أقلام ثقافية

مينا راضي: صِراعُ الأزمِنة

كانَت عالِقةً في صِراعِ الأزمِنة، لا تَعرِفُ إلى أي زَمانٍ تَنتَمي. فتارةً تَجِدُ نفسَها مُضَمَّخةً بضَبابِ المُستَقبَل و تارةً تَلمَحُ ذاتَها القَديمةَ جدًا، ذات القَلبِ المُتَصَدِّعِ و الإرادةِ المَعقوفةِ و الحُلمِ المُشَوَّه. حَشَرَت نفسَها الشاسِعةَ في خُرمٍ ضَيق، ما بين ما كانَ وما سيَكون. لم تُلقِ بالًا لذلك الحاضِرِ الذي يُباغِتُها في كل بُرهةٍ مُتَسَولًا رَذاذَ اهتِمامِها. لطالَما كانَت ضَحيةً لعَقلِها الباطِنِ الذي يَكبُرُها جُنونًا.

الماضي و المُستَقبَلُ يَتَجاذَبانِها كأنَّهما يَلعَبانِ لُعبةَ شَدِّ الحَبل، بينَما كانَ حاضِرُها يَنظُرُ إليها من بَعيد، يُحاوِلُ التَلويحَ لها مع نَظرةٍ تَشي بالشَفَقة. استَفاقَت فجأةً و نَظَرَت إلى ساعَتِها، إلى مَوضِعِ وِلادةِ اللَحظة، إلى الإصبَعينِ المُشيرَينِ إلى "الآن". أخَذَت نَفَسًا عَميقًا و مَزَّقَت ماضيها كمَقطوعةٍ قَديمةٍ أو كقَصيدةٍ فاتِحةٍ للجُروح، ثم تَناوَلَت ذلك المُستقبَلَ البَعيدَ جدًا و وَضَعَتهُ في أعلى ذلك الرَف. في تلك اللَحظةِ فقط بدأَ عَدّادُ الحَياة، و سَجَّلَت لنفسِها تاريخَ ولادةٍ حَقيقيًا هذه المَرّة.

في المثقف اليوم