أقلام ثقافية

مَن هو الناقد؟

عادة ما يؤدي النقد في الحياة الادبية والثقافة، وما إليهما، دورًا رياديًا يُساهم في تصويب المسيرة وتسديد الخطى، ويلفت النظر، عبر منظار من الماس، إلى أمر، أو أمور غابت عن أصحابها، وكان أجدر بهم الالتفات إليها، لتأتي أعمالهم وممارساتهم أيضًا، أكثر تكاملًا ولياقة. لهذا يُطلب من الناقد أن يكون مُثقفًا مُطلعًا ليقوم بدوره على أكمل وجوهه، وليقدم مساهمته في التقدم والازدهار المنشودين.. دائمًا وابدًا.

الناقد الثقافي والادبي بهذا المعنى يُعتبر ضرورة حياتية لا بد~ منها، لفتًا لما غاب وانبغى أن يكون حاضرًا، ومساهمة في تطورٍ نشده الجميعُ فغاب عن بعضهم وحضر لدى بعضهم الآخر، ومِن المهام الكبيرة التي يقوم بها الناقد الحق، مَهمة المساهمة في الجدل القائم بلورةً لمفهوم أو مفاهيم جديدة عادة ما تحتاج إليها الحياة بشتى مناحيها واتجاهاتها.

من تجارب نقدية سابقة سجّلت نجاحات مشهودة، يمكننا الاشارة إلى المواصفات التالية التي امتاز بها نقاد رياديون في الحياة عامة وفي حياتنا العربية خاصة.

1- تحمّل المسؤولية: أثبتت تجارب الماضيين البعيد والقريب، أن النقاد الحقيقيين، يتحملون مسؤوليتهم تجاه مجتمعاتهم كاملة، ولم يتردّدوا في قول كلمة حق، وانهم قالوا للأعور أنت أعور في عينه ولم يكتفوا بالمقولة التمويهية أنت نصف مبصر. ومن المعروف أن هؤلاء خسروا أحيانًا في قولهم كلمة الحق التي رأوها حاجة ملحة للتقدم والتطور، غير عابئين بالخسارة الآنية ومتطلّعين إلى الربح الابدي. وقد ذكر الناقد اللبناني الفذ مارون عبود في أكثر من مناسبة أنه خسر الكثير من أصدقائه عندما وجّه إليهم سهام انتقاداته، إلا أنه ربح ضميره. وقد استمعت إلى مثل هذا الكلام من الصديق الراحل الكاتب عيسى لوباني الذي اعتبره الكثيرون تلميذًا مجتهدًا لمارون عبود أو احد تلامذة مدرسته على الاقل. الناقد بهذا المعنى لا يقف موقف المتفرّج مما يعاني منه مجتمعه من مثالب، نواقص وسيئات، وإنما يتخذ موقفه الذي تبرع به ويساهم في المسيرة الصعبة. لا سيما عندما تزداد الظلمة المحيطة بها. إنه بهذا المعنى أشبه ما يكون بذاك البدر الذي تحدّث الشاعر عن الافتقاد إليه في الليلة الظلماء. وهو إنسان مسؤول قرّر ألا يكتفي بموقف المتفرج وخاض المعركة واضعًا في حسابه الربح او الخسارة.

2- الثقافة والمنطق: يحتاج الناقد والحالة هذه إلى ثقافة واطلاع واسعين، والا كيف يمكنه المساهمة في تسديد الخطى وتوجيهها إلى اهدافها المنشودة، وسط سديم كوني صعب الاختراق؟ وتزداد الحاجة إلى مثل هكذا ناقد كلّما ادلهمت سماء الثقافة وتعقدت أمور الحياة، ونشير في هذا السياق إلى تجربة المثقف اللبناني الرائع الراحل رياض نجيب الريس فقد بادر بعد مغادرته لبنانه للإقامة في مُغتربه اللندني لإصدار مجلة أطلق عليها اسم " الناقد"، وقد أدت هذه المجلة دورًا هامًا ورياديًا في تطوّر العديد من الرؤى والممارسات الادبية والثقافية، فلتطب ذكراه.

3- الأخلاق: يحتاج الناقد الجدير بهذه الصفة للتحلّي بمواصفات خُلقية أهمها الصدق والتوجّه المبني على منهجية، تنطلق من نُشدان الحقيقية الخالصة، مهما كلفه الامر من خسارة آنية، ونحن نتقاطع هنا مع ما قاله المثقف الفلسطيني البارز ادوارد سعيد طابت ذكراه، فقد وصف المثقف الحقيقي بأنه مشروع لقديس أو شهيد، يحمل روحه على كفه ولا يهاب الردى، بقدر ما ينشد حياة تسر الصديق. الناقد عندما يتحلّى بمثل هكذا خلق يتعالى عن نزواته الشخصية ويحاول الارتقاء إلى ملكوت الحقيقة، إنه يترفّع عن دنايا الامور ويرنو إلى آفاقها العليين. ولا يضع في حسابه سوى الحقيقة الصافية، بالطبع كما يراها من زاويته ومنطلقة المتين القائم على أرض معرفية لا تميد.

مُجمل الرأي ان الناقد الحق هو ذاك الانسان المسؤول المثقف ذو الاخلاق الرفيعة الذي آل على نفسه اتخاذ موقفه وموقعه، في دعم المسيرة الحياتية بشتى أبعادها، مؤثرًا موقف المشارك على زاوية المتفرج... ولامعًا مثل بدر في ليلة ظلماء.. شديدة الحلكة.

***

ناجي ظاهر

في المثقف اليوم