ترجمات أدبية

بوشكين: أقف بخشوع أمام الضريح المُقدس

التاريخ لا يعيد نفسه بل يعود بصيغة جديدة

موقف نبيل للشاعر الروسي الكبير الكساندر بوشكين

إعداد وترجمة: الدكتور اسماعيل مكارم

***

Перед гробницею святой

أقف بخشوع أمام الضريح المُقدس

أقفُ بخشوع أمامَ الضريح المقدّسِ

مطأطئ الرأسِ ....

كلّ شيء هنا يغفو في سُباتٍ

فالمَصابيحُ وحدها في الظلمة تلوّنُ بالذهبِ

أعمدة َ الحَرَم، وجدرانَ الغرانيت الضّخمَة َ،

وذلكَ المَكانَ، حيثُ راياتُ الغُرباء.

**

هنا يَرقدُ ذلك الحاكِمُ العظيمْ،

مَعبودُ فصائلِ المُتطوعينَ - أبناء الشّمال،

حارسُ بلادِنا، بل دولتِنا العُظمى،

وقاهِرُ جميع أعدائِها،

أجل إنه واحدٌ من ذلك السّربِ المَجيدِ،

آخرُ صُقورِ الملكةِ كاترين.

**

في قبركَ تعيش العِزة ُ والحَماسُ،

إذ ينبعثُ مِنهُ صَوت ٌ روسيّ

يُذكرنا بتلكَ السّنةِ القاسِيَة،

عندما أكدَ الشعبُ إيمانَه بك،

متوجهاً نحو مَشيبكَ المُقدس ِ بذاك النداء:

" قمْ للغزاةِ " − فنهَضْتَ − وكنتَ المُخلّصَ...

**

اِسمَعْ جيدا نداءَنا الصادقَ اليوم،

قمْ .. أنقِذ القيصَرَ، وأنقِذنا.

أيها الشيخُ الجبّار! ولو لِلحظةٍ ،

اِظهَرْ في بابِ الضريح،

اِظهَرْ، وابعَثْ روحَ الغيرة ِ والحَماس ِ

لدى تلك الألوية التي قد ترَكتها

**

اِظهرْ، وأشِرْ بيمينِكَ

إلى جَمهرةِ القادةِ تلك،

قل لنا .. من هُو خليفتكَ، ومن اخترتْ !

غير أنّ الصَّمت َ والسّكونَ يَعُمّانِ الحَرَمَ،

وهذه السّكينة ُ في قبركَ المَتين

لا تنقطعُ، وتأخذ ُ صِفة َ الأزليّةِ.

1831م

***

Клеветникам России

إلى من افتروا على روسيا.

لِمَ هذا الضجيجُ، يا خُطباءَ الشّعبِ؟(*)

لماذا تهدّدون روسيا باللعنةِ؟

هل أقلقتكم اضطراباتُ ليتوانيا؟

دعوكم من ذلك، هذا خلافٌ بينَ السّلافيين

مَحليّ الشأن، إنه نِزاعٌ قديمٌ، فهو قدَرُهم

هذه مسألة، أنتم غير قادرين على حلها.

فمنذ زمن بَعيدٍ

تتناحَر هذه القبائلُ بشأنِها

مرّات عديدة اشتدتِ الأمورُ بينها

ومالتْ الأمور ُحينا لصالحهم وحينا لصالِحنا

فمن يَنتصرُ في هذا الصّراع غير المتكافئ

ذلك البولونيُّ المَغرورُ، أم الرّوسيّ؟

أسَتصبّ كلّ الجَداول السّلافية في البَحر الرّوسيّ،

أم أنه سَوفَ يَجفّ؟ هذا هو السّؤال.

**

دعونا وشأننا: أنتم لم تقرؤوا

تلكَ الألواحَ التاريخيّة الدّمويّة

هذا الخلافُ غير مفهوم لكم، وغريبٌ

إنه نزاعٌ عائِليّ

هاتان القلعتان: (الكريملين) و(براغا) لن تخبرا بشيء،

عبثا يُغريكم الإقدامُ

على هذا الصّراع المُخيف −

إذ أنتم بلا شك تكرهُوننا..

ما هو السّببُ؟ هل تفضلتم بالإجابة ! كل ذلك

كوننا على أنقاض ِ حرائق موسكو

لم نخضعْ لتلكَ الارادةِ الوقحَةِ،

لذلكَ، الذي ركعتم أمامَهُ بخنوع ٍ مَرتجفينَ،

كوننا قد رَمَينا في حُفرةٍ عَميقةٍ مشاريعَ

ذلكَ المعبودِ، الذي قد تحكم بمصائِر الدّول بقسوةٍ،

ونحنُ بدمائِنا قد اشترينا لأوروبا

الحُريّة َ، والكرامة َ، والسّلامَ.

**

أنتم أقوياء في الكلام فقط، دَعونا نرى أفعالكم !

أتظنون أن الفارسَ عندنا قد خَلدَ الى الرّاحة،

وليس باستطاعتِهِ تناول خنجره الإزمائيليَّ؟(*)

أو أن كلمة القيْصَر لدينا فقدَتْ أهميتها؟

أو أن صراعَنا مع أوروبا أمرٌ جَديدْ؟

أو أن الروسيّ قد نسِيَ طعْمَ الانتِصار؟

أو أننا قليلو العَدد؟ أو أنه من مدينة (بيرْمْ )إلى طوروس،

ومن صخور فنلندا الباردة الى كولخيدا الدافئة

ومن حصن الكريملين الغاضب

الى جدار الصين المتين

لا تهبّ الأرضُ الرّوسيّة

بالدّرع الفولاذي المَتين البرّاق؟!!

أرسلوا الينا أولادَكم الغاضبين،

أيها الخُطباءُ !

سنجد لهم مكانا في سُهوبِ روسيا،

بينَ قبور أقربائِهم.

1831م

***

.............................

بوشكين: دون أدنى شك اسم معروف في أدبياتنا، فقد كتب عنه، وقام بترجمة قصائدَ له زملاء لنا، لهم باع كبير، ومعرفة جيدة في الأدب الروسي، كما في الأدب العالمي، أذكر منهم الأستاذ مالك صقور، والدكتور ناظم مجيد حمود، والمترجم الكبير حسب الشيخ جعفر...وغيرهم.

لعلّنا لا نخطئ إذا قلنا أنّ شاعرا لم ينل من اهتمام الباحثين والدراسين والنقاد في روسيا مثلما ناله الشاعر الروسي الكبير ألكساندر بوشكين، لا يمكن لك أن تسأل مواطنا روسيا عن بوشكين دون أن تلقى منه الاهتمام، والغبطة، والتقدير لإرثه، وتركته الثقافية الكبيرة، والغنية، وخاصة لشعره الرّائع، الجميل، ولعبقريته الفذة.

لابد هنا من القول أنّ الشاعر الكساندر بوشكين برؤيته للواقع في مجتمعه الروسي في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر وجد الصراع، والظلم، والقلق، والضياعَ، غير أنه كان دوما متفائلا، متمسكا بقيم العدالة، والحق، والخير، مؤمنا بقوة الجمال، والنور، منطلقا من مفهوم : أن النورَ، والجمالَ الخالدين – هما مصدر العبقرية والنشاط الإنساني الرائع. في نشاط الشاعر الروسي الكبير يمكن لنا الإشارة إلى أمرين هامين- هما: موقفه المناهض لكلّ ما كانَ يعيق تقدم مجتمعه وبلده، ومحبته التي لا توصف لبلاده روسيا، أليس هو من قال في رسالة وجهها إلى صديقه تشادايف: " بالطبع أنا بعيد عن الإعجاب بكل ما أراه حولي، وأنا كأديب منزعج، وكإنسان لي قناعاتي الخاصة، تشعرني هذه الأمور بالإهانة، ولكن أقسم لك بشرفي أني بأغلى الأثمان لن أبدّل وطني، ولن أقبل تاريخا آخر غير تاريخ أجدادنا، هذا التاريخ الذي منحنا إياه الرّب".(1)

نحن اليوم سوف لا نعيد إلى ذهن القارئ ما قد سبق وكتِبَ من قبل زملائنا المحترمين، بل سوف نضيف إلى هذه المادة المعرفية الهامة جانبا جديدا نسلط الضوء فيه على إبداع شاعرنا الروسي الكبير في قصائده التي كتبها في المديح وشعر الحماسة. عندما يُذكر أمامنا هذا الاسم – الكساندر بوشكين – غالبا ما يخطر على بالنا شعره في العمل لأجل إصلاح الحكم القيصري المطلق، وإلغاء نظام الرق في روسيا القيصرية، والدعوة الى الحرية، والوقوف إلى جانب الضعفاء، ومناصرة الحق والعدالة... غير أننا اليوم سنعرض للقارئ الكريم قصائد للشاعر بوشكين تتسم بالحس الوطني الصادق، والشعور بالخطر، والخوف على وطنه الكبير- روسيا من إمكانية تشكيل حلف غربي جديد، شبيه بحلف أوروبا بقيادة نابليون وجيشه الكبيرعام 1812، إذ بعد أن اجتاح جيش نابليون عددا من الدول في أوروبا غربها وشرقها.. من إسبانيا غربا إلى بولونيا شرقا،

وبعد أن تشكلت قوة أوروبية كبرى بزعامة نابليون، قام هذا القائد الغربي بجيشه، مع من عمل تحت أمرته من أبناء الدول الأخرى، التي خضعت لفرنسا، قام بغزو روسيا ما أدّى إلى سقوط موسكو بيده، بعد معركة (بورودينو) الشهيرة التي قدم فيها الجيش الروسي، الذي كان يدافع عن أرضه المقدسة، قدم صورا رائعة من الرجولة، والقدرة على القتال في الدفاع عن الوطن، ولكنه كان مضطرا وتحت وطأة ظروف قاهرة، كان مضطرا للتخلي عن مواقعه، وبذلك تم تسليم مدينة موسكو، غير أن تسليم المدينة كان تسليما مدروسا ، إذ أفرغت المدينة من الذخائر والسلاح والمؤن، وعرف التاريخ قصة حرائق موسكو، فدخلها نابليون بعد معارك قاسية، دخل مدينة خالية من كل شيء.

حين كتب الكساندر بوشكين قصائده الجديدة، في دعم القوة العظيمة للدولة، وجيشها ضد (انتفاضة وارسو) عامي 1830-1831، كانت صور حرائق موسكو لا تزال عالقة في ذهنه، كما في ذهن الناس من كل شرائح المجتمع الروسي، وكانت صور الحرب لا تزال حاضرة.

لمحة تاريخية

لأجل إحراز النصر على روسيا جهز نابليون جيشا جرارا شارك في صفوفه الفرنسيون، إذ كانوا يشكلون نصف هذا الجيش، والنصف الآخر كان من الاسبان، والبولونيين، والايطاليين، والهولنديين وغيرهم.

في الثاني عشر من حزيران 1812 غزت جيوش نابليون الأراضي الروسية وعبرت الحدود، وكان نابليون على رأس هذه الحملة، تعداد جيوش نابليون من المشاركين في الحملة بلغَ 420 ألف عسكري، بينما تعداد الجيش الروسي 210 آلاف جندي. حصل الصدام الأول في مدينة سموليانسك.

كانت خسائر نابليون في تلك المعركة 20 ألفا، غير أن القائد الروسي قام بتسليم المدينة، إذ كانت خطط الجنرالات الروس مبنية على مبدأ (دعوه يدخل، وينتشر، فبعد كل مسافة يقطعها ستزداد لديه الخسائر، وتقل لديه المؤن والذخائر). بعد توحيد الفيالق والجيوش الروسية توجهت الجيوش الغازية و الجيوش المدافعة عن الوطن الروسي نحو موسكو.

قرب بلدة (بورودينو)، التي تبعد أكثر من 125 كم عن موسكو خاض الجيشان الفرنسي والروسي أقسى معركة، وأكبر معركة: شارك فيها من الجانب الفرنسي 135 ألف جندي، ومن الجانب الروسي 132 ألف جندي، في هذه المعركة الشهيرة، التي وقعت في 26 آب عام 1812 وعُرفت بالتاريخ بمعركة (بورودينو)، كانت خطة القائد الفرنسي : دحر القوة الروسية باختراق الجناح الأيسر، غير أن صمود المقاتلين الروس جعل الخطة صعبة المنال. في خضم هذا القتال الشرس بين الجيشين سقط ، واستشهد عدد كبير لدى الطرفين: من الفرنسيين 60 ألفا، ومن الجيش المدافع عن أرضه – 44 ألفا، أما أعداد الجرحى فكانت بالآلاف. القائد الفرنسي نابليون وصف هذه المعركة فيما بعد قائلا: "لقد كانت أقسى المعارك التي خضتها - هي المعركة قرب موسكو، برهن فيها الفرنسيون أنهم جديرون بالنصر، أما الروس فقد برهنوا أنهم لن يُغلبوا".

ونتيجة لتلك الخسائر الكبرى قرّر القائد الروسي الشهيرالمارشال ميخائيل كوتوزوف، قرّر تسليم موسكو للغازي الفرنسي، بهدف الحفاظ على جيش روسيا ومن جديد العودة لخوض المعارك ضد الجيش الغازي، ومن عباراته الشهيرة :" خسارة موسكو لا تعني أبدا خسارة روسيا" علما أنه بكى بعد اتخاذه قرار تسليم المَدينة.

دخل نابليون بجيشه مدينة موسكو، غير أنها كانت مدينة خالية، باردة، لا مؤن فيها ولا خبز، ولا خمرة، ولا نساء يرحبن بالغازي المنتصر، ولا علف للخيول...فدخل جنوده الكنائس الروسية ونهبوا ممتلكاتها، مثلما نهبوا القصور ونهبوا حتى القبور. لقد خاض الجيش الروسي معارك أخرى ضد جيش نابليون الغازي، وقد حقق فيها الانتصار تلو الانتصار، مما اجبر نابليون على الهروب من روسيا تاركا جيشه يلقى مصيره أمام القوات الروسية، وأمام المقاومة الشعبية التي نظمت من قبل الفلاحين رجالا وشبانا، بتوجيه وقيادة من قبل ضباط نشطاء في الجيش الروسي، إذ هاجموا قوافل الجنود الفرنسيين، وأذاقوهم المر، ومنعوا عنهم المؤن، وسدوا أمامهم الدروب، و حرموهم من استثمار ما اعتبروه نصرا قرب موسكو..وكثيرا ما كانت مواجهة عناصر المقاومة للعدو الفرنسي تكبده خسائر أكثر من الصدام معه في تلك المعارك النظامية. أنتهت حملة نابليون على روسيا بوصول الجيش الروسي إلى قلب باريس، وبإنتصار الشعب الروسي العظيم. وأطلق على هذه الحرب اسم – الحرب الوطنية. (2)

عندما تعرضت روسيا لخطر تعاون الغرب ضدها وتعاونه مع بولونيا لكسر شوكة الجيش الروسي عامي 1830-1831 وقف الشعب الروسي إلى جنب الجيش.

ربّما حتى لو كان الانسان مَحسوبا على المعارضة، حيث كان نصيبه النفي والإبعاد عن العاصمة، والإقصاء، كما هو حال شاعرنا بوشكين،الذي عَرَفَ النفيَ والإبعادَ أكثر من مرّة، غير أنّ تعرضَ البلاد للخطر جَعله ينسى إحساسه بالمظلومية، ليقف بقامته الشامخة مع كل الشعب ضد من يضمرون الشر لبلاده، متغنيا ببطولات جيش بلاده وقادة هذا الجيش، مدافعا عن سيادتها، وكرامتها فها هو يكتب قصائدَ المديح والحماسة، إذ نراه يتغنى بأمجاد روسيا، متحديا ساسيي الغرب – أعداء روسيا في قصائده هذه.

هوامش، ومصادر:

* إنتفاضة وارسو ضد الروس جرت في عامي 1830-1831، وحاول الغرب بزعامة البرلمان الفرنسي تشكيل جبهة غربية عريضة بغرض التوجه لمقاتلة الجيش الروسي، ومساعدة المتمردين في (وارسو).

* الضريح في القصيدة الأولى - هو ضريح القائد ميخائيل كوتوزوف، في كنيسة كازان ، في بطرسبورغ.

* القائد الروسي الكبير، الذي جاء ذكره - هو المارشال الروسي، ميخائيل كوتوزوف، الذي حقق ذلك النصر العظيم على نابليون عام 1812.

* القلعتان هما: (الكريملين) في موسكو، و (براغا) قرب وارسو.

* خطباء الشعب: هم نوابٌ في البرلمان الفرنسي.

* إزمائيل: مدينة في جنوب روسيا، حررها الجيش الروسي من الأتراك.

1. Пушкин А.С. Письмо П.Я. Чаадаеву от 19 октября 1836 г.

2. Балязин В.Н. НЕОФИЦИАЛЬНАЯ ИСТОРИЯ РОССИИ. М.: 2008 г.− С. 389 - 401.

* См. «Перед гробницею святой», « Клеветникам России»// ПУШКИН А.С. Сочинения в трех томах. Т.1. М.:1954 г.

 

في نصوص اليوم