ترجمات أدبية

كيفين جروسمان: كل شيء يبدو خاطئا فى هذا الضوء

محمد عبدالحليم غنيمتأليف:  كيفين جروسمان

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

الرجل ذو الروب يفتش فى سلة المهملات بالمطبخ، و المرأة ذات القميص و اللباس المبتلين تجلس وراء منضدة المبطخ تراقبه فى صمت. ترتدى نظارات، وتمسك بيديها كوبا ساخنا، فوق المنضدة الصحيفة مفتوحة أمامها، عندما وجد الرجل ما يبحث عنه (قطعة من الورق فى حجم مظروف صغير) وضعه فوق كونتر المطبخ، ثم غسل يديه فى الحوض و جففها فى المنشفة. التقط قطعة الورق، قرأها من على الوجهين، استند بظهره إلى كونتر المطبخ. زر بعينيه فى الصورة التى فى الورقة، مقرباً إياها من وجهه. تتناولت المرأة رشفة من الكوب وقالت:

- ما هذا يا جارى؟

تطلع جارى إلى مجموعة أضواء لمبات الفلورسنت فوقه. هرش اللحية تحت فكه – هذه الأضواء  هنا سيئة حقاً.

- ما الذى تنظر إليه؟

- أعتقد أننى رأيت هذه الفتاة أمس، فى الصورة، فى وسط البلدة.

قدم الرجل قطعة الورق إلى المرأة، فقالت:

- أية فتاة؟ هذه فواتير غسيل السيارات.

- لا يا هيزر الوجه الآخر من الورقة.

قلبت هيزر الورقة وقرأت التفسير المطبوع تحت الصورة بصوت عال:

هل ترانى؟ الاسم: ستاكى لى توماس. تاريخ الميلاد: 4 أكتوبر 1989 .   العمر: 12 سنة. الطول 5 أقدام  وبوصتان. الوزن: 100 كيلو. الشعر أسود. العينان: خضرواان. الجنس: أنثى. تاريخ الفقد: 2 أبريل 2001 م، من: سيوكان واشنطن.

أعادت هيزر الورقة إلى جارى.

- هذا محزن، إنها جميلة أيضاً.

- أعرف. أنا متأكد أننى  قد رأيتها أمس.

- هل أنت متأكد؟

- جداً

- قلت حالاً أنك متأكد.

- أعرف لكن هذا الضوء مرعب.

- من السيئ جداً أن تكون الصورة غير غير ملونة.

- أعرف، وهى فوق هذ اصغيرة جداً.

خرج جارى من المطبخ عابراً الصالة وتوجه نحو الباب الخارجى، السماء صافية والمحيط هادئ. تأمل الصورة فى ضوء الشمس. ثم عاد ودخل إلى المنزل، توقف فى الصالة. حدق فى إطار ذهبى لصورة فتاة ترتدى بدلة استحمام و نظارات واقية، هز رأسه ثم سار عائدا إلى المطبخ.

- هى !  أنا متأكد من هذا.

رفعت هيزر كوبها.

- هل يمكن أن تصب  لى المزيد من القهوة، رجاء؟

-......

أخذ جارى الكوب، ملأه، أضاف الكريمة والسكر، قلب القهوة بالمعلقة  وأعاد إليها الكوب من جديد.

- شكراً يا حبيبى.

- أين كارمن؟

- فى تدريب السباحة.

- متى خرجت؟

- حوالى الساعة السادسة كما تفعل دائماً. لماذا؟

- لا شيء. هل وصلتيها؟

- لا حبيبى. قادت بنفسها السيارة كما تفعل دائماً. ماالحكاية؟

- لا شيء.

تطلع جارى إلى الورقة من جديد و هرش قفاه

شربت هيزر قهوهتا

- هل تنوى الاتصال؟

- اتصال؟

- هناك رقم فى الورقة يمكن الاتصال عليه من أجل طفلة مفقودة.

- نحن حقاً نحتاج إلى أن نغير الإضاءة فى المطبخ، لأنها تجعل كل شيء يبدو غريباً.

عبست هيزر وهى تواصل قراءة الصحيفة.

- تعرف ذلك الصحفى. لقد مات !

- من؟

- ذلك الصحفى الذى اخطتف فى باكستان.

- أعتقد أنه يجب أن أتصل. إنها تبدو مرعوبة.

- من؟

دعك جارى عينيه، أمسك بالورقة ورفعها إلى أعلى، ثم قال:

- هذه الفتاة.

- إذن عليك أن تتصل.

- لكن ماذا لو لم تكن هى؟

تناولت هيزر شفطة أخرى من القهوة، استأنفت القراءة:

- يا إلهى ! لقد ذبحوه !

- سأتصل. متى تعود كارمن من التدريب؟

- ستكون فى البيت حوالى التاسعة، مثل كل يوم سبت.

- كم الساعة الآن؟

مالت هيزر إلى الأمام، نظرت تجاه الموقد، التقط جارى عدة تليفون بدون سلك من فوق الكونتر، وحدق فيها.

- الساعة وراءك مباشرة يا حبيبى.لا أستطيع أن أقرأها من هنا.

التفت جارى حوله وتطلع إلى الساعة أعلى الموقد، كانت الأرقام مضاءة باللون الأخضر.

- إنها الثامنة والنصف،  يا إلهى، كل شيء يبدو خاطئا فى هذا الضوء. ألا يفترض أن تكون زرقاء.

- لا إنها تقول أن عينيها خضراوان. أنت تعلم. إن لم تكن متأكداً إنها كانت الفتاة نفسها، إذن لربما عليك الاتصال بهذا الرقم.

- هل قطعوا رأسه؟ ذلك رهيب !

تتصفحت هيزر صفحة أخرى من الصحيفة، تواصل القراءة، تشرب من قهوتها. يضع جارى قطعة  الورق فى جيب الروب، يدعك عينيه مرة أخرى.

- سأخرج لكى انتظر كارمن.

- هكذا. ألن تتصل؟

لم يجب جارى، خرج من المطبخ، عبر الصالة من جديد، ليصل إلى الباب الخارجى وسط ضوءالشمس.

يقف جارى فى المدخل، يربت على عنقه من الخلف، يحدق فى التليفون.

ثمة سحابة سوداء تحجب الشمس.

(النهاية)

***

في نصوص اليوم