أقلام ثقافية

الحقول الدلالية وسَبْرُ شخصية الكاتب

حسن الحضرينظرية الحقول الدلالية من النظريات الحديثة من حيث المصطلح، القديمة من حيث التطبيق؛ حيث تعود جذورها إلى المصنفات العربية منذ قرون طويلة، من خلال كتب البلاغة والنقد، وطريقة تصنيفها وتبيويبها، بل وعنونتِها أيضًا، ويلي ذلك تصنيف المعاجم، التي تدل دلالة واضحة على تعمُّق العرب في تطبيق ما عُرِف حديثًا باسم "نظرية الحقول الدلالية".

وعند تطبيق مبادئ هذه النظرية على أي نصٍّ؛ فإن ذلك يعني حصر الحقول الرئيسَة في النص، التي تندرج تحتها الألفاظ والمفردات والتراكيب الواردة في هذا النص؛ سواء لفظًا أو معنًى، وعند ذلك يتبين لنا كيفية معالجة الكاتب للقضايا التي تناولها، والعاطفة المسيطرة على النص، وكيفية توظيفِهِ لتلك الألفاظ والمفردات والتراكيب، في تناوُلِه لتلك القضايا وتعبيره عن تلك العاطفة؛ كما يتبين لنا أيضًا مدى ملاءمة هذه الألفاظ والمفردات والتراكيب، للموضوع الذي يتناوله، حيث يحدد هذا الأمرُ مدى تمكُّنِه ودرجة موهبته وقوة إبداعه، وفي الوقت نفسه يكشف عن ميوله وتوجُّهاته، والعوامل المؤثرة في تكوينه الداخلي، التي تبدو واضحة من خلال مدى صِدق العاطفة؛ وأيضًا العوامل الخارجية المؤثرة في النص، من خلال مدى سيطرة اللفظ على العاطفة، ومدى المواءمة بين اللفظ وبين المعنى من جهة، ومن جهة أخرى مدى مواءمة كلٍّ منهما للحقل الدلالي الذي يندرجان تحته.

ومما لا شك فيه أن كل ما سبق، يمكن أن يضع أمامنا تصورًا صحيحًا لشخصية الكاتب، وحكمًا مصيبًا على مصداقية النص، وبتطبيق ذلك على نصوص ومصنَّفات التراث؛ يتأكد لنا مدى صحة نسبة النص أو المصنَّف إلى صاحبه؛ إذْ إنه من المسلَّم به قطعًا ظهور تأثير العوامل الرئيسَةِ المشكِّلة لشخصية الكاتب، إضافة إلى التأثير الكليِّ أو الجزئيِّ للعوامل الثانوية، المرتبطة بكل نصٍّ.

والملاحَظ أن بعض النقاد حين يتعاملون مع نصوص التراث، ويلْحظون ما ظاهِرُهُ التعارض بين شخصية الكاتب وبين النص المنسوب إليه؛ ينظرون إلى الكاتب نظرة أوَّليَّة لا تتجاوز النظرة الظاهرية إلى ما هو أهم؛ وهو عمق التحليل النفسي، الذي يعتمد على معرفة جوانب شخصية الكاتب وطريقته في التعامل، وميوله واهتماماته وغير ذلك مما هو من شأنه أن يجعل الكاتب يأتي بألفاظ أو مفردات أو تراكيب أو معانيَ ربما تتعارض مع ظاهر شخصيته.

وهنا يظهر دور نظرية الحقول الدلالية، في سَبْرِ أغوار شخصية الكاتب، من خلال النظرة الشمولية للناقد أو المحقق في أثناء تناوُل النص، وفي هذا الصدد يمكن تصحيح مسار الكثير من الدراسات السابقة التي تناولت نصوص ومصنَّفات التراث؛ وذلك من خلال عرضها على نظرية الحقول الدلالية، وإعادة تحليل النص وفقًا لمبادئ هذه النظرية.

 

بقلم: حسن الحضري - عضو اتحاد كتاب مصر

 

 

في المثقف اليوم