أقلام ثقافية

أيمن عيسى: ألفاظ عربية أصلها سريانى

ايمن عيسىاللغة السريانية من أقدم اللغات التى تحدث بها الإنسان على سطح الأرض، وبالرغم من أنها انقرض استعمالها فى التداولية الألسنية، إلا أنها لها أثر ملحوظ فى لغات عديدة، أبرزها العربية. وقد ينحرف لسان البعض فى نطق اسمها، فيقول اللغة السريالية، وهذا خطأ . فالسريانية غير السريالية، السريانية هى اللغة التى نقصدها بالحديث، أما السريالية بحرف اللام، فهى تيار فكرى يقوم على التهويم والغموض وبرزت آثاره فى مجالات الفنون والأدب .

والسريانية، ذهب نفر من اللغويين إلى أنها ليست من أقدم اللغات فحسب، بل إنها أقدم وأول لغة كانت على الأرض، وهى اللغة التى كان يتكلم بها آدم على الأرض، وذهب إلى ذلك أيضا عدد من العلماء المسلمين وعلى رأسهم ابن حنبل، فالسريانية كما رأوا أنها كانت لغة آدم ونوح وعدد من الأنبياء والمرسلين، كان لسانهم السريانية، كما ذهبوا أيضا إلى أنها اللغة التى تتحدث بها الملائكة .

وذهب إلى ذلك عدد وافر من المفسرين يكاد يصل إلى حد الإجماع والاتفاق على أن لسان الملائكة سريانى، واستندوا فى ذلك إلى قوله تعالى حكاية عن سيدنا جبريل {لِسَانُ الذى يُلحِدُونَ إليهِ أعجمىٌ وهذا لسانٌ عربىٌ مبينٌ} [النحل / 103] . فنص الآية بيان صريح بأن لسان سيدنا جبريل أعجمى غير عربى . فذهبت الكثرة إلى أنه سريانى . وقال نفر قليل إن علم لسانه عند الله. وإلى السريانية ينسب كثيرون عددا من الكلمات المستخدمة في السحر، وقد يكون هذا أمر وارد من حيث اللغة، استنادا إلى أن " هاروت وماروت " كانا يتحدثان السريانية .

واللغة السريانية كما تعرفنا من النقوش والمخربشات والآثار وما انحدر إلينا من ألفاظها، أنها مثل العربية تكتب من اليمين إلى اليسار، وحروفها أشبه بالرسومات الخطية وتتشابه إلى حد ما مع ما يقارب حروف اللغة العبرية . وقد توصل الباحثون فى تاريخ اللغات إلى أن عدد حروف السريانية هى " 22 " حرف. وفيها حروف صامتة وصائتة مثل العربية، وتعرف شيئا مما يقارب الحالات الإعرابية فى العربية، وتعرف الأوزان الصرفية، وأشهر وزن فيها " فـَعـَلـُوت " . وقد سميت بالسريانية نسبة إلى " سوريا " و " السوريان " الذين كانوا يسكنون هذه الأرض، من هنا كانت اللغة " سريانية " . وبالرغم من اختلاف آراء قليلة حول سبب التسمية، إلا أن هذا ما ذهب إليه الكثيرون .

ومن الكلمات العربية ذات الأصل السريانى، نجد الكلمات:

الله: وهو فى السريانية " الوهو "، والذى نلاحظه فى استعمال التداولية الألسنية للفظ الجلالة، أنه لفظ واحد فى كل لغات أهل الأرض، المنقرضة والباقية، إلا أنه فى كل لسان يخضع لبعض التشكلات الصوتية، ففى العبرية على سبيل المثال نجده " إيلوهيم "، وقس على ذلك فى لغات عديدة .

مسيح: واللفظة فى السريانية " مشيحو "، وهى تعنى فى السريانية ذو المسحة الإلهية الروحية، وكانت تطلق على الملوك تعظيما وتبجيلا لهم .

قدس: وهى فى السريانية " قديشو "، وتعنى البركة، وفى العربية تعنى البركة وزيد عليها معنى الطهر .

جنة: وهى فى السريانية " جَنـْتـَا " بمعنى الحديقة.

أبـَّا: وهى فى السريانية " أبَا " بمعنى الثمرة اليانعة . وفى العربية بمعنى ما تأكله البهائم من العشب، وبهذا المعنى قال ابن عباس وعمر بن الخطاب، وسار على ذلك الطبرى وجمهور المفسرين، فى قوله تعالى {وفاكهةٍ وأبَّا ً} [عبس / 31] .

عدن: وهى فى السريانية " عدن " وتعنى حديقة العنب .

سِفر: وهى فى السريانية " سِفر " وتعنى الكتاب، وهى كذلك فى العربية.

حور: هى فى السريانية " حور " وتعنى العنب الأبيض .

زفر: وهى فى السريانية " زوفرا " وتعنى الرائحة الكريهة .

نبراس: فى السريانية " نبراس " بمعنى المصباح .

وغير ذلك من كلمات سريانية استعملتها العربية، ولما شاع تداولها صارت عربية، منها ما خضع لتحويرات النطق العربى، ومنها ما توافق مع النطق العربى، فاستعملته العربية كما هو على حالتيه الصوتية والصرفية.

بقى لنا فى الحديث أن يكون مسك الختام هو تنويه وإيقاظ، فمن الملاحظ أن نفرا تحدثوا فى مسألة الألفاظ العربية ذات الأصل السريانى، إما بغير علم، وإما بسوء طوية مسها الشيطان وتلبستها النفس المريضة بالأهواء .

أما الذين تحدثوا بغير علم، فقد توسعوا بغير سند علمى أصيل فى سرد الألفاظ العربية ذات الأصل السريانى، حتى كدنا نخال أننا لا نتحدث العربية وإنما نتحدث سريانية، وهم فى حديثهم أصحاب نقل أصم، لا أصحاب بحث أو نقل عن مصدر أمين ثقة . ليس أن تجد واحدا تحدث فى مسألة ثم تأخذ عنه، فإنك بذلك وقعت على المصدر الأمين فيما يذكر، وما كانت هذه بمصادر، فما هى إلا مراجع، والعجيب أنها مراجع أصحاب سوء الطوية .

فأما أصحاب سوء الطوية الممسوسة، فقد ذهبوا إلى عدد وافر من الألفاظ العربية ذات الأصل السريانى، وجعلوا لعدد منها معانيها فى السريانية، ومن هذه الألفاظ ما جاء فى القرآن الكريم، ثم بعد ذلك يذهبون إلى معنى جديد للآية يختلف تماما عما عليه اللسان العربى والعلماء، وفى النهاية تكون الخاتمة إلحاق العيب بالمفسرين واللغويين .

ومثال ذلك لفظتى " الخمار " و " الجيب "، فذهب واحد إلى أنهما لفظتان فى السريانية، وأن الخمار تعنى الحزام، والجيب يعنى الوسط . وعلى ذلك فإن كل المفسرين قد أخطأوا فى تفسير الآية{وليَضْربْنَ بخـُمُرهِنَّ عَلى جيُوبهـِنَّ}  [النور / 31] . فمعنى الآية إذن هو أمر للنساء بشد الحزام على الوسط !!!

ونسوا فى ذلك بالدليل العلمى اللغوى، أنه حتى لو كانت اللفظتان من اللسان السريانى وأيضا حتى أنهما لو كانتا بهذا المعنى فى الأصل السريانى . فإن الله عز وجل حين يخاطب بقرآنه العرب وفيه هاتان اللفظتان، فإنه تعالى يخاطبهم بما استقر فى ذهنهم هم من معنى لهاتين اللفظتين، ليس بما كانت عليه اللفظة فى سريانيتها . الكلمة أيا ً كان أصل دلالتها إلا أنها حيت ترد فى السياق القرآنى فإنها تخاطب الناس بما استقر فى ذهنهم من معنى لهذه اللفظة .

 

د. أيمن عيسى - مصر

 

 

 

في المثقف اليوم