ترجمات أدبية

مارغريت أتوود: غريزالدا الطائشة

3936 مارغريت أتوودبقلم: مارغريت أتوود

ترجمة وإعداد صالح الرزوق

***

هل لدى الجميع أغطية دافئة؟. حاولنا جهدنا توفير الحجم المناسب. وآسفة لأن بعضها مآزر - فقد نفد ما لدينا.

ووجباتكم الخفيفة؟. أعتذر لأننا لم نتمكن من الطهي، كما يمكن القول، ولكن المقبلات تكون أفضل دون الطهي المعتاد. لو وضعتم كل هذه الشطائر في الجهاز الهضمي - يمكن القول افواهكم - لن يقطر الدم على الأرض. هذا ما نفعله في البيت.

آسفة لأنه ليس لدينا وجبات خفيفة من النوع المسمى "النباتي".

لا يسعنا فهم هذه الكلمة.

ولا ضرورة لالتهامها إن كنتم لا تحبونها.

رجاء توقفوا عن الهمس، أنتم في المؤخرة. وتوقفوا عن النحنحة وأخرجوا أصابعكم من أفواهكم، أيها السادة -السيدات. يجب أن تضربوا المثل للأولاد.

كلا، أنتم لستم أطفالا، أيها السادة السيدات. أنتم 42. انتم بنظرنا أطفال. لكن لستم من كوكبنا ولا من المجرة. شكرا يا سادة أو يا سيدات. .

استعمل الصيغتين لأنني بصراحة لا أرى الفرق. ليس لدينا مثل هذه التصنيفات في كوكبنا.

نعم، أعلم أنني أبدو مثل ما تسمونه أخطبوطا ، شيء صغير. رأيت صور هذه المخلوقات الوديعة. ولو أن مظهري يقلقكم، بوسعكم إغلاق عيونكم. وسيسمح لكم بالانتباه لهذه القصة في كل الأحوال.

كلا ربما لا يمكنكم مغادرة غرفة الحجر. فالوباء في الخارج بالمرصاد. وهو مصدر خطر عليكم لكن ليس بالنسبة لي. نحن لا نعاني من هذه الجرثومة في كوكبنا.

وآسفة لأنه لا يوجد ما تسمونه دورة مياه.

ونحن نستعمل كل المقبلات الخفيفة بدل الوقود، ولذلك لا نرى ضرورة لمثل تلك الاحتياجات. طلبنا لكم ما تسمونه دورة مياه، ولكن علمنا بوجود نقص. يمكن أن تجربوا النافذة. توجد مسافة طويلة تفصلها عن الأسفل. لذلك يرجى ان لا تحاولوا القفز.

وهذا ليس شيئا مسليا لي أيضا، أيتها السيدات والسادة. أتيت إلى هنا بإرسالية ضمن حزمة إعانة لحل أزمة الكواكب. ولم يكن لي خيار، فأنا مجرد وسيط للتسلية وموقعي منخفض. وهذا الجهاز للترجمة الفورية ليس من أفضل الأنواع. وكما لاحظنا جميعا، أنتم لا تفهمون طرائفي. ولكن يمكن القول نصف علبة من دقيق القمح أفضل من لا شيء.

والآن. إلى القصة.

طلبوا مني أن أروي لكم قصة، وحان وقتها. وهي قصة قديمة من كوكب الأرض أو هذا ما فهمته منها. عنوانها "غريزالدا الطائشة غير الصبورة".

في وقت من الأوقات كانت تعيش أختان توأم. وكانتا من مستوى هابط. واسماهما غريزالدا الصبورة وغريزالدا المتسرعة. وكانتا تسران الناظر. وهما سيدتان وليستا سيدين. وتدعيان: بات وإمب. أما غريزالدا فهو ما تقولون عنه كنية.

اعذروني أيها السادة -السيدات؟ هل تقولون سادة؟. نعم؟.

كلا لم يكن هناك واحدة. بل اثنتان. من يروي هذه القصة؟. أنا. لذلك هما اثنتان.

في أحد الأيام جاء شخص ثري له مكانة عالية، وكان سيدا وله مرتبة تدعى الدوق. وكان يمتطي. ولكن لو لديكم سيقان تكفي لن تحتاجوا لمطية، إنما كان للسيد ساقان فقط، مثلكم جميعا.

وشاهد بات تسقي - تفعل شيئا خارج المأوى الذي تعيش فيه، فقال:"تعالي معي يا بات. أخبرني الناس أنه حان الوقت لأتزوج ولذلك يمكنني المعاشرة شرعا وإنجاب دوق صغير".

ولم يكن قادرا على إنتاج خلية وعائية pseudopod كما ترون.

خلية وعائية يا سيدة. أو يا سيد. بالتأكيد تفهمون ما أعني. أنتم أشخاص بالغون!.

سأوضح لاحقا.

قال الدوق:"أعلم أنك ذات مكانة غير سامية يا بات. ولكن لهذا اود الزواج بك ولا أرغب بامرأة عالية المقام. المقام العالي يا مدام له أفكاره، وأنا دون أفكار. ويمكنني قيادتك في هذه الأرجاء. وإلحاق الذل بك كما أريد، ولن تجدي الجرأة لنطق حرف واحد. أو عبارة واحدة. أو أي شيء آخر. ولو لم تقبلي بي، سأقطع رأسك".

كان ذلك مقلقا جدا، وهكذا قالت غريزالدا الصبورة نعم، وحملها الدوق على.. آسفة، ليس لدينا كلمة مقابلة، وجهاز الترجمة لم يجد التعبير الملائم. لنقل: حملها على شطيرته. لماذا تضحكون؟. ماذا تكون الشطائر باعتقادكم قبل أن تصبح شطائر؟.

سأتابع القصة، ولكن أهيب بكم أن لا تقاطعوني. أحيانا أصبح متضورة. وهذا يعني أن الجوع يجعلني غاضبة. أو أن الغضب يجعلني جائعة. كلا الاحتمالين ممكن. ولدينا كلمة لذلك في لغتنا.

وبعدئذ، بينما الدوق يمسك خصر غريزالدا الصبورة والجذابة بقوة كي لا تسقط عن - بمعنى كي لا تسقط على الأرض، انطلقا معا إلى قصره.

كانت غريزالدا المتسرعة تصغي من خلف الباب. قالت لنفسها: هذا الدوق شخص فظيع. وكان يحضر نفسه ليتصرف بلا وازع مع أختي التوأم المحبوبة، الصبورة. ولكن سأتنكر بشكل سيد شاب وأحصل على عمل في مطبخ الدوق للطعام السريع لأتمكن من متابعة ما يجري.

عملت غريزالدا المتسرعة في مطبخ الدوق للوجبات السريعة مثل صبي خادم كما تقولون. وشاهدت أو شاهد كل أشكال النفايات - الفرو والأقدام، وكانت ترمى ببساطة. هل يمكن تصور ذلك، والعظام أيضا، بعد الغلي، كانت ترمى للخارج - لكنها أو لكنه سمعت كل أنواع الشائعات. ومعظم الشائعات كانت عن الطريقة التي يعامل بها الدوق دوقته الجديدة. كان خشنا معها في العلن، وأجبرها على ارتداء ثياب لا تناسبها، وضربها وأخبرها أن كل التصرفات المشينة التي يقوم بها برفقتها هي بسبب أخطائها. ولكن الصبورة لم تنطق بحرف.

لحق المقت والبغضاء بغريزالدا الطائشة لدى سماع هذه الأخبار. وتدبر أو تدبرت الأمر للبقاء مع غريزالدا الصبورة في احد الأيام حينما كانت تكنس في الحديقة، وكشفت لها عن شخصيتها الحقيقية. وتعانقت كلتاهما بحب بالغ، وقالت الطائشة:"كيف سمحت له بمعاملتك هكذا؟".

قالت بات:"الفرصة لشرب ملء نصف كأس ماء أفضل من النصف الثاني الفارغ. والآن لدي خليتان وعائيتان جميلتان. وعموما هو يمتحن صبري".

قالت إمب: "بكلمات أخرى هو يرى كم يمكنه أن يجازف معك".

تنهدت بات وقالت: "وما هو الخيار المتاح لي؟.. لن يتردد بقتلي لو وفرت له السبب. لو نطقت بحرف سيقطع رأسي. فهو يمتلك سكينة".

قالت إمب: "سننظر بذلك. لدينا الكثير من السكاكين في مطبخ الأطعمة، وتدربت على استعمالها. اسألي الدوق إن كان جاهزا لاصطحابك بنزهة في هذه الحديقة الليلة".

قالت بات:"أنا أخاف من أن أقترح عليه. قد يعتبر هذا الطلب امتعاضا منه".

قالت بات:"في هذه الحالة دعينا نتبادل الملابس. وسأفعلها بنفسي". ارتدت إمب ثوب الدوقة وارتدت بات ثوب صبي الخدمة، وافترقتا كل إلى مكانه في هذا القصر المنيف.

في وقت الغداء، أعلن الدوق لبات المتنكرة أنه قتل خليتيها الوعائيتين الجميلتين، ولم تعترض. كانت تعلم أنه في كل الأحوال يكذب، فقد سمعت من صبي خدمة آخر أن الخليتين الوعائيتين انتقلتا روحيا إلى موضع آمن. وكل الموجودين في مطبخ إعداد الطعام يعلمون كل شيء.

ثم أضاف الدوق إنه في الغد سيطرد الصبورة من القصر وهي عارية - نحن لا نعرف هذا العري في كوكبنا، ولكن أفهم أن العري العلني هنا عار . لا سيما إن ظهرت دون غطاء.

وبعد أن يسخر الجميع من الصبورة وبعد ضربها بلا رحمة بقطع من شطائر متعفنة، سيخبرها أنه يفكر بالزواج من سواها، من إنسانة اجمل وأصغر من بات.

قالت الصبورة المتنكرة:"كما تشاء يا سيدي. ولكن أولا لدي مفاجأة لك".

ببساطة استغرب الدوق أن يسمع كلامها.

قال وهو يطوي هوائي وجهه:"حقا؟".

قالت إمب بنبرة تسبق إنتاج خلية وعائية"نعم، أنت دائما يا سيد محق ومدهش. وهذه موهبتك، ومقابل فضلك العظيم خلال فترة تعايشنا القصيرة، امنحني الشرف بمرافقتك في الحديقة هذه الليلة لنتعزى بممارسة الجنس مرة أخرى، قبل أن تحرمني إلى الأبد من بهاء حضورك".

وجد الدوق في هذا الاقتراح جرأة وحدة.

الحدة. كلمة من قاموسكم.

وتعني إدخال سيخ بشيء. آسفة لا يسعني توضيحها أكثر من ذلك. فهي كلمة من الأرض، وفي النهاية، لا وجود لها في لغتي. ويجب أن تستفسر عنها.

قال الدوق:"ذلك جريء ومباغت. دائما كنت أقول أنت ممسحة صحون وبساط عتبة باب، ولكن يبدو الآن، تحت وجهك الرصين أنت عاهرة، وبغي، ولعوب، وسهلة المنال، وفاسقة، وصعلوكة وآبقة وغانية".

نعم يا سيدات- سادة، لدينا فعلا الكثير من المفردات من هذا النوع في لغتكم.

قالت إمب:"أوافق يا سيدي. ولا يسعني معارضتك".

قال الدوق:"سألاقيك في الحديقة بعد غر وب الشمس".

وفكر سيكون هذا مسليا أكثر من المعتاد. ربما ستعرض عليه زوجته المبجلة القليل من العاطفة بغاية التنويع، ولن تكتفي بالاستلقاء هناك مثل لوح.

انصرفت إمب لتبحث عن صبي الخدمة بات تحديدا. واختارتا معا سكينة حادة طويلة. خبأتها إمب في كمها المزركش، و خبأت بات نفسها وراء شجيرة.

قالت إمب حينما برز الدوق من الظلال وهو يفك أزرار الجزء الذي يخفي عضو المتعة والذي نخبئه بثيابنا دائما:'"يناسبك ضوء القمر يا سيدي".

لم أستوعب هذه الفقرة من القصة جيدا، باعتبار أنه على كوكبنا يكون عضو المتعة وراء الأذن ودائما على مرأى البصر. وهذا يسهل المسألة جدا، ونلاحظ بأنفسنا إن كانت الجاذبية تفعل فعلها أو تستجيب.

قال الدوق:"اخلعي رداءك أيتها العاهرة أو سأمزقه عنك".

قالت إمب:"بكل سرور يا سيدي". اقتربت منه مع ابتسامة، وسحبت السكينة من كمها المثقل بالزخارف وطعنت حنجرته، كما فعلت بحناجر العديد من الشطائر في فترة عملها صبي خدمة. وصدرت عنه حمحمة خافتة. ثم تعانقت الأختان، والتهمتا الدوق كله - العظام، والثوب المزركش و ما تبقى.

عفوا؟. ما هي و ت ف wtf*؟.

آسف. لم أفهم.

نعم سيدات -سادة، أعترف أن هذه لحظة تقاطع ثقافات. كنت أذكر ببساطة ما يمكن أن أفعل لو كنت مكانهما. ولكن رواية القصص تساعدنا على فهم بعضنا بعضا على طرفي الحدود الاجتماعية والتاريخية وحقبة التطور، هل تعتقدون ذلك؟.

بعد ذلك حددتا موضع الخليتين الوعائتين الجميلتين، وجرى لم شمل سار، وعاش الجميع بسعادة في القصر. ولكن ظهر للدوق أقارب شكاكون يتشممون الأخبار. فالتهمتهما الأختان أيضا.

وهذه هي النهاية.

ارفعوا أصواتكم، أيها السادة - السيدات. ألم تعجبكم النهاية؟. وهي ليست عادية؟. ما هي الخاتمة المفضلة لديكم؟.

آه. لا، تلك النهاية برأيي خاتمة لقصة أخرى. ليس التي تلفت اهتمامي. ولا أعرف كيف أرويها. ولكن رويت لكم هذه بطريقة أفضل كما أرى - بما يكفي لحبس أنفاسكم، اعترفوا بذلك. حتى أنكم توقفتم عن الهمهمة. فهي تستحوذ على القلب مثل الهمهمة التي تسبب التحسس. في كوكبنا، الشطائر وحدها تهمهم. وغير الشطائر لا تهمهم.

والآن اعذروني. لدي قائمة بأسماء عدة مجموعات في الحجر. ومن واجبي أن أساعدهم بتمرير الوقت، كما ساعدتكم.

نعم، أيها السيدات - السادة، الوقت سيمر حتما، ولكنه بدوني لا يمر بسرعة.

حاليا سأضغط نفسي من تحت الباب. من المفيد أن لا يكون لك هيكل عظمي.

فعلا، أيها السادة -السيدات، آمل أن ينقشع الوباء عما قريب، أيضا. ثم أعود لحياتي الطبيعية.

***

...................

* اختصار للعبارة التالية: What the fuk ومعناها اللعنة

* مارغريت أتوود Margaret Atwood روائية وشاعرة كندية. آخر أعمالها "الوصايا". ولها مجموعة شعرية تحت الطباعة بعنوان "بمحبة". من أهم أعمالها: حكاية جارية، القاتل الأعمى، اضطراب عقلي….

في نصوص اليوم