ترجمات أدبية

آنا ماريا ماتوتى: موسيقى

ثلاث قصص قصيرة جدا

تأليف: آنا ماريا ماتوتى

ترجمة: د.محمد عبدالحليم غنيم

***

1- موسيقى

لقد اعتادت ابنتا الملحن العظيم- اللتان تبلغان من العمر ستة وسبعة أعوام- على الصمت. لا ينبغي أن يكون هناك أية ضوضاء في المنزل،لأن أبي كان يعمل. كانتا تمشيان على أطراف أصابعهما، بالنعال، وفقط لا يكسر هذا الصمت سوى صوت بيانو والدهما.

ثم مرة أخرى صمت.

ذات يوم، تُرك باب المكتب مغلقًا بغير إحكام، وتسللت الصغرى نحو الباب الموارب ؛ كانت ترى كيف ينحني الأب، من وقت لآخر، على قطعة من الورق ويكتب شيئًا.

عند ذلك ركضت الفتاة بحثًا عن أختها الكبرى. وصرخت، صرخت لأول مرة وسط الصمت الثقيل:

- موسيقى أبي، لا تصدقينها، إنها يخترعها !

***

2- الفتى الذي كان صديقا للشيطان

حدثه الجميع في المدرسة، والمنزل، والشارع، بأشياء قاسية وقبيحة عن الشيطان، ورآه في جهنم فى كتاب الدين، مليئًا بالنار، بقرون وذيل مشتعل، بوجه حزين و وحيدا يجلس في مرجل.

قال:

- شيطان مسكين، إنه مثل اليهود، أن الجميع يطردونهم من أرضهم.

ومنذ ذلك الحين، كان يقول كل ليلة: "وسيم، جميل، يا صديقي" مخاطبا الشيطان. سمعته الأم، رسمت الأم علامة الصليب على صدرها وأشعلت الضوء:

- آه، أيها الطفل الأحمق، ألا تعرف من هو الشيطان؟

قال:

- نعم، الشيطان يغري الشرير القاسي. لكن بما أنني صديقه، سأظل دائمًا طيبا، وسيسمح لي بالذهاب إلى الجنة بسلام.

***

3- الصبى الذي مات صديقه

ذات صباح نهض وذهب للبحث عن صديقه على الجانب الآخر من السياج. لكن الصديق لم يكن هناك،وعندما عاد، قالت له والدته:

- مات الصديق. يا فتى، لا تفكر فيه بعد الآن وابحث عن الآخرين لتلعب معهم.

جلس الصبي في المدخل ووجهه بين يديه ومرفقاه على ركبتيه. معتقدا أنه سيعود. لأنه لا يمكن أن يكون هناك البلى، والشاحنة، والمسدس القصدير، والساعة التي لم تعد تعمل، ولا يأتى الصديق للبحث عنها. جاء الليل، وظهر معه نجم كبير جدًا، ولم يرغب الصبي في الذهاب لتناول العشاء.

قالت الأم:

- تعال يا طفلي، الجو بارد.

لكن الصبي بدلاً من الدخول، نهض وذهب ليبحث عن صديقه، بالبلى والشاحنة والمسدس الصفيح والساعة التي لا تعمل. عندما وصل إلى السياج، لم يناديه الصديق، ولم يسمع صوته في الشجرة ولا في البئر. أمضى الليل كله يبحث عنه. وكانت ليلة طويلة، عاصفة، غطى الغبار بدلته وحذاءه. عندما أشرقت الشمس، قام الصبي، الذي كان نعسانً وعطشًان، مد ذراعيه وفكر: "كم هي سخيفة وصغيرة تلك الألعاب. والساعة التي لا تعمل لا فائدة منها ". ألقى بكل شيء في البئر، وعاد إلى المنزل وهو جائع جدًا. فتحت له الأم الباب وقالت:

- لكم كبر هذا الطفل يا إلهي لكم كبر.

واشترت له بدلة رجل، لأن البدلة التي كان يرتديها كانت قصيرة للغاية.

(تمت)

***

.........................

المؤلفة: آنا ماريا ماتوتى/ كاتبة إسبانية، ولدت في برشلونة عام 1925، لأسرة ثرية حيث كان والدها صاحب مصانع للمظلات، واتسمت طفولتها بالمرض، بسبب الحرب الأهلية. تُعد إسبانيا ما بعد الحرب، التي تُرى من خلال عيون فتاة صغيرة، بأهوالها وحرمانها وبؤسها، فكرة مهيمنة متكررة في العديد من رواياتها. نشرت أول أعمالها، لوس أبيل. في السابعة عشرة من عمرها فقط. عملت أستاذة جامعية زائرة في جامعات أوكلاهوما وإنديانا فرجينيا.أصبحت عضوًا في الأكاديمية الملكية الإسبانية عام 1997 وحصلت على جائزة سرفانتس المرموقة عن أعمالها كافة في عام 2010. ووفقًا لماريو فارجاس أيوسا، فهي "واحدة من أهم الكتاب في اللغة الإسبانية". وتوفيت في برشلونة عام 2014.

 

في نصوص اليوم