أقلام ثقافية

مينا راضي: النَجاحُ طَريق

" أريدُ أن أصبِحَ ناجِحًا". مَقولةٌ دائِمةُ التَرَدُّدِ على مَسامعِنا، خُصوصًا في ظِلِّ تَفَشّي الريادةِ بين الشَباب، نحنُ اليومَ تحت وَطأةِ ثورةٍ فِكريةٍ وإبداعيةٍ تَجرِفُنا لاإراديًا إلى التَنافُس، وهذا شيءٌ جيد، لكنَّ المُشكِلةَ تَكمُنُ في تَعريفِنا المُشَوَّهِ لمَفهومِ النَجاح. إنَّ مُجتَمَعاتِنا تُصَوِّرُ النَجاحَ دائِمًا على أنهُ نَتيجةٌ بعد سنَواتٍ طَويلةٍ منَ الكَدحِ والكَدِّ والعمَلِ الدَؤوب. لاحِظ يا عَزيزي الجُملةَ التي استَفتَحتُ بها هذا المَقال. " أريدُ أن أصبِحَ ناجِحًا. "وكلِمة" أصبح " مُشتَقّةٌ من الفِعل الناسِخ "أصبَحَ" واستِخدامُ هذه المُفرَدةِ دونًا عن سِواها تأكيدٌ جَليٌّ على أننا نتَوَقَّعُ أن نَستيقِظَ يومًا ما لنَجِدَ أنفُسَنا قد أصبَحنا ناجِحين، وهذهِ طامّةٌ كُبرى ومُعتَقَدٌ يُشَوِّهُ رُؤيَتَنا للحَقائِق.

استَوقَفَتني عِبارةٌ قالَها الكاتبُ الأمريكي إيرل نايتنغايل في إحدى لقائاتِه، قال أنَّ النَجاحَ هو عمَليةُ السَعي إلى هَدَفٍ مُعيَّنٍ أو مَجموعةِ أهدافٍ نَتَطَلَّعُ إليها، إذ أنهُ ليسَ لَحظةَ تَحقيقِ الهَدَفِ كما يَزعُمُ المُجتَمَع. شَكَّلَت تلك الكَلِماتُ مُنعَطَفًا في مَسارِ تَفكيري ونَظرَتي لمُصطَلَحِ النَجاح. أدرَكتُ أننا نُقَدِّسُ النَتائِجَ المُتَمَخِّضةَ عن السَعي، نَحصِرُ مَفهومَ النَجاحِ في خُطوطِ النِهايةِ فقَط.

جَميعُنا مَرَرنا بموقِفٍ مُشابِه، يَسألُكَ أحَدُ مَعارِفكَ ما إذا كنتَ قد وَجَدتَ عَمَلًا، فَتُجيبُهُ بأنَّكَ ما زلتَ تَبحَث، عندَها يَرمِقُكَ بنَظرةٍ تَشي بالشَفَقةِ ويرفَعُ كَفّيهِ بالدُعاءِ لك، رَدّةُ الفِعلِ تلك هي إيحاءٌ بفَشَلِك. يَجِبُ على العُقولِ أن تَخلَعَ عنها ذلك الغِشاءَ المَهووسَ بالنَتائِج، دائمًا ما نُرَدِّد: " سأقرأُ الكِتابَ الفُلاني لأكونَ ناجِحًا. " أو " عندما أصِلُ إلى المَنصِبِ الفُلاني سأصبِحُ شَخصًا ناجِحًا. " هذهِ عِباراتٌ يَجِبُ مَحوها من قَواميسِنا، فنحنُ ناجِحونَ أثناءَ قِراءةِ الكتُبِ ومُحاوَلاتِ التَرَقّي في العَمَل، نَنجَحُ في كل خُطوةٍ نَخطوها صوبَ المَرام، نَنجَحُ ونحنُ نَسهَرُ اللَيالي خلفَ الكَواليس ونَطرُقُ الأبوابَ بَحثًا عن الفُرَص. احفَظ هذهِ المُعادَلةَ جيدًا أيها القارِئ، كلُّ مُعافَرةٍ تُساوي نَجاح.

 

مينا راضي

في المثقف اليوم