دراسات وبحوث

غزو المسلمين لمصر.. هل كان غزواً سعيد

كثيرًا ما يُرسم لنا الغزو العربي الإسلامي لمصر في صورة الغزو المُخلص من بطش الرومان فهو الفتح المبين العادل، وكأنهم لم يستبدلوا الاحتلال باحتلال وكأن المصريين استقبلوا العرب بالورود والأحضان، والمدقق في الأحداث يجد أن ذلك الادعاء هو أبعد ما يكون عن وقائع التاريخ وأحداثه ليس فقط من وجهة نظر المصريين الذي لطالما هُمشت وجهة نظرهم وتم التعتيم عليها بل حتى من خلال ما أورده إلينا العرب في كتبهم وسيرهم ولنطلع على بعض ما كتبوه وأورده.

سبايا القبطيات واقتحام المدن

عندما دخل العرب مصر واجهوا كثير من المقاومة من قبل القبط الذي لم يكن أمامهم إلا الدفاع عن أنفسهم أمام المحتل الجديد فكان مصير كل من يعترض طريق العرب هو قتلهم وسبي نسائهم وأراسلهم إلى المدينة كما حدث في "بلهيت والخيس وسلطيس" وهو ما يورده لنا البلاذري في كتابه (فتوح البلدان) "وكانت قرى من مصر قد قاتلت، فسبى منهم. والقرى: بلهيت والخيس وسلطيس. فوقع سباؤهم بالمدينة(1)، وهو ما استدعى بأحد الأساقفة ويدعى أبو مريم أن يذهب إلى عمرو بن العاص، يطلب منه السبايا بعدما قتل الرجال وأخذ النساء والأطفال كعبيد فما كان من عمرو بن العاص، إلا أن رفض وطرده وهو ما يورده لنا ابن كثير، في صفقة تاريخ مصر(2)، ويورد لنا المؤرخ ألفريد بتلر، ما حدث في فتح مدينة البهنسا، من قتل لكل أهل المدينة حيث يقول: "ما زالوا كذلك حتى بلغوا مدينة أسمها البهنسا ففتحوها عنوة وقتلوا من وجدوا بها من رجال ونسوة وأطفال" (3). ويورد لنا ألفريد، حادثة أخرى مشابهة نقلًا عن المقريزي، وهى حادثة خراب مدينة وردان، التي مر بها العرب وهم في طريقهم إلى  الإسكندرية فيقول: "وكان عمرو حين توجه إلى الإسكندرية خرب القرية التي تعرف اليوم بخربة وردان، وأختلف علينا السبب التي خربت لأجله، فحدثنا سعيد بن عفير، أن عمر لما توجه إلى نقيوس عدل وردان لقضاء حاجته فاختطفه أهل الخربة فغيبوه، فتفقده عمرو وسأل عنه وقفا أثره فوجده في بعض دورهم فأمر باخرابها وإخراجهم منها، وقيل إن أهل الخربة رهبانًا كلهم فغدروا بقوم من صحابة عمرو، ووجه إليهم وردان فقتلهم وخربها، فهي خراب إلى هذا اليوم... (4)

الجزية من هوامش المقريزي وابن عبد البر

و يذكر المقريزي، أن بعد سقوط حصن بابليون شرع عمرو بن العاص، في فرض الجزية على المصريين وبلغ عدد المصريين الذين ضربت عليهم الجزية 6 ملايين ولم يجعل سقف لتلك الجزية بالرغم من أنه فرضها في أول الأمر دينارين إلا أنه تراجع عن ذلك المقدار، فعندما ذهب إليه حاكم أخنا أحد القرى المصرية ليسأل عمرو عن مقدار الجزية قال له وهو يشير إلى ركن الكنيسة: "لو أعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك، إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم وإن خفف عنا خففنا عنكم"، ولم يكتفي ابن العاص، بذلك بل ذهب إلى أن مجرد من يكنز من المصريين ذهبًا ولم يسلمه إليه فأنه قد حكم على نفسه بالموت وهو ما يورده لنا ابن عبد البر

"إن عمرو بن العاص، لما فتح مصر قال لقبط مصر من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته" (5)، وهو لم يكن مجرد تهديد بل إنه ما حدث فعلًا مع بطرس المصري، كما يورد قصته ابن عبد البر "أن قبطيا من أهل الصعيد يقال له بطرس ذكر لعمرو أن عنده كنزا فأرسل إليه فسأله فأنكر وجحد، فحبسه في السجن، وعمرو يسأل عنه هل يسمعونه يسأل عن أحد فقالوا لا إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور، فأرسل عمرو إلى بطرس، فنزع خاتمه من يده ثم كتب إلى ذلك الراهب أن ابعث إليَّ بما عندك وختمه بخاتمه، فجاءه رسوله بقلة شامية مختومة بالرصاص ففتحها عمرو فوجد فيها صحيفة مكتوبا فيها ما لكم تحت الفسقية الكبيرة فأرسل عمرو إلى الفسقية فحبس عنها الماء ثم قلع منها البلاط الذي تحتها فوجد فيها اثنين وخمسين إردبا ذهب مضروبة فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد. (6) وهو ما جعل المصريين يخرجون كل ما لديهم إلى عمرو بن العاص، خوفًا من مصير بطرس. ويورد لنا  ابن أبي رقية "أن القبط أخرجوا كنوزهم شفقة أن يبغا على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس...(7)

من هوامش القبط

إن أحد الأصوات المصرية القليلة التي تكلمت عن الغزو العربي الإسلامي كان الأسقف يوحنا النقيوسي، الذي عاصر الغزو العربي وأورد لنا الكثير من الجرائم التي أرتكبها العرب في حق المصريين، ومن تلك الجرائم هي حرق القرى التي كانت تحاول الدفاع عن نفسها فيقول "والمدن التي شرعت في المقاومة كان جيش الإسماعيليين ينشب النار في أسوارها وبيوتها وطرقها  وزروعها" (8)، وعندما شرعوا في دخول مدينة نقيوس، التي منها الأسقف يوحنا قتلوا كل من فيها من رجال وأخذوا النساء والأطفال كعبيد  بالرغم من أنها لم تبدي أي مقاومة فيقول: "عندما دخلوا مدينة نقيوس واحتلوها ولم يجدوا أحدًا من المحاربين فكانوا يقتلون كل مَن وجدوه في الطريق وفي الكنائس رجالاً وأطفالاً ولم يشفقوا على أحد  ونهبوا كثيرًا من الأسلاب وأسروا النساء والأطفال وتقاسموهم فيما بينهم ، وقد نجد تشابه واضح بين ما ذكره يوحنا النقيوسي لما حدث في مدينة نقيوس وما ذكره البلاذري، عن قرى الخيس وسلطيس بل نجد يوحنا النقيوسي، يذكر الحال الذي صارعليه المصريين بعد ضرب بن العاص الجزية عليهم فيقول: "يستحيل على الإنسان وصف أوجاع المدينة بأكملها، فكان الأهالي يقدمون أولادهم للعرب بدلًا من المبالغ الضخمة المطلوب دفعها شهريًا، ولم يوجد هناك من يقوم بمساعدتهم" (9) ونجد هنا ربط واضح بين ما أورده النقيوسي، وبين ما أورده المقريزي، عن ابن العاص، الذي لم يجعل سقف لتلك الجزية بل إنه أعتبر أن مصر وجيوب المصريين خزانه له مما اضطر المصريين لبيع أولادهم وهو ما أوردناه سلفًا.

مما أوردناه من بعض هوامش أحداث الغزو العربي يتضح لنا أن العرب  (عرب البادية الذين عاشوا على الغزو والسلب) كما قال ابن خلدون في مقدمته إذا تغلّبوا على أوطان أسرع إليها الخراب وأن ذلك الغزو لم يكن بأمر دين بل كان بأمر دنيا وأن الغزاة الأوائل لم يكن يهمهم إلا جمع المال ونهب الثروات على حساب الشعوب المقهورة  وان تلك الشعوب لم تستقبل هؤلاء الغزاة بالترحاب وأنه لم يكن الغزو المخلص من البطش بل كان استبدال البطش ببطش أشد  قسوة وإن الدولة الإسلامية في (فتوحتها) لم تكن إلا دولة استعمارية كغيرها من الدول في ذلك الوقت .

***

مصطفى عبداللاه

....................

- فتوح البلدان البلاذري: ج 1: ص253

- البداية والنهاية ابن كثير:ج 10:ص 90

- (فتح مصر:ص 254)

- ( فتح مصر: ص 309 )

- فتوح مصر وأخبارها ابن عبد البر ج:1

- ابن عبد البر: المصدر نفسه

- ابن عبد البر: المصدر نفسه

- عمر صابر من مخطوطات يوحنا النقيوسي

- المصدر نفسه

في المثقف اليوم