دراسات وبحوث

تطور فكرة الشيطان في الأديان (1-5)

الشيطان في الديانة الإسلامية

مع الإسلام نصل الى الفصل الأخير من كتاب (أصل الخير والشر) كما يراها الذهن الديني.

والبحث سيكون في القرآن حصرا وهو كتاب المسلمين المقدس وهو آخر الكتب النازلة من السماء وحيا حسب المدعى الإسلامي.

"ولفظ القرآن مشتق من مادّة الفعل قرأ بمعنى القرء؛ أي الضم والجمع، ومنه القول: قرأت الشيء؛ فهو قرآن؛ أي ألّفت بينه، وجمعت بعضه إلى بعض، وكانت العرب تقول: "ما قرأت هذه الناقة سلى قط"، والمقصود من قولهم أنّ هذه الناقة لم تضمّ في رحمها جنيناً أو ولداً أبداً، ويقول الإمام أبو عبيدة -رحمه الله تعالى-: أٌطلق اسم القرآن على كتاب الله -تعالى-؛ لأنّه يؤلّف بين السور، ويضمّ بعضها إلى بعض." (أكرم الدليمي، جمع القرآن-دراسة تحليلية لمروياته (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 19). بتصرف.

التعريف بالقرآن في الاصطلاح:

هو " كلامُ اللهِ تعالى المُنزَّل على نبيه مُحمَّدٍ، المُعْجِز بلفْظه ومعناه، المُتعبَّدُ بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، المكتوب في المصاحف من أَوَّلِ سورة الفاتحة إلى آخِرِ سورة الناس". (د. أمين الدميري التعريف بالقرآن الكريم لغة واصطلاحا، ص5).

أقسام القرآن:

يطلق مصطلح (أقسام القرآن) ويراد به أنواع القرآن تارة بحسب سوره الى: (السبع الطوال والمئين والمثاني والمفصل) وتارة بحسب موضوعاته الى عقائد وأحكام وقصص. (التبيان في أقسام القرآن، ابن قيم الجوزية، ص3).

والمئين هي سور القرآن التي تبلغ آياتها مائة آية أو ما يقاربها وتقع بعد السبع الطوال في التسلسل وهي سبع سور أولها سورة الإسراء وآخرها سورة المؤمنون.

 والقرآن عند الفقهاء قطعي الصدور لتواتر نقله عند المسلمين من حين نزوله حتى الوقت الحاضر.

وأما من حيث الدلالة فقد يكون قطعيا إذا كان اللفظ (نصا محكما) أي لا يحتمل فيه إلا معنى واحد.

وقد تكون دلالته ظنية إذا كان اللفظ يحتمل أكثر من معنى واحد وهذا يطلق عليه (الظاهر).

وتنقسم آياته الى قسمين:

القسم الأول: آيات محكمات وتنقسم الى نص وظاهر كما أشرنا آنفا وهي الحجة فيه.

القسم الثاني: آيات متشابهة وتنقسم الى مجمل ومؤول. وللتوضيح أكثر نقول: المراد بالنص هو ما دل على المراد من غير احتمال آخر ويقابله المجمل.

والمراد بالمجمل ما لا يعرف معناه على وجه الحق بتمامه.

والمراد بالظاهر هو ما دل على أحد محتملاته دلالة راجحة ويقابله المؤول.

والمراد بالمؤول هو الذي أراد به المتكلم خلاف ظاهره.

والخلاصة: اللفظ ينقسم الى محكم ومتشابه.

والمحكم ينقسم الى نص وظاهر.

والمتشابه ينقسم الى مجمل ومؤول.

واتفق الفقهاء على عدم جواز الأخذ بالمتشابه الذي يشتمل على (المجمل والمؤول) وأما النص والظاهر فالمحكي عن الفقهاء كافة جواز الأخذ بهما ما عدى الأخباريين الشيعة حيث منعوا من الأخذ بالكتاب مطلقا إلا ما روي تفسيره عن الأئمة المعصومين.

يعتبر القرآن النص المؤسس لأصول الإسلام وكل ما يتعلق به من أحكام على مستوى الفرد والمجتمع بل والأمة جمعاء والأكثر من هذا ادعائه الخاتمية الأبدية في العقائد والتشريع فالحلال حلال فيه الى يوم القيامة والحرام حرام فيه الى يوم القيامة ولا يجوز ولا يحق لأحد مهما كان أن يغير هذه الأحكام! والمفترض بهكذا ادعاء أن يأتي بأرقى وأنقى وأكمل تشريع فهو المثال الذي لا يدانيه مثال ولا يصل الى مجاراته أي عقل مهما عظم لأن مصدره الله الذي لا يخطأ ولا يسهو ولا يضل ولا ينسى.

تمهيد:

يفتتح فراس السواح كتابه (الرحمن والشيطان) بالقول: "إن مفهوم التوحيد الذي صاغته الديانات المشرقية بشكل خاص في سياق الالف الأول قبل الميلاد يترافق مع صعوبة ذات طبيعة فكرية وعاطفية في آن معا. ذلك أن الإيمان بإله واحد هو علة الوجود والمتحكم بجميع مظاهره، يجعل مشكلة وجود الشر في العالم بدون حل ابتداء"."1".

وبتقسيم الأديان بين وثنية وتوحيدية فإن تعليل فكرة الشر ستكون اساسية في الأديان التوحيدية أكثر منها في الوثنية:

"لقد كان من السهل تعليل الشر في المعتقدات الوثنية التعددية بأنه نتاج تناقض أهواء الآلهة ومقاصدها، او بأنه نتيجة طبيعية لوجود آلهة خيّرة واخرى شريرة. اما في معتقد التوحيد الذي يترافق مع تصوّر لله على انه كلّي القدرة وكلّي المعرفة وكلّي الحضور فإن تعليل الشر  يغدو بمثابة المهمة الاولى والملحة المطروحة امام اي معتقد توحيدي.""2".

طروحات الموحدين:

هناك ثلاث طروحات توحيدية لعلاقة الخالق بالكون:

١-المعتقد الربوبي: الذي يرى أن الله خلق العالم ثم تركه كما هو دون أن يتدخل في مجراه لكن قد تتدخل القدرة الإلهية في بعض الأحداث الجسام ولا يتصف الإله هنا بالعدالة ولا توجد للحياة غاية ولا يوجد بعث أو حساب في عالم آخر.

٢- المعتقد الحلولي: الذي يناقض الربوبي ويذيب الفوارق بين الخلق والخالق فما الروح الفردية إلا قبس من روح الله الكلية رغم حجاب الجهل وكما يظهر الماء في أشكال متعددة مثل البخار والغيم والجليد كذلك تتجلى الألوهية فيما لا يحصى من الظواهر المادية ويجري الثواب والعقاب تبعاً لمبدأ (الكارما) أي الفعل وجزاؤه فوضع الإنسان الآن محكوم بأعماله في حياته السابقة.

٣-المعتقد الإلوهي: والذي يقع في المنتصف بين الربوبي والحلولي ويستدعي اتصال الله بالعالم تحويل مفهوم العدالة -الذي يعمل من خلال الكارما في المعتقد الحلولي-إلى صفة من صفات الله ويتجلى في هذا المعتقد (نظام الأخلاق) الذي يحكم الأفراد والجماعات وتقوم الصلة بين الله والناس على عناصر الإيمان والأخلاق والعبادات.

وإلى المعتقد الإلوهي ينتمي الإسلام كدين.

إبليس والشيطان في القرآن:

يفرق القرآن في قضية الشيطان بين الاسم والصفة فقد ورد ذكر إبليس في القرآن في إحدى عشرة آية من آيات القرآن بينما ورد ذكر الشيطان على جهة الإفراد والجمع في ثمانٍ وثمانين آية.

والقرآن وهو يستعمل هذين اللفظين يعطي لكل لفظ دلالته فنرى النصوص التي تحدثت عن إبليس تذكر إبليس على أنه اسم علم لذلك المتمرد الذي عصى ربه وتذكر أيضا جنسه أي الطبيعة التي خلق منها فهو (جني) وليس ملاكا. قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى﴾ [البقرة: 34]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الأعراف: 11]، وقال تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 31].

وفي بيان أصل خِلقته قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].

أمَّا النصوص التي ذكرَت الشيطان فذكرته على أنه وصف لإبليس ووصفت به كذلك كل من سلك مسلكه كما أشرنا في أثناء التفريق بين إبليس والشيطان والنصوص حذرت من الشيطان وعداوته لبني آدم ومداخله على بني آدم.

فالنصوص التي تحدثت عن الشيطان كان الحديث فيها مركزا على العموم على كل من سلك طريق الشيطنة سواء أكان اللفظ على جهة الإفراد أو الجمع.

قال تعالى: ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ [البقرة: 36]. وقال تعالى: ﴿كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة: 168]، وقال تعالى: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ﴾ [النساء: 38].

وعلى جهة الجمع قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: 102]، وقال تعالى: ﴿كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ﴾ [الأنعام: 71]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: 112]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾ [الأنعام: 121]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 27].

وهكذا الكثير من النصوص الأخرى التي بينت حقيقة الشيطان وحذرتنا منه وأمرتنا باستفراغ الجهد لمعاداته وبينت أنه عدو لدود.

والشيطان في القرآن كما لاحظنا من النصوص السابقة قسمان:

الأول: هو الشيطان الجني الذي لا يُرى ولا يُسمع من قبل البشر  متمثلا في إبليس وذريته وقد ذكر القرآن هذا النوع في معرض تعريفه بعناصر الوجود المحيط وتفاعل الإنسان معها ويخبر أن هذا الشيطان الجني ضعيف الكيد والتدبير وأن عمله هو الوسوسة لدفع البشر إلى عمل الشر.

والثاني: هو الشيطان الإنسي الذي يتشيطن أي: ينحرف عن قصد وإصرار عن سبيل الله ويتبنى طريقا مضادا في الفكر والسلوك ويجعل من الانحراف والضلال منهجا لحياته وجهوده للدعوة إلى هذا الانحراف والضلال وإشاعتهما وهذا هو المعني بالصراع مع الإنسان في محاولة صرفه عن عمل الخير.

***

سليم جواد الفهد

........................

1- فراس السواح، الرحمن والشيطان، فاتحة الكتاب.

2- نفس المصدر

 

في المثقف اليوم