أقلام ثقافية

زهرة الحواشي: رواية ابن العاقر‎

هذه انا اليوم في سابقة ادبية جديدة حيث أقدّم عملي بنفسي متقمّصة في نفس الحين دور النّاقد ومسؤولية المؤلّف. ابدأ بالإفصاح وأقول: هذه الرّواية واقعيّة. جذعها غَرسٌ في أحد اريافنا في الكاف. وأبطالها يعودون إلى عائلتي. ابدأ إذن بتناول الحديقتين: الأمامية والخلفية اللتين تحيطان بمتن الكتاب اي العتبات.

1- الحديقة الأمامية وهي العنوان والصّورة.

العنوان: وهو أوّل ما يلتقطه المتأمًل في الكتاب ابن العاقر هذا العنوان المخاتل الذي يستفز القارئ فيجعله يتساءل في الحين: كيفاش ابن العاقر؟

كيف يكون هذا الابن ابن امراة عاقر. وكيف يكون لامراة عاقر ابن؟ ما هذا الهراء!. وفي لمح البصر تلوح الصورة:

امراة بلباس ريفي حولي احمر او حولي خمري (ولنضع كلمة خمري نصب اعيننا). تظهر لنا من الوراء. مغطّاة الرأس. تسرع الخطى نحو الجبل

انظر خطواتها: ساق على الأديم والأخرى في الهواء!، تكاد تجري!/ لا يظهر لنا وجهها الذي ولّته شطر الخلاء مسرعة. فكأنّما قد خاتلت الكامرا فلم تستطع اللحاق بها لأخذ صورة لوجهها. أو ربّما كانت المرلفة تطاردها لتستفسر منها الأحداث وكانت تفرّ من أسئلتها.

ماهي الأحداث الممكنة:

المراة تمسك بيد طفل وتجرّه لسرعتها. الطّفل في خطاه المضطربة يلتفت إلى الخلف

ما باله؟ لماذا يلتفت

ما الذي يشغله؟

ماذا ترك وراءه؟

هل ترك أمّه؟

هل ترك أباه؟

ما الحكاية؟؟

وهنا تتدافع التأويلات2184 زهرة الحواشي

1- الإمكانية الأولى:

امراة عاقر تختطف صبيا من الدّوار الذي تسكن فيه وتهرب به إلى الجبل حيث يصعب اللحاق بهما.

2- امرأة ساورتها الشكوك في ادّعاء زوجها بأنًها هي العاقر فسعت إلى علاقة ثانية وأنجبت ولدا وهاهي تهرب من زوجها الذي لن يغفر لها فعلتها

3- امراة عاقر تزوًج عليها زوجها من امرأة ثانية انجبت منه هذا الولد... وهاهي العاقر تهرب به من فرط حرقتها بنار الحرمان من الأمومة.

عديد التأويلات تبعث عنها هذه الصّورة.

نمرّ إلى الحديقة الخلفية:

إذن هي رواية مربكة، تثير التساؤل تارة والحيرة اخرى

كما تلهب الروح شجنا في بعض مواقعها.وسنرى ذاك في تعاريج المتن.

الآن تعالوا معي ننصب السلالم لتسلق جدرانها والاطلاع على كهوفها. وهنا أشير إلى ما شعرت به وانا اكتب بعض المقاطع:

حين تتسلّل إلى دواخل الاماكن الاي تدور فيها رحى الرّواية أي "تتجسّس" على ابطال الرّواية كي تنقل أخبارهم إلى خارج تلك المغاور وتفشي أسرارهم وسرائرهم تشعر أحيانا بالخياتة...خيانة هؤلاء الابطال

تختطفها من واقعهم وتركبها صهوة قلمك قلمك فرحا بالغنيمة، ثمّ تحطّ بها الرّحال فوق بياض الورق مفشيا أخبارهم ينتابك السؤال ملحّا:

من سمح لك بذلك؟

نمرّ إذن إلى المتن:

يحتمل هذا المتن 138 صفحة.فقط

اي ان الرولية من نوع النّوفلّا..La nouvella

بحيث هي رشيقة القوام، محمرّة البشرة كلون مهرة أصيلة من ذاك الريف الزاخر بالجمال، لكنّها مكتنزة الأحداث، صاخبة تحملك إلى سهول يحاكيها خرير الجداول. عامرة المراعي بثغاء الأغنام وصوت الضّاوي والد ربح صادحا بأغاني عذبة من موروثنا الشعبي الذي يحكي قصص العاشقين التي تأجّجت نيرانها بين شبّان تلك المنكقة حينا مثل أغنية الضّاوي والد البطلة ربح "يا فاطمة لاث ريڨي... يا رفيڨي..." وعديد الأهازيج الرائعة من جهة وبينهم وبين أندادهم من " الهطّايه " اي أهالينا الذين يقبلون من الجنوب التونسي إلى الشمال "فريڨا" مع مواشيهم طلبا للعمل في فصل الصّيف موسم الحصاد فيعملون "حصّادة" عند أصحاب المزارع وكذلك للرّعي أي يُسرّحون مواشيهم في بقايا التبن وما تخلّفه آلات الحصاد من جهة ثانية.

ولطالما كانت هذه الرّحلات مورد رزق وحركة معيشية كبيرة تصل حنوب الوطن بمشاله وتعقد أواصر الأخوّة والمودّة والنّسب بين الطّرفين

- بل تظلّ موجودة إلى يومنا هذا في الأرياف .

وقد حدث شيء من هذا القبيل لبطل الرّواية علي بالخمري، شيء بقي في ذاكرته كالوشم تذكي حراحه ربح كلّما غنّت بصوتها الشّجيّ أغنية "وحش الصّرا وبروده".

هذا جانب من جوانب الرّواية

الخاصية الثانية

2- الحوار بين أبطال الرواية

اعتمدت فيه وسيلتبن:

كتبت الحوار الذاتي او الآحادي le monologue باللغة العربية الادبية.

امّا الحوارات الثّنائية فقد اعتمدت فيها اللجهة الأصليّة الريفية للأبطال والخاصّة بتلك الرّبوع حتّى يكون القارئ قريبا اكثر من الأبطال فيحسّ أنّه لصيق بهم يعيش معهم في حوشهم... يتابعهم و يراقب تصرّفاتهم ويتعرّف إلى عاداتهم.

وهنا نبلغ العنصر الثّالث الثالث، التّعرّف إلى بعض العادات والتقاليد عند أهالينا في ريف الرّواية من ربوع الكاف.

عادات حميدة تثري معرفة القارئ وتمتّعه في سرديّة سلسة الأسلوب صاخبة الوقع تطوّقه برفق حتّى لكأنًه يعيشها على عين المكان.

الميزة الرّابعة 4 للرواية:

تؤرّخ الرواية لبعض الأحداث الوطنية المهمّة التي مرّت بها تونس مثل أحداث معركة الجلّاز الأليمة.وإشارات أخرى.

ويبقى السّؤال قائما

صارخا

محتجّا عن هذا العنوان المخاتل المراوغ

ملحّا على الوصول إلى الإجابة:

كيف يصير للعاقر ابن؟

بل ربّما أبناء!!

أحداث رواية ابن العاقر مليئة بالمفاحآت المفاجئة حتّى أنّي انا شخصيا ما كنت لأصدّقها لولا أنّي عايشت ابطالها.

ومكتضّة بالحوادث المأخوذة من ارض واقعها.

أرجو ان يجد القارئ متعة في التعرّف إليها والتّواصل مع أبطالها.

وفي الختام

اقول بتحفظ:

ربّما يحسن بكل امرإة مازالت في طور الانجاب ولم تنجب بعد أن تطّلع على أحداث ابن العاقر وتسبر أغوار الرّواية...

***

زهرة الحوّاشي

 

في المثقف اليوم