أقلام ثقافية

محمد سعد: احلام الفتى مهران في الغربة!!

أسوأ مساوئ الغربة السفر الى أي دولة او جزيرة في العالم والجلوس على أي شاطىء، شرط ألا يكون رفيقك في السفر عربياً لأنه يحول أجمل حدائق العالم الى مناحة ومزبلة، وتتحول جزر العشق والجمال الى قوافل إبل في احدي المقاطعات المتداخلة جغرافياً مع المانيا والدانمارك، جلست علي شاطئ بحيرة متخامة لبحر الشمال،الجو صافي الهدوء القاتل رغم وجود مصطفين علي الشاطئ للنزهة وركوب الخيل والمراكب الشراعية علي الشاطئ،قطعان من الغزلان حول الشاطئ ترعي في هدوء،جلست اتأمل بصمت،لاح لي بصيص من امل ان اشاهد هذا الحلم في بلدي، مبني علية علم الدانمارك، شغفي وحبي للمعرفة، اتجهت ناحية المبني،المبني كان لمدرسة وكان يوم استحقاق للإنتخابات البلدية،خانتني الذكريات والزمان والمكان والأحلام،، وتخيلت مراكز الإقتراع في قريتي وشباب ورجال ونساء مسلحين بالنبوت والعصي الشوم،مشهد متناقض، رغم جمال المشهد الإنتخابي علي بحر الشمال تذكرت ان مساوئ الغربة حتي ولو كانت جميلة"

في الوطن نكتشف الغربة، وفي الغربة نكتشف الوطن..، وعندما تعود للوطن تشعر انك في حلقة دراويش يطوفون حولك على ايقاع الصنوج والدفوف.

جلست علي الشاطىء، ضربني نسيم البحر في غفلة من نوم عميق علي الشاطىء من أضغاث احلام،، إن المجتمع العربي الإسلامي" مجتمعات تخيلية".

إذا كان الإنسان يعيش في مجتمع تخيلي، الصور والاعلانات والطقوس والأساطير والعادات والتقاليد أهم من الواقع، وفي الوقت نفسه يتحول الواقع فيه إلى أسطورة، ثم يتجه هذا الإنسان في الأحلام والتوقعات والآمال نحو مستقبل من الوهم، ما هي صلة وعلاقة هذا الإنسان بالواقع...؟

نحن كائنات أسطورية تعيش في تاريخ متخيل غير موثق بل سرديات شفوية، وكل طرف له رواية خاصة عن دفاتر التاريخ والجغرافيا والسياسة، وواقع متخيل لا تعيش الحياة بل في نظريات وأوهام وطقوس واحتفالات تخفي الواقع الحقيقي:

يمكن حجب الواقع الحقيقي بالصور والخطابات والاحتفالات المزيفة، والقوة والمال السياسي والسلاح لكي يظهر انه هو الواقع الحقيقي.،من يعيدنا الى الواقع..؟!

في هذة البلاد تنام في أي مكان، وتأكل وتفيق متى تريد، وأن تضحك وتبكي وتغني في الشارع وترقص في وقت واحد متى تريد .أو لا تريد، أن تعمل أو لا تعمل تستحق السكن والراتب والرعاية الصحية والعلاج مجاناً حتي الأدوية تصرف مجاناً مثل أي مواطن من اهل البلد، أن تغلق الباب في وجه اي مسؤول حتي ولو كان الملك، أن تتحدث مع أي وزير في الشارع وتقول له ما تريد،ألا تنتخب أو تنتخب من تريد،أن تصادق وتتزوج وتعشق وتقطع علاقة بمن تريد، بلا موافقة من أحد، لا من شيخ مسجد ولا من كبير العائلة، ولا رأي الجيران والأصدقاء، يحق للمواطن الإضراب عن الطعام وعن التنفس وعن المرح وعن النزهة وعن التصويت وعن عبادة ما يحب سياج الشجيرات بينك وبين جارك هو أرض حرام، يمكنك أن تطوف العالم لكن عبور السياج جريمة.

يمكنك أن تجلس في الشرفة وقتما تشاء وتغني ما تشاء، كما فعلت يوماً عندما ضربت رأسي نوبة حنين لا أعرف لمين ورحت في طور الحنين،وغنيت في الشرفة مع المطرب المفضل لي /محرم فؤاد / اغنية (اشكي لمين واحكي لمين واغنية غداريين) ..

وسمعت جارتي العجوزة الألمانية في الشرفة المجاورة قالت: " لماذا تبكي ايها العربي؟"

قلت: " لست أبكي، كنت أغني"فنفجرت ضاحكة،،

في مساء يوم في مدينة ميلانو الإيطالية جلسنا انا وصديقي علي مقهي (بار) في شارع "كورس بيونيس آرس" في منطقة "ليما "فوجئنا برئيس الوزراء السابق/سيليفو برلسكوني / الايطالي ورجل الاعمال الشهير يدخل الي الكافية، ويتحدث ويطلب من الناس سحب الثقة من الحكومة الحالية في مراكز للإبداء الرأي في خيام منصوبة في الشوارع ..ثم انتهي من كلمتة وهو يسير ومعة 3 /افراد من الحماية الشخصية لا موكب ولا انصار ولا حاشية ولا هتيفة من المرتزقه .وبعد فوزة تعرضت ايطاليا للآزمة الاقتصادية عام 2007 واثناء تجولة علي الأقدام في ميدان( الدومو) الشهير اعتدي علية بائع انتيكات قذفة بقطعه من تمثال صغير سال منة الدم امام شاشات العالم قيدت قضية جنح ضد المواطن،،رغم اشتباكة معة باليد لم يطلق علية الحرس النار ولم يعتقل ولم يتعدي علية الحرس كانوا يفضون الإشتباك بينهم،، لذلك منذ اكثر من عقد قررت لم أنتخب أحداً يوماً رغم تتعاقب الحكومات والنظام واحد، عشت سنوات في الغرب تخيلت ان اعيش واشاهد حدث واحد لتبادل السلطة هرمنا ومازال نحلم بهذا اليوم،، عندما يخسر حزب او نائب يقطع انصارة الطريق انها شبة دولة، في الغرب لايحدث فوضي، ولا تتعطل المستشفيات ولا المطارات، الرابحون والخاسرون يتبادلون الزهور وليس اعلان حالة الطوارئ واطلاق الرصاص في الشوارع، يذهبون الى الحفل معاً في اليوم نفسه، لأن الدولة غير السلطة:

الدولة مؤسسة خدمات محايدة تعمل بالتسيير الذاتي والسلطة نظام سياسي متغير كل أربع سنوات، في ديار العرب نحرق الوطن ونحوله الى ميلشيات تتناحر علي السلطة، أو نجعل الأنهار تسيل دماءً أو نفتح أبواب الجحيم الى اخره من يحلم بهذا مصيره إما السجن أو مستشفي للأمراض العقلية في دقائق،، مؤسف ما يحدث في ديار العرب من حروب اهلية علي انتزاع السلطة بالقوة من حالات تعذيب واعتقالات و خطف من الشارع والقتل علي الهوية،ولا يتوقف حركة المرور مجرد سرينة لسيارة مظللة الزجاج، ولا أن تدخل مركز تعذيب في الصباح وتخرج منه في المساء، اذا خرجت..!!، ودخلت مرحلة الهرم في الليل وكنت فتى قبل ساعات، حتى لا يتعرف عليك الأهل او يتم الإختفاء القسري لسنوات.،في بلاد كل شيء فيها مباح الذبح والتقطيع وحرق الجثث دون دراسة أو يقظة لهذا التوحش الذي لا يُحل بالسجن وحده أو الشنق لأن البيئة المشوهة قادرة على انتاج هؤلاء الوحوش.

لا أحد في الشارع يحدق فيك أو يتابعك أو يحاسبك على ثيابك أو أفكارك أو دينك او قوميتك، العرف يحرم كما القانون، الإنسان هو الأصل بلا عمام أو مال أو حزب أو نفوذ أو خلفية عائلية، فقط الكفاءة والنزاهة والموهبة بلا كشف هيئة لقبولك في كليات معينة او ترشحك لمنصب او وظيفة في اجهزة معينة هذة إدانة للنظام من غياب العدالة والمساواة لا تستغرب .

عندما " يصبح الوطن منفى والبيوت سجونا..الحرية ليست هدفأ وشعاراً سياسياً فحسب، بل هي أن تحيا وتكتب كما تحب، لا أن تكتب شيئا وتقول وتفعل عكسه. فكرة المجتمع المؤسس على الوهم أو الجماعات المتخيلة بتعبير المفكر البريطاني بندكت أندرسن، أو مجتمع الفرجة كما في كتاب جي ديبور، أي مجتمع الصورة والاستعراض والدعاية الموازي للواقع، هذه الفكرة ليست جديدة ولكن تلوح عصية على الفهم أو التقبل:

أنت في شارع شرقي وفي مناخ ديني تكون الصور والاعلانات وشعارات الجدران ولوحات الفرسان والاعداء القتلى والابطال، وأخبار المآتم وعناوين طقوس الموت، أي نصفك غارق في عالم متخيل في الشارع، والنصف الآخر مكرس للذاكرة، أي نصفك خيال ونصفك ذاكرة، ماذا تبقى لك من علاقات مع الواقع بل مع نفسك...؟!

***

محمد سعدعبد اللطيف

.كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية

في المثقف اليوم