ترجمات أدبية

سيرغي يسينين: البيتُ الرّيفيّ العتيقُ

قصائد مترجمة للشاعر الروسي الكبير

 سيرغي يسينين

ترجمة وإعداد إسماعيل مكارم

***

مقطوعة يحاكي فيها الشاعر يسينين الميثولوجيا الدينية

«Шел Господь пытать людей в любови…»

" خرج يسوع كي يختبر الناس"

خرجَ يَسوع كي يَختبرَ الناسَ في المَحبة،

مَشى على طريق بمَظهَر رَجُل مِسكين.

على جُذمور قربَ الغابةِ يَجلِسُ رَجُلٌ عَجوزْ

يَلوك بلا أسنان فطيرة ً جافة.

**

رأى العَجوز ذلك الرجُلَ المِسكينَ

قادما على الطريق بعصاه الحَديدية،

وفكر: " أرأيتْ كيف حالته رَثة..

أفهمُ يَتمايلُ من ُسوءِ صِحتِه والجوع ْ ".

**

اقتربَ يَسوع مُحاولا اخفاءَ حزنهِ وألمهِ:

فهمت ُ، لا يمكنُ الوصولُ إلى قلوبهمْ... !

وقالَ العَجوز وهو يَمد يَده ُ:

" خذ، إمضغ قليلا، َستصبحُ حالك أحسن".

1914 م

***

ЧЕРЕМУХА

بُطمة ُ الشّمال

ها هي بُطمَة ُ الشّمال الفواحَة

قد زهّرتْ بقدوم الرّبيعْ

فتزيّنَتْ بأغصانِها الذهبية ِ

كأنها صَبية أرسَلتْ جَدائلها.

وها هو الندى في كلّ مكانْ

قد غطى الجَذع َ والأغصان،

بينما العشبُ الجَميلُ يَتموّجُ

ويبعثُ بعَبيره ِ العَطرْ.

عِندَ فسحَةٍ قد ذاب َ عنها الثلج،

تحتَ الأعشابِ وقربَ الجُذور

يَجري جَدولٌ فتيّ ٌ، لجينيّ اللون.

ها هي بُطمة ُ الشّمال الفواحة ُ واقفة ٌ

بينما العشب ُ الذهبيّ ُ

يَختال ُ تحْت َ الشمسْ،

وها هو الجَدول ُ الفتيّ ُ

يُدَغدِغ ُ السّمع َ بخريرهِ

ويَرُش ّ الأغصانَ بمائِهِ الباردْ،

وعندَ المُنحدر نراهُ

يَستعطِفُ تلكَ الأغصان

ويغني لها فرحاً، نشوانا.

1915م

***

«Под венком лесной ромашки…»

عَبَثا حاولتُ العثورَ على ما فقدتُ

كنتُ أحاولُ صُنعَ قاربٍ خشبي

ورأسي مُغطى بإكليل من أقحوان الغاباتْ

عندما سَقط َ من يَدي خاتمُ المَودّة

أخذ السّيلُ المُندَفعُ مِني خاتمَ الحَبيبَة.

**

وأدرَكتُ أنّ الفراقَ المُرّ لابدّ آتٍ

كما وجهُ حَماةٍ قاس وعَبوس.

خَطفتِ السّمَكة ُ ذلكَ الخاتمَ

وسَرقتْ مِني مَودّة غاليَتي.

**

عبثا حاولتُ العُثورَ على ما فقدتُ

فتوجهتُ نحوَ المَرج والحزنُ رَفيقي

غيرَ أن النهرَ خاطبَني ساخِرا وضاحِكا:

" أصْبَحَ عِندَ غاليتكَ حَبيبٌ آخرْ"

**

لن أذهبَ الى سَهرةِ الشبابْ...

أخافُ أن تقتلني ضحكاتهمُ القاسِية

سَأعقدُ قراني على المَوجَةِ الصّاخبة

في يوم عاصِفةٍ هوجاءَ.

1911م

***

Деревенская избенка

البيتُ الرّيفيّ العتيقُ

أيها البيتُ العَتيقُ

كم سَكنتكَ الشجُونُ والهُمومُ،

وكم ناحَتْ عواصِفُ الشتاءِ

هنا أمامَ أبوابكَ.

**

وكم تسمَعُ بينَ جدرانكَ كلِماتٌ

ملؤها الدّموعُ والشكوى،

وأغان بأصواتٍ مَبحوحة،

الغلبة ُ فيها لِمفرداتٍ

**

تشكو العَوَزَ،

والظلمَ، وصورَ الفقر المُدقِع،

ومعان تحكي دائما

عن السنين العِجافِ.

**

أبدا لم تسْمَعْ بينَ جدرانِكَ

أغانٍ تصِفُ الأملَ والسّعادَة

وأيامَ الأفراح الجَميلة،

لأنّ الهمومَ هنا هي سّيدَة ُ المَوقِفْ.

1912 م

***

....................

* من المعروف لدى الخاصة والعامة ان للأدب الروسي مكانة عالمية هامة لدى القراء. فقد اطلع القارئ العربي على ترجمات جيدة لمؤلفات الكاتب الكبير ليون تولستوي صاحب الملحمة الشهيرة (الحرب والسلام) و(آنّا كارينينا)، و(البعث)، وقصص كثيرة لأنطون تشيخوف، ومسرحياته المعروفة مثل (بستان الكرز)، و(كتاب الأم) لمكسيم غوركي، ومؤلفات ميخائيل شولوخوف صاحب الملحمة الشهيرة (الدون الهادئ)، ومن خلال اللغة الروسية ترجمت الى العربية مؤلفات أيتماتوف ورسول حمزاتوف وغيرهما من كتاب جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا.

نقف اليوم على عتبة مرحلة جديدة من العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية لبلدان المشرق العربي وبالخصوص سورية والعراق ولبنان ومصر مع روسيا الاتحادية – (الوريث الشرعي) للاتحاد السوفييتي. وكلامنا اليوم سيكون عن الشاعر الروسي الكبير سيرغي يسينين.

" لقد فقدنا كاتبا روسيا كبيرا " – هذه عبارة مكسيم غوركي الشهيرة اثر رحيل يسينين المأساوي.

لقد وصل يسينين درجة الحكاية الميثولوجية في شهرته ومعرفة القارئ الروسي له، إذ أن حزن القراء على وفاته المأساوية ورحيله المبكر كان كبيرا، إذ يعتبر يسينين من كبار الشعراء الروس في زمانه. ربما لا نخطئ إذا ما قلنا أن الكساندر بوشكين قد بلغ في زمانه (أي في القرن التاسع عشر) قمة الأدب الروسي وكان ولا يزال علامة مميزة في الأدب العالمي، هذا ما يمكننا قوله وبجرأة عن الشاعر سيرغي يسينين، الذي تمثل أشعاره ذروة الأدب الروسي في القرن العشرين، فقد كان نتاجه الأدبي وخاصة ما كتبه شعرا، كان انعكاسا لروح الشعب الروسي، فقد اتكأ يسينين في شعره على الارث الروحي الغني لدى الشعب الروسي من تقاليد وطقوس عقدية ودينية واجتماعية وكان يعكس في مؤلفاته الوعي القومي في المجتمع الروسي، وفي ذات الوقت فقد اتكأ في نتاجه الأدبي على تلك التقاليد الفنية والنظرية والجمالية التي أسس لها ممثلو النهج الواقعي في الأدب الكلاسيكي الروسي بدءا من بوشكين وليرمونتوف الى غوغول ودوستويفسكي وغيرهم من كتاب روسيا الكبار.

ولد سيرغي يسينين في الثالث من أكتوبر عام 1895 في محافظة ريازان في قرية نائية اسمها كونستانتينوفو.

وعندما بلغ سن الثانية من عمره انتقل الى عهدة جده والد أمه، وهناك عاش في كنف جده مع أخواله الشباب، وبرفقة أخواله ترعرع وكبر حتى بلغ سن الرشد. كان سيرغي حفيدا محبوبا من قبل جدته وكان حبها له بلا حدود، وكانت تقص له الحكايات الشعبية وبذلك أدخلت الى قلبه حب الاطلاع والقراءة. تعلم الولد سيرغي في مدرسة اعداد المعلمين التابعة للكنيسة الروسية - وهي مدرسة متوسطة يمكن للطالب بعدها ان ينتقل الى موسكو وهناك يمكنه الانتساب الى دار المعلمين التي كانت تسمى في ذلك الحين معهد موسكو لاعداد المعلمين، ولكن حسب ما قاله الشاعر نفسه: " من حسن الحظ أن ذلك لم يحصل".

منذ سن الطفولة كان سيرغي مولعا بالقراءة وسماع الحكايات الشعبية، فقد كانت اولى كتاباته للشعر في سن التاسعة من عمره.

الا انه يعترف بأن الكتابة المتزنة للشعر بدأت لديه في سن الشباب. وقد استغرب يسينين الشاب لماذا لم تجد اشعاره ذلك الصدى المطلوب في الوسط الأدبي في العاصمة، إذ أنه كان قد أرسل بعضا من أشعاره الى المجلات التي تهتم بالشعر والشعراء ولكن لم يحصل لها ذلك الصدى الواسع. لذا كان عليه السفر الى العاصمة بطرس بورغ وهناك استقبل في الوسط الأدبي استقبالا حارا.

فقد وجد لدى الشعراء المعروفين حينذاك مثل الكساندر بلوك، ونيكولاي كلويف، وأندري بيلي تشجيعا له وترحيبا بوجوده بينهم. فيما بعد الشاعر كلويف يصبح صديقا جيدا ليسينين رغم خلافاتهما في الأمور النظرية. وبعد سفره الى بطرس بورغ انتسب يسينين الشاب الى جامعة شانيافسكي،

الا أن ايام الدراسة في تلك الجامعة لم تكن طويلة فقد غادرتلك الجامعة بعد سنة ونصف السنة.

من شعراء ذلك الزمن الذين تركوا لدى يسينين انطباعا جيدا هم الكساندر بلوك، وأندري بيلي، و نيكولاي كلويف.

في عام 1919 اصدر عدد من الشعراء بما فيهم يسينين مانيفيست عن المدرسة الإيمانيجيزمية وارادوا من ذلك وضع اسس فكرية وفنية وفلسفية لقول الشعر. ولكن تلك المدرسة سرعان ما ماتت، وأحد أسباب ترك يسينين لتلك المدرسة هو بعد أتباعها عن حب الوطن.

من تصريحات الشاعر المعروفة أنه لو قدر له أن يبدأ حياته من جديد لما قام بكتابة بعض أشعاره وقصائده، الا أن تلك القصائد والأشعار لها أهمية خاصة في صيرورته كشاعر، وكإنسان.

ومن أقواله أيضا: "في أيام الثورة كنت الى جانب الثورة بكل جوارحي، ولكن استقبالي وفهمي للثورة كان بمثابة استقبال انسان قروي- ابن ريف". ويضيف "اذا سألتم عن أشكال الشعر فاني اليوم مشدود نحو الكساندر بوشكين".

مما يؤسف له أن الشاعر الكبير سيرغي يسينين عاش حياة قصيرة جدا فقد توفي في عام 1925. بعض المؤرخين فسر ذلك بأنه قد انتحر، والبعض الآخر ذهب الى القول بأنه قد قتل (بضم القاف) على يد أحد رجال سلطة الثورة. نحن لا ندخل في هذا الجدل، بل علينا القول أن الشاعر يسينين ترك لمجتمعه الروسي وللعالم ارثا كبيرا من المقطوعات الشعرية والقصائد والمؤلفات النثرية. تعتبر أشعاره من الأشعار القيمة والجميلة. لقد احب يسينين الطبيعة وتغنى بها، لذا نجد له كثيرا من الأغاني الروسية التي سادت في العصر السوفييتي وبعضها لايزال الى اليوم، تلك الأغاني الجميلة والقريبة الى القلب، هي من كلماته ومأخوذة من أشعاره. عاش يسينين في مرحلة زمنية صعبة جدا، حيث أن الأحداث التاريخية قد قلبت تربة المجتمع الروسي وكان تأثيرها قاسيا على الأسرة الروسية، والبيت الروسي، والعائلة الروسية.

السبب – هو ما رافق تلك الأحداث التي عصفت بهذا المجتمع من صعوبات، حيث ثورة 1905، ثم الثورة البورجوازية ـ ثم الحرب العالمية الأولى، ثم ثورة أكتوبر 1917، وبعدها الحرب الأهلية، وتلا ذلك تدخل جيوش الدول الغربية في الشأن الروسي الداخلي.

نحاول اليوم أن نقدم لكم باقة من أشعار الشاعر الروسي سيرغي يسينين قمنا بترجمتها الى العربية من النص الروسي.

 ***

المرجع:

1)      Сергей Есенин. Собрание сочинений в двух томах. Москва. «Советская Россия».Том I. 1991 г.

2)      Сергей Есенин. Собрание сочинений в двух томах. Москва «Советская Россия». Том II. 1990 г.

.......................

 

في نصوص اليوم