أقلام ثقافية

عندما نحلم مع فان غوغ

محمد الشاوي"أحلم بالرسم، وبعد ذلك أرسم حلمي." فينسنت فان غوغ

إن الحديث عن قامة تشكيلية لشخص مثل الرسام الهولندي فان غوغ هو حديث بالضرورة عن مرحلة ذهبية من العطاء الفني وسمت مسار هذا المبدع. لقد استطاع بحق أن ينقل لنا أحلامه على قماشات المسناد؛ هي أحاسيس وأفكار لاشعورية كان يراها في اليقظة وفي النوم تطرق باب تفكيره بين الفينة والأخرى. وعلى هذا الأساس فما السبيل إلى تفسير هذه الأحلام؟ بتعبير آخر لماذا يعتبر الحلم مفهوما جوهريا في جميع منجزات هذا الرسام الهولندي؟

أقف عند لوحات فان غوغ ذات الأسلوب التعبيري الفريد الذي امتاز به هذا الفنان ولا سيما ضربات فرشاته على القماش وطريقة تلوينه وبحثه في الألوان الحية والموغلة في الضوء، تلك التي يسهل دخولها للوجدان لكي يترجمها العقل فتصير أنشودة حالمة تنقلنا من المعنى إلى معنى المعنى، ومن فن الرسم إلى فلسفة الفن، نعم إنها فلسفة نستطيع أن نسلك من خلالها طريق المجاز وخباياه نحو البحث عن حقيقة المكان والفضاء الخارجي في شقيه: الطبيعي والثقافي.

لقد استطاع فان غوغ أن يجعل المتلقي يخضع لسلطة اللوحة ولاشيئ غير الغوص في ثناياها لكي لنحلم معه عن السعادة وعن أسمى مدلولاتها. إنها سعادة التأمل في الوجود الطبيعي للأشياء  بغية أن نرسم معه الكلمات الدالة عن هذا الوجود من المعنى الباطني نحو المعنى التأويلي لجزء من ذاتيته وتجربته الشخصية داخل حقول تملؤها السعادة والرومانسية بحمولاتها القدسية على نفسية كل عاشق للطبيعة أو مولع بجمالها لكي يستفسر ويتساءل عن تلك الأمكنة ودلالات ألوانها..أليست جزءا من حلم جميل مافتئ نحلمه ولم نفكر في رسمه؟ حلم السعادة الذي نُمني أنفسنا به، سعادة بالإرادة والفعل ولا شيئ غير أن نحلم وأن نتخيل حقولا مخضرة، أماكن وفضاءات رحبة، غرفة منزل، ناصية المقهى، الشمس والأرض، السماء،الأشجار، رسومات وبورتريهات ذات دلالات خاصة...                 إنها تتسع لتشمل كل الأحاسيس الجميلة، تلك الذي تُحيي فينا ملكة الذوق الجمالي وتعمل في الآن نفسه على تهذيبها.

 

بقلم: محمد الشاوي (*)

...........................

(*) فنان تشكيلي مغربي وباحث في النقد الفلسفي للفن.

 

في المثقف اليوم