دراسات وبحوث

هل حكم الشيعة العالم العربي والإسلامي؟ (3-3)

لكل بداية نهاية:

انتهت دولة الصفويين (1501 – 1786 م) التي استمرت لمدة 285 عاماً، على يد نادر شاه أفشار (1688- 1747م) وكان يتمتع بالطموح والذكاء، وقد تمكن بجيش من أفراد قبيلته الأفشار من الاستيلاء على إقليم خراسان، وأخذ يمسك بزمام الأمور في هذا الإقليم، وظهرت قوته، مما جعل الشاه طهماسب الثاني (1702- 1740م) من أن يستعين به، ويعينه قائداً لجيشه، واستطاع أن يصبح أقوى شخصية في إيران بعد تحقيقه لانتصارات عدة ضد منافسي الدولة.

ثم أصبح نادر شاه في منزلة هيأت له عزل طهماسب الثاني، وتعيين ابنه الطفل عباس الثالث (1730- 1739م) ملكاً على الصفويين، وصار نادر شاه وصياً على العرش، ولكن هذا الوضع لم يستمر سوى ثلاث سنوات، إذ بادر نادر شاه إلى عزل عباس الثالث، وتنصيب نفسه ملكاً على إيران، واتخذ لقب الشاه، كما أعلن سقوط الدولة الصفوية وقيام دولة شيعية محلها هي الدولة الأفشارية (1736- 1796م) التي استمرت ستين عاماً، كان نادر شاه أول ملوكها، حينما خلع أخر ملوك الدولة الصفوية ونصب نفسه ملكاً على بلاد فارس وجعل عاصمته مدينة مشهد، واستمرت حتى القضاء عليها من قبل القاجاريين سنة 1786م .

والدولة القاجارية: هي مملكة أسسها القاجاريون عاصمتها مدينة طهران الحالية، وقد شملت معظم الأراضي الإيرانية الحالية إضافة إلى أرمينيا وأذربيجان والتي دامت من عام 1794م حتى عام 1920م حينما أطاح الشاه رضا بهلوي بأخر الحكام القاجاريين عام 1925م ليؤسس الدولة البهلوية التي استمرت حتى عام 1979م لتسقط الدولة الشاهنشاهية البهلوية على يد رجل الدين والفيلسوف الكاتب والسياسي الشيعي الراحل روح الله بن مصطفى بن احمد الموسوي الخميني (1902- 1989م) لتقوم بدلاً عنها جمهورية إيران الإسلامية الحالية، بحدودها الجغرافية المعروفة اليوم في - جمهورية إيران الإسلامية - وبتواجد مسيح وصابئة وأقلية يهودية وزرادشتية على أرضها، وحتى هناك من لا يؤمن بوجود الله، والسنة والشيعة في إيران يصلون بعضهم مع بعض، إذْ توجد تسعة مساجد في العاصمة طهران لوحدها لأهل السنة والجماعة، يصلون ويرفعون الأذان بطريقتهم الخاصة، ويمارسون صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك بكل حرية.

في إيران تتعدد وتتنوع القوميات، فهناك الكردي والفارسي والأذري واللري والعربي والتركماني والمازندراني والأفغاني والبلوشي والقشقائي وجميعهم يتكلمون اللغة الفارسية، وهي ليست اللغة الفارسية القديمة، لأن أغلب شعوب إيران لا تعرفها، واللغة الفارسية السائدة اليوم هي مزيج متنوع من كلمات كردية وعربية وتركمانية وأذرية وحتى انكليزية إضافة إلى الفارسية.

ولكن هناك من يشوش على الشعوب العربية والإسلامية عن طريق وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، من أجل خلق فتنة بين المسلمين، والفتنة لا تخدم أحداً بل تدمر الجميع لاسيما إن هناك صفحات تروج زوراً على إن الشيعي يسب السني أو السني يسب الشيعي .. كلنا سنة لأننا نتبع سنة نبينا محمد (ص) .. وكلنا شيعة لأننا نتبع ما نراه مناسباً من أفكار وأطروحات آل البيت الأطهار.

الشيعة والاجتهاد الفقهي:

لم تواجه الشيعة مشكلة فراغ تشريعي بعد وفاة الرسول (ص)، إذ استمر عصر التشريع عندهم عبر أئمتهم، بدءً بالإمام علي بن أبي طالب، ومن ثم ولديه الحسن والحسين والتسعة من أبناء الحسين، آخرهم محمد بن الحسن المهدي (عليهم السلام) الذي غاب واستمر التواصل معه عبر أربعة سفراء(13)، وبانتهاء الغيبة الصغرى سنة 329 ه انتهى عصر النص بالنسبة لهم، وبدأت مرحلة الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية لكن بمفهوم آخر.

وإن مقتضى تواصل عصر التشريع لدى الشيعة هو عدم التفريق بين سيرة النبي وسيرة الأئمة من حيث حجيتها (تخصيصاً وتقييداً لآيات الكتاب الكريم)، والقضية مرتبطة بعقيدتهم ورؤيتهم لمفهوم العصمة والإمامة ومقام الإمام.

فالشريعة بالنسبة لهم ليست محدودة بالكتاب وما ورد عن الرسول(ص)، بل تشمل سيرة الأئمة: قولاً وفعلاً وتقريراً، فكانت أحاديثهم أثرى من حيث تنوع مسائلها، لاسيما المستحدثة، وعليه يكفي انتهاء سند الرواية إلى أحد الأئمة المعصومين بسند صحيح أو معتبر لتكون حجة على الفقيه يمكنه الاستدلال بها ما لم تكن معارضة برواية أخرى، وبهذا انتفت الحاجة للاجتهاد طوال حياة الأئمة، بل إن موقف الأئمة وأصحابهم كان سلبياً جداً من مفهوم الاجتهاد على وفق مدرسة الرأي التي تعتبره أحد أدلة الفقيه في استنباط الحكم الشرعي، وقد حصلت مواجهات ضارية، تجلت من خلال المناظرات والتأليف التي كانت تشجب الرأي، حتى بات مفهوم الاجتهاد مثقلاً بدلالاته السلبية عبر توالي الأيام، وصار المتبادر منه تحكيم رأي ومزاج المجتهد في استنباط الحكم، وقد استمر الموقف السلبي منه من خلال مؤلفات وكتابات أصحاب الأئمة ومن جاء بعدهم من العلماء والمحدثين، كما هو موقف الشيخ (الصدوق) في القرن الرابع الهجري، ومن بعده الشيخ (المفيد) الذي ألف كتاباً بهذا الخصوص، وتبنى السيد (المرتضى) في بداية القرن الخامس الهجري الموقف ذاته حينما قال (إن الاجتهاد باطل، وأن الأمامية لا يجوز عندهم العمل بالظن ولا الرأي ولا الاجتهاد)، وتلاه الشيخ (الطوسي)، المتوفى سنة460 ه، بقوله: (أما القياس والاجتهاد فعندنا إنهما ليسا بدليلين، بل محظور في الشريعة استعمالهما)، وقال ابن إدريس في كتاب السرائر (والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا).

وبقي الاجتهاد مفهوماً سلبياً عند الشيعة، يُحيل على تحكيم مزاج الفقيه في الحكم الشرعي، وهو بمنزلة الكفر، أو خضوع الحكم الشرعي لرأي الفقيه الشخصي، ولم يتخلصوا من هذا المفهوم حتى مجيء المحقق الحلي المتوفى سنة 676 ه، الذي أعطى الاجتهاد معنى جديداً، آذ عرّفه (بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية).

ويتبنى فقهاء الشيعة موقف الإمام جعفر الصادق (ع) ومن جاء بعده، فهو بالنسبة لهم موقف شرعي لا يمكن التنازل عنه، مهما كانت قناعة الفقيه ومهما كان مستوى ركونه للاجتهاد بمعنى الرأي، كدليل كاشف عن الحكم الشرعي، لهذا يغمز فقهاء الشيعة باجتهادات (ابن الجنيد) و(الاسكافي) من علماء القرن الرابع لميولهما للرأي، بالرغم من إنهما من كبار فقهاء الشيعة.

وبهذا يتضح أن هناك موقفان مختلفان من مفهوم الاجتهاد لدى الشيعة الإمامية، هما:-

الاتجاه الإخباري

يعتبر الميرزا محمد أمين الاستربادي المتوفى سنة 1033 ه 1624م مؤسس هذا الاتجاه، وقد ألف كتابا بعنوان "الفوائد المدنية" بلور فيه أفكاره وبرهن عليها، وهو امتداد لموقف مدرسة الحديث التي اقتصرت مصادرها التشريعية على الكتاب والسنة، ورفضت الاجتهاد والقياس والاستحسان، وقد زاد عليهم الإخباريون الشيعة رفضهم للإجماع كونه بدعة سنية، وهم يعتقدون بصحة جميع الروايات الواردة في الأصول التحديثية الشيعية الأربعة: "الكافي، من لا يحضره الفقيه، التهذيب والاستبصار" (14)، وغيرها من كتب الحديث، وكان موقفهم سلبياً جداً من الفقهاء الأصوليين.

وفي محاولة لشرعنة هذا الاتجاه، أرجع الإخباريون حركتهم لعصر الأئمة كونه اتجاهاً سائداً إلى عصر الكليني والصدوق.

وقد احتدم الصراع بين الإخباريين والأصوليين في بداية القرن الحادي عشر الهجري، ولم تخف حدته إلا في القرن الثالث عشر على يد الشيخ (الوحيد البهبهاني)، المتوفى 1205ه، وقد تزعّم الاتجاه الإخباري، عدد من علماء الشيعة، اشتهروا بموسوعاتهم التحديثية، كالشيخ المجلسي صاحب كتاب البحار (110) أجزاء، والشيخ (الحر ألعاملي) صاحب موسوعة وسائل الشيعة (20 أو 30) جزءٌ حسب الطبعة، وما يهم موقف هذا الاتجاه من العقل، فهو يأخذ بالرواية مهما كان ضعفها سنداً ومتناً، ويطرح الرأي مهما انتسب للفقه والفقاهة، لذا كرّس هؤلاء الغلو والتطرف في حب أهل البيت والعداء من السنة حدَ التكفير والبراءة منهم، وقدموا النقل على العقل واقتصروا في فتاواهم على نصوص الروايات، ولا قيمة للعقل ومستقبلاته وأحكامه أمام الرواية، مهما كانت ضعيفة السند، فهناك برأيهم عقل كلي هو عقل المعصوم تصدر منه الأحكام، ولازمه أن الحسن والقبح شرعيان وليسا عقليين.

2 – الاتجاه الأصولي

لا يختلف الموقف الرافض لهذا الاتجاه من الاجتهاد بمعنى الرأي، ويرفض بشدة اعتبار القياس والاستحسان من الأدلة الكاشفة عن الحكم الشرعي، وكان المحقق الحلي أول من قدم تعريفا جديداً، زعزع به النظرة السلبية لمفهوم الاجتهاد، عندما عرّفه بأنه "بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية"، وبهذا خرج مفهوماً من كونه دليلاً على الحكم الشرعي إلى كونه منهجاً في استنباط الحكم الشرعي، يعتمد على قضايا نظرية وعقلية، ليست مستفادة من ظواهر النصوص بالضرورة. فالاجتهاد بهذا المعنى ليس مصدراً للحكم، بل عملية استنباط الأحكام من مصادرها، ويراد بالاستنباط "تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديداً استدلالياً".

وبهذا كسب الأصوليون المعركة وأصبح الاجتهاد ميزة يتصف بها الفقه الشيعي، وقد تمكن فقهاهم مواصلة استنباط الأحكام الشرعية، بينما عمد الجانب الآخر أي المدرسة السنية إلى غلق باب الإجهاد، والاكتفاء بما صدر من أئمة المذاهب الإسلامية وكذلك فعل الإخباريون.

يذكر أن بوادر ظهور القواعد الأصولية لدى المدرسة الشيعية تعود لأيام الأئمة، إذ كانوا يؤسسون لبعض القواعد كالاستصحاب في روايات زرارة بن أعين عن الإمام جعفر الصادق (ع) مثالاً، وهي قواعد ذات مناشيء عقلية، إذ إن البحوث الفقهية لم تكن بمنأى عن العقل ومستقبلاته.

قومية المراجع الشيعة

يبلغ نفوس الشيعة في العالم 320 مليون نسمة من أصل نفوس المسلمين البالغ 1600مليون نسمة، وبذلك يشكل الشيعة ما نسبته 20 بالمائة من مسلمي العالم .. ثقلهم الاكبر في أيران والعراق وأذربيجان .

لقد قَدم بعضُ الباحثينَ الإيرانيّين إحصائيّةً تُحدّدُ "قوميّةَ المراجع الشيعة"، و"محلَّ دراستهم"، وموطن استقرارهم" على مدى ألفِ سنةٍ تقريباً، جعلَوا بدايتَها: الكُليني المتوفّى سنة: (940م)، وخاتمتَها: البروجردي المتوفّى سنة: (1960م)، فكانت النتيجة كما يأتي:

حملتْ هذه الفترة (58) مجتهداً اعترفتْ الطائفةُ بمرجعتيهم، ومن بين هؤلاء نجدُ: (34) إيرانيّاً، و (24) عربيّاً، ومن بين العرب نلاحظُ: (16) عراقيّاً، و (7) من بلادِ الشامّ، و (1) من سلطنةِ عُمان. أمّا موطنِ دراستِهم فإن أربعين مجتهداً منهم درسَوا في العراقِ، و (14) في إيرانِ، و(4) ليس للباحثِ درايةٌ بمحلِّ دراستِهم، وبعد أن تسلمَ هؤلاء المرجعيّة استقرَّ (34) منهمُ في العراقِ، و (18) في إيرانِ، و (6) في بلادِ الشامِّ .. وإنّ (48) كانوا من سُكانِ المُدنِ، و(10) من سكنة القُرى والأريافِ، وإن السِيرَ الذاتيّةِ لهؤلاءِ تُشيرُ إلى إنّ(31) منهم فقط من أُسر علمائيّة.

قم... مركز التشيع العالمي:

أنتعش التشيع في مدينة قم الايرانية بعد نجاح الثورة الاسلامية في أيران عام 1979م ووصلت إلى ما وصلت اليه الان، أذ بلغ عدد منتسبي الحوزة العلمية في قم في العام 2020 حوالي (100) ألف طالب وأستاذ، فيما بلغ عدد منتسبي حوزات مشهد و أصفهان وطهران حوالي (40) الف شخص، إضافة الى (10) ألاف منتسب في باقي مدن إيران. كما بلغ عدد المجتهدين في قم وحدها حوالي (250) مجتهداً أو من يرى في نفسه ملكة الإجهاد، بينهم ما يقرب من (100) مجتهد يدرِّسون البحث الخارج (الدراسات العليا)، أي أن هناك (100) صف للبحث الخارج تقريباً في قم، إضافة الى حوالي (30) صف للبحث الخارج في مشهد وطهران واصفهان. وهي نسبة يعتقد الإيرانيون أنها قليلة؛ قياساً بحاجة (70) مليون شيعي في ايران وحدها، فضلاً عن حاجة الدولة المتزايدة الى الدراسات الفقهية لقضاياها المتشعبة.

ومن مجموع منتسبي الحوزات العلمية الإيرانية، يوجد ما يقرب من (15) ألف منتسب غير ايراني ينتمون الى حوالي (70) جنسية، وغالبيتهم من العراق وافغانستان وباكستان والهند ولبنان والبحرين والسعودية وأذربيجان. كما أن هناك أكثر من (20) ألف منتسبة من النساء، بينهنّ مجتهدات وعالمات دين معروفات.

و يعد مكتبا (السيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني) أهم مكتبين مرجعيين في قم. ويعمل مكتب السيد الخامنئي بشكل مستقل إدارياً ومالياً ووظيفياً عن مكتبه الرسمي في طهران؛ لأن مكتب قم هو مكتب مرجعي حوزوي، ويمارس شأناً دينياً علمياً محضاً، ويشرف على عمل المدارس والجامعات والمؤسسات العلمية الدينية التابعة له، وشؤون الوكلاء والمعتمدين المرجعيين داخل إيران وخارجها. في الوقت الذي لايزال السيد الخامنئي يقدم دروسه في البحث الخارج في حسينية الإمام الخميني في طهران، ويحضرها ما يقرب من (700) عالم دين.

أما مكتب السيد علي السيستاني في قم؛ فلعله أنشط مكتب مرجعي في العالم وأكثرها تنظيماً وتقديماً للرعاية العلمية والتبليغية والخيرية، ويشرف على المؤسسات والمكاتب الفرعية لمرجعية السيد السيستاني داخل ايران وكثير من دول العالم.

فضلاً عن وجود تسع جامعات وما يقرب من (200) مدرسة علمية دينية، فإن حوزة قم تضم أكثر من (150) مركز تبليغ وبحوث ودراسات وتحقيق ونشر وطباعة، و حوالي (50) مجلة علمية تخصصية، وعشرات المكتبات العامة، وأكثر من (20) مركز بحثي وتحقيقي كمبيوتري، وعدد من المؤسسات الخدمية والمالية والخيرية.

زعماء الشيعة الدينيين:

يمكن القول أن 80 بالمائة من شيعة العراق وإيران وبلدان الخليج العربي ولبنان وسوريا والهند وباكستان وأفغانستان وأذربيجان وروسيا وبلدان شرق آسيا ونيجيريا ومصر وباقي بلدان أفريقيا وأروبا والأميركتين، يقلدون السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي. أما إل 20 بالمائة الباقين من الشيعة المقلدين؛ فإنهم يرجعون بالتقليد إلى المراجع الآخرين، سواء مراجع الصف الثاني أو الثالث أو الرابع، ولعل أغلب المسلمين والمتشیعین الجدد، ولا سيما في شرق آسيا و أفريقيا وأروبا، يرجعون بالتقليد أيضاً إلى السید علي الخامنئي والسید علي السيستاني، وهما المرجعان الأنشط تبليغاً خارج المساحات التقليدية للشيعة.

مراجع الصف الأول:

1- السيد علي الحسیني السيستاني: المرجع الديني الأعلى على مستوى العراق وكثير من المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، وهو إيراني من مدينة مشهد، وتعود أصوله إلى أسرة مهاجرة من العراق، ويقيم في النجف الاشرف منذ أكثر من (60) عاماً، و هو وريث مدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، وقد تفرّد بالمرجعية النجفية العليا في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي، وتحديداً بعد رحيل مراجع النجف الكبار: السيد الخوئي والسيد عبد الأعلى السبزواري والشيخ علي الغروي والشيخ مرتضى البروجردي والسيد محمد الصدر والسيد حسین بحر العلوم.

2- السيد علي الحسیني الخامنئي: المرجع الديني الأعلى على مستوى إيران وكثير من المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، وهو إيراني مقيم في طهران منذ حوالي (40) عاماً، وتعود جذوره إلى أسرة عراقية هاجرت إلى مدينة خامنه الإيرانية، وهو وريث مدرسة الإمام الخميني وحوزة قم. وقد برزت مرجعيته في عقد التسعينات من القرن الماضي، ولا سيما بعد رحيل مراجع قم الكبار: السيد محمد رضا الگلپايگاني والشيخ محمد علي ألأراكي والشيخ فاضل اللنكراني والشيخ جواد التبريزي والشيخ محمد تقي بهجت.

مراجع الصف الثاني:

1- السيد محمد سعيد الطبطبائي الحكيم، عراقي يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة السيد محسن الحكيم وحوزة النجف.

2- الشيخ محمد إسحق الفياض، أفغاني يقيم في النجف، وهو امتداد مدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.

3- الشيخ بشير النجفي، باكستاني يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.

4- الشيخ حسين الوحيد الخراساني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.

5- الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم.

6- السيد كاظم الحسیني الحائري، عراقي من أصل إيراني يقيم في قم، وهو امتداد مدرسة السید الشهيد محمد باقر الصدر وحوزة النجف.

7- السيد موسى الشبيري الزنجاني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم.

8- الشيخ لطف الله الصافي الگلپايگاني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم.

مراجع الصف الثالث:

1- السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.

2- الشيخ حسين النوري الهمداني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخمیني وحوزة قم.

3- السيد صادق الحسیني الشيرازي، عراقي من أصل إيراني، يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة شقيقه السید محمد الشیرازي وحوزة کكربلاء.

4- الشيخ جعفر السبحاني، إيراني يقيم في قم، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم.

5- السيد علاء الدين الموسوي الغريفي، عراقي يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف.

6- الشيخ محمد اليعقوبي، عراقي يقيم في النجف، يمثل امتداداً لمدرسة السید الشهيد محمد الصدر وحوزة النجف.

مراجع الصف الرابع:

بيد أن هناك من الشیعة من لا زال بناءً علی فتوى أحد المراجع الأحياء باقیاً علی تقليد المراجع الراحلين، كالإمام الخميني والإمام الخوئي والسید محمد صادق الصدر والسید محمد رضا الگلپايگاني والسید محمد حسین فضل الله والشیخ محمد تقي بهجت و السید الشهيد الأول محمد باقر الصدر (وهو أقدم مرجع ديني لا زال هناك من یقلده).

سابعاً: الحكم الشيعي – التوافقي في العراق 2003- 2023م

لقد كان العراق يعرف بأنه بلد شيعي، وكذلك اليوم هو بلد شيعي في الوقت الحاضر. وإليك التقسيم الآتي على حسب كثرة الشيعة في المحافظات كما يطلق عليها اليوم وهو كما يلي:

: مناطق العتبات المقدسة

أ: محافظة النجف الأشرف.

ب: محافظة كربلاء المقدسة.

ج: مدينة الكاظمية في العاصمة بغداد .

د-: مدينة سامراء في محافظة صلاح الدين .

إن الأغلبية السكانية لهذه المناطق هم من الشيعة، وإذا وجد فيها البعض من المذاهب الأخرى أو الأديان، فهو نادر أو قليل جداً خاصة في كربلاء والنجف.

2: المناطق الجنوبية

أ: محافظة البصرة.

ب: محافظة ميسان .

ج: محافظة الناصرية.

فهذه المناطق كسابقاتها من مناطق العتبات المقدسة نسبة الشيعة فيها حوالي 9. 99%

3: العاصمة بغداد

والتي تعتبر عاصمة الدولة العراقية في الوقت الحاضر، والأغلبية فيها على المذهب الشيعي، ويشكل الشيعة فيها حوالي 75% تقريباً، وفي بعض المناطق فيها يشكل الشيعة 9. 99% من سكانها مثل: مدينة الكاظمية والثورة (مدينة الصدر) والكرخ والبياع وغيرها

فالمناطق الشيعية فيها ذات كثافة سكانية عالية و لا توجد منطقة في بغداد لا يوجد فيها شيعة بنسبة كثيرة، و اغلب مناطق بغداد شيعية و بعضها مختلطة باستثناء مدينة الاعظمية وبعض المناطق السنية الصغيرة في جانب الكرخ، و اغلب سنة بغداد يتركزون في اطرافها وهي مناطق قليلة جدا بالكثافة السكانية قياسا بمركزها، ويشكلون نسبة 20-25% من عدد سكانها في الوقت الحاضر.

لكن بكل الاحوال اصبح الشيعة الاغلبية الساحقة في بغداد في بداية الستينات من القرن العشرين مع الهجرات الجماعية من الارياف الى المدن، وبعد التغيير عام/2003م.

4: بعض المحافظات الوسطى

مثل: الكوت والحلة والديوانية يمثل الشيعة فيها 99% من نسبة السكان تقريباً، والبعض الآخر مثل السماوة، يشكل الشيعة 90% أما محافظة ديالى فنسبة الشيعة فيها 85%، أما الرمادي وتكريت فالأغلبية فيها سنية، ويوجد الشيعة أيضاً في هاتين المحافظتين بأعداد واضحة.

5: المحافظات الشمالية

أربيل والسليمانية ودهوك والأغلبية فيها للمذهب السني كما ينقل، وأيضاً يوجد الشيعة فيها بأعداد كبيرة، أما في كركوك والموصل فالشيعة فيها حوالي 40% تقريباً.

وهذه الأرقام والنسب التي ذكرت هي للدلالة وكلها أرقام تقريبية، أما النسبة المتفق عليها والتي هي القدر المتيقن كما يراها البعض فهي أن 85% من سكان العراق من أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) و12% بقية المذاهب السنية الأربعة، و3% بقية الطوائف والأديان الأخرى. ولكن ورغم هذه النسبة، وما يمثله الشيعة من أكثرية في سكان العراق، إلا أنهم خارج المناصب العليا في الدولة، وأصبحت المناصب والحقائب الإدارية وزمام القوة هي بيد الأقلية في بالبلاد، رغم أن جميع القوانين والأنظمة الإلهية بل حتى الوضعية منها تعطي الحق لمن يمثل الأكثرية في إدارة شؤون البلاد. (15)

اما بالنسبة لمحافظة ديالى فالشيعة لا يقلون بها عن النصف ان لم يكونوا اكثر، فقط في قضاء الخالص الشيعي عدد سكانه حوالي ٤٠٠ الف نسمة، و غيرها من مناطق شيعية كثيرة في ديالى بل حتى مركز ديالى بعقوبة اذا حسبنا بعقوبة و النواحي الشيعية التابعة لها، تكون نسبة الشيعة حوالي نصف سكان قضاء بعقوبة خصوصا ان فقط ٢٠٪ من سكان ديالى هم الأكراد الفيلية الشيعة.

اما بالنسبة لمحافظة صلاح الدين فالشيعة لا يقلون عن ٢٠٪و يشكلون اغلبية في اقضية الدجيل و بلد و طوزخورماتو .

اما بالنسبة لمحافظة نينوى يشكل الشيعة مع باقي الاقليات كالمسيحيين و الأيزيديين ما لا يقل عن ٣٥٪ .

من هم الشيعة ؟:-

الشيعة الإمامية الاثنا عشرية: هم تلك الفرقة من المسلمين الذين يقولون أن عليًا هو الأحق في وراثة الخلافة دون الشيخين وعثمان، وقد أطلق عليهم الإمامية لأنهم جعلوا من الإمامة القضية الأساسية في فكرهم الديني، وسُمُّوا بالاثني عشرية لأنهم قالوا باثني عشر إمامًا بعد النبي (ص) دخل آخرهم السرداب بمدينة سامراء وغاب فيه.

عاش الشيعة في عهد حكم صدام حسين المجيد (1979- 2003) م محنة كبرى لا تقل عن سائر المحن التي مروا بها، وسجل التاريخ من جرائم طاغية بغداد وأعوانه بحق الشيعة ما لا يقل عن جرائم أسلافه أمثال (معاوية ويزيد والحجاج والمنصور وغيرهم) .

بدءاً بالتهجير الى أيران على وجبتين الأولى سنة 1970 والثانية سنة 1980، ثم منعه المواكب الحسينية والكتاب الشيعي في المكتبات العامة ودور النشر، وتتبعه للمؤمنين والعلماء سجناً وقتلا، ثم تصفية رجالات ومؤسسات الشيعة بما يضيق به من مجلدات لاستيعابه وبيانه.

وقد كشفت القبور الجماعية عن غيض من فيض من المعاناة التي عاناها الشيعة في العراق حين سجنوا وحرقوا وذوبوا في أحواض التيزاب، وحين أرُّعبت نساؤهم وأطفالهم، وحين اصطبغت الأرض بدمائهم، بسبب مشروعهم السياسي الحديث الذي عبر عنه الشهيد السيد (محمد باقر الصدر1935-1980) في كتاباته وبحوثه ومحاضراته، أعقبه الشهيد السيد (محمد صادق الصدر1943- 1999) في نهضته الجديدة حينما فَعل صلاة الجمعة شيعياً في العراق لأول مرة.

الشيعة والأغلبية النيابية:

بعد سقوط نظام البعث في نيسان /2003م ظل شيعة العراق يملكون الأغلبية النيابية المرجحة في البرلمانات الأربعة التي شكلت بعد غزو العراق من قبل قوات التحالف الدولي عام/ 2003، وتمكين الأميركيين لهم بأن يحكموا البلاد وفق الأغلبية العددية التي تصل إلى ما يقرب من 60 في المئة من عموم المجتمع العراقي، بأكثر من 180 نائباً.

وفي البرلمان، توافقوا على أن تكون السلطة التنفيذية بيدهم، أي رئاسة الوزراء الذي يتولى القائد العام للقوات المسلحة، من خلال نظام محاصصي بين المكونات الثلاثة الرئيسة (شيعة، سنة، كرد)، إضافة إلى أقليات أثنية لا تتخطى 10 مقاعد في أحسن الأحوال، موزعة على المسيحيين والتركمان والصابئة واليزيدية والشبك، الذين خصصت لهم مقاعد بحسب نسبة أعدادهم.

التوافقية الشيعية وديكتاتورية القرار:

لكن التوافقية التي حكمت شيعة العراق ومكنتهم من الاستمرار طوال 23 عاماً حتى الأن، لم تستمر جراء الخلافات المتراكمة التي نتجت من سوء الإدارة وفوضوية الحكم واستغلال مزاياه بمنافع شخصية وحزبية، وكذلك الإثراء الذي ساد حين تحول أعوان النظام إلى أمراء حرب وسياسة، إذ استأثروا بالسلطة والمال العام وحولوا الشعب إلى مجاميع من الفقراء المعدمين، تعتاش الأغلبية منه على نظام الرعاية الاجتماعية.

إضافة إلى تفرد الإدارات التي تزعمها حكم حزب الدعوة الإسلامي لثلاث دورات وتوليه رابعة لإسلاميي المجلس الأعلى المتمثل بعادل عبد المهدي الذي أخرجته الجماهير المنتفضة في أكتوبر (تشرين الأول) العام /2019، إثر تظاهرات راح ضحيتها المئات، طالبت بحكومة تصريف أعمال مهمتها إجراء انتخابات مبكرة حدثت في أبريل (نيسان).

انتخابات عام/2021 أسقطت محاولات التزوير:

ظنت الإدارات السياسية التي يتولاها الإسلام السياسي الذي لديه أجنحة عسكرية أن يتكرر الدور ذاته في انتخابات 2018 و2021 علهم يحصدون مقاعد أكثر، لكنهم جوبهوا بصرامة الإجراءات التي طبقت في الانتخابات الأخيرة، إذ ضيقت نسب التزوير والتدخل بنظام انتخابي جديد فردي يحول دون تدخل رؤساء الكتل.

وكانت النتيجة فوز غريمهم - التيار الصدري - بالأغلبية الانتخابية التي وصلت إلى 75 مقعداً، في حين جاء خصومهم الشيعة بالمرتبة الثالثة ب 34 لدولة القانون التي يقودها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتفوق عليهم تكتل عزم السني ب 38 مقعداً، مع عقدة جديدة تحول دون انتقال الأعضاء إلى أية كتلة إلا بعد تشكيل الحكومة، فحال ذلك دون جمعهم الأصوات من المستقلين أو شرائها، ورجح أن تكون الكتلة الصدرية هي الأكبر لتشكيل الحكومة، مع إصرار زعيمها مقتدى الصدر على عدم الاتفاق مع الشيعة الولائيين وعدم التخندق والتوافق معهم لتشكيل الحكومة للمرة الأولى في المشهد الشيعي الذي اعتاد التحالف الانتخابي.

وعلى الرغم من استقالتهم على الرجوع إلى عرف درجوا عليه يسمى "الأصوات بسلة واحدة"، بحسب التقسيم العرضي (شيعة، سنة، كرد)، فإن المياه جرت من جسور جديدة من تحتهم، ووجدوا أنفسهم وحيدين وبضعة أتباع يغادرون الجلسة الأولى محطمين الآمال، بعدما حاولوا قلب المعادلة ضد غريمهم القوي مقتدى الصدر الذي يتمتع بقاعدة شعبية واسعة وقوية ومنضبطة، وصار يملك الشارع الشيعي ويتمثل آماله بحكومة أغلبية وطنية وصفها بأنها "لا شرقية توالي إيران ولا غربية توالي أميركا"، بل حكومة عراقية جاءت باستحقاق نيابي.

مأزق جديد للشيعة الولائيين:

أدخل هذا الوضع شيعة العراق في مأزق جديد للمرة الأولى بين مرجعيتين عراقيتين، واحدة تتبع النجف وأخرى ولائية تتبع المرشد الأعلى في إيران، وقد رأى بعض المطلعين الشيعة حدوث انقسام شيعي خطر بين النخب الشيعية يرتد إلى المكون نفسه، بحسب الباحث حيدر الموسوي مدير مركز القرار، وهو منظمة شيعية التوجه.

يقول الموسوي، "إنه انقسام كبير لم تمر به الطائفة الشيعية في العراق، لا في تاريخها الحديث ولا القديم، وحدة الشيعة كانت أقوى بكثير من كل المكونات الاجتماعية الأخرى، بل كانت أقوى حينما كانوا من دون سلطة ويعيشون الحرمان والمظلومية، لكن ما إن وصلت مقاليد الأمور إليهم حتى بدأ كل واحد منهم يحاول إقصاء الآخر وتهميشه".

وكانت مظلومية الشيعية والتلويح بها تميمة تضعها المرجعيات الدينية والسياسية في وجه أي نظام بديل، وتطالب باستحقاقات عن تلك المظلومية التي تصل في تاريخها إلى 1400 سنة في الموروث السياسي الشيعي، الذي بنى استراتيجيته على حقوق تاريخية معقدة الفهم للجمهور الشيعي المعاصر وصعوبة التحقق، لأنها باتت موغلة في الزمن في وقت تغير الناس وتنورت آفاقهم نحو النظم الديمقراطية التي تطالب بحياة وعيش أفضل وأكثر أمناً، تتوافق مع المجتمع الدولي وقيم الحرية والعدالة والانعتاق والديمقراطية.

متغيرات جديدة وآفاق أرحب:

في السلطة والحكم غير أن تكون في المعارضة، تجاهر من أجل رفع المظلومية التي تجد صداها لدى العامة، إذ إن تولي إدارة الدولة يجعل الجمهور يطالب بتوفير مستلزمات العيش أولاً والحياة الكريمة، ويكون شريكاً في معرفة سُبل توزيع المال العام ومعرفة منافذ صرفه، لكن تراكم الفساد والخلافات في الإدارات العراقية التي تولاها الشيعة لخمس حكومات متعاقبة من دون حلول ناجعة وسماع خطاب لا يقدم خبزاً وكرامة للعامة، أدى إلى الاحتجاجات والفوضى في البلاد والقتال في الشوارع وحرق القنصليات، ولاغتيالات المتبادلة .

الحلبوسي رئيسا للبرلمان العراقي في جلسة تخللتها مشادات وفوضى:

لقد أدمن الشعب التظاهر والاعتراض على ما يحدث من تدليس ووعود زائفة، وإدراك عياني من مدنهم ذات الأغلبية الشيعية المحطمة، بل الغارقة في الوحل والمدارس الطينية، وانعدام الخدمات والمشاريع الوهمية للسلطة التي تلوح بالملفات مع خصومها، ولا تريد أن تحل قضية فساد واحدة وتلجأ للتزوير وشراء الذمم أثناء الانتخابات، وتجلس في قصور الظلمة .

إن ما يحدث في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ شيعة العراق أمر جاء نتيجة خلافات شخصية وفشل حقيقي في الأداء السياسي وإهمال الجمهور الشيعي، بخاصة في الوسط والجنوب، فالمواطن الشيعي في تركيبته السيكولوجية علماني متدين، ولكن لم تتمكن القوى التقليدية الشيعية من احتواء الشارع بعد الحراك الاحتجاجي، وتحول هذا الاضطراب إلى فوضى وجرى استثماره من قبل الفاعل الخارجي.

تراكم الخلافات منذ حملة "صولة الفرسان":

كل هذه الأوضاع تحولت إلى نزاع داخل البيت الشيعي الذي لم يكن يوماً موحداً إلا خلال مجابهة الديكتاتوريات يوم كانوا خارج السلطة ملاحقين، وحين كانوا محتمين في أقبية المعارضة خارج العراق .

غير أن السلطة أخرجت تلك القناعات والموروث إلى السطح، فكانت جولات في الصدام مع (الأخوة الأعداء) أيام (صولة الفرسان) في البصرة التي شنها رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب الدعوة الإسلامي الشيعي نوري المالكي في مارس (آذار) 2008 على ميليشيا جيش المهدي التابعة للصدر، واعتقل المئات من أفرادها وقتل العشرات، وعدت هذه أول حرب شيعية - شيعية لم تهدأ جمرتها بقلوب الصدريين حتى الساعة، لأن كثيراً منهم نفوا وسجنوا وصدرت في حقهم أحكام قضائية.

الخلاف الشيعي - الشيعي استمر حين ظل الصدريون يساندون غالبية الاحتجاجات الشعبية، ووفروا الحماية والدعم اللوجيستي - في كثير من الأحيان- للمتظاهرين في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، وباقي الساحات في الجنوب العراقي .

كان الصدريون الوجه الآخر للمعارضة ضد الحكومات الشيعية، لهم السطوة في الشارع كمجموعة منظمة تملك القدرة على المجابهة، ويدرك الآخرون من أعوان السلطة والحكم بأن دخول الصدريين والطلبة إلى الساحات العامة يشكل أزمة كبيرة للنظام العام الشيعي ولأي حكومة.

من جهة أخرى، فإن تراجع حظوظ أعضاء الإطار التنسيقي جاء على خلفية متغير تضارب المواقف واختلافات الرؤية بين الحرس الثوري الذي كان ممسكاً بالملف العراقي خلال فترة الجنرال قاسم سليماني، وبين وزارة الاستخبارات والأمن الوطني (الاطلاعات) بحسب مصادر عليمة أكدت أن تغيراً إيرانياً في الأداء إزاء إشكالات الملف العراقي برمته كونه ورقة تفاوض، والإمساك بالملف العراقي من دون الغرق في التفاصيل والترجيحات، مع التعامل بواقعية مع نتائج الانتخابات والتعامل مع معطياتها بمهنية من خلال رسائل التهنئة التي قدمها رئيس البرلمان الإيراني للرئيس محمد الحلبوسي حال إعلان انتخابه، وأن الإيرانيين ما عادوا يتدخلون في تغيير معادلة نتائج الانتخابات حتى لو خسر حلفاؤهم من الشيعة.

لعله انقلاب أبيض أحدثه السيد - مقتدى الصدر- في البيت الشيعي العراقي ستظهر نتائجه بعد تشكيل الحكومة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، ويُرجح بأن يكتشف أصحاب الإطار التنسيقي أن كثيراً من أتباعهم قفزوا من سفينة نوري المالكي التي تأخرت كثيراً في الرسو في ميناء السلطة، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع فوز إياد علاوي العام /2010، لكن لم يمنح أفضلية تشكيل الحكومة وسرعان ما تقافز حلفاؤه في ذلك البرلمان نحو سفينة المالكي التي رست عند شواطئ تشكيل الحكومة. (16)

التجربة المرة:

كانت تجربة الشيعة في الحكم بعد عام / 2003 في العراق غير موفقة، بل كارثة كبرى، اذ انها جلبت او جرت المذهب الجعفري والشيعة الى المشاركة والمنافسة في السياسة وادارة الدولة، فظهرت كل العيوب والمساوئ والانحرافات او الاشكالات العقائدية او المذهبية عبر الفساد والفشل والاخفاق والنهب المنظم لثروات الشعب وظلم فقراء الشعب وسحقهم (كما فشلت حركة اخوان المسلمين والوهابية في الخليج)، ولازلنا نؤكد على ان اسلوب السيد محمد صادق الصدر (رحمه الله) في فتح حوزته، ومسجد الكوفة لعوام الناس، او ما يطلق عليهم اليوم اتباع التيار الصدري، كانت تجربة مريرة، لا تختلف كثيرا عن تجربة الامام علي ع او الامام الحسن والحسين ع مع شيعة الكوفة، مع انها انتجت الصفوة او الثلة المخلصة، ولكنها انتجت ايضا القاعدة الجماهيرية المتناقضة والمتباينة في تدينها او ايمانها، فالجاه والسلطة صنعت الظاهرة القارونية في البلاد، مع انها اكثر توحشا وتجاوزا ونهبا من قارون نفسه.

كان الناس من مختلف الاديان والطوائف تلوذ بالمراجع ورجال الدين الشيعة، اليوم بات يردد الشيعة والشعب "بأسم الدين باكونه اي سرقونا الحرامية"، يكرهون سيرة او ذكر اسم رجل الدين او اي زعيم او تيار سياسي اسلامي شيعي او سني، في مرحلة تاريخية مصيرية، وضعت الدين والمذاهب والحركات الاسلامية على طريق المواجهة الشاملة مع الحضارة الالكترونية – الفضائية.

كان الناس يعتقدون ان رجل الدين او الاسلامي الحركي صاحب كتاب الحلال والحرام والخطوط الحمر، لا يمكنه ان يسرق دينارا او سنتا واحدا، او حتى يكذب او يكون منافقا وانتهازيا، لان زحمة ضخ الصور الدينية والاحاديث الصحيحة والملفقة عن نزاهة الصحابة او السلف الصالح، والاتباع والخلفاء والولاة، جعلت من تلك الاكاذيب حقائق راسخة بالوجدان الشعبي للمسلمين، لكنها سقطت مع اول تجربة جلبت الويل والفساد والارهاب والفوضى للمجتمعات، الفساد الذي لم يستثني مجالا معينا، بما فيها مجالات قوت الناس وادويتهم واحتياجاتهم الاساسية (كما حصل من نهب للبطاقة التموينية واموال مخيمات النزوح، والادوية ومشاريع بناء المستشفيات والمدارس وتعبيد الطرق، وبقية الخدمات الضرورية لحياة وبيئة امنة خالية من الاوبئة والامراض) .

بعد ان مرت الشعوب العربية المسلمة (السنية والشيعية) بتجارب الحكم الديني الطائفي الفاشلة، التي لم تخلف غير الفساد والمعاناة والجهل والتخلف والارهاب، صار لزاما ان تفكر هذه الشعوب بصناعة دولة الامة الموحدة خلف الفكر والثقافة السياسية التنموية، التي بدورها ستكون قادرة على ان تنتشل ابناء تلك المجتمعات المحطمة بسبب البطالة والفراغ، وانتشار الجريمة والمخدرات، او حالات الاحباط واليأس، الى واقع التنافس والسباق الدولي نحو بناء دولة التطور والازدهار والتكنولوجيا، لا سبيل للنجاة او الخروج من هذه المأساة، الا بالوحدة الاجتماعية والالتفاف حول النخب المثقفة والمفكرة، تلك التي لا يمكنها ان تنظر الى الحياة على انها وسيلة لاغتنام الفرص، انما الى حياة العمل والصناعة والانتاج والتقدم العلمي، الذي سيجلب السعادة والامل والرفاهية والامن والاستقرار كما حصل في اوربا الحديثة، بعد معاناتها الطويلة مع حكومات القرون الوسطى، فالتطور الاخلاقي والعلمي والابداع الانساني جاء بإرادة الله عز وجل، وليس عبر بوابة الكنيسة او المسجد او الحسينية او فتاوى الفقهاء او المذاهب والفرق.

الاسلام اوسع من ان يختزل بحوزة او معهد ديني او رجل دين او حركة اسلامية، هو يمثل اهم قاعدة الهية متينة لبناء المجتمعات الانسانية على اسس ومنطق علمي عقلاني رصين، لا يمكنه ان يتجرد عن اسرار واكتشافات هذا الكون الواسع. (17)

*** 

شاكر عبد موسى

...........................

المصادر:

1 - التاريخ الإسلامي لستيفن همفريز: وهو مؤرخ أمريكي حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ميشيغان عام 1969 وبروفيسور في جامعة كاليفورنيا وهو متخصص في تاريخ جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا.

2 البداية والنهاية ج 11

3 يتيمة الدهر ج 1 ص 37

4 إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ج 1 ص 263

5- العلويون أو النصيرية / عبد الحسين مهدي العسكري/ 1980

جذور حركة القرامطة / عبد المنعم عزيز النصر/ مطبعة أسعد – بغداد / 1986

7 تاريخ الحكماء

8 معجم البلدان

9 تاريخ ابن كثير / حوادث سنة (507 هـ)

10 أعيان الشيعة

11 نهر الذهب في تاريخ حلب

12 مجالس المؤمنين

13 خطط الشام

14 الأزهر في ألف عام

15- الغيبة / محمد أمين غالب الطويل / مطبعة النعمان في مدينة النجف 1385ه.

16 الفصل في الملل والاهواء والنحل / طبعة الخانجي / القاهرة 1321ه

17 الدولة الحمدانية ج 1 ص 3

18 سيف الدولة وعصر الحمدانيين

19 أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم

20 أخبار الشجعان

21 الفتوح العربية الكبرى

22- الأخبار الطوال: الدينوري ص334.

23- الفخري: ص115 وما بعدها.

24- مقاتل الطالبيين: الأصفهاني ص487-488 .

25- موسوعة المعارف الإسلامية: العلامة حسن الأمين ج1.

خرافات الحشاشين وأساطير الإسماعيليين/فرهاد دفتري/ص 36 - 39

بوابة الحرمين الشريفين - القرامطة وهجومهم على مكة في القرن الرابع الهجرينسخة محفوظة فبراير 2018 على موقع واي باك مشين.

موقع مركز سيد الشهداء عليه السلام للبحوث الإسلامية / 26 سبتمبر 2012.

السيد محمد الشيرازي / كراسة الشيعة والحكم في العراق/ طبعة 2002م.

صباح ناهي/ كيف تهاوى البيت الشيعي في العراق ؟ / موقع INGEPENDET عربية/ 13 يناير 2022. 33- 33- مهدي الصافي / التجربة السياسية الشيعية في العراق/ صحيفة المثقف الصادرة في أستراليا العدد5259 في 28 كانون الثاني 2021.

موقع سلسلة_مشروع_نهضة_الأمة. https://www.facebook.com/profile.php?id

(1) كتاب دوامات التدين / الدكتور يوسف زيدان- مصر

(2) المعز لدين الله، المعز أبو تميم معدّ بن منصور، رابع الخلفاء الفاطميين في إفريقية (تونس حالياً) وأول الخلفاء الفاطميين في مصر. والإمام الرابع عشر من أئمة الإسماعيلية حكم من 953 حتى 975. وقد أرسل أكفأ قادة جيشه وهو (جوهر الصقلي) للاستيلاء على مصر من العباسيين فدخلها وأسس - مدينة القاهرة - بالقرب من الفسطاط، والتي تعتبر أول عاصمة للعرب في مصر.

(3) معمر القذافي: كان سياسيًا وثوريًا ليبيًا حكم ليبيا لأكثر من 42 سنة كرئيس مجلس قيادة الثورة في الجمهورية العربية الليبية 1969 - 1977وظل رئيسًا لمجلس قيادة الثورة حتى عام 1977، عندما تنحى رسميًا من رئاسة مجلس قيادة الثورة ونصب نفسه «قائدًا للثورة». في عام 2008 عقد اجتماعًا لزعماء أفريقيا ومنح لقب «ملك ملوك أفريقيا» ومدافعًا رئيسيًا عن الولايات المتحدة الأفريقية، وشغل منصب رئيس الاتحاد الأفريقي في الفترة من 2 فبراير 2009 إلى 31 يناير 2010..

(4)هو إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أمه فاطمة بنت الحسين الاَثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ولد في المدينة المنورة عام 110 ھ وتوفي في سنة 138 ھ قبل أبيه جعفر الصادق في العريض، وكان أكبر إخوته وكان أبوه شديد المحبة له والبر به والاِشفاق عليه. عند موته حُمل على رقاب الرجال إلى أبيه في المدينة حتى دفن في البقيع، بينما يعتقد الإسماعيلية أنّه لم يمت في حياة أبيه، بل بعد وفاة أبيه بسنين عدة.

(5) حمدان بن حمدون بن حارث التغلبي (. (868–895 كان زعيم قبيلة تغلب في الجزيرة الفراتية، وبطريرك السلالة الحمدانية الذي قاوم، بجانب مشايخ العرب الآخرين في المنطقة، محاولات إعادة فرض السيطرة العباسية على الجزيرة في الثمانينات الهجرية، وانضم إلى تمرد الخوارج. لقد هُزِم أخيرًا وأسره الخليفة المعتضد بالله في عام 895م، لكن تم إطلاق سراحه لاحقًا كمكافأة على خدمات متميزة من ابنه الحسين إلى الخليفة.

(6)عز الدولة: هو بختيار بن معز الدولة البويهي ثاني حكام البويهيين في العراق، ولد سنة (331ه)، تولى الحكم بعد وفاة ابيه معز الدولة سنة 356 للهجرة وكان في الخامسة والعشرين من عمره وذلك في عهد الخليفة المطيع لله العباسي وهي الفترة التي هيمن فيها البويهيون على السلطات الفعلية للخلفاء الذين جُردوا من أي صلاحيات مستقلة، استمر حكم عز الدولة البويهي حتى مقتله عام 367 للهجرة على يد ابن عمه عضد الدولة.

(7) أبو شجاع فنا خسرو بن ركن الدولة (937 - 983) م ثاني ملوك بني بويه. حكم من 951 - 983 م، برز عضد الدولة بعد وفاة عمه عماد الدولة، حيث خلفه في حكم أصفهان وشيراز وبلاد الكرج، وتطلعت طموحاته إلى الاستيلاء على العراق التي كانت تحت يد ابن عمه بختيار بن معز الدولة، لكنها كانت تصطدم بيقظة أبيه ركن الدولة الراغب في أن يعم السلام أسرة بني بويه، فلما توفي في سنة (36ه = 9769) آلت رئاسة البيت البويهي إلى ابنه عضد الدولة، وانفتح الباب أمامه لانتزاع العراق من ابن عمه بختيار، فزحف إليه، واشتعلت بينهما عدة معارك انتهت لصالح عضد الدولة، وتمكن من القبض على بختيار وقتله في سنة (367ه = 978م)، واستولى على ما تحت يديه، واستقر في بغداد، وأصبحت عاصمة الخلافة عاصمة لبني بويه، وخُطب له على منابرها إلى جانب الخليفة العباسي.

(8) سلسلة_مشروع_نهضة_الأمة.

(9) لفظ التركمان يعني التركي المؤمن فهو مشتق من الكلمتين تورك وإيمان، وأطلق على المسلمين الأوائل من أتراك الاوغوز- الغز- في تركستان، عن وداد فاخر، شيعة العراق والتشيع والصفويون، صحيفة المثقف، العدد 4774 الصادر في ا/ 10/2019. http://mail.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=14552&catid=213

(10) الطريقة هنا تعني نوعاً من أنواع الذكر، مارستها الصوفية وذلك في الدوران حول النفس والتأمل الذي يقوم به من يسمون دراويش بهدف الوصول إلى مرحلة الكمال.

(11) القزلباش بالتركية هي Kızılbaş) وبالعثمانية التركية تعني ذو الرؤوس الحمراء، وهي مجموعة من الجنود الشيعة الذين عينتهم الدولة الصفوية في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وقد كان يقصد بها السنة العثمانيون كاسم ساخر، ولكن لاحقاً أخذت كعلامة شجاعة من قِبَل الصفويين.

(12) د. علي شريعتي مفكر إيراني إسلامي شيعي مشهور ويعتبر ملهم الثورة الإسلامية. اسمه الكامل علي محمد تقي شريعتي مزيناني. ولد قرب مدينة سبزوار في خراسان عام 1933، وتخرج من كلية الآداب، ليُرشح لبعثة لفرنسا عام 1959 لدراسة علم الأديان وعلم الاجتماع ليحصل على شهادتي دكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع. سمح لشريعتي ان يغادر إيران إلى لندن في عام1977، ووجد مقتولاً في شقته بعد ثلاثه أسابيع من وصوله إليها، إلا ان تقرير مستشفى ساوثهامبتون قد ذكر أن سبب الوفاة هو نوبه قلبية، قتل قبل الثورة الإيرانية بعامين عن عمر 43 سنة، وكان الرأي السائد أن ذلك تم على يد مخابرات الشاه، وقد دفن الدكتور علي شريعتي في مقام السيدة زينب في دمشق .

(13) السفراء الأربعة هم عثمان بن سعيد العَمْري الأسدي وابنه محمد بن عثمان بن سعيد العَمْري الأسدي والحسين بن روح النوبختي وعلي بن محمد السَّمَري.

(14) ينسب كتاب الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، وكتابا التهذيب والاستبصار للطوسي.

(15) السيد محمد الشيرازي / كراسة الشيعة والحكم في العراق/ طبعة 2002م

(16) صباح ناهي/ كيف تهاوى البيت الشيعي في العراق ؟ / موقع INGEPENDET عربية/ 13 يناير 2022.

(17) مهدي الصافي / التجربة السياسية الشيعية في العراق/ صحيفة المثقف الصادرة في أستراليا العدد5259 في 28 كانون الثاني 2021.

 

في المثقف اليوم