ترجمات أدبية

محمد عبد الحليم غنيم: وطار بعيدا

MM80ترجمة لقصة

مايك كراث

 


 

وطار بعيدا / ترجمة: محمد عبد الحليم غنيم

 

(1)

كان يوما عاصفا

وصل ساعي البريد بالكاد أمام باب المنزل وعندما فتح الباب رحبت السيدة " بنتون "بساعى البريد  قائلة أهلا، غير أن الباب انصفق بشدة في وجه ساعي البريد، فلم يتح للسيدة بنتون أن تقول له شكرا، أما الرسائل فقد طارت  داخل المنزل، لذلك أسرعت السيدة بنتون تجمعها، وهي تقول :

-  أوه يا ربي !

في ذات الوقت كان "تومي" يراقب درفتي الباب وهما تفتحان و تغلقان، ثم تفتحان و تغلقان، فقال :

-  ماما .. أتسمحين لي بالخروج ؟

فأجابت في رفق :

-  العاصفة شديدة جدا  .. كن حذرا .

انزلق تومي من فوق مقعده بجوار الشباك، وجرى نحو الباب، وفتحه مثيرا ضجة عالية، عند ذلك دخلت الريح بعنف وانتزعت البريد من يد السيدة بنتون وألقته في مكان أبعد داخل المنزل، فصاحت من جديد:

-  أوه  يا ربي !

أما تومي فصار خارج المنزل بعد أن انصفق الباب بشدة خلفه .

وفي الخارج كانت الأوراق بألوانها الصفراء والذهبية والحمراء تقفز من الأشجار المتأرجحة لتصطدم بالسطح مرة، وتقفز فوقه مرة أخرى، ثم تصافح بعضها البعض لتسقط في الشارع صانعة زوبعة صغيرة من البهجة .

راقب تومي المشهد  بافتنان، وقال لنفسه : لو كنت ورقة لطرت عبر الدنيا " ثم جرى من ساحة المنزل مندفعا وسط دوامة الأوراق الملونة، في الوقت الذي اقتربت فيه السيدة بنتون من مدخل البيت، وصاحت :

-  تومي .. هذا هو المعطف، ارتديه أرجوك ارتديه .

على أية حال لا يوجد تومي الآن، ولكنها صاحت من جديد :

-  تومي ..

لقد صار تومي ورقة، إنه يطير الآن في الشارع مع بقية رفاق اللعب .

اقتربت ورقة الإسفندان العريضة من تومي، فلمسته وتحركت إلى الأمام، فاقترب منها تومي سريعا ولمسها وتحرك إلى الأمام أكثر، ثم دارا معا حول نفسيهما، ضاربين السيارات والأعمدة، فطارا عاليا ثم هبطا من جديد .

 

(2)

فكر تومي: "هذا ممتع "

هبت ورقة الإسفندان وتوقفت أمام تومي وقد أعطى شعاع الشمس لونها الأحمر اللامع ذي العروق البارزة بريقا ظهر قويا في عينى تومي، الذي سألها :

-  إلى أين نذهب في رأيك ؟

وردت ورقة الاسفندان :

- هل هذه مشكلة ؟ أنت تمزح، الحياة قصيرة .

عند ذلك وصلت فجأة ورقة عجوز ووقفت بجوارهما ثم قالت :

- أعتذر للاختلاف، ربما كانت الرحلة قصيرة، ولكن النهاية هي البداية .

تمعن تومي في هذه الورقة العظيمة وعجب لقدرتها على التفكير، ثم قال :

- إلى أين نحن فى النهاية ؟

قالت العجوز :

- إذا هبت الريح في اتجاهك، فسوف ينتهى بك الأمر إلى مقلب قمامة المدينة !

قال تومي :

- أنا لا أريد ذلك .

-  لكنك لو طرت مع الريح، فسترتفع عاليا في الهواء وترى أشياء لم ترها أية ورقة من قبل .

قالت ورقة الأسفندان :

- اتبعني إلى مقلب قمامة المدينة، فمعظم أصدقائي هناك .

شالت الريح تومي وورقة الاسفندان بعيدا، وفكر تومي فيما يختار، فوجد أنه يريد أن يستمر في اللعب، لذلك أجاب :

- موافق، سأذهب معكما إلى مقلب القمامة

تبدلت الريح وصار تومي وورقة الاسفندان في طريقهما إلى مقلب المدينة، أما الورقة العجوز فلم تتبعهما، لقد طارت أبعد لتنزل وسط المجمع السكني، ثم فجأة طارت عاليا في الهواء وصاحت :

- هاى  ..المناظر هنا أعلى .. إنها تستحق المشاهدة ..اقتربا وشاهدا .

 

(3)

لكن تومى وورقة الاسفندان تجاهلاها، فصاحت من جديد :

- أرى شيئا ما .. أرى مقلب القمامة

ثم صرخت عاليا  :

- إنني أرى دخانا ..تعاليا هنا إننى أرى نارا

ردت ورقة الاسفندان :

- و أنا لا أرى شيئا.

رأى"تومي" السياج الذي يحيط بالقمامة، إنه سعيد لأنه سيكون مع أصدقائه، وهم سعداء لأنهم سيجدون المتعة فى  مقلب القمامة، لكن سيارة ما وقفت فجأة، إنها أم تومي السيدة بنتون، التي لم تقبل أن تترك صغيرها تومى يقتحم مقلب قمامة المدينة، فصرخت وهى تخرج من السيارة  :

- ليس بهذه السرعة .. لا يبنبغى أن يسمح لك باللعب هنا .. ألا ترى الدخان ؟

في الوقت نفسه كان تومي يراقب ورقة الاسفندان وهي تطير مصطدمة بالحائط، ثم تصارع من أجل الصعود إلى أعلى، حاول أن يصل إليها لكي ينقذها من السقوط، ولكنه لم يستطع، كانت السيدة بنتون هي التي مشت أسرع وأمسكت بالورقة الصغيرة ثم وضعتها في جيبها وهي تقول :

- هنا ستكونين في مأمن حتى نصل إلى المنزل .

عند ذلك ابتسم تومي وأسرع بالدخول إلى السيارة، ثم تدحرج إلى الشباك الخلفي، وتطلع من خلاله إلى السماء، لقد كان يتعجب من الورقة العجوز أين ذهبت؟ ربما سيراها في يوم ما ويسألها عما رأت .. ربما .

 

د. محمد عبد الحليم غنيم

...........................

المؤلف:

مايك كراث متخصص فى الكتابة للطفل و عمره 43 عاما  و متزوج، لديه ستة أطفال، يعيش في ولاية تكساس، ويكتب القصص القصيرة هربا من الظروف كما يقول . .

 

في نصوص اليوم