دراسات وبحوث

نظريَّة الطَّاعة في الخطاب الإسلامي: التأسيس النَّصّي والفعل التاريخي

تُختصر العلاقة بين السلطة والمجتمع في الخطاب الإسلامي وفق ما يُمكن تسميته بنظريَّة الطاعة، وهي حاكم يطيع الله، ورعيَّة تطيع الحاكم، وإن بدا لي هذا التصوُّر محض نظريَّة إلا أنَّه عند منظّري الدولة الإسلاميَّة "الخلافة" من الثوابت الدينيَّة الأصيلة، وأصبح هو التصوُّر الشائع لطبيعة العلاقة المتبادلة بين السُلطة والمجتمع في الثقافة الإسلاميَّة.

وهذا سيقودنا إلى السؤال: كيف نشأ هذا التصوُّر الفكري؟ وهل تأسَّس على وحي مقدَّس قطعي الدلالة أم اجتهاد بشري في فهم أدلة شرعيَّة ذات دلالات احتماليَّة؟ من الذي ثبَّت المعنى؟ الله أم منظّرو الدولة الإسلاميَّة؟ وهل جذور التجربة التاريخيَّة لنظريَّة الطاعة تؤيّد استمرار هذا التصوُّر، أم تدعونا إلى إعادة النظر فيه؟

وإذا كنا أمام دلالة تُعطي للحكام سلطات شرعيَّة، فهم الذين يُشرّعون وينفّذون، والأمَّة تبعاً لهم، وبين دلالات أخرى تُمكِّن الناس من استرداد إرادتهم، فيختارون من بينهم من ينوب عنهم؛ ليكوّنوا منهم سُلطة الإلزام والتوجيه الاجتماعي، فأيّ الدلالات أولى بالاختيار؟ من تمنح الحاكم سُلطة دينيَّة أم التي تستردُّ منه تلك السلطة الدينيَّة؟ هل الأولى أن ننحاز إلى دولة مركزها الحاكم بصورتها التاريخيَّة القديمة، أم إلى دولة مركزها المجتمع بصورتها المعاصرة الحديثة؟

البحث محاولة لممارسة القراءة التحليليَّة النقديَّة البعيدة عن الدوغمائيَّة أو التبريريَّة أو الانتقائيَّة المستعلية السائدة في الخطاب الإسلامي، فأخطر ما وقع فيه الخطاب الإسلامي المعاصر تثبيت المعنى عند فهم بعينه، وترويجه كأنَّه المعنى الوحيد المطابق لمراد الله، ممَّا أعطى للمنتج البشري سُلطة الإلهي، وعليه تأسَّست العلاقة بين السلطة والمجتمع في الثقافة الإسلاميَّة المعاصرة.

(1) نظريَّة الطاعة:

استمدَّ الحكام والفقهاء سُلطةً ونفوذاً شرعياً في الخطاب الإسلامي من المدلول الثقافي المتداول لــ"أولي الأمر" بأنَّهم الحكَّام، وأنَّ "الذين يستنبطونه منهم" هم الفقهاء المجتهدون بمعنى خاص أو رجال الدين بمعنى عام، فباتت مرجعيتهم في الدولة شرعيَّة بموجب الأمر الإلهي في آيتي سورة النساء، وهذا يدعونا لإعادة اكتشاف دلالة أولي الأمر في اللغة وفي أقوال المفسرين، وهل هذه دلالة قطعيَّة لا يحتمل النص القرآني غيرها؟ كما روَّج لذلك بعض منظّري دولة الخلافة الإسلاميَّة، من أمثال الدكتور يوسف القرضاوي الذي استند إلى آيات سورة النساء للتأصيل الشرعي لوجوب استعادة الدولة الإسلاميَّة (الخلافة)، وزعم أنَّ دلالة أولي الأمر على الحكام دلالة نصيَّة قطعيَّة، بقوله: "لم يكن هذا ابتكاراً من الحركة الإسلاميَّة ومؤسّسيها ودعاتها، بل هو ما تنطق به نصوص الإسلام القاطعة ووقائع تاريخيَّة ثابتة وطبيعة دعوته الشاملة. أمَّا نصوص الإسلام فحسبنا منها الآيتان 59، 58 من سورة النساء: "إنَّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إنَّ الله نعمَّا يعظكم به إنَّ الله كان سميعاً بصيراً. يا أيُّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول". فالخطاب في الآية الأولى للولاة والحكَّام.[1]

فانتظمت علاقة المجتمعات بالسُلطة الحاكمة في الدولة الإسلاميَّة "الخلافة" وفق نظريَّة الطاعة التي أسَّس لها المجتهدون، وساهمت في تكوين عقل ووجدان المسلمين قديماً وحديثاً، ويُمكن إجمالها في أنَّ طاعة الحاكم من طاعة الله في كلّ مباح ليس بمعصية، فالحاكم يطيع الله، والرعيَّة تطيع الحاكم، ولا تعصيه ما دام لم يأمر بمعصية. فالأمور ـ وفق هذه النظريَّة- بين مباح جائز وحرام معصية، فما كان في معصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وما كان غير ذلك من مباح فجعلوا الاختيار للإمام، والرعيَّة ملزمة باتباع اختياراته، فليس لها مخالفة الحاكم في اختياره إلا إذا كان حراماً شرعاً، ولم يحمل هذا التصوُّر لعلاقة السُلطة ممثلة في الحاكم بالشعب أيَّ إمكانية لإلزام الشعب للحاكم بأمر في دائرة المباحات، فليس هناك كلام عن اختيار للشعب أو الأمَّة، لأنَّ الاختيار محصور في دائرة الحاكم وهيئته الاستشاريَّة من المجتهدين، فطبيعة دور الحاكم كراع أن يختار فهو المتبوع، وطبيعة دور الأمَّة (الشعب) كرعيَّة أن تسمع وتُطيع فهم تابعون لاختيارات الحاكم.

وظلت علاقة الحاكم بالمحكوم الشائعة في ثقافتنا الإسلاميَّة محصورة في هذه الصورة لا تحيد عنها "طاعة مطلقة للحاكم في كلّ أمر ليس بمعصية"، وتجمدَّت العقليَّة المنتجة للخطاب الإسلامي عند هذه الصورة، لا يختلف الخطاب الرسمي المعاصر عن غيره، ففي الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء المصريَّة ردَّاً على سؤال ما حكم طاعة الحكام؟ جاء الجواب: "من حكم دولة من هذه الدول المعاصرة فإنَّ له حكم الإمارة، فيجب على الناس أن يطيعوه، ما لم يأمرهم بمعصية."[2] فلم تحمل علاقة السُلطة ممثلة في الحاكم بالمجتمع أيَّ قدر ولو ضئيل من التطوُّر أو التفصيل، ولم يختلف فهم دار الإفتاء في القرن الحادي والعشرين عن فهم فقيه مثل ابن حزم في القرن العاشر الميلادي في قوله: "إنَّ الإمام (الخليفة) تجب طاعته ما قادنا بكتاب الله وسُنَّة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ."[3]

هذه هي خلاصة لعلاقة السُلطة بالمجتمع في تصوُّر الدولة "لإسلاميَّة الخلافة"، فالقائم على أمر المسلمين سواء سُمِّي خليفة أو إماماً أو رئيس دولة فهو إنسان ليس له سُلطة روحيَّة من الله، لكن له صفة شرعيَّة بوصفه مجتهداً يُعمِل سُلطانه (سُلطته التنفيذيَّة والتشريعيَّة) في تطبيق أحكام الشريعة، ولمَّا كانت آراء المجتهدين مختلفة، فليس ملزماً بالسير على مذهب بعينه أو اجتهاد خاص، فالشورى كاشفة غير ملزمة له، يعرف بها رأي أهل مشورته الذين يختارهم من أهل الاجتهاد؛ ولأنَّ رأيهم اجتهاد، ورأيه اجتهاد فله أن يكتفي برأيه بما له من صفة الاجتهاد، وإن كان غير مجتهد فيختار من آراء أهل مشورته من المجتهدين، فالأمَّة تصدر في الدولة الإسلاميَّة عن رؤية الحاكم (الخليفة) الذي يقوم - وفق طرح منظّري الدولة الإسلاميَّة- بدور الحارس لأحكام الإسلام، وحماية حاكميَّة الله، والرعيَّة تطيع الحاكم في كلّ ما ليس بمعصية. هكذا اختصر الفقهاء العلاقة بين السُلطة والمجتمع.

وتأسَّست تلك الرؤية الشرعيَّة لعلاقة السلطة بالمجتمع على أمرين:

الأول: الأمر الإلهي في القرآن الكريم بطاعة أولي الأمر في موضعين؛ الأول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" (سورة النساء، الآية ٥٩).

الثاني: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ" (سورة النساء، الاية٨٣).

فاشتهر أنَّ أولي الأمر في القرآن الكريم هم الحكام والفقهاء، فتجب طاعتهم شرعاً بمقتضى التكليف الإلهي ما دامت ليست في معصية الله، وتكون مخالفتهم حراماً شرعاً.

الأمر الثاني: الفعل التاريخي متمثلاً في اجتهاد الصحابة - رضوان الله عليهم - في تنظيم العلاقة بين الراعي (الإمام) والرعية (الأمَّة) وفق هذه النظريَّة، فاستند منظّرو الدولة الإسلاميَّة إلى طرح المسلمين الأوائل للنظريَّة بوصفه تصوُّر الديّن.

(2) التأسيس النَّصي لنظريَّة الطاعة:

بداية جاءت مادة "أمر" في معاجم اللغة بمعنى طلب الفعل، وأمرُ الله ما وعد به، ويأتي الأمر بمعنى الحادثة[4]. واستعمل القرآن الكريم كلمة الأمر قرابة مئتين وثمانٍ وأربعين مرَّة لم تتجاوز الدلالة اللغويَّة الشائعة[5]. غير أنَّه لما أضيفت كلمة "أولو" إليها في سورة النساء حدث خلاف حول هؤلاء -المأمور بطاعتهم- الذين أطلق عليهم القرآن اسم أولي الأمر، ورغم أنَّ أقوال المفسرين تعدَّدت، حتى ذكر بعضهم خمسة أوجه محتملة في معناها، وستشير الدراسة إلى ثلاث عشرة دلالة قد يحتملها لفظ أولي الأمر في الآيات، إلا أَّن هناك معنى تراثياً اشتهر بين تلك المعاني، وهو ما جاء في تفسير ابن كثير من أنَّ أولي الأمر هم الحكام والفقهاء مستنداً في تفسيره إلى المرويات الحديثيَّة في باب الإمارة.

وقد ساعد على انتشار هذا الرأي السلطة، لاسيَّما في فترات الصراع السنّي الشيعي، فالخليفة السنّي وحوله الفقهاء يبحثون عن سند ديني يمنح اختيارات الخليفة دينيَّة وشرعيَّة لا تقل في قوتها عن خصومه من أئمة الشيعة الذين ينازعونه السلطان مستندين إلى دلالة نصيَّة دينيَّة في الفكر الشيعي تستوجب طاعة الأئمة واتباع أوامرهم.

ومع تغيُّر الواقع التاريخي الذي يعيشه المفسِّرون يختلف فهمهم للآيات، فقول ابن كثير لا يمثل الفهم التراثي الوحيد للآية، بل من المفسرين التراثيين من رفض أن تحمل الآية أيَّة إشارة إلى الولاة والسلاطين، وناقش أوجه الضعف في استدلال ابن كثير، كما فعل الرازي في تفسيره، محذّراً من قبول رأي القائلين إنَّ أولي الأمر هم الولاة والسلاطين أو جماعة من علماء الدين؛ لأنَّ الأمر بطاعة أولي الأمر واجب في الآية، وهذا الوجوب يقتضي العصمة من الخطأ؛ لأنَّ الله لا يأمر بطاعة في خطأ، والعصمة من الخطأ - في نظره - ثابتة للأمَّة مجتمعة على رأي وليست لبعضها، لاسيَّما الحكام الذين قد يأمرون بالخطأ قصداً إليه كما يقول: "طاعة الأمراء والسلاطين غير واجبة قطعاً، بل الأكثر أنَّها تكون مُحرَّمة؛ لأنَّهم لا يأمرون إلا بالظلم."[6] كما رأى الرازي في واقعه؛ لذا جعل أولي الأمر متمثلاً في إجماع الأمَّة، وأكمل النيسابوري فجعل أهل الحل والعقد ممثلي هذا الإجماع.

وإذا سلَّمنا بصحة أحاديث الإمارة الدالة على وجوب طاعة الأمير التي استند إليها ابن كثير في تفسيره لأولي الأمر بالحكام فإنَّه يمكننا توجيه تلك المرويات بإحدى طريقتين: الأولى تقييد دلالة الإمارة في الأحاديث بالقيادة العسكريَّة في ميادين الحروب، ويؤكّد هذا المعنى قول ابن خلدون: "منذ عهد الخلفاء كانوا يسمُّون قواد البعوث باسم "الأمير"، وهو فعيل من الإمارة...، وكان الصحابة أيضاً يدعون سعد بن أبي وقاص "أمير المؤمنين" لإمارته على جيش القادسيَّة."[7] فهي دعوة للالتفاف حول القيادة العسكريَّة وتجنُّب التفرُّق والانقسام.

وإذا اتبعنا منهج ابن كثير نفسه في التفسير بالرواية، فسنجد روايات سبب النزول تخصّص معنى أولي الأمر بالقادة العسكريين (أمراء السرايا) في ميادين المعارك، كما أشارت روايتا سبب النزول من أنَّ خلافاً وقع بين أمير سريَّة وأحد الجند؛ لأنَّ الأمير أمره أن يُلقي بنفسه في النار، والرواية الثانية أنَّ الآية نزلت في خلاف بين عمَّار وخالد ـ رضي الله عنهما- ورغم أنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم - أقرّ أمان عمَّار إلا أنَّه نهاه أن يخالف أميره مرَّة ثانية إشارة إلى خالد، وأنَّهما بعد أن تسابا اعتذر خالد لعمَّار نزولاً عند أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت الآية حثّاً على وجوب الطاعة في ميادين المعارك في غير معصية.

الطريقة الثانية أن نُبقي على المفهوم العام للإمارة في المرويات دون تقييده بالناحية العسكريَّة، فالإمارة هي السلطة الحاكمة الآمرة، غير أنَّ صورتها اختلفت بين القديم والحديث، فإن كان الأمير شخصاً أو أسرة تمثلت فيها السلطة الحاكمة قديماً، فإنَّ نظم السلطة المعاصرة والقانون العام بما له من سيادة هو المراد بالإمارة في عصرنا، وليس الحاكم، فتغيَّرت دلالة الأمير حديثاً تبعاً لتغير الواقع الاجتماعي والتاريخي، فالسُلطة هيئات مستقلة منفصلة، والأمير هو القانون الذي تواضع الناس على الخضوع له، سواء أكان مصدره إلهياً قطعي الثبوت والدلالة، أو كان مصدره وضعياً بشرياً فيما لا نصّ قطعي الدلالة قطعي الثبوت فيه من نصوص الوحي الإلهي. ويمكننا أن نفهم هذا الأمر النبوي في سياقه الاجتماعي حينها، إذ يحاول أن يرسِّخ في حياة العرب لفكرة القيادة العامَّة وسلطة تتجاوز القيادة القبليَّة إلى كِيان أكبر يتشكّل، وقبول إمارة غير المنسَّب في العرب، ولو كان عبداً حبشياً.

واستبعد محمد عبده تفسير أولي الأمر بالحكام والفقهاء مع إقراره بشهرته، بقوله: "من المشهور أنَّ للمفسرين في أولي الأمر قولين: أحدهما أنَّهم الأمراء الحاكمون، وثانيهما: أنَّهم العلماء، ومن الناس من يعبّر بكلمة "الفقهاء"، ومن المعلوم أنَّه لم يكن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أمراء حاكمون ولا صنف يُسمى الفقهاء، وإنَّما المراد بأولي الأمر الذين تردُّ إليهم مسائل الأمن والخوف وما في معناها من الأمور العامة: أهل الرأي والمكانة في الأمَّة وهم العلماء بمصالحها وطرق حفظها والمقبولة آراؤهم عند عامتها."[8] وقيَّد الأستاذ محمد عبده طاعتهم بعدم مخالفتها للمتواتر قطعي الدلالة من الوحي، وأن يكون تشريعهم بلا إكراه لهم ومحض اختيار منهم، وأن يكون عملها في دائرة المصالح العامَّة وليس الأمور التعبديَّة والعقائدية التي يُؤخذ فيها بالوحي فقط.[9]

فتأويل أولي الأمر بالحكام والفقهاء يتنافى مع واقع المسلمين وقت نزول الآية، فالآية خطاب للمسلمين أن يردُّوا مسائل الأمن والخوف إلى النبي عليه السلام وأولي الأمر، ولا يخفى أنَّ أولي الأمر هؤلاء كانوا من الذين يعاصرون النبي - صلى الله عليه وسلم- ولم يكن إلى جانب النبي عليه السلام من أولي الأمر هؤلاء ملك أو سلطان أو والٍ من الولاة، أو علماء دين، لقد كانوا جميعاً ممَّن نعرف أسماءهم وأخبارهم من صحابة رسول الله، لكن كانوا من ذوي الخبرة والتجربة، والمكانة ما يُؤهلهم في النيابة عن قبائلهم وحدة تكوين المجتمع؛ ولأن يكونوا محل ثقتهم؛ فلا صحة لما ذهب إليه علماء الأصول من أنَّهم المجتهدون المستنبطون للأحكام الشرعيَّة، لأنَّ الآية تتحدث عن الذي يُصلح الأمَّة وقت الحرب، وهو موقف يحتاج إلى الرأي الذي يختلف باختلاف الزمان والمكان، ولا يكفي فيه معرفة أصول الفقه وفروعه، ولا الاجتهاد بالمعنى الذي يقوله علماء الأصول.[10]

كما أنَّ اختيار رجال الدين فهْم ابن كثير، وإهمال ما عداه من الآراء جعله المعنى الشائع في ثقافتنا، وساهم بقصد أو من غير قصد في تعزيز السلطة الاستبداديَّة قديماً وحديثاً، فطاعة أولي الأمر من الملوك والسلاطين، وعلماء الدين بوصفهم القادرين على استنباط الأحكام واجب شرعي على الشعوب، ويأثم مخالفوهم، فرضخت عامة الناس لقرارات وقوانين الملوك والسلاطين التي أحكمت قبضتهم على السلطة، فكان هذا التأويل -كما يقول الأستاذ محمد عبده- ممَّا "يتزلف به المتزلفون إليهم (السلاطين) حتى إنَّهم كانوا يتلون هذه الآية على مسامع السلطان عبد الحميد في كلّ صلاة جمعة."[11]

وهذا ما يجعل المعنى الأقرب لأولي الأمر قول الرازي إنَّهم أهل الحلّ والعقد الذين طلب القرآن الكريم مشاورتهم في الأمر، أوهم أهل العقل والرأي كما قال ابن كيسان، أو هم أهل الاختصاص في كلّ علم وأهل الخبرة في كلّ مهنة، فلهم من الفكر والنظر والتجربة ما يدعونا للاستماع إليهم، والأخذ بأقوالهم.

فأسَّس الخطاب القرآني أولاً لسُلطة الوحي الإلهي على حياة البشر بقوله تعالى: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، ثم انتقل الخطاب إلى تأسيس سُلطة ثانية وهي سُلطة الاستنباط العلمي الذي أداته العقل، وليس ميدانه النصوص بمعنى الآيات المقروءة فحسب، بل النصوص المنظورة المتأملة في الكون المعتمدة على التجريب العلمي في مختلف مناحي الحياة، فالخطاب القرآني يطرح معالجة لحالتي الأمن والخوف في المجتمع المسلم، وأنَّ المجتمع أمام إجراءين: الأول إذاعة أمر الأمن والخوف، والثاني: ردُّه إلى الرسول وإلى أولي الأمر، أي أهل الاختصاص، كلّ في ميدانه، ثم يرجّح القرآن الاختيار الثاني بالعلة، وهي أنَّهم القادرون دون غيرهم على إيجاد حلول بما يمتلك بعضهم من قدرة على الاستنباط، [12] أي عمق التفكير وطول النظر في الأمور.

من جانب آخر فإنَّ زعم منظري الدولة الإسلامية المتأخرين بأنَّ دلالة أولي الأمر على الحكام ثابتة بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة[13] كلام غير دقيق ويجافي الصواب، كما هو واضح من تعدُّد التأويلات، ويكون التأسيس لسُلطة شرعية للحكام والفقهاء في الأمور الاختياريَّة، وزعم أنَّهم ينوبون عن الناس في الاختيار بمقتضى الأمر الإلهي غير صحيح، بدليل ثلاثة عشر وجهاً دلالياً لكلمة أولي الأمر، نجملها في التالي:

أولاً: أولو الأمر هم الأمراء: هذا ما نقله ابن جرير[14] في جملة ما نقل من آراء، ورجَّحه على غيره. وكذا نقله ابن كثير[15] دون ترجيح له، ونسبه البغوي[16] إلى أبي هريرة وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- واختاره أبو السعود مشترطاً فيهم العدالة.[17]

ثانياً: أولو الأمر هم أهل العلم والفقه: أي النظر الشرعي دون غيرهم، وبه قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية والضحَّاك، واختار هذا الرأي الصنعاني في تفسيره[18]، ونسبه البغوي[19] إلى ابن عباس وجابر -رضي الله عنهما- ودليله قوله تعالى: "لعلمه الذين يستنبطونه منهم"، وهذا ما اختاره الشوكاني[20]، ونقله ابن جرير دون ترجيح له،[21] وكذلك نقله أبو السعود.[22]

ثالثاً: أولو الأمر هم الأمراء وأهل العلم الشرعي معاً: وهذا ما اختاره ابن كثير.[23]

رابعاً: أولو الأمر هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم – خاصة: وهو ما نقله القرطبي[24] حكاية عن مجاهد.

خامساً: أولو الأمر هم أبو بكر وعمر خاصة: ممَّا نقله القرطبي[25] حكاية عن عكرمة.

سادساً: أولو الأمر الأئمة المعصومون: نقله الرازي عمَّن وصفهم بالرافضة.[26]

سابعاً: أولو الأمر هم أمراء السرايا: فهو وصف خاص بالقيادة العسكريَّة في إحدى الأقوال التي نقلها الشوكاني، [27] وكما نفهم من روايتي سبب النزول التي أوردها ابن جرير وابن كثير في تفسيريهما.[28]

ثامناً: أولو الأمر هم علماء الشريعة في كلّ بلد على حده: ويشترط أن يُجمعوا على رأي واحد في المسألة؛ ليكون لهم صفة الوجوب الشرعي، ويشترط فيهم الإقامة الكاملة بين أهل البلد حتى يدخلوا ضمن أولي الأمر فيها، وفي ذلك يقول ابن حزم: "فمن هاجر إلينا من سائر البلاد فنحن أحقُّ به، وهو منا بحكم جميع أولي الأمر منا، الذين إجماعهم فرض اتباعه، وخلافه محرَّم اقترافه، ومن هاجر منَّا إلى غيرنا؛ فلا حظَّ لنا فيه، والمكان الذي اختاره أسعد به."[29]

تاسعاً: أولو الأمر هم أهل العقل والرأي: نقله الشوكاني في تفسيره، ونسبه إلى ابن كيسان.[30]

عاشراً: أولو الأمر هم أهل الإجماع: وهذا اختيار الرازي بعد مناقشته لما وصله من آراء حصرها في أربعة أقوال.[31] ولا يقصد به الدلالة الاصطلاحيَّة في أصول الفقه، بل تتسع لتشمل عموم الأمَّة.

الحادي عشر: أولو الأمر هم أهل الحل والعقد: كما أشار صاحب تفسير المنار تعليقاً على كلام الأستاذ محمد عبده بأنَّ تفسيره أولي الأمر بأهل الحل والعقد سبق إليه الرازي بعبارة غير حاسمة، والنيسابوري بعبارة حاسمة، وكما قال الأستاذ رشيد رضا كان الإمام يظنًّ أنَّ هذا الرأي لم يُسبق إليه حتى وجده عند النيسابوري نقلاً عن الرازي.[32]

الثاني عشر: أولو الأمر هم أهل الثقة والنبوغ من مختلف النخب الاجتماعيَّة والمهنيَّة: فلم يكتفِ الشيخ محمد عبده بجعل دلالة أولي الأمر في أهل الحل والعقد، بل فصَّلها بقوله: "إنَّ أولي الأمر في زماننا هذا هم: كبار العلماء ورؤساء الجند والقضاة، وكبار الزرّاع والتجار، وأصحاب المصالح العامة، ومديرو الجمعيات والشركات، وزعماء الأحزاب، والنابغون من الكُتُّاب والأطباء والمحامين والمهندسين...، أولئك الذين تثق بهم الأمَّة، وترجع إليهم في مشكلاتها حيث يكونون...، وأهل كلّ بلد يعرفون من يوثق به عندهم ويحترم رأيه فيهم، ويسهل على رئيس الحكومة في كلّ بلد أن يعرفهم، وأن يجمعهم للشورى."[33]

الثالث عشر: أولو الأمر هم فئتان من المجتمع: فئة تأتي بالانتخاب؛ لتمثّل الناس، وتنقل آراءهم في إصلاح المشكلات وإزالة العقبات التي تعيق انطلاقهم في الحياة في ميادين الإنتاج والعمل. وفئة ثانية مارست المسائل الفنيَّة والمهنيَّة عملياً، واكتسبت خبرة يقوم بانتخابها ليس عامة الناس بل المؤسسات المهنيَّة والفنيَّة كممثلين لها يناقشون ما تعرضه الفئة الأولى، وما تنتهي إليه الفئتان تكون قرارات واجبة بوصفهم أولي الأمر.[34]

بالتأمل في تلك الأقوال نلاحظ أنَّ مناهج المفسرين اختلفت في الاختيار، فمنهم من اكتفى بذكر أقوال سابقيه ومعاصريه، ثم اختار دون أن يذكر علة لاختياره كابن جرير والشوكاني، ومنهم من استند إلى المرويات كابن كثير، ومنهم من ناقش معتمداً على البرهان العقلي مثل الرازي والنيسابوري.

إنَّ اختلاف تأويلات المفسرين، وتعُّدد أقوالهم حول دلالة "أولي الأمر" إقرار بمشروعيَّة الاختلاف في التأويل، ومشروعيَّة الاختيار من تلك الدلالات المتعدّدة التي تحتملها اللغة، فإذا كنَّا أمام دلالة تُعطي للحكام سلطة شرعيَّة واسعة، فهم الذين يُشرّعون وينفذون، والأمَّة تبعاً لهم، وبين دلالات أخرى تُمكِّن الناس من استرداد إرادتهم، فيختارون من بينهم من ينوب عنهم؛ ليكونوا سُلطة الإلزام والتوجيه للمجتمع، فأيّ الدلالات أولى بالاختيار، من تمنح الحاكم سُلطة دينيَّة أم التي تستردُّ منه تلك السُلطة الدينيَّة؟ هل الأولى أن ننحاز إلى دولة مركزها الحاكم بصورتها التاريخيَّة القديمة، أم إلى دولة مركزها المجتمع بصورتها المعاصرة الحديثة؟

(3) التأسيس التاريخي لعلاقة السُّلطة بالمجتمع وفق نظريَّة الطاعة:

وإذا انتقلنا إلى فعل الصحابة - رضوان الله عليهم- واجتهادهم في تنظيم العلاقة السياسيَّة بين الحاكم والمحكومين فسنجدهم ربطوا طاعة الرعيَّة وجوباً وتعطيلاً بطاعة الحاكم لله، فمن الأقوال المؤسّسة لتلك العلاقة مقولة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم"، فهذه المقولة ألهمت المسلمين بطبيعة العلاقة بين الخليفة ممثل السُلطة والأمَّة أهم العلاقات وأكثرها خصوصيَّة في الدولة الإسلاميَّة، وعلى ضوء مقولة أبي بكر - رضي الله عنه - تشكّلت نظريَّة الطاعة قديماً وحديثاً.

وقد نجحت تلك النظريَّة في مجتمع المسلمين الأوائل، فعامَّة الرعيَّة في عهد أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- التزمت طاعة الخليفة الذي التزم طاعة الله، والحروب التي واكبتهم كانت من منطلق آخر، وإن استقامت نظريَّة الطاعة في تنظيم العلاقة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان في أوَّل عهده ـ رضي الله عنهم ـ لأنَّ الحاكم لم يتسلط ولم يحتجب ولم يستعلِ، ولم يضعف أمام الولاة فتكون لهم سطوة، لذا لم تشهد تلك الفترة جدلاً حول طاعة الخليفة لله، وما يتبعها من طاعة الرعيَّة له، إلا أنَّها شهدت على صعيد آخر معارك ضارية في ثلاث جبهات ضدَّ جماعة من مسلمي البادية امتنعوا عن أداء الزكاة إنكاراً لفرضيتها، فجيَّش أبو بكر - رضي الله عنه- لحربهم، وتزامن ذلك مع حربه للمرتدّين من قبائل ربيعة الذين بدؤوا مبكّراً بإهدار دماء المسلمين بقتلهم حامل رسالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم- التي جاءت رداً على رسالة مسيلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم- بأنَّ الله أشركه معه في النبوَّة، وأنَّ الأرض بينهما نصفان، والجبهة الثالثة استكمال ما بدأه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم- من تسيير جيوش لفتحِ الطرق المغلقة أمام رسله وإزالة سطوة السُلطة المانعة للناس من الاختيار، فكانت مؤتة وتبوك، ثم بعث أسامة في عهد أبي بكر وتوالت الحروب ضدَّ ممالك العرب المناذرة والغساسنة حلفاء إمبراطوريتي الفرس والروم، ثم الدخول في حروب مباشرة مع تلك الإمبراطوريات، واستمرَّت الحروب في تلك الجبهة في عهد عمر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ.

وفي أواخر عهد عثمان ـ رضي الله عنه ـ بدأ الاختلاف حول تطبيق نظريَّة الطاعة، فمع طول فترة حكم عثمان ـ رضي الله عنه ـ، وتقدُّم سنّه، وتزايد نفوذ عصبته من بني أميَّة، ومع اتساع نطاق الحكم من كونه دولة المدينة إلى دولة ممتدة تشمل عدداً من المدن والبوادي، ومن مجتمع عربي بنزعاته القبليَّة إلى مجتمع أكبر متعدّد الأعراق والأصول، ظهرت حركات معارضة تنطلق من نظريَّة الطاعة، فأسقطت تلك الحركات المعارضة حقَّ الطاعة الواجب لبعض الولاة، لأنَّهم ارتكبوا معصية خروجهم عن طاعة الله، ثمَّ اتسعت الدائرة لتشمل الخليفة نفسه.

وبدأ الاضطراب في "الكوفة"، فقد قام فريق من أهلها ينادي بضرورة عزل الوالي "الوليد بن عقبة" الأموي، وهو أخو عثمان لأمّه، وذلك لأسباب: من بينها اتهامهم له بأنَّه كان يسمر مع "أبي زبيد الطائي" الشاعر النَّصراني الشاب، ويعاقر معه الخمر! وشهد عليه بعضهم، فأمر عثمان ـ رضي الله عنه- بحدِّه (أي توقيع عقوبة شرب الخمر عليه) رغم أنَّ القرائن كانت تشير إلى براءته، قائلاً: "نقيم الحدَّ ويذهب شاهد الزور للنار!"؛ ثم أجاب القوم إلى ما طلبوا بعزله عن الولاية، فكانت فكرتهم إذن أنَّ الحاكم إذا ارتكب كبيرة ينبغي عزله، وإجابة "عثمان" لمطلبهم تدلُّ على أنَّه موافق على هذه الفكرة، وتوالت الثورات على الولاة، فقامت ثورة على الوالي الذي خلفه، وهو "سعيد بن العاص"؛ لأنَّهم لم يوافقوا على سياسته، وطالبوا بعزله أيضاً، ولما توجَّه إلى المدينة منعوه من دخول الكوفة عند عودته إليها، فولَّى عليهم "عثمان" أبا موسى الأشعري ـ رضي الله عنهما ـ، وكان أهل "البصرة" أيضاً قد ثاروا على "أبي موسى الأشعري" نفسه، فعزله عثمان، وولَّى بدلاً منه: "عبد الله بن عامر"، وجاءت وفود من مصر أيضاً تطالب بعزل واليها "عبد الله بن سعد بن أبي السرح".

فكانت النظريَّة الشائعة إذن التي يقرّرها هؤلاء أنَّ والي الإقليم -وهو نائب الخليفة- يجب عزله إذا لم يرضَ المحكومون منه فعلاً يدخل في باب المعصية، وكان الاختلاف حول طبيعة المعصية الموجبة للعزل. ثمَّ تطورت الفكرة حتى شملت مركز "الخليفة" نفسه؛ فانتهت إلى الثورة ضدَّ عثمان -رضي الله عنه- ومطالبتهم بأن يخلع نفسه؛ لأنَّه ـ من منظورهم - آثر قرابته بالأموال والأعمال، ولم يعزل من سبق ووعد بعزلهم من الولاة، وفي ذلك من المعصية ما يستوجب الخروج عن طاعته؛ لأنَّه لم يطع الله فيهم.

وهذا ما يُعقِّب عليه الدكتور محمد ضياء الدين الريس بقوله: "ولو فعل لتغير بلا شك مجرى التاريخ، ولكنَّه قال لهم: "لا أنزع قميصاً كسانيه الله تعالى!"، فكأنَّه كان يرى أنَّ الخليفة ما دامت تمَّت بيعته، فكأنَّه قد اكتسب حقاً مقدَّساً، أو لعله كان يرى أنَّ هؤلاء -وهم أقليَّة- ليس لهم الحق في مطالبته بخلع نفسه، من أمر أجمع عليه المسلمون من قبل."[35] وأشبه بمقولة الريس ما روي عن الحسن البصري من قوله: "أفسد أمر هذه الأمَّة اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، والمغيرة بن شعبة حين أشار على معاوية بالبيعة ليزيد. ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة. "ومثله قول بعض باحثي المذهب الشيعي لولا حادثة موقعة الجمل لتغيَّر مسار التاريخ.[36]

وأرى أنَّه لو تنازل عثمان ـ رضي الله عنه- ما تغيَّر وجه التاريخ، كما قال الريس؛ لأنَّه كان سيحدث لمن يخلفه مثل ما حدث مع الولاة حين نزل عثمان ـ رضي الله عنه - على رأي أهل الأمصار فعزلهم، وخير دليل ما حدث مع علي ـ رضي الله عنه ـ، فلو سلَّمنا بأنَّ عثمان تنازل اختياراً، كما قال الريس، وانتقلت الخلافة لعلي لما تغيّر الموقف كثيراً؛ لأنَّ بني أمية ما كانت لتقبل بترك ولايتهم في بلاد الشام، وأن يتراجع نفوذهم بعد أن استطال، ولو لم يكن عمرو بن العاص ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ موجودين بشخصيهما لوجد غيرهما؛ فلم يكن من اليسير محاصرة عصبيَّة قبليَّة تستعيد سلطانها في الحياة العامَّة رافعة قميص عثمان، مطالبة بثأره، ولا باستطاعة أحد أن يمنع اندفاعاً فكرياً لصياغة قناعات في طور التكوين حول طبيعة الذنب الذي يجعل الوالي أو الخليفة غير طائع لله، ممَّا يُشرّع الخروج عن طاعته، فتفاوت المسلمين في طرق فهم وتحديد كثير من المفاهيم الدينيَّة مثل المعصية (الكبيرة) والكفر والإيمان وغيرها، ممَّا كان سبباً لانقسام مازال باقياً، وأثار أسئلة كانت ميداناً لعدد من العلوم الشرعيَّة على مدار قرون تالية.

فإن كانت الخوارج صاحبة فكرة تكفير الحاكم بالذنب فإنَّ الخروج عن طاعة الحاكم لكونه عاصياً خارجاً عن طاعة الله أسبق في الظهور، إذ وُجدت في أواخر عهد عثمان، واستمرَّت في عهد علي ـ رضي الله عنهماـ، فالشام كاملة وأجزاء من الأمصار رأوا عليّاً عاصياً لا تصحُّ له بيعة، ولا تجب له طاعة بعدم القصاص من قتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ، وكذلك كان موقف عدد من كبار الصحابة من أمثال طلحة بن عبيد الله والزبير ممَّن بايعوا علياً، ثم خلعوا البيعة لموقفه من قتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ، ولا أتحدث عن قتالهم لعلي، وقتل جيش علي لهم في موقعة الجمل، فالخطاب الإسلامي السنّي أراح واستراح حين اكتفى من بين رويات التاريخ عند ابن كثير والطبري وغيرهم برواية أنَّ طرفاً ثالثاً هو من أضرم القتال الذي انتهى بمقتل صحابة كبار من أمثال: طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ـ رضي الله عنهما- وأن يسأل رجل من معسكر علي بن أبي طالب هل السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ سبي؟ فيردُّ علي ـ رضي الله عنه ـ أيسبي الرجل أمَّه؟ لكن إن سلّمنا بأنَّ القتال كان وقيعة من طرف ثالث، فسيظلُّ السؤال مطروحاً عن سبب خروج صحابة بمكانة الزبير وطلحة وعائشة ـ رضي الله عنهم ـ يناصرهم عدد من الصحابة ومن بني أميَّة إلى موقعة الجمل؟ وكان خيارهم واضحاً وهو إنفاذ عاجل للقصاص من قتلة عثمان، ومواجهة من يمنع ذلك، ولو كان الخليفة وجيشه بما فيه من صحابة. وكان علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ يرى في أمر القصاص رأياً آخر فجعله آجلاً غير عاجل، فموقعة الجمل وما أعقبها بدأت من خصومة اجتهاديَّة حول توقيت وطريقة القصاص لعثمان - رضي الله عنه - وفق رواية السُنَّة.

فالإشكاليَّة ليست في الحادثة وما أعقبها، بل في الأفكار التي استقرَّت في نفوس أصحابها على أنَّها الاجتهاد الصائب، فكانت المحرّك الأوَّل للسيوف، فتأخير القصاص سبب لعدم الطاعة للخليفة الرابع من منظور معارضيه، ورأي الخليفة في التأخير - من منظوره هو وأنصاره- واجب على الرعيَّة الالتزام به بما فيهم المعارضون، وإلا فهم خارجون عن طاعته يجب محاربتهم، وهذا سيقود لسؤال عن حكم أموال المعارضين، وكيف تُباح الدماء ولا تستباح الأموال ليتجدَّد انقسام جديد.

إنَّ تعقُّد الواقع الذي يتشكل كان أكبر من أن تختصر مشاكله في كلمة مؤامرة، متجاهلة الطبيعة البشريَّة في انفعالاتها وغضبها في مجتمع العصبيَّة العربيَّة حاضرة فيه، وعقل أعجمي - دخل الإسلام مع حركة الفتوحات- ما زال في طور صياغة تصوُّراته عن الإسلام وكتابه العربي بوصلة الحياة السياسيَّة والثقافيَّة، فبين المثاليات والواقع والحلم والممكن أخذت تتنامى أفكارهم؛ ليكونوا الأكثر تأثيراً في جميع المدارس التي ستتكون شيعة وقراء (السنَّة) ومعتزلة، أضف إلى ذلك تجربة العرب في طورها الأوَّل لإدارة دولة مترامية.

إنَّ محاولات المسلمين الأوائل تنظيم العلاقة بين السلطة والمجتمع وفق نظريَّة الطاعة قاد إلى انقسامات وصراعات لسنا في حاجة إلى الخوض في تفاصيلها التاريخيَّة، غاية ما ينبغي التركيز عليه أنَّها رؤية واجتهاد، غير أنَّ العقل المسلم ما زال يدور حولها كأنَّها مسلَّمة دينيَّة للعلاقة بين الحاكم والمحكومين، فما جاء من آيات قرآنيَّة ومرويات حديثيَّة في هذا الموضوع له دلالة احتماليَّة بما يعطي للعقل مساحة لبناء تصوُّراته حول تلك العلاقة، دون أن تكون لها صفة الإلزام.

فمحاولة إخضاع الدولة بما انتهت إليه من مفاهيم ونظم إلى نتاج القدامى ظلم وتخبُّط، كما أنَّ محاولة محاكمة القدامى لأنَّهم في نتاجهم قاصرون عمَّا وصلت إليه الدولة الحديثة في نظمها ظلم وتخبُّط، ويظلُّ اجتهاد المسلمين القديم في علاقة السُلطة متمثلة بالحاكم نتاج ما توفر من تجربة قصيرة، ومعرفة إنسانيَّة كانت في أطوار النُّمو الأولى في زمانهم، ويستفيد المسلمون المعاصرون من إصابات وأخطاء تلك التجربة، ومن مسار تاريخي إنساني عام لا يتوقف عن التطوُّر؛ ليبني من لحظته الحاضرة المتقدّمة زمناً تصوره لعلاقة السلطة بالمجتمع، مستفيداً من تجارب التمدُّن والتحضُّر المعاصرة القائمة على تنامي الشعور بالانتماء للوطن. فالدولة المعاصرة قائمة على نظام قاعدته المجموعة الاجتماعيَّة وليس قاعدته المجموعة الدينيَّة، وتكوين فضاء معرفي مستقل نابع من التفكير العلمي في علاقة الإنسان بالكون، فكما نظَّمت التصورات الدينيَّة علاقة الإنسان بالله، فإنَّ التفكير العلمي هو المسؤول عن تكوين علاقة الإنسان بمحيطه الكوني، وفق مبدأ ديني عام هو الإصلاح وعدم الإفساد، وضرورة استرداد الإنسان المصادرة إرادته ليكون فاعلاً في بناء دولته.

***

ا. د. عبد الباسط هيكل

..............

أهمُّ المصادر والمراجع

- أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المشهور بتفسير الطبري، دار الفكر، بيروت، ١٤٠٥هـ.

- أبو السعود محمد بن محمد العمادي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، المشهور بتفسير أبي السعود، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت.

- أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

- أبو زيد عبد الرحمن بن محمد (ابن خلدون) المقدّمة، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1408هـ/1988م.

- أبو محمد علي بن أحمد الأندلسي (ابن حزم)، رسائل ابن حزم الأندلسي، تحقيق: إحسان عباس، ط. دار الثقافة، بيروت، (1997-1417هـ).

- أبو محمد علي بن أحمد الأندلسي (ابن حزم)، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة السلام العالميَّة، نسخة مصوَّرة من طبعة الخانجي (محمد علي صبيح)، ١٣٤٨هـ.

- الحسين بن مسعود الفراء البغوي، تفسير البغوي، تحقيق خالد عبد الرحمن العك، دار المعرفة، بيروت.

- عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تفسير القرآن الكريم، تحقيق د. مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد، الرياض 1410 الطبعة الأولى.

- فخر الدين الرازي، التفسير الكبير، دار الكتب العلمية، 1425هـ - 2004م.

- محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، جامع الأحكام للقرطبي، دار الفكر، بيروت.

- حمد أحمد خلف الله (دكتور)، مفاهيم قرآنية، العدد 64 عالم المعرفة الكويت، يوليو 1984م.

- محمد أحمد خلف الله (دكتور)، القرآن والدولة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة.

- محمد جواد مغنية (دكتور)، فضائل الإمام علي، مكتبة الحياة، بيروت، الطبعة الأولى، 1962م.

- محمد رشيد رضا، تفسير المنار، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، القاهرة.

- محمد ضياء الدين الريس (دكتور)، النظريات السياسيَّة الإسلاميَّة، مكتبة دار التراث، الطبعة السابعة، ١٩٧٩م.

- محمد بن علي بن محمد الشوكاني، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، دار الفكر، بيروت.

- محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى.

- أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، دار الفكر، بيروت، 1401هـ.

- يوسف القرضاوي (دكتور) من فقه الدولة في الإسلام، دار الشروق، القاهرة.

الهوامش

[1] د. يوسف القرضاوي، من فقه الدولة في الإسلام، ص15. ط. دار الشروق، القاهرة.

[2] سجلات دار الإفتاء المصرية تاريخ الإجابة: ٢٠١١/٥/١٨م.

[3] ابن حزم الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل، ص٤، ١١٢. مكتبة السلام العالميَّة نسخة مصوَّرة من طبعة الخانجي (محمد علي صبيح)، ١٣٤٨هـ.

[4] "أمره يأمره أمراً وإماراً فأتمر، أي قبل أمره، والأمر نقيض النهي، وقوله عزَّ وجلَّ: "وأمِرْنا لنسلم لربِّ العالمين"، العرب تقول: أمرتك أن تفعل ولتفعل وبأن تفعل. وقوله عزَّ وجلَّ: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه"، قال الزجاج: أمر الله ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم من أصناف العذاب، والدليل على ذلك قوله تعالى: "حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور "أي جاء ما وعدناهم به"، وكذلك قوله تعالى: "أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً"، وذلك أنَّهم استعجلوا العذاب، واستبطؤوا أمر الساعة، فأعلم الله أنَّ ذلك في قربه بمنزلة ما قد أتى: كما قال عزَّ وجلَّ: "اقتربت الساعة وانشقَّ القمر"، وكما قال تعالى: "وما أمر الساعة إلا كلمح البصر" وأمرته بكذا أمراً، والجمع الأوامر. ومنها اشتقت كلمة أمير؛ لأنَّه من يُصدر الأوامر، فالأمير: ذو الأمر. والأمير: الآمر، والأمر: الحادثة..، . وفي التنزيل العزيز: "ألا إلى الله تصير الأمور." (ابن منظور، لسان العرب ج٤، ص٢٩، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى.)

[5] تدور دلالتها حول معاني كلمة أمر اللغوية من طلب الفعل، مثل قوله تعالى: "قلْ إنَّ هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين"، وتأتي مضافة إلى لفظ الجلالة الله للدلالة على ما وعد به عزَّ وجلَّ، مثل قوله تعالى: "حتى جاء الحق وظهر أمر الله"، وتأتي بمعنى حادثة وشأن، مثل قوله تعالى: "قال بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل".

[6] التفسير الكبير، ج2، ص117.

[7] أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، المقدّمة، الفصل الثاني والثلاثون، ص 189، ط دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٨هـ - ١٩٨٨م.

[8]تفسير المنار، ج4، ص167.

[9]ينظر: السابق، ج4، ص168.

[10]ينظر: د. محمد خلف الله، مفاهيم قرآنيَّة، ص٧٨، ٧٧، العدد ٦٤ عالم المعرفة، الكويت، يوليو ١٩٨٤م. وكتابه: القرآن والدولة، ص٧٥: ٦٩.

[11] السابق، ج5، ص149.

[12] مادة الاستنباط أصلها استخراج الماء من البئر، انتقلت من الحسّي إلى المعنوي.

[13] من فقه الدولة في الإسلام، ص15.

[14] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المشهور بتفسير الطبري، ج٥، ص١٥٠: ١٤٧دار الفكر، بيروت، ١٤٠٥هـ.

[15]أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم المشهور بتفسير ابن كثير. ج١، ص٥١٩: ٥١٧، دار الفكر، بيروت، ١٤٠١هـ.

[16] تفسير البغوي، تحقيق خالد عبد الرحمن العك.ج١، ص٤٤٤، دار المعرفة، بيروت.

[17] أبو السعود محمد بن محمد العمادي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، المشهور بتفسير أبي السعود، ج٢، ص١٩٣، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، قال: "هم أمراء الحق وولاة العدل كالخلفاء الراشدين ومن يقتدى بهم من المهتدين، وأمَّا أمراء الجور فبمعزل من استحقاق العطف على الله تعالى والرسول في وجوب الطاعة لهم".

[18] عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تفسير القرآن الكريم، تحقيق د. مصطفى مسلم محمد، ج1 ص166. ط مكتبة الرشد. الرياض 1410 الطبعة الأولى.

[19] تفسير البغوي، تحقيق خالد عبد الرحمن العك. ج1 ص444.

[20] محمد بن علي بن محمد الشوكاني. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير. ج1 ص481. دار الفكر. بيروت.

[21] تفسير ابن جرير الطبري. ج5. ص150: 147.

[22]إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم. ج2 ص193.

[23] تفسير ابن كثير. ج1. ص519: 517.

[24] محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، جامع الأحكام الشهير بتفسير القرطبي، ج٥، ص٢٥٩، دار الفكر، بيروت.

[25] السابق، ج5 ص259.

[26]فخر الدين الرازي، التفسير الكبير، ج2، ص117، ط دار الكتب العلمية، 1425هـ - 2004م.

[27] فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير. ج1، ص481.

[28] الرواية الأولى التي نقلها ابن كثير عن كثير من المحدثين: "وهي أنَّ رسول الله بعث سريَّة واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار فلما خرجوا وجد عليهم في شيء قال فقال لهم أليس قد أمركم رسول الله أن تطيعوني؟ قالوا بلى، قال فاجمعوا لي حطباً ثم دعا بنار فأضرمها فيه ثم قال عزمت عليكم لتدخلنها، قال فقال لهم شاب منهم إنَّما فررتم إلى رسول الله من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها، قال فرجعوا إلى رسول الله فأخبروه فقال لهم لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنَّما الطاعة في المعروف".

الرواية الثانية في سبب نزول الآية أنَّ رسول الله -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- بعث سريَّة عليها خالد بن الوليد وفيها عمَّار بن ياسر، فساروا قبل القوم الذين يريدون، فلما بلغوا قريباً منهم عرسوا وأتاهم ذو العيينتين فأخبرهم فأصبحوا وقد هربوا غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد فسأل عن عمَّار بن ياسر فأتاه فقال يا أبا اليقظان إنّي قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وإنَّ قومي لما سمعوا بكم هربوا وإنّي بقيت فهل إسلامي نافعي غداً وإلا هربت؟ قال عمار بل هو ينفعك فأقم فأقام، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحداً غير الرجل فأخذه وأخذ ماله فبلغ عمَّاراً الخبر فأتى خالداً فقال خلِّ عن الرجل فإنَّه قد أسلم وإنَّه في أمان مني، فقال خالد وفيم أنت تجير فاستبا وارتفعا إلى النبي، فأجاز أمان عمَّار ونهاه أن يجير الثانية على أمير فاستبا عند رسول الله، فقال خالد أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟ فقال رسول الله يا خالد لا تسبّ عماراً فإنَّه من سبَّ عمَّاراً يسبه الله ومن يبغض عمَّاراً يبغضه الله ومن يلعن عمَّاراً لعنه الله، فغضب عمَّار فقام فتبعه خالد فأخذ بثوبه فاعتذر إليه فرضي عنه، فأنزل الله عزَّ وجل قوله: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" (ينظر: تفسير ابن جرير الطبري. ج5. ص150: 147، وتفسير ابن كثير. ج1. ص519: 517)

[29] أبو محمد علي بن أحمد بن حزم، رسائل ابن حزم الأندلسي، تحقيق: إحسان عباس، ج1، ص5، ط. دار الثقافة، بيروت، (1997-1417هـ).

[30] فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية، ج1، ص309.

[31] التفسير الكبير، ج2، ص117.

[32] محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ج٥، ص١٤٩، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، القاهرة.

[33] تفسير المنار ج5 ص152.

[34] ينظر: د. محمد أحمد خلف الله، القرآن والدولة، ص٧٤، ٧٣، مكتبة الأنجلو المصريَّة، القاهرة.

[35] د. محمد ضياء الدين الريس، النظريات السياسيَّة الإسلاميَّة، ص٥٤، ٥٣، مكتبة دار التراث، الطبعة السابعة، ١٩٧٩م.

[36] "لولا حرب الجمل لما كانت حرب صفيّن والنهروان، ولا مذبحة كربلاء، ووقعة الحرّة، ولا رُميت الكعبة المكرَّمة بالمنجنيق أكثر من مرَّة، ولا كانت الحرب بين الزبيريّين والأُمويّين، ولا بين الأُمويّين والعباسيّين، ولما افترق المسلمون إلى سُنَّة وشيعة، ولما وجد بينهم جواسيس وعملاء يعملون على التفريق والشتات، ولما صارت الخلافة الإسلاميَّة ملكاً يتوارثها الصبيان، ويتلاعب بها الخدم والنسوان." محمد جواد مغنية، فضائل الإمام علي، ص139، 138، مكتبة الحياة، بيروت، الطبعة الأولى، 1962م.

 

في المثقف اليوم