تكريمات

المثقف في حوار مفتوح مع ا. د. عبد الرضا علي (4)

س36: رشا فاضل: قاصة واعلامية / العراق: د. عبد الرضا علي ثمة اتهامات للكاتب العراقي بأنه يغرد خارج السرب وغالبا مايتردد هذا القول حين يكتب احدهم عن احتفائه بأمسية فنية أو شعرية أو معرض فني؟

ج 36- نحن بحاجة أكيدة إلى تلك التغطيات، فلولا تغطية الكتّاب لها لما عرفنا شيئاً عن تلك الاحتفاءات، أو الأماسي الشعريّة، أوالمعارض الفنيّة، ويبدو أنّ تلك الاتهامات لا تمتّ ُ إلى الحريصين على معرفة ما يدور في الفضاء الثقافي العراقي، أو العربي بصلة، ثمّ إن لم يقم الكتّاب والإعلاميّون بتغطيتها، فلمن ستوكل هذه المهمّة؟

إنّ من يثير هذه الاتهامات يسعى إلى خلق معارك جانبيّة مع كتّاب التغطيات من أجل إيهام الآخرين أنه معنيّ ٌ بما يجب أن يُغطى، أو يُحجب، وكأنه الرقيب عليهم، وما درى أنّ مرحلة الرقابة قد انتهت.

س37: رشا فاضل: هل يؤمن د. عبد الرضا علي بالتصنيف السائد أدباء الداخل والخارج؟ وأين يضعه نفسه في هذا التصنيف؟

ج37 - هذا التصنيف يثيره بعض الذين يعيشون بالداخل، لكونهم عانوا كثيراً أيّام جمهورية الخوف، ، وكتم الأفواه والملاحقة، والحصار الجائر، فضلاً عن معاناتهم بعد سقوط النظام من الإرهاب والمفخّخين، والمليشيات الدمويّة التي كانت تبطشُ بالعراقيين ليل نهار، إلى جانب ظهور الراديكاليين في الوسط الثقافي، وتدخلهم السيئ في شؤون الفكر والثقافة والفن، وتزمّتهم في ما يصدرون عنه من أيدلوجيّات مذهبيّة، أو دينيّة تحرّم ما تكره، وتحلّل ما تحب، لهذا يرى المؤيدون لهذا التصنيف أنّهم يختلفون عمن عاش من الأدباء في الخارج متمتعاً بحرية التعبير والكتابة والعمل والانتماء، دون أي مخيف أو رقيب، سوى الوازع أو الضمير الشخصي.

من هنا لابدّ لنا أن نضع في اعتبارنا خصوصيّة الداخل في الحقبتين، وإن كنّا نرى أنّ الأدب الرصين المدهش وراءه كتّابٌ يقلّلون من أهميّة الفضاء المكاني للمبدع، لأنّ التجربة حين تلح على صاحبها بالظهور لا تستطيع الأمكنة حجبها، أو كبتها تماشياً مع عرف الرقيب السائد، وخير دليل على ما نرى، الكتابات العديدة التي كتبت في السجون، وظهرت بعد حين، وهي ظاهرةٌ قمينةٌ بالدراسة والتحليل ضمن عنوانها الكبير (أدب السجون)

إنّ الناقد الموضوعي حين ينظر للإبداع المنجز لا يقيسه بمنظار الحيّز، أو الفضاء الذي تمّ فيه إنشاء النص، (وإن أخذ بعين اعتباره خصوصيّته) إنّما ينظر إليه وفقاً لما فيه من إضافة، أو جدّة، أو إدهاش.

أمّا سؤالكِ أين أضع نفسي من هذا التصنيف، فلعلّي وفقاً لما سقت لا أميل إلى التصنيف القطعي الحاد بقدر ما أميلُ إلى وحدة الهم الأدبي للعراق الديمقراطي التعدّدي الجديد.

س38:رشا فاضل: في كتابك (الذي أكلت القوافي لسانه وآخرون) اخترت الكتابة عن شخصيات راحلة مثل الرصافي وغيره ماسبب هذا التخصيص؟

ج 38 – أنّ فكرة الكتابة عن هذه الشخصيّات كانت قد ولدت حين اتّفقتُ مع مسؤول الصفحة الثقافيّة لجريدة الثورة الصنعانيّة أن تكون الكتابة عن الشخصيّات الراحلة حصراً، وبررتُ ذلك قائلاً: " لأسباب عديدة، لعلّ أكثرها إقناعاً أنَّ إرضاء الأحياء غاية لا يمكن إدراكها، فضلاً عن أنَّ بعضهم سيرى في تقديم غيره عليه إجحافاً بحقّه، وتقليلاً من شأنه " وحين لاقت هذه المقالات صدى طيّباً من لدن القرّاء، حاولتُ أن أستمرّ في المنهج نفسه بعد انتهاء دورة التكليف التي زادت عن ثلاثة أشهر، فأضفتُ إلى ما كنتُ قد نشرته في الملحق الثقافي شخصيّات أخرى راعيتُ فيها الأسباب عينها، فضممتُها إلى الكتاب، وقدّمته إلى النشر، لأنّني لو كنتُ قد اخترتُ الأحياء لما أرضيتُ نفسي بحكم عدم اكتمال مواقفهم وتجاربهم ممّا يعرّض معياريّة الناقد إلى عدم دقّة الأحكام، ولما أرضيتُ الأحياء أيضاً في إيراد ما عليهم، أو تأخير بعضهم، وتقديم من أراه جديراً بالتقديم.

س39:رشا فاضل: الشعر. زيارتك الأخيرة لبغداد كيف وجدت الحياة .. الشعر ..؟

ج 39- لم ألتق إلّا بقلّة من الشعراء الشباب، لأنَّ زيارتي كانت زيارة عمل، فضلاً عن محدوديّة المدّة، لكنّني مع ذلك زرتُ أكثر من محافظة، وحضرتُ عدّة فعّاليات أدبيّة وثقافيّة وعلميّة، سواء أكان ذلك في مشاركتي في ندوة " ديوان شرق غرب " أم في حضوري جانباً من المؤتمر العلمي لكليّة الفقه بالنجف الأشرف، أم في زيارة جريدة "المدى"

وشارع المتنبّي، واستضافة بعض الفضائيات العراقيّة لي للتحدّث عن تجربتي النقديّة.

ولعلّي كنتُ محظوظاً بلقاء الشعراء:جواد الحطّاب، وعليّ الشلاه، وعليّ وجيه عبّاس، والشاعرتينِ: أمل الجبوري وضحى الحدّاد، وغيرهم وقد وجدتهم يصنعون الحياة بتحدّيهم للشر، ويصوغون الإبداع برفضهم للخوف، ويواجهون الإرهاب والتزمّت بكل شجاعة ورباطة جأش، ويرفضون الاحتلال والتدخّل في الشأن العراقي من أيّة جهة خارجيّة، ويرفضون المحاصصة والطائفيّة، ويدعون إلى حريّة الإبداع بعيداً عن الراديكاليين المتزمّتين .

س40: رشا فاضل: هل يمكن للذائقة الشخصية أن تكون حاضرة في النقد الموضوعي الذي يعتمد المنهجية في عملية النقد؟

ج40- لا يمكن لأحد أن ينكر تدخّل الذائقة الشخصيّة في عمليّة النقد، لكنّ ذلك التدخل يختلف من ناقد إلى آخر، فبعضهم لا يستطيع أن يخفي تدخل ذائقته على القارئ الجيد لحجمها المستفز، بينما لايجعلك آخر تكتشف أين تدخّلت تلك الذائقة، وينبغي علينا ألّا ننكرَ دور الإعجاب بالنص المدهش في تحفيز ذلك التدخّل ليصل درجة الإطناب في المديح، ونسيان ما قد يكون في النص من هنات، ولن يسلم من تدخل الذائقة غير الدراسات الإيقاعيّة، لأنّها قوانين رياضيّة لايستطيع المشتغل فيها مهما كانت قدرة ذائقته الموسيقية أن يقرر خلاف ما اتّفقت عليه قوانين النظم أو الإيقاع.

إنّ النقد الأكاديمي أقرب إلى الموضوعيّة من غيره، لهذا كانت رسائل الماجستير والدكتوراه محاطة بأكثر من مصفى وغربال لتنقيتها من حبائل الانسياق وراء الذائقة المداهنة، أو اللئيمة، فهناك أولاً المشرف الذي يصفي الرسالة ويغربلها أولاً، وهناك المناقشون الذين يهمهم أن تكون الحيدة العلميّة، وموضوعيّة النتائج، والأمانة في النقل هي من أولويات البحث المتّصف بالموضوعيّة.

س41: رشا فاضل: ما السبب وراء عدم مواكبة الحركة النقدية للمنجز الأدبي العربي؟

ج 41 - الكم الهائل من المنجز الإبداعي العربي الذي يتراكم يوميّاً سواء أكان في الشعري أم السردي لا يمكن الإحاطة به قراءةً، فكيف يمكن إخضاعه للتحليل والتفسير والتقويم نقديّاً؟فضلاً عن أنّ النقّاد أنفسهم لهم مشاغلهم الخاصّة التي لا تعينهم على متابعة المُنتج الأدبي كما ينبغي ثمّ أنّ الحصول على هذا المُنتج الهائل ليس سهلاً، لهذا اقتصر عمل النقّاد كما نظن على المتاح منه بعد أن يخضعوا ما يمتلكون منه إلى الغربلة أيضاً، وبهذا فإن هذا المُنتقى سيقع أيضاً في دائرة الذاتية بمفهومها الدقيق. 

س42: رشا فاضل: كيف تنظر إلى ابتعاد الشعراء عن الشكل التقليدي للقصيدة وارتيادهم مقاهي الحداثة المنفلتة من القوالب ؟

ج42 – شغلني الموقف من الحداثة كما شغلك، لأنّ كلّ أمّة لا تؤمن بالتطوّر يحكم عليها بالموت، وإن كان بطيئاً، وقد عبّرتُ عن رأيي هذا أكثر من مرّة، وبثثته في أكثر من كتاب، ورأيتُ وجوب أن يبدأ اللاحق من حيث انتهى السابق، مبتعداً عن التقليد الفج إلى نوع من الإضافة الفاعلة التي تخالف السائد العقيم، وتجترح مغايراً جديداً، ولعلّ من المناسب أن أضمن هنا بض ما ورد في كتابي (أوراق في تلقي النص الإبداعي ونقده) في هذا الشأن حيث ُ قلت ُ : " إنّ محاولة تحديث شعرنا العربي اليوم لم تكن وليدة عصرنا هذا، إنّما كان لها إرهاصات قديمة، دلّت على أنّ العقليّة العربيّة كانت ترفض تكرار السائد والتقليد الأعمى، ووجد من الشعراء قديماً من كان يدعو إلى التجديد، واختراق قوانين النظم، لاسيّما ما كان من أثر شعراء الموشّحات في الأندلس من تجديد دعت إليه الآفاق الجديدة?¹?، فضلاً عمّا قام به بعض شعراء العصر العبّاسي من محاولات الخروج على المألوف، وعدم الانصياع حرفياً لقوانين الشعريّة العربيّة، ولعلّ فيما ذكرته بعض المظان الأدبيّة القديمة من محاولات أبي تمّام في مخالفة شعراء عصره في إيراد البديع المتّشح بالغموض المقصود فنيّاً، ومحاولة أبي نواس في استهجان المقدّمات الطلليّة، ومحاولة أبي العتاهية في الخروج عن الأوزان الخليليّة ما يؤكد ما ألمحنا إليه من رغبة في البحث عن الجديد، وتفعيل حركة الإبداع في حياة الأمّة.ومع أنّ الحداثة موقف فكري، فإنّها تطرح أيضاً تصوّراً جديداً للواقع التاريخي والتراثي، يتمثّل في الدعوة إلى حريّة الإنسان المبدع في التعبير وخلق شروط استلهام التراث وتوظيفه في حركة الإبداع. " يُنظر: ص10- 12 وهامشها.

لكنّ بعض النظّامين قد أساءوا التقدير، فأغرقوا المواقع بالغث من النصوص الفجّة التي أساءت إلى قانون التطوّر باسم حريّة المبدع في البوح، فثمة نصوص هلاميّة لا تستطيع أن تفهم منها شيئاً سوى تسطير الجمل غير المترابطة تباعاً، فيكون الكلام أشبه بالهلوسة، أو الهذيان، ويبدو أنّ بعضاً من هؤلاء يتناول ما يعينه على الهلوسة حين يكتب تلك النصوص، فتبدو فقراتها متباينة في الذي كُتب قبل التناول، والذي كُتب بعده، لذلك خسر الشعر الكثير من هواة قراءته لصالح السرد الجميل، الأمر الذي جعل الناس تزدري هذه الصرعات المدعية بالحداثة، وهي لا تملك منها غير الادعاء بأنّهم يكتبون قصيدة نثر، ليس فيها من الشعر غير هلوسة المدمنين وهذيانهم، ممّا حدا بأدونيس أن يتبرأ من هذه الكتابات، ويتراجع عن دعوته الأولى لها بعد ما أمسى هؤلاء مغرمين بالهذيان.

س 43: رشا فاضل: لايخفى على احد أن الذائقة العربية تمر بمرحلة تدني وتردي، برأيك من يتحمل مسؤولية هذا الانحدار؟

ج43- أول من يتحمل ذلك أصحاب المواقع الالكترونيّة الذين باتوا ينشرون الغث والسمين، فضلاً عن سماح بعضهم لنشر بعض التعليقات الكاذبة المصنوعة في غرف كتّاب النصوص السيئة أنفسهم من أجل الترويج لتلك الذائقة المتدنية، أمّا الثاني فهو نحن لعدم امتلاكنا الجرأة في كشف ما ينشر من غثٍ في تلك المواقع ومن تافه القول، لاسيّما في حقل الشعر، وممّا يزيد الطين بلّة وقوف بعض القراء من أصدقاء الكاتب وراء المديح المتمحّل، أو الكاذب، بحيث إذا كتب بعضهم جملة (تازة يا فجل) فإنّ مريديه يصيحون بعده على تلك المواقع (الله ! كم كانت كلمة تازة رائعة، وكم كان الفجلُ عظيماً يا فلان!)

س:44: رشا فاضل: هل تُعزي انحسار القاري العربي وفق الإحصائيات الأخيرة لدور النشر إلى هذا التردي الذوقي للقاري/ المشاهد العربي ؟

ج44 – بعض المواقع الإلكترونيّة التي هدفها نشر الوعي الثقافي، وإشاعة المعرفة خصّصت بعض صفحاتها لنشر الكتب الرقميّة التي تردها من مؤلّفيها كهدايا لقرّائها الراغبين في الاستنساخ، أو القراءة الحرّة المفتوحة زماناً ومكاناً، فأصحاب أجهزة الحاسوب الثابتة، أو المتنقّلة أصبحوا لا يزورون المكتبات إلّا لماماً، أي حين لا يعثرون على ما ينشدون في تلك المواقع من كتب، فما يجده القارئ من كتب رقميّة تغنيه (إذا لم يكن متخصّصاً) عن تخصيص وقتٍ لزيارة المكتبات كما كان يفعل قبل هذه الخدمة المجّانيّة، لذلك أصبحت دور النشر تعاني من قلّة إقبال الزائرين من القراء الفعليين لها، قياساً إلى ما كان قبل هذه المرحلة، علماً أنّ هذه الدور أضحت لا تطبع الكتاب إلّا بعد أن يتأكد لها أنّ كاتبه مقروء، وأنّ نشر كتابه سيعود على الدار بالفائدة المرجوّة تجاريّاً، ومع ذلك فهي لا تقدم على النشر إلّا بعد أن تساوم الكاتب على مبلغ الدعم المالي للطباعة والنشر، وهؤلاء الناشرون كثيراً ما يتذمّرون أمام الكاتب من أنّ الكتاب أصبح سلعةً بائرة لا تُشترى، وأنّهم يُعانون من كسادٍ في تصريف ما قاموا بطبعه، ونشره، وهم في حقيقة الأمر غير صادقين إن لم أقل إنّ بعضهم قد اتّخذ الكذب وسيلة للكسب على حساب الكتاب الذين أدركتهم حرفة الأدب، فلم يجنوا منه غير التعب والإرهاق والإفلاس المستديم، وكمثال على ما يفعله بعضهم أسوق لكِ ما يأتي: سألني صديق قبل زيارته إلى إحدى الدول العربيّة إن كانت لي حاجة من هناك، فطلبتُ منه زيارة أحد الناشرين، وشراء نسختين من أحد مؤلّفاتي، وحين عاد الصديق سلّمني النسختين، ونقل لي شكواه من أنّ بيع الكتاب بطيء جداً، وأنّ مخزنه يحوي المئات من النسخ، فقلتُ لصديقي إنّني أشك في ادعائه، وقد صدق شكّي، فبعد شهرين فقط قرأت على موقع الناشر صدور الطبعة الرابعة منه، وبغلاف جديد جميل، فما كان منّي إلّا مهاتفته، ومعاتبته على إعادة الطبع دون استئذاني، فضلاً عن ادّعائه كذباً بوجود مئات النسخ في مخزنه، فأجاب أنه لم يقل ذلك، وأنّ صديقي وقع في لبسٍ عند النقل، وطيّب خاطري دون أن يطيّب جيبي سوى بخمس نسخ من الطبعة الجديدة.                        

س 45: رشا فاضل: يقال انك منحاز للكتابة للكبار فقط وليس للشباب حصة موازية لهم في اهتماماتك النقدية هل يعود ذلك لعدم وجود مواهب تستحق الالتفات اليها؟

ج 45 – النص الجيّد هو الذي يدعوني للكتابة، وقد سبق لي قبل عشرين عاماً أن بشّرتُ بالشباب قبل أن يصبحوا كهولاً، فقد تناولتُ تجارب من لم يقطع من عمر الإبداع سوى القليل، فأنا أول من بشّر بشاعريّة عدنان الصائغ، وجواد الحطّاب، وهادي ياسين عليّ، ولعلّي أوّل أكاديمي يحلّلُ قصيدةً لعدنان للصائغ، وأخرى لأحمد عنتر مصطفى (من مصر) ويضع تحليله في كتاب يُدرّسُ في الجامعة، فضلاً عن استشهادي بنماذج للشعراء الشباب في كتاب جامعيّ آخر (موسيقى الشعر العربي قديمه وحديثه) كان منهم عبد الرزاق الربيعي، ومحمّد رضا مبارك، وأحمد ضيف الله (من اليمن) وغيرهم.

ثمة مواهب عديدة حريّة بالاهتمام والدراسة، لكنّ طاقتي محدودة، وأسقامي تجعلني كسولاً أكتفي بالنزر اليسير من الإنتاج النقدي، فضلاً عن أنّ الكبار يقدّمون الجديد والأجد من الإبداع الذي يفرض على النقّاد الالتفات بين الحين والآخر إليهم، لكنّني مقصّرٌ حتى مع الكبار للأسف.

س46: رشا فاضل: في كتابك (أوراق في تلقي النص الإبداعي ونقده) تفتح النوافذ لإعطاء النقد افقا أوسع لايرتكز على النص وحده بل يدخل في منظومة متكاملة تسلط الضوء على ظروف إنتاج النص .

ج46 – معظم أوراقي في هذا الكتاب كانت دراسات ألقيتُها في مؤتمرات، أو مهرجانات أدبيّة في أكثر من عاصمة عربيّة، فهي إذاً دراسات أكاديميّة حاولت أن تؤصل ظواهر فنيّة اقتضت فحص بعض نوافذ النص وصولاً إلى الحقيقة، لإذاعتها بين الناس بموضوعيّة وأمانة، لهذا كان المنهج منفتحاً بعض الشيء لتسليط الضوء(كما تفضّلتِ) على ظروف إنتاج بعض النصوص الإبداعيّة، وقد جاءت على نحوٍ تلقائي فرضه منهج الكتابة، ولم يفرضه شيء آخر.

س 47: رشا فاضل: ثمة تكريس منظم لثقافة العنف يشتغل عبر قنوات إعلامية وثقافية عديدة هل تجد خطاب الأدب الجمالي مجديا في واقع مضاد؟

ج47 - ما تفعله بعض الفضائيات من ترويج لثقافة العنف عبر فرية العراق المحتل تمّ التخطيط له بإحكام، وأغدقت عليه، وما زالت تغدق ملايين الدولارات، وأصبحت نشرات أخبارها مفضوحة لدى الواعين، لكنّ المشكلة في الناس البسطاء الذين يصدّقون كلّ ما يسمعونه من فبركة مصنوعة داخل دهاليز مغدقي المال من صنّاع الأكاذيب. لقد تمكّنت هذه الفضائيّات من بث الرعب بين الناس بما تقدّمه من تقارير محرّفة عن حوادث عنفٍ يرتكبها تكفيريون دمويّون لا نعرفُ أي دين يجيز لهم اقتراف مثل تلك الجرائم التي تحلّل قتل الناس في رمضان، وحرق الجنود الصائمين، وتروّع النساء والشيوخ والأطفال والشباب والصبايا دون تمييز!وقد سبّب هذا التركيز انحساراً عن متابعة الجمال الذي يصنعه الإبداع، لأنّ همّ الناس أصبح في توقي الموت، أو الأذى، وترقب حدوث الأسوأ، ولم يعد المشاهد راغباً في متابعة المنتج الجمالي، وقد أسهم الكثير من السياسيين في زيادة الطين بلّة بمماحكاتهم، وتشنّجاتهم، وحجاجهم اليومي الممل. لكنّ المثقّفين الذين أدركوا ما للجمال من أثر فاعل في قهر الملل، ورطانة الحجاج الأجوف، وزرع الأمل في النفوس، واظبوا على صياغة الحياة لنا جميعاً، وجعلها في تضاد مع ما تصنعه قنوات العنف من موت.

س48: رشا فاضل: كيف ترى واقع الثقافة العراقية تحت ظل الانفتاح الثقافي والإعلامي ؟

ج48 - سيكون بخير إن شاء الله إذا أدرك السياسي أهميّة الثقافي في حياة الإنسان، وتطويره معرفيّاً وذوقيّاً، وفهمَ جيداً أنّ الإبداع والمبدعين عموماً يقرفون ممّا يسمّى بـ(الطائفيّة) و(المحاصصة) وتوزيع المؤسسات الثقافيّة وفق ما يسمونه بـ(الاستحقاق) الحزبي، أو فرض شروط الراديكاليين المتزمتين الجدد، بحجّة حماية المقدّس.

ولابدّ للدولة من الاهتمام بحريّة الإبداع، وحريّة صانعيه، ورعاية رموزه، والاعتراف بدورهم الفاعل في صنع الجمال الذي يزيل عن الحياة عتمتها، ويجعلها قابلة ً للعيش.

س 49: رشا فاضل: كنت معاصرا للكثير من الشخصيات الأدبية التي تركت بصمتها في الساحة الأدبية ألا تفكر بكتابة سيرتك الذاتية؟

ج49 – فكرتُ، لكنّ السكري أنساني عشرات الأسماء التي كان لها الأثر المميّز في تاريخي الشخصي، إلى جانب فقر مكتبتي الشخصيّة في المنفى الإختياري، وإقامتي في مدينة ليس فيها من يعينني على كتابة هذا اللون من الأدب، فضلاً عن خلوّها من المبدعين الحقيقيين، فليس فيها قاص أو روائي، وليس فيها رسام له مشغل يمكن زيارته، ولا مسرحي نستفيد من أطروحاته، أو كتاباته، ولا شاعرٌ أصيل مدهش، إنّما هناك عدد من النظّامين لو وازنتِ بين ما أنظم وما ينظمون لفضّلتِ ما أقرزمه من شعر على ما ينظمون، وليست العبرة بالكم، إنّما بالكيف . 

س 50: رشا فاضل: هل تمكن المنجز الادبي العراقي من احتواء تجربة البلاد وتداعياتها ؟

ج50 - ليس بعد.

س 51: رشا فاضل: أنت تعيش في لندن منذ سنوات بعيدا عن مساحة القمع العربية ومع ذلك نجدك تذيل مقالاتك بـ(كاردف طاردة الثقافة العربية)؟

ج51 - أعيشُ في مدينة كاردِف عاصمة ويلز، ومع أنّها لا تبعد سوى ما يقارب من مئتي كيلو متر عن لندن الملأى بالرموز الفنيّة والإبداعيّة، إلّا أنّها خلوٌ من تلك الرموز، وقد تضمنت إجابتي عن السؤال السابع الذي طرحته القاصة المبدعة وفاء عبد الرزاق قسماً من إجابتي عن سؤالكِ هذا، كما تضمنت إجابتي عن سؤالك الرابع والعشرين القسم الآخر من إجابتي عن هذا السؤال كذلك.

كلمة أخيرة ؟

شكراً لكِ ياابنتي على مواقفكِ السخيّة التي بذلتِها من أجلي، والشكر مقرون لصاحب الفضل الأول الأستاذ الأديب ماجد الغرباوي على فيض محبّته، وشكراً لجميع من أعان، أو أسهم في هذا الملف التكريمي.

...........................

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم ا. د. عبد الرضا علي من: 17 / 8 / 2010)

 

في المثقف اليوم