ترجمات أدبية

سيرغي يسينين: الشبح الأسود

للشاعر الرروسي سيرغي يسينين

ترجمة الدكتور إسماعيل مكارم

***

الشبح الأسود

يا صديق، يا صديقي

إنني جدا مريض.

لا أدري كيف بل من أين هذه الآلام جاءت.

تارة تعوي الرياح

مثلما في سهل قفارْ،

تارة كأنما غابة في أيلولْ،

برأسي ينهمر بقسوة وقعُ الكحولْ.

*

وهذا راسي بآذاني يخفقْ،

كأنما طير جناحيه يُحرّكْ.

بات الساقان فوق العنقْ

لم يعد على الحراك قادرْ.

شبحٌ أسودْ

أسودُ أسودْ

شبحٌ أسودْ

ها هو يجلس بقربي على السريرْ،

الشبحُ الأوسودُ

يحرمني من النوم طيلة الليل المَريرْ.

*

الشبح الأسود

بالبنان يشير لأسطر بكتاب تعيس

ويخنخن فوقي

كأنما راهبٌ فوق جثمان فقيد،

يقرأ ليجعلني أسمع

سيرة َ سكير حَقيرْ،

دافعا إلى روحي الخوفَ والحزنَ.

مَخلوق أسودْ!

مَخلوق أسودْ!

*

" إسمعْ، إسمعْ –

راح يحكي لي ويُثرثر –

في الكتاب أفكارٌ

بل ومشاريعُ عظيمة.

هذا الإنسانُ

عاشَ في بلاد

يسكنها أكبر الأوباش المكروهين،

والمشعوذون.

*

الثلج في كانون بتلك البلاد

أبيض ناصع نظيف،

حيث هذا الثلج يغزلُ

غزلَ البناتِ الجميلْ .

ذاك الإنسانُ كان مجازفا،

مقامرا، ومغامر

من الدرجة الأولى.

*

كان أنيقا

وهو بذات الوقت شاعر

وقواه لم تكن

عظيمة كبرى، ولكنه قادر،

وكان قد سمى امرأة

جاوزت سنّ الأربعين

بالفتاة الخبيثة

ويناديها دلالا - حلوتي ".

*

" السعادة – قال لي –

هي في براعة العقل واليد .

ومن كان بعيدا عن البراعة وفنونها

حَسَبهُ القومُ

في الدنيا تعيساً.

لا بأسَ إذن بعد هذا

أنّ إشاراتٍ تعيسة زائفة

تثقلنا بعذاباتٍ كبيرة.

*

إنّ أعلى أشكال الفنون

خلال العاصفة

وفي حالات الفقدان والأسى

وحين تكون في حالات الحزن

إن أعلى أشكال الفنون

أن تتظاهر بالإبتسامة، والبساطة، والرضاء ".

*

" أيها الشبح الأسودُ

حذار، حذار

كيفَ تجرؤ.. فأنت لستَ تحتَ الماء

تحيا وتخدم. *

ما شأني والحديث

عن حياة شاعر

وهو بذات الوقت مشاكسْ

فاحكِ للآخرين عنه ما شئتَ وحدّثْ ".

*

الشبح الأسودُ **

ينظر نحوي، يُحدق.

وعيناه قد غطاهما قيء أزرق –

كأني به يُريد القول

أنني حرامي وسارق

قمت بنهب أموال

رجل ما عابر

بلا خجل أو استحياء.

*

يا صديق، يا صديقي

إنني جدا مريض.

لا أدري كيف بل من أين هذه الآلام جاءت.

تارة تعوي الرياح

مثلما في سهل قفارْ،

تارة كأنما غابة في أيلولْ

برأسي ينهمر بقسوة وقعُ الكحولْ .

*

ليلٌ وصقيعْ

وهذا الدوّار صامتٌ ساكنْ

وأنا وحدي أقف قربَ النافذة

لا أنتظر ضيفا أو صديقا

وهذا المدى

قد غطاه منثورٌ كلسي ناعم

والأشجار كأنها فرسان

تجمعتْ في بستاننا.

*

وهذا الطائر الليلي المشؤوم

يصيح باكيا في مكان غير بعيدْ.

وهذي الفرسان الخشبية تعدو

وتطلق إيقاعا إنه إيقاع السنابك

ومن جديد ها هو الشبح الأسودُ

يقترب من مقعدي ويجلس،

رافعا قبعته العالية

ودون عناية يرمي معطفه خلفه.

*

" إسمعني جيدا، إسمعْ –

أخذ يشخر

موجها نظره تجاهي

شاهدته قد انحنى

مقتربا مني يقول:

ما رأيتُ يوما في حياتي

حتى بين الماكرين والأوغادْ

من يعاني عَبثا ويعذبه السّهادْ.

*

لنقل أني أخطأت !

وهذا البَدرُ الليلة قد اكتملْ.

ماذا يلزم بعدُ

لناعس ٍ غر هَدّهُ السّكرْ؟

ربما بالسّرّ ستأتي إليك (تلك)

ذاتُ الفخذين السَمينين، وأنتَ

سَتقرأ أمامها شيئا فيه غزلْ

أوقصيدة من شعركَ القميء المُبتذلْ؟

*

آه، كم أحب الشعراء

إنهم بحق قومٌ غريبْ .

عبرهم ألقى لقلبي تاريخا أعرفه، عجيبْ

كيف ذو شعر طويل وقبيح

يحكي لبنت المدرسة،

لمن لا يزال في وجهها حب الشباب

عن دنى أخرى وعالم بعيدْ

ولهاث الجنس يغلي في ضلوعِه.

*

لا أدري، لا أذكرُ

في إحدى القرى

ربما في كالوجا،

ربما في ريازانْ

عاش

في أسرة فلاحين بسيطة

صبيٌّ أصفرُ الشعر

ذو عينين زرقاوينْ...

*

لقد كبُر الولدُ

وهو الآن شاعر

وقواه لم تكن

عظيمة كبرى، ولكنه قادر

وكان قد سمى امرأة

جاوزت سنّ الأربعين

بالفتاة الخبيثة

ويناديها دلالا - حلوتي ".

*

" أيها الشبحُ الأسود ُ

أنت ضيف ثقيل الظل.

هذه السِّمعة ُ

تلاحقك من زمان ".

لقد طفح الكيل، إني أثور غاضبا

وتطير من يدي عصاي

نحو سحنته القبيحة،

إذ تصيبه بين عينيه...

*

ذبُلَ القمر

وهذا الصّبح خلفَ الشباك يصحو

آه، أيها الليلُ

ماذا فعلتَ؟

إني أقف

وعلى رأسي قبعتي العالية

ليس من أحد جنبي

وهذي المِرآة قد تهشمتْ... ***

***

تشرين الثاني عام 1925

..............................

هوامش ومصادر:

* لفهم النص لابد من معرفة التراث الشعبي الروسي وحتى السلافي، حيث ورد في الأساطير والحكايا السلافية والروسية أن المخلوقات الشريرة منها من يعيش ويخطط أفعاله السيئة والخبيثة في عالم تحت الماء.

** ليس المقصود هنا في الشبح الأسود – الإنسان صاحب البشرة السوداء إنما من يمثل المخلوقات الشريرة.

*** كالوجا – بلدة قرب موسكو، وريازان – هي مدينة الشاعر يسينين.

**** المرآة المهشمة حسب الإرث الروسي والسلافي القديم - هي دليل شؤم أوشيء قادم تعيس يطال مصير الإنسان . لذا لابد من تنبيه الزملاء ممن ترجموا هذه القصيدة من قبل إن القول بأن (النافذة قد تهشمت) مع إهمال المرآة قد افقد القصيدة عنصراهاما.

ملاحظة - لابد هنا من التنويه إلى أمر هام يدخل ضمن أخلاقية المترجمين لقد حافظنا على شكل القصيدة وحتى على عدد المقاطع والأشطر محاولين الحفاظ على شكل القصيدة وأسلوب الشاعر في نصه الأصلي الروسي.

Сергей Есенин. Собрание сочинений в двух томах. Том 1.

Москва. 1991.

وجهة نظر

من الأهمية بمكان وضع معايير وضوابط دقيقة لتقييم جودة الترجمة. لا يمكن إجراء تقييم نقدي موضوعي للترجمة إلا بالإستناد إلى بعض الأسس التنظيمية، التي تجعل من الممكن تحديد طبيعة الإنحرافات عن قواعد وأصول الترجمة، هذه الإنحرافات (المبررة، وغير مبررة، القسرية أو التعسفية).

هذا الأمر يتطلب تحديد ضابطة أو معيار للترجمة، بل لكل نوع من أنواعها، مع مراعاة عدد من العوامل الدلالية، والإسلوبية، والعملية، والإجتماعية وغيرها مما يخص التقاليد.

من دون معايير واضحة أو ضوابط واضحة بما فيه الكفاية لتقييم جودة الترجمة لن نجد هناك شروطا لإعطاء شهادة تثمين للمترجمين، هذه الشهادة أو التثمين، الذي سيضع حدا للفوضى في عالم الترجمة وأعني هنا ترجمة النص في الشعر أوالنثر لدينا .

قد يقع نظر القارئ هنا أو هناك على بعض الأفكار المبعثرة في مجال نظريات الترجمة ولكن علينا أن نعترف بأن البحوث الجادة في هذا الميدان إلى يومنا هذا قليلة، أعني هنا في المكتبة العربية، وفي الدوريات العربية الجادة.

إذا وجدنا لدى بعض الأكاديميين في هذه الجامعة أو تلك ما كتِبَ عن مسألتي (الكفاية ) و(التكافؤ) أو عن مسألة تقريب النص المترجم من النص الأصلي فهذه أعمال منقولة من الدوريات الأوروبية والروسية، ورغم ذلك نوجه لهؤلاء جزيل الشكر.

في نصوص اليوم