ملف المرأة

حجر مُشتهى / زينب سعيد

-     لأنني مشتعلة برصيفك فيّ...مشتعلة بحرقة الوطن والتراب، مشتعلة بحصى الزيتون وريش الحمام

•    أحتاج لرزمة من ذكرانا معا، أحتاج لزاد من عمرنا يكون نورا في طريق الوداع

-     جسدي زادك ألن ينفعك؟ لماذا نتكلم عن الفراق هكذا ؟ يسكننا الوطن بعنف كعنف الموت، كحصى الأمومة الطافح بالاشتعال، يكون رابطا قويا بيننا ....تختلف مواقعنا لكن جرح الوطن يجمع أشلاء تمزقنا، يجمعنا الاغتراب في شيء اسمه الأرض، اسمه الانتماء....أعتنق الوطن وفي انسجام اتحادنا يتسرب مني جسدك ليغادر قرار المتخيل إلى ما هو ثاو في، إلى حجر زرعته في أرضي وبات جدارا بيني وبين من يسكنني، أأنت بعيدة عن هذا البقاء ؟

* بعيدة عن نفسي بجدار حريتي، لا نكون أسوياء إلا خارج حدود العدالة، خارج عنف المؤسسات والمواثيق الدولية، خارج المعاهدات، نكون أسوياء فقط ونحن نحضن الحجر الصغير ليمنحنا حقا في الحياة....حقا في الولادة ....حقا في المصير...، حقا في ......أريد أن أكتبك بدمي لا أعرف ، لأن دمي مصنوع من حجر وأنت خارج حدود الحجر، وإذا أردت الوصول إليك عليّ اجتياز الحدود، عليّ مساءلة المؤسسات والمعاهدات الدولية، عليّ الرجوع إلى جنوني إلى لا توازني، كيف أكونني خارج لا توازني ؟ وكيف أكونني بدونك؟ أنت والوطن سيان، يجب الدفاع عن الأول لبقاء الثاني ، فهل أنت وطن لي في أرض سواي ؟ والوطن غال يا رفيقي...

- أنا تمفصل كل الأوطان، لك الحجر ولي السيف في زمن لا يعرف إلا القنابل والدبابات وليزرعوا حدودا كما يشاؤوا، فبيني وبينك وطن مطعون ولد بيننا، أنت الطفلة الصغيرة التي تزرعني قشعريرة داخل قرارة أعماقي وتكبر لتحيى بعيدا عني، فأنا من أنجبك ألا تذكرين ؟ أنجبتك من ضلع ثالث في لا أعرفه

* أو نلتقي ؟

- نعم سنلتقي، هذا أكيد، سنلتقي حينما يذوب جليد الحدود بيننا، ستجدينني انتهيت من بناء منزلنا معا، سأبنيه من حصى أعشاب وبقايا حجر، سأبنيه من رمال حرية معجونة بدماء أليست هذه وصيتك؟ وسأوضب فيه غرفتين لابنينا "لقاء " الذي ولدناه معا ونحن نهرول بين قصف الدبابات، لم نكن معا لأن المسافة بيننا عمر وحلم، لكنني أنجبت منك، ففي هذا الوقت بالذات افتكرتك وأنا لا أعرفك، أحببتك وأنا أبحث عنك، أنجبت منك وأنا أتمنى لقاءك في طريق الدماء، لأنني كنت حيا وميتا لهذا أحببتك ولا أريد أن يموت نسلي معي، إكراما للأرض والوطن ولك يا وطن أعشابي

* و"بقاء" التي أنجبت منك وأنا أستبدل الحجر بالزيتون على مقبرة الحدود لأراك مشتعلا بالوطن، لم ترن ساعتها، لكنني رأيتك وأحببتك باشتعالك، وأنجبت منك، من نظرتي المتفحصة لجسدك اللاهث خلف الوطن، أنجبت "بقاء" لينطفئ اشتعالك واشتعال الوطن فيّ بالعودة إلى الحجر . ماذا لو لم نلتق؟

- سأنزل إلى كل الشوارع والعواصم لأسألهم عنك، سأكتب لك قصيدة طويلة من دم وحرمان، من تراب أحرش، أعلقها على كل المقابر التي تعرفك، والتي سأعرفها أنا عليك، سأخترق الحدود، وسأتنكر للمعاهدات والمؤسسات، كل ما سأحمله معي هو حجرك الصغير الذي قصفت به يوما حدودي ، وبنيت به جدارك بداخلي ..سأكلم العالم عنك وسأنتزع من القتلة جثتك، لن تدفن قبلي، سندفن معا، وقبل هذا سأنتزع منك ابنينا اللذين سيحملان اسمينا معا، اللذان سيتكلمان للتاريخ عنا، سيرويان العطاشى بحبنا واشتعالنا، سيخبران العالم عن حجرك وسيفي وحدودنا، وعن رغيف أحلامنا و....، وأرضنا، عن كل شيء حتى عن بيتنا الصغير الذي أنجبنا فيه ابنتنا التي أسميتها " حب الوطن"، أتذكرين ؟ وتنازعنا لأنني أحببت " انتماء" ، لكنك رفضت اسمي وقلت بصوت حاد ومكسور كلنا انتماء لكل الأوطان لكن حبك يبقى أبديا لوطنك، رسمت قبلة بين حاجبيك ودخلت غرفة النوم متجهما منك، أعطيت لجسدك حركة استرخاْ بهية أخذت مخيلتي وتفوهت بابتسامة غير معلنة وقلت لي، رغم الحدود أنا أحبك، واشتعلت بداخلي وطني ووطنك وكل الأوطان، أحبك..........

 

الإرهاب مر من هنا

 

إلى الذين انتظروا كثيرا ليثمر هذا الوطن

هو قال: أريدك طفلة بحجم الأم لأرتب براءتك بجنوني وأنام هادئا على خصلتيك

ردت عليه:

> أريدك رجلا بحجم الأب لأكرر فيك عقدة الكترا لآخذ منك نضجي وأزرع مساحتك طفولة ، لأرضعك من ثدي خرج من ضلعك حرا وكفر...

هو قال: كل العالم بحجم التيه خذي طريقا إليّ وأغلقي نافذة العتمة المطلة على حلمي وانصهري فيّ لينام الليل....ليقفز الفجر من حضن النهار وليكون للغروب البحري لون عينيك.

ردت عليه: كن جدارا تقصده فوضاي ...سأمزّق النهار لأصنع جسرا يحمل حلمي وسأجيئك بلون الغروب، ستثمر فيك عاداتي ...وسأفسد عاداتك، ينام الليل عميقا ...يتنفس الوضوح الصعداء وتأخذ الأشكال لون الاتحاد، يستقر شكل المكان وتحمل الأضواء عنوان الزمن الآتي...يخرج السارد من النص ، يمر محاذيا للكلمات ويستقر على الحياد ليحكي فصول النص ، ليحكي عن الراوي ..في غمرة الحكي هي بالتحديد عن النص والراوي وعن ملابسات السرد، يمر طفل يحمل أشلاء جسده الممزق، ويحمل علم الوطن ملطخا بالدماء ودمعا غامضا، طفل بالتأكيد هو الذي لاك الخطاب الأول وعبر إلى الطفولة بنبرة رجل حالم، يحمل لافتة مكتوب عليها اعتراف ومخطوط فيها:

أرتب الزمن، أحط الوقت بتأن على خط مستقيم وأقفز على الأرقام لأقبض على غد فار من نافذة الحروف، أطفئ الفوضى وأخرج من حشرجة العتمة لأجد جثة على مقبرة الدجى منفصلة موزعة الأعضاء يغسلها الدم...

قال الليل:إنها نتيجة وضع شاذ

قال المخبرون:بل إنها نتيجة انفجار إرهابي سافر

قالت الجثة:حاولت تحريك السواكن فسقطت في العدم...كل العالم غائب إلا بؤسي، كل الأحوال متغيرة إلا يأسي، وطنتني الحاجة وأعطاني الوطن هامشا للصمت المقيت، رتبت هروبي ودخلت عالم الرفض من غضبي، وجدت الغد والآن على خط واحد، على شفرة رقم واحد لا يتغير...كسرت الاستقرار ودخلت شظايا الوهم والخطيئة فانطفأ بوحي وعلا الرعب مدينة وطني.

تساقط الوجع على ذقن الطفولة واختلط الكبير بالصغير في زمن اقتحم فيه الغموض جفون الليل واغتصب عذراوات الفجر وتسلل هاربا إلى مغارة الضوء.....

جئت بقفة سلام وبقايا نعنع لصبح ليس ككل الصباحات، في طريقي وجدت حجرا محروق الأوصال سألته:ماذا حدث؟

قال: الوطن يغلي وانصرف

تقدمت بخطو جائر لمناجاة الوطن، وجدت دمعا ساخنا على جدار متساقط سألته:ما خطبك؟

ردّ مكسورا:الوطن في ورطة

وقفت عند عجوز تبكي أشلاء جثة سألتها:

ماذا حدث؟

فردت:المنية أخذت ابني وبين الإدانة والشهادة حفروا قبري، طوقها أطفال في ربيع الزهور حفاة عراة يتضورون حاجة

أماه أين الوطن؟

أماه ماذا حدث؟

أماه ما بالنا لا نشبه الآخرين وماذا أراد هؤلاء العسكريون منا؟

أماه ما بك تشربين الدمع وما بال هذا القيح البادي على قلبك؟

أماه ما مصيرنا ؟ أين كراريسنا ودمانا ؟أين لعبنا ؟

أماه ما هو الوطن؟

هو: أخذ الشوق وحرث الطريق وانصرف إلى التيه بحثا عن الوطن

هي: أخذت شعاع النور وتبعت أثره تبحث عنه في فوضى الوطن الثاني

 

خاص بالمثقف، ملف: المرأة المعاصرة تُسقط جدار الصمت في يومها العالمي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2054 الجمعة 09 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم