ترجمات أدبية

بات جيمسون: حافز الموت

تأليف: بات جيمسون

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

كان لدي صبي يحضر لي البيرة، كان جيدًا في عمله، كنت أفتح الثلاجة كل صباح وأجدها ممتلئة بالزجاجات النظيفة المتلألئة. اشرب البيرة وأخرج في نزهة على قدمي. لكنني لا أبتعد كثيرًا، لقد كنت عجوزًا، وكانت حركتي بطيئة.

أحببت الجلوس في الشرفة الأمامية ومشاهدة الطائرات وهي تغطي السحب فوق رؤوسنا. كنت أجلس وأفكر أن التقدم في العمر أمر فظيع وأنني كان يبنغي أن أموت قبل هذا، قبل كل هذه الآلام والبؤس وسلس البول، كنت أستاذًا مرموقا والآن أنهار، أُصبت بالبواسير وتشابك الأظافر وذكريات ضبابية للأشياء السيئة التي فعلتها في حياتي السابقة، يبدو أن الناس تتذكر خطاياى أفضل مني. زوجاتي السابقات ، أطفالي، حجافل الأحفاد المجهولين. كانوا جميعًا يعرفون أسطورة ما فعلته – كان – الأسطورة التي هربت مني الآن.

تزوجت اثنين من طالباتي، وكانت لدي علاقات مع عشرة أو أكثر لطالما أحببت الصغيرات، لقد كن منفتحخات جدًا بشأن مشاكلهن، وكن حريصات للغاية على المشاركة، وكان ذلك رائعًا بالنسبة لحياتي المهنية، كتبي و أبحاثي عن الجنس البشري، ومع ذلك، كانت هناك نقاط خلاف. حاول العديد من الطلاب قتلي. و اعترف آخر بمشاكله في هوامش أوراق الامتحان، لقد استخدم البابل شيت لكتابة الأشياء مثل الموت الآن أو سأقتل نفسي. خلال ساعات العمل، سألته إذا كان لديه ميول انتحارية ضحك وتركني هناك حائرًا. الآن، هو الرئيس التنفيذي لشركة يتعدى رأسمالها ملايين الدولارات، إنهم يفعلون شيئًا ما مع الكترونيات اللياقة البدنية، جهاز يثيس قلبك لمعرفة إذا ما كنت تحب شخصًا ما حقًا، لا أعرف.

الصبي الذي أحضر لي البيرة اسمه بوشي، لقد تواصلنا على الانترنت، قال إنه يريد كسب المال، و قلت أنه بإمكاني فعل ذلك. لدي كثير من المال و رغبة واحدة فقط. ثلاجة مليئة بالبيرة. لم أكن أعرف أي شيء عن بوشي إلا أنه يبلغ من العمر 21 عامًا على الأقل، ويمكن الاعتماد عليه. ذات مساء وجدني بوشي على الدرج محاطًا بزجاجات من البيرة الفارغة.

كنت أفكر في شبابي حيث سقطت ذات مرة وجرحت يدي، فاكتشفت عالمًا من شبكات العنكوب تحت الجلد، وعندما قانوا بتخييط الجرح مرة أخرى، كنت حزينًا تقريبًا، شعرت أنني اكتشفت شيئًا رائعًا، وتم انتزاعه بعيدًا عني.

سألني بوشي:

- هل ترغب في مزيد من البيرة؟

قلت:

- ليس الآن. أريد أن أذهب إلى الشاطيء.

انطلقنا نحو الشاطيء، أخذني بوشي في العربة التي يستخدمها لتوصيل البقالة، شعرت و كأنني كلب عجوز في رحلته الأخيرة إلى الطبيب – البيطري – فرو متلبد، مفاصل مدمرة، أنفي فحم مكسو بالجليد، لم تكن المقارنة سيئة، مع كل نتوء أو هزة، شعتر بأن كل شيء خطأ في جسدي بدت أسناني جاهزة للسقوط من رأسي.

كانت الشمس على وشك الغروب، وكان الشاطء مزدحمًا، وثمه حشود من السياح شربوا العصائر و التقطوا صورًا لأنفسهم أمام أشجار النخيل و صناديق القمامة، وفي مكان كريب كانت الفرق المحلية ترقص وكلابهم النحيلة تسحب المناديل الممزقة، مجموعة من هؤلاء الأوغاد جلست القرفصاء على الرمل، يحملون الجياتر الرخيص و يغنون الموت و حماقة الرجل.

- لم يكن الأمر كذلك عندما كنت صغيرًا.

أشرت نحو التجمع و أضفت:

- رجال الشرطة يضربون شخصًا ما على رأسه بهراوة، لو تعرف هكذا.

قال بوشي:

- لابد أن الأمر كان صعبًا في ذلك الوقت. مع الدميا صدات التي تأكل كل شيء و الجميع.

تذمرت. كان والدًا قليل الأدب، نعم، لكنه الوحيد الذي يمكنني الاعتماد عليه، أعطيته عشرين دولارًا وطلبت منه مزيدًا شراء مزيدًا من البيرة، انتزع بوشي المبلغ واندفع، طبعًا كالعادة. جلست في العربة أنتظر.

نظرت إلى أعلى، كانت الشمس قد انتفخت وتراجعت. بشرتي المبقعة من أثر الكبد تشققت واحترقت, انتهى اليوم و سقطت ليلة أرجوانية على الأرض.

كتبت ثلاثة كتب أكاديمية، كلها كتب قيمة، لكن أشهرها على ما أسماه فرويد "محرك الموت" وقد افترضت أن حياتنا كلها، وكل قرارتنا تتخذ على عكس الأفضل لنا، إن عقلك بوعي أو بدون وعي يحاول قتلك، كتبت هذا الكتاب على الشاطيء، وأنا أشرب نبيذ الشعير من كيس ورقي دافئ، أردت أن أفهم ما الذي يجعل الناس يقرؤون هذا الكتاب، وظننت أنني أعرف. الآن بعد أن اقتربت من الموت، موت حقيقي ودائم

– ليس لدي فيه لفهم أي شيء.

بعد ساعة أدركت أن بوشي لن يعود، شعرت باليأس من ثقتي به. وعقدت العزم على ضرب بعكازي بمجرد أن أعود للمنزل. مع ارتفاع القمر في السماء، عادت الحشود واجتمع المتشردون معًا لتكوين حلقة طبول ورقص.

اشتعلت نار شاهقة ومشرقة، وبدأوا في الرقص حولها، وهم يصيحون مع الموسيقى، لقد كان هراء، وخاليًا من الجمل وبلا منطق، ولكن كان هناك شيء جذاب، شيء بدائي، دعاني إليه. نزلت من السيارة باتجاه الضوضاء، مع كل حركة شعرت بأن أجزاء جسدي تنفصل، تتمزق و تتفكك، تسقط ورائي. ومع ذلك واصلت السير. و أنا أشعر كما لو كنت أتخلص من طبقات وراء طبقات. دهور من الذكريات و الألم و الندم، حتى صرت صغيرًا مرة أخرى، لانزلق من رحم من أمي. عندما وصلت إلى هناك تقريبًا، قفزت نحوي امرأة. تبتسم، في ضوء النهار، رأيت وجهها، كما لو كان مبتذل وسوقي، ومع ذلك كم كان جذابًا.

مدت يدها وبدأنا في الرقص، تقفز أقدامنا فوق ضوء القمر و الرمال، أغميض عني و أنا أفكر، ربما بقى شيء لي في هذا العالم بعد كل ذلك.

(تمت)

***

..................................

المؤلف: بات جيمسون/  Pat Jameson بات جيمسون كاتب من ولاية بنسلفانيا ، ومقره الآن في رونوك بولاية فيرجينيا. يعمل حاليًا للحصول على درجة الماجستير في الفنون الجميلة في الكتابة الخيالية في جامعة هولينز. ظهر عمله أو سيصدر قريباً في SmokeLong Quarterly و X-R-A-Y و BULL ، من بين آخرين. وصلت قصته "Death Drive" إلى نهائيات جائزة SmokeLong Quarterly Flash Fiction لعام 2022.

في نصوص اليوم