمان سمي به بعد الإسلام فلم يكن متعبداً، وإنما يؤدي الفرائض ويرفض الإغراق في الطقوسية. وكان مقتصداً في الأكل والملبس حتى قبل وفاته، لأنه وصاحبه ابو ذر يجعلان الزهد كما يظهر من سلوكهما إلزاماً لمن هم في السلطة، ولمن هم خارج السلطة كذلك. لكن أزمة سلمان لم تكن أزمة روحية أو فكرية، بل هي أزمة إنسانية... أزمة مناضل يبحث عن حل لمشكلة المحرومين والفقراء، فهو مناضل اجتماعي يؤثر العيش من عمل يديه، فكان إذا استلم أجرته وزعها كلها، ويعيش من (سف الخوص) في أوقات الفراغ. وهكذا يمثل سلمان مسلك الصوفية من غير أن يكون صوفياً، لأن التصوف قد ظهر في زمانه. والتصوف كما عرفناه ظاهرة ثقافية تتصل بالعمق الفكري لصاحبه مما لم يكن مهيأ لسلمان، إذ كان لسلمان تلميذ من بني تميم خرج على شاكلته هو عامر العنبري ويعرف بابن عبد قيس من بني العنبر أحد فروع تميم عاش في البصرة وظهرت ارادته في خلافة عثمان بن عفان حيث استشرى الفساد في السلطة الإسلامية، فكان أقدم مَنْ تصدى له. يسلك سلوك الصوفية ولا يعد منهم لأنه ظهر قبل ظهورهم. كان معارضاً ولكن من غير أن ينتظم في خط المعارضة التي انفجرت في ذلك الوقت ضد الخليفة وأدت الى مقتله. فمسلك العنبري هذا كان سلوك مثقف معارض لا يحسن الخوض في السياسة. أتهم بأمور يشترك فيها مع المعري والصوفية، فلم ينكرها انكاراً جدياً، وهذه الأمور هي:

1-عدم الزواج.

2-عدم أكل اللحم.

3-عدم اداء الصلاة.

4-الدفاع عن ذمي ضد مسلم. 5- أنه يقول بانه أفضل من آل ابراهيم.

6-أنه مقاطع للوالي لا يجالسه.

على ضوء هذه التهم أبعد عامر عن البصرة الى الحجاز حيث استجوبه عثمان ثم أبعد الى الشام، فاستجوبه معاوية ثم حكم عليه بالبقاء منفياً في الشام ومنعه من العودة الى موطنه في البصرة، وقد مات في فلسطين ودفن في القدس، وقد عرف بالنباتية والعزوبة والدفاع عن المضطهدين ومقاطعة السلطة على طريقة أهل التصوف، فالعنبري سلف المعري ومرجع للصوفية في مدارها الاجتماعي.

مهما يكن فقد كان عامر العنبري يصلي، لكن على انفراد على طريقة المعري والصوفية، ويصوم اكثر من رمضان ويخرج مع المجاهدين على الجبهة البيزنطية فلا يأكل من طعام الجيش ويقتات من نباتات البر. والعنبري هو إرهاص بالتصوف، كما سيتطور بعد قرنين على يد الأقطاب، لكنه استشرف المطلق في عبادته الفردية خارج الطقوس المنظمة جماعياً واتخذ من الزهد منهجاً لحياته فتخلى عن المقتنيات ليكون مثالاً مبكراً على المعادلة البسطامية (لا يملك شيء ولا يملكه شيء).

والعنبري يوصلنا الى مؤسس التصوف الفعلي وهو ابراهيم بن أدهم البلخي الافغاني، أول من تصوف بالمعاني الحاضرة للمذهب، وقد تثقف بالثقافة الدينية والأدبية حتى ان سفيان الثوري على جلالته كان إذا حضر ابراهيم مجلسه لا يسترسل في الكلام خوف أن يكتشف له زلة، ولا شك أنه تثقف بعلم الكلام منبر الفكر الفلسفي في عهده، إذ لم تكن الفلسفة بمنطقها اليوناني قد أزهرت بعد. وكلام ابراهيم المأثور عنه وهو قليل يدور على مقامات الصوفية كقوله الذي رواه أبن كثير في البداية والنهاية: "كل سلطان لا يكون عادلاً فهو واللص بمنزلة واحدة"، و"كل عالم لا يكون ورعاً فهو والذئب بمنزلة واحدة" ويعني به ذلك المثقف النهاز الجماع الطماع، والذئبية صفة كالكلبية توجد في أوساط أهل الثقافة، و"كل من خدم سوى الله فهو والكلب بمنزلة واحدة" ومراده من يخدم السلطان، وخدمة الله عندهم هي خدمة الخلق.

الحقيقة إن ابراهيم بن أدهم هو الذي رسم للمتصوفة معالم السلوك الصوفي متمثلاً (بـالعيش من عمل اليد، ومقاطعة السلطة، وعدم الزواج او الزواج بواحدة، وعدم امتلاك الجواري والعبيد، والاستغناء عن الجنة). فتصوف ابراهيم اجتماعي، إذ لم يخض في المقولات الفلسفية التي خاضها أقطاب التصوف المعرفي من بعده، والتصوف كان عنده سلوك وموقف وليس فلسفة. وهذا السلوك هو الذي أخاف الحكام لأنه سلوك رافض للسلطة والمال، وهو في الأساس وعي اجتماعي سياسي حرض الطبقات المحرومة ضد استبداد وظلم الحكام، فاصبح المتصوف بمثابة رمز للمعارضة ضد طغيان الحكام.ومن نوادره أنه مرّ على قصر المنصور فرأى الجند والحرس مكدسين كأنهم في حرب فقال: "المريب خائف". هكذا كانوا يعلّمون الخلق أسس الرفض والمعارضة، والى جانب رفض مال السلطة وسلطة المال، كانوا يرفضون كل ما في داخلهم من نوازع ذاتية وأدران لتنقية الذات من الشوائب الارضية خشية تبددها في عالم النقص والشر. فالمتصوف يقوم بالوان قاسية من المجاهدة كي يتخلص من هذا العنصر الثقيل الذي يشدنا الى الارض.

وعلى هذا فحياة المتصوف توتر دائم ونزوع مستمر نحو الخلاص لا يبلغه الا بمعرفة واضحة يراها اصحابها أشد وضوحاً من المعرفة العقلية، لأنها معرفة عيانية مباشرة. ولكن هذه المعرفة وهذا هو المهم مشروطة بالمجاهدة والمكابدة.

فالمعرفة الصوفية حالة من الصفاء الروحي لا يبلغها الا من صفت روحه من اكدار الارض وشوائبها، وبهذا المعنى يرى المتصوفة أننا جميعاً مرايا تعكس الحق ولكن المرآة الصافية هي التي تعكس الحق بأتم وضوح، فعلينا اولاً أن نكون مرايا صافية بالجهاد مع النفس ومراقبتها وقسرها على ما لا تريد. ان التصوف أبعد ما يكون عن السكون. فالمتصوف ليس حالة من اللامبالاة نلقي بانفسنا فيها، والهدوء النفسي الذي ينشده الناس من التصوف ليس حالة تنتظرنا لنستريح فيها... أن هذا الهدوء هو خاتمة طريق وغاية اخيرة قد لا يبلغها كل انسان.

نشأة الوجودية:

ان البذور الاولى لهذه الفلسفة موجودة لدى بعض المفكرين والفلاسفة من اقدم العصور، الذين أحالوا تجاربهم الحية الى معان فلسفية. فنستطيع أن نجد هذه البذور عند القديس اوغسطين حيث نرى في اعترافاته ملاقاة الفرد بمصيره الفاني ملاقاته بموته، وبقلقه وبيأسه، وهذه هي المعاني التي تنطوي عليها الوجودية، بل إننا نستطيع أن نجد هذه البذور عند سقراط حيث نرى في محاورة (الدفاع) موقفاً وجودياً من الموت. كذلك نستطيع أن نلمس بذور الوجودية في فلسفة (كانط) تلك الفلسفة التي اكدت لنا الدور الرئيس الذي تقوم به الذات في عملية المعرفة، فكما يقول كانط: "نحن الذين نضفي المعنى على ما هو معطى لنا في عملية الاحساس". كذلك الحال عند (شيلنج) حيث نجد في مؤلفاته المواقف الرئيسة التي وصل اليها الوجوديون فيما بعد. فكرة اختيار الانسان لذاته.(1813- 1855) ومنه إستمد.

والسؤال الآن هو: اذا كانت الوجودية قديمة هكذا، واذا وجدت جذورها عند هؤلاء الفلاسفة وغيرهم من مفكري وفلاسفة العصور القديمة، فما الذي حال دون انتشارها آنذاك؟ وما الذي جعلها تحتل مركز الصدارة في الفكر المعاصر؟

طبعاً نحن لا نستطيع أن نعزو انتشار الوجودية اليوم الى وجود كتاب أو فلاسفة يتولون مهمة الكتابة عنها ونشرها في الاوساط المختلفة. وبعبارة اخرى نقول أننا لا نستطيع ان نزعم أن عدم ذيوع الوجودية قديماً يرجع الى عدم وجود من يتولى الكتابة عنها من كتّاب الماضي وفلاسفته. فالواقع ان فلاسفة الماضي بصفة عامة وأولئك الذين ظهرت بوادر الوجودية في ثنايا مذاهبهم بصفة خاصة ما كانوا عاجزين عن توجيه الانتباه اليها والدفاع عنها ونشرها لو أحسوا أدنى إحساس بحاجة عصرهم اليها. فما كان يسود عصرهم من سلم وسلام وما كان يسود نفوسهم من تفاؤل كلي يجعلها تنسى القلق واليأس والموت والعدم، وهي المفاهيم الرئيسة التي تقوم عليها الوجودية، هو ما دعاهم الى أن لا يعيروا اهتماماً الى ما كان منها في مذاهبهم.

كما لا يمكن ان يكون قيام الوجودية مجرد رد فعل على الفلسفات التقليدية والمثالية التي أهملت الانسان ورمت به في احضان أبنية فلسفية شامخة، صحيح ان كيركجارد قد ثار على الفلسفة التقليدية العقلية المجردة على نحو ما نجدها عند هيجل الذي على يديه بلغت هذه الفلسفة أعلى نقطة لها. وانتهى كيركجارد من هذه الثورة الى ان الفلسفة الحقة ليست بحثاً في المعاني المجردة، بل يجب رد (المسائل الى الموجودات والنظر اليها بوصفها موضوعات يعانيها الموجود نفسه، واذن فالذات الموجودة أو الذات الوجودية لا العقل المجرد هي التي يجب ان تكون العامل في ايجاد الفلسفة).(1)

ولكن على الرغم من أن لرد الفعل هذا ضد الفلسفة العقلية المثالية المجردة أهميته الخاصة في تفسير قيام اللوجودية فإنه لا يمكن أن يكون العامل الأساس في قيامها. بل ان العامل الحقيقي والجوهري الذي كان له الفضل الاكبر في انتشار هذه النزعة الفلسفية انما هو تلك المسؤولية التي شعر بها العالم كله تجاه مصير مشترك، وهو ما نجم عنها من قلق بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وما نتج عنها من كوارث وإشاعة للموت والدمار وفقدان الأمل في مستقبل افضل نتيجة التطور في المخترعات المدمرة من قنابل نووية وهيدروجينية وكيمائية. وهذا يشير الى ان الاسلوب الوجودي في التفكير ينبثق كلما وجد الانسان أن أمنه قد أصبح مهدداً وعندما الوان الإبهام واللبس في العالم، وعندما يعرف وضعه العابر في هذه الدنيا، وذلك يساعدنا كثيراً في تفسير السبب الذي من أجله ازهرت الوجودية في تلك البلاد التي تقوضت فيها البنية الاجتماعية، وانقلبت رأساً على عقب، وأعيد فيه تقويم القيم كلها من جديد. اما البلاد المستقرة نسبياً فلم تمر بتلك التجارب الحادة، ومن ثم لم يتطور فيها ذلك اللون من التفلسف الذي ينبع اساساً من تلك التجارب.

ومن الممكن أن نعد الوجودية جزءاً من حركة عامة مميزة، وهي حركة غير محصورة في المجال الفلسفي، أي أن التفكير الوجودي يتجاوز حقل الفلسفة الخالص، وفي هذا اشارة واضحة الى ما ظهر من أدب، وهو المعروف بالأدب الوجودي الذي نجده عند كل من جبريل مارسيل وجان بول سارتر الذين ساهما بأدبهما المسرحي في نشر الوجودية في اوساط العامة من الناس. فلسارتر فضل التعبير عن القضايا الوجودية الكبرى باسلوب ادبي بسيط، ومن هنا استطاع أن يقرب بين الفلسفة والأدب. ونستطيع القول ان سارتر قد فلسف الادب او صبغ الفلسفة بصبغة أدبية.

وعلى كل حال، فقد كان لهذه الفلسفة الفضل الاكبر في توجيه الانتباه الى الانسان بصفة خاصة، كما ان لها الفضل في أنها جعلتنا نشعر بضرورة وضع المفاهيم الفلسفية التقليدية موضع التساؤل، ونشعر بضرورة إنكار وجود ماهيات عقلية سابقة على الوجود. ذلك ان الوجوديين يتفقون في القول بأن الوجود يسبق الماهية، فماهية الكائن هي ما يحققه فعلاً عن طريق وجوده. والوجود الذي يعنيه الوجوديون هنا إنما هو الوجود الانساني، فالانسان وحده -من بين الموجودات جميعاً- هو الذي يملك هذا النوع من الوجود لأنه الموجود الوحيد الذي يوجد اولاً، ثم تتحدد ماهيته بفضل ما يقوم به من افعال. وهو يختلف في ذلك عن وجود الموجودات الاخرى التي تكون الماهية فيها سابقة على الوجود. فبذرة البرتقال مثلاً تنطوي في ذاتها على كل إمكانيات شجرة البرتقال، ونحن نستطيع أن نحدد بسهولة تامة وبدقة ايضاً ما سوف تكون عليه هذه البذرة في المستقبل إذا ما وضعت في تربة ملائمة وظروف مناخية مناسبة، فهنا نجد ان الماهية تسبق الوجود.

اما في حالة الانسان فالأمر مختلف تماماً، إذ ليس ثمة ماهية تسبق وجوده، لأن من المحال علينا أن نتنبأ بما سيكون عليه انسان ما حتى لو أتيح لنا أن نعرف ما سوف يحيط به من ظروف بيئية واجتماعية. بل إن من العسير علينا أن نحدد موقف الانسان تجاه اختياره بين شيئين. فليس ثمة طبيعة بشرية يمكن أن تحدد أفعالنا منذ البداية. ومن هنا ذهب الوجوديون الى ان الانسان يوجد ثم تتحدد ماهيته بعد ذلك بواسطة ما يقوم به من أفعال. ومن هنا تكمن الاهمية الكبرى التي علقتها الوجودية على الفعل الانساني، وبعبارة اخرى نقول أن على الانسان أن يفعل ويفعل دائماً، فبغير الفعل لن يكون ثمة وجود.

واذا كان على الانسان ان يفعل بغية تحقيق وجوده، فلابد من وجود الممكنات. إد أن الفعل تحقيق لوجه واحد أو اكثر من أوجه الممكنات العديدة التي تعرض للانسان. وفي هذا التحقيق يقوم معنى الاختيار. والاختيار يقتضي بدوره الحرية فلا اختيار بدون حرية. فإذا كان وجود الانسان لا يتحقق -فيما يقول الوجوديون- الا بواسطة الفعل، فان هذا الانسان لن يستطيع ان يفعل إلا إذا اختار. ولكنه من ناحية اخرى لا يستطيع ان يختار إلا إذا كان حراً. فالموجود الحر فقط هو الذي يختار وبدون هذه الحرية ينعدم معنى الاختيار.

فالاختيار عند سورين كيركجارد هو الخاصية الاساسية للشخصية. ففي عملية الاختيار تغوص الشخصية في الشيء الذي تختاره، وعندما لا تختار فانها تتلاشى. وكيركجارد (1813- 1855) الذي ينظر اليه على انه أبو الوجودية الحديثة، واول فيلسوف اوربي يحمل لقب المفكر الوجودي، نشأ نشأة دينية صارمة، ويبدو أنه سيطر عليه الإحساس بذنب ارتكبته أسرته، ثم جاءت مسألة حبه التعس وخطبته لفتاة صغيرة وما تلا ذلك من فسخ لهذه الخطبة، صاحب ذلك كله ميل للاستبطان وللمزاج السوداوي، حتى انه كتب عن نفسه في يومياته في سن الثالثة والعشرين يقول: "ممزق داخلياً" و"بلا أدنى أمل أن يحيا حياة دنيوية سعيدة". وقد لا نندهش أن نجد عند شخص مثله أن افكاراً مثل (الفرد) و(الرجل المستثنى) قد أصبحت مقولات رئيسة في تفكيره، وأن تكون الذاتية وكثافة الأحاسيس هما عنده معيار الحقيقة والاصالة.( 2)

لم يكن هناك خلفاء مباشرون لكيركجارد، بل ان اعماله لم تقدر تقديراً عالياً في القرن التاسع عشر، ولم تأخذ مكانها الا في القرن العشرين، ومع ذلك فان الاتجاهات التي عرضها سرعان ما ظهرت بصور مختلفة، فلابد أن نعد فريدريك نيتشه (1844- 1900) على نفس القدر من اهمية كيركجارد من حيث اسهاماته في تكوين الوجودية الحديثة. وقد كانت نيتشه -كما كان كيركجارد من قبل- خلفية دينية، فهو ينحدر من أسرة (كليريكية)، ولقد أدت به حساسيته الذهنية الحادة الى الجنون. ومع ذلك ورغم تشابهاته مع كيركجارد، فان الاغراض الوجودية عنده قد ظهرت بشكل مختلف أتم الاختلاف. فعلى حين أن اهتمام كيركجارد انصب على الكيفية التي يصبح بها المرء مسيحياً، فقد انشغل نيتشه بالكيفية التي يستطيع المرء بواسطتها ان يخرج من المسيحية. فالايمان المسيحي في نظر نيتشه هو "انتحار متواصل للعقل" لذلك ربما كان الاستمرار في طريق نيتشه مستحيلاً.

وعلى كل حال فان الفلسفة الوجودية الالمانية حاولت الخروج من مأزق الوجودية الالمانية حاولت الخروج من المأزق الذي وضع فيه نيتشه نفسه بقاء للمسيحية ، إذ أن كارل يسبرز (1883- 1969) الذي بدأ طبيباً نفسياً، سرعان ما اهتم بما يسميه (المواقف الحدّية) أي التي تعتبر حدوداً لقدرة الانسان، فلا يستطيع الافلات منها، مثل: الموت والعذاب والخطيئة و... ما الى ذلك. ففي هذه المواقف يستنفذ الانسان قدرته، ويحل محلها حطام وإخفاق، غير أن النتيجة هنا ليست عدمية، بل تنفتح امام الانسان حقيقة (العلو). فعلى حين أن كل معرفتنا تتخذ صورة (ذات- موضوع)، فاننا نكتشف كذلك (المحيط) أو (الشامل) الذي يشمل كلاً من الذات والموضوع في آن واحد معاً.

(ويستطيع الإنسان عن طريق الحرية أن يُدرك العلو، فإذا كان الانسان يشعر بأنه حر، فإنه يشعر في نفس الوقت بأنه ليس هو الأصل في هذه الحرية، ويحق له أن يقول أن حريته قد أعطيت له من الخارج، وأنه ما كان ليوجد الا بواسطة هذا المطلق المتعالي او الشامل أو العلو). يقول يسبرز: "اني اشعر بالعلو في الحرية وبواسطتها فقط". فالوجودية تصر على ان هناك حركة جدلية تقوم بها الذات من اجل تحصيل ماهيتها وليست هذه الحركة الجدلية سوى حركة العلو ذاتها وهي حركة لا يحكمها المنطق إلا نادراً لانها نابعة من ذات حرة، والحرية تمتنع على التنبؤ، فالاختيار يمكن ان يلقي بنا أي اتجاه. ولهذا السبب بالذات نجد الفلسفات الوجودية تختلف في تحديد غاية الجدل اختلافاً واسعاً.

فـ(سارتر) مثلاً يعتبر الذاتية هي القيمة الوحيدة وهي ذاتية مفردة ليس بينها وبين الذوات الاخرى أي اشتراك. فما من ماهية انسانية يلتقي عندها البشر، والفرد يستمر طيلة حياته في سعي مستمر وراء ذاته... وراء ماهيته التي لا ينالها إلا عند موته. ان الانسان لا يصبح ذا ماهية إلا عندما يصبح من الماضي بعد أن ينعدم أي مشروع لديه. وهذه الماهيات التي يسعى اليها البشر ولا ينالونها إلا عند موتهم لا تستحق اسم الماهية. فالماهية هي مشروع الحياة الأساسي الذي يريده كلاً منا والذي منه تنبع سائر اختياراتنا الجزئية.ان كلاً منا قد أراد ان يكون على نحو ما... كل منا قد اختار نفسه بطريقة خاصة وعى ذلك أو لم يعيه. إن سارتر يجد الانسان عبثاً لا غنى فيه من حيث انه ينشد أن يصير إله ذاته.. أو علة ذاته، وهذا أمر متناقض، ولذلك فالانسان ينطفىء دوماً على أبواب المستحيل ويغوص في الفشل.

بين الصوفية والوجودية

ويبقى اخيراً أن نتساءل عن المرحلتين الصوفية والوجودية، لنلاحظ اولاً ان الوجوديين يختلفون فيما بينهم على الغاية الأخيرة لـ(جدل الفردية) فبينما نجد لدى كيركجارد ويسبرز علواً مفارقاً هو المطلق أو الله اللا متناهي ينبغي العبور اليه في طريق شاقولية صاعدة. بالمقابل نجد أن هيدجر وسارتر يحذفان هذا العلو المفارق ويحتفظان بالعلو الأفقي الذي هو علو الذات نحو الوجود أي الخروج من الذات نحو تحقيق وجودها. الوجودية المؤمنة المتمثلة في كيركجارد وياسبرز عاجزة عن الوصول الى الله. لقد قضى كيركجارد حياته وهو يلتمس الايمان ولكنه لم يحصل عليه، أما الوجودية الملحدة التي يمثلها هيدجر وسارتر فهي بعيدة عن ان تجد تبريرها ايضاً.

ان هيدجر يميز تمييزاً مشهوراً بين الوجود الزائف الذي هو الاستسلام لضمير الجمع الغائب (هم)، الذي يدل في رأيه على كل ما هو مبتذل وتافه انه نمط الحياة الفارغة التي تملأ فراغها بالثرثرة والفضول والعيش على القضايا التافهة وهو يدعونا الى ان نحترس من هذا العالم الوهمي ونخلص لذواتنا وبذلك ننتقل الى الوجود الصحيح.

ولكن كيف نخلص لذواتنا؟ بان يتأمل كل منا موته الخاص الذي هو ماهيته فماهية الانسان في رأي هيدجر هي التناهي أي انه مجعول للموت.

الحقيقة ان (ابراهيم بن ادهم) قد قال ما يشبه ذلك، فسادس عتبة يجتازها الرجل الصالح في رأيه هي أن يغلق باب الأمل ويفتح باب الموت، ولكن الموت في رأي (ابراهيم بن أدهم) ليس سوى عتبة الحياة الحقيقية فهو اذن بداية ينبغي ان ننتظرها. أما الموت في نظر هيدجر فهو خاتمة كل إمكان: "فان انتظر موتي الخاص ذلك يعني أن أترقب استحالتي النهائية".

لنقارن هذا الموقف بموقف المتصوفة في حال الاتحاد. لقد قتل الحلاج شر قتلة في بغداد وهو يقول: "انا الحق"، فضحك لصالبيه وصلى من اجل قاتليه، لم يقل الحلاج وحده (أنا الحق)، فقد قالها غيره ايضاً مثل (أبي يزيد البسطامي) و(محيي الدين بن عربي)، اما عن المعاينة او المشاهدة فما من صوفي الا وقد تحققت له بعض اللمح منها.

لقد وجد المتصوفة غاية جدلهم الروحي ان يصيبروا آلهة أو يعيشوا في ظل الألوهية فيبلغوا مرتبة الانسان الكامل، ومن هنا جاء اكتفاء الصوفي بذاته، ورفضه الدنيا قولاً وعملاً. وهذا الرفض قد كلف بعضهم حياته مثل الحلاج والسهروردي، فقد كانوا بزهدهم وتجنبهم مواضع السوء ومنها مجالس الحكام اتهاماً لحكام عصرهم الذين يمارسون الإفساد الاخلاقي على العلماء والشعراء ويرصعون بهم مجالسهم... ولذلك لم يجد هؤلاء الحكام بُداً من قتل الحلاج عندما عجزوا عن ردعه.

ومن بلوغ الغاية عند الصوفي جاءت سعادته الداخلية أو ما يسمونه الرضا الصوفي. فالصوفي يرفض العالم حقاً ولكنه يرضى بكل احداث الحياة ويجد كل ما يطرأ مبرراً ومعقولاً. ومن هنا شجاعة الصوفي سواء أمام الموت او امام البشر. والآن أين نحن من الوجوديين الذين لم يعرفوا السلام الداخلي، ولم يبلغوا أي مرفأ أمان، بل ظلوا على الدوام محاصرين بمشاعر الغثيان والعبث، ممزقين بالقلق واليأس، أين تمزق (كيركجارد) في ركنه المنعزل في كوبنهاكن من وقفة (الحلاج) امام الموت بشجاعة أسطورية؟

لقد عاش أغلب المتصوفة في عصر منهوك القوى، زيف فيه كل شيء... المؤسسات والاخلاق والعقائد!... فهو لم يكن افضل من عصر الوجوديين في شيء، بيه أنه فاقد لكافة الضمانات المادية والحقوقية على السواء التي يجدها المرء في عصرنا. ولا سبيل الى مقارنة عصور الانحطاط بوضع فرنسا عام 1947، اما في عصر المتصوفة فقد كان المفكر يموت إرضاء لنزوة حاكم جاهل لا يعرف ما يريد. ورغم ان الشروط الاجتماعية المحيطة بالمتصوفة كانت بالغة السوء فقد استطاع هؤلاء أن يحتفظوا بتماسكهم وان يواصلوا حياتهم الروحية وان يبرروها بينما عجز الوجوديون عن ذلك في عصر افضل من جميع النواحي.

لكن التصوف والوجودية على السواء يشتركان في نقص أساسي هو إهمال العالم الموضوعي -المادي والاجتماعي على السواء، ان الصوفي والوجودي كليهما معنيان بالخلاص الذاتي فالصوفي يهمه ان يتقدم في طريق حياته الروحية مجتازاً المقامات حتى يصل الى مقام المشاهدة فالاتحاد. اما عن الحياة المادية فان الصوفي يرفضها سلفاً ويعتبرها نجساً لا يجوز الاقتراب منه ومن هنا فقد ظلت الصوفية حركة على هامش عصرها، فهي لم تحاول تغيير حياة المجتمع او تطوير جوانبه المادية، وهي في ذلك منسجمة مع نفسها، فهي في تعريفها الاساسي رفض للعالم وصراع مع ظله في ذات الفرد.. وذلك من اجل ان تقيم حواراً مع الله كي تبلغ كمالها الذاتي بهذا الحوار. اما الوجودية فهي لا تقل إهمالاً للعالم الموضوعي عن الصوفية فهي ايضاً حركة معنية بالتحقق الذاتي على طريقتها الخاصة وهي تعتبر الآخرين خطراً على هذا العالم الذاتي.

ان الوجودية لعجزها عن التواصل الاجتماعي قد أهملت السياق التاريخي للمجتمعات، وعجزت تبعاً لذلك عن التأثير في مجتمعها. وعندما ينصت الوجودي للحياة الاجتماعية يبدو مهرجاً لأنه لا يملك إلا أن يكون منفعلاً بالأحداث. لنتذكر سارتر واضطراب مواقفه السياسية وعجزه أمام الماركسية... أنه يعاني شعوراً بالنقص أمام الماركسية التي تنتصر عليه كل مرة تصدى للسياسة أودراسته عن الماركسية والوجودية تبدو اعتذاراً وتوبة، حيث يرى أن الماركسية هي الفلسفة الأم ولكنه يرجو أن تعنى بالمشخّص... بالعنصر الذاتي. إن الوجودية حركة حائرة لا تملك انسجام الصوفي مع نفسه الذي أودع ماهيته خارج العالم فتخلى عن هذا العالم جملة وتفصيلاً، ولا تملك ايضاً انغماس الماركسي في حياة المجتمع من اجل تغييره.

نستطيع اخيراً أن نلخص خصائص جدل الهوية الفردية بالقول: انه التغيير في الوجود من اجل تحصيل الماهية، وهذا التغير يتم عن طريق صراع مع نقيض وحوار مع الماهية، فالجدل هادف الى غاية. والوجود المتغير أما أن يكون وجود العالم وفي هذه الحالة يصير الانسان لحظة في سياقه ونكون أمام الجدل الموضوعي عند هيجل وماركس، واخص خصائصه انه جدل عقلي محكوم بسياق منطقي منظم. واما أن يكون الوجود المتغير وجود الذات وفي هذه الحالة نحن أمام جدل غير منظم تسوده الوقفات والقفزات لأنه نمو الذات الحرة. إن كل نمو بواسطة الصراع والحوار هو جدل: صراع مع النقيض وحوار مع الغاية وكل جدل هو وجودي من حيث انه يتجاوز المعرفة الى التغيير في الوجود.

***

سليم جواد الفهد

 

في المثقف اليوم