ترجمات أدبية

بيتر هاندكه: حينما كان الطفل طفلا

بيتر هاندكه*

ترجمة: عبد الوهاب البراهمي

***

حينما كان الطفل طفلا،

كان يمشي ويداه إلى جانبه،

كان يريد أن يكون المجرى جدولا

والجدول نهرا،

وأن تكون هذه البِركة بحرا.

*

حينما كان الطفل طفلا،

لم يكن يعرف أنه كان طفلا،

وبالنسبة إليه، كان لكل شيء روح

وكلّ الأرواح روح واحدة.

*

حينما كان الطفل طفلا،

لم يكن لديه رأي في أيّ شيء،

لم تكن له أيّ عادة

غالبا ما يجلس متربّعا

وينطلق جريا،

وله خصلة شعر متمردة،

ولا يفعل سوى تصنّع الحركات حينما تأخذ له صورة

*

حينما كان الطفل طفلا، كان زمن الأسئلة التالية:

لماذا أنا هو أنا وليس أنت؟

لماذا أنا هنا وليس هناك؟

متى يبدأ الزمان وأين ينتهي المكان؟

أليست الحياة تحت الشمس سوى حلما؟

ما أراه، وما أسمعه وأحسّه، أليس مجرّد ظاهر لعالم ماثل أمامي؟

هل يوجد الشرّ فعلا مع أناس هم حقا الأشرار؟

كيف يمكن أن يكون أنا الذي هو أنا، لم أكن قبل أن أصير كذلك،

وأنه يوما ما أنا الذي هو أنا لن أكون ذاك الأنا الذي أكونه؟

*

حينما كان الطفل طفلا،

كان يُكره على أكل السبانخ والبازلاء، والأرز بالحليب

ومخفوق الكرنب.

ولكنه الآن يأكله دون أن يكون مكرها.

*

حينما كان الطفل طفلا،

كان يكفيه التفاح والخبز غذاء،

وكان الأمر كذلك دوما.

*

حينما كان الطفل طفلا،

تسقط حبات التوت في يديه كما تسقط لوحدها،

وتضجره حبات الجوز الطازجة

وهكذا هو الحال دوما .

*

ومن على كل جبل، كانت له الرغبة في جبل أكثر علوّا،

وفي كلّ مدينة، كانت له الرغبة في مدينة أكبر

وهكذا الحال دوما.

ومن على الشجرة، يمدّ يده إلى الكرز، متحمّسا

كما هو اليوم أيضا،

كان يخشى الغرباء وما يزال كذلك،

ينتظر تساقط الثلج أول مرّة ومازال ينتظره،

*

حينما كان الطفل طفلا رمى بالعصا على شجرة، مثل رمح،

وما تزال الشجرة تهتزّ لذلك.

***

.......................

* بيتر هاندكه: كاتب وسينمائي ومترجم وشاعر نمساوي ولد سنة 1942، تحصل على جائزة نوبل للآداب سنة 2019

 

 

في نصوص اليوم