أقلام ثقافية

زيد الحلي: عزيز السيد جاسم.. الحاضر دوما

يوم المغيب العراقي تسمية، تحمل معان عميقة في وجدان الفكر الانساني، حددها الاتحاد العام للأدباء والكتاب في الخامس عشر من نيسان من كل عام، لاستذكارا لتغييب الكاتب والمفكر العراقي عزيز السيد جاسم.

ومن جديد تطل علينا اليوم، ذكرى التغييب، مثل غيمة سوداء، فانا شخصيا، لم اشعر يوماً ان عزيزا، غائب، فهو يسكن الوجدان الوطني والشعبي، فهل سمعتم يوما ان مفكرا كبيرا، غاب فيما كتبه وافكاره، مثل ضوع الزهور تملأ الضمائر النقية في كل مكان وزمان..

انطلقت مسيرة ” ابو خولة ” النضالية منذ يفاعته.. ناضل في سبيل كرامة الإنسان وحرية الوطن وتقدمه، ولقي بسبب ذلك صعوبات جمة. عرفته السجون، وذاق مرارة التشرد والملاحقات…لذلك، اجد صعوبة في الكتابة عنه ضمن هذه المساحة من الجريدة، فهو، مثقف وكاتب موسوعي، وانسان كبير، وشخصية تركت بصماتها على مساحة الوطن، واسمه بات رمزا في الضمائر، لاسيما عند من عرفوه، وعايشوه.. مع قناعتي بأنه لا يمكن اعطاء صورة شاملة عن هذا الرمز، لكن في الإطار الشمولي والرؤية العميقة يمكنني تحديد انطباع عام عنه، لقربي منه لسنوات طويلة، وهي بالمحصلة النهائية تبقى انطباعات يحملها عقلي الباطن في سجله السري … الخاص!

عرفتُ الأستاذ عزيز، كاتباً لامعاً، سهل الكلمة، عميق التحليل، له طريقة خاصة في تناول الأحداث، عُرف بها وحاول كثيرون الكتابة على طريقته فلم يفلحوا، فالمشترك الجمالي والموضوعي في كتاباته هو انها كتابات استثنائية مختلفة عن سواها بعزائمها الصلدة، وعطائها الوطني، ودورها التاريخي وملامحها الإبداعية، وهو لم يكن كاتباً ومثقفاً و صحفياً ومفكرا متميزا، إنما هو وجه من وجوه اسطورة الرجولة العراقية، وشريكاً في صنعها، كونه يمتلك حساً يقظاً لا يرضى بهوان، ولم يقبل بظلم يقع عليه او على غيره، وبذلك اكد ” ابو خولة ” ان الشجاعة هي مظهر من مظاهر الثقة بالنفس.. وبالشجاعة يمكن تقليص مساحة الشر، ووعي الانسان هو شرارة الخير.. ورغم أن ظاهرة النسيان عند مسؤولي (بلادنا) بقيت قوة غير منظورة، مع الاسف الشديد، حيث مسحت هذه الظاهرة الكثير من اسماء المبدعين، وجعلتهم دخانا مبثوثاً في فضاء النسيان إلا ما ندر، ومن هذه الندرة، كان اسم الكبير عزيز السيد جاسم، ساطعا في سماء العطاء الفكري، والفضل هنا، لجذور العطاء الفكري له، ولإصرار عائلته على احياء ذكرى تغييبه في كل سنة، بعيدا عن الدولة التي لم تنتبه الى مبدعيها.

في كل عطاءات عزيز السيد جاسم، سعى ان تكون الثقافة الانسانية، مستوعبة للكيان البشري بكل تفرعاته، في ماضيه وحاضره، وتعبيرا عن مدلولات المستقبل، على مستوى حي لا يتجرد ولا ينعزل، انما بمشاركة حقيقية في غمار الحياة في شتى ارهاصاتها.. وتسهم في تدوين التاريخ دون ان تطوف في فضاء المخيلة، وهي خيال بملمس حرير يقتفي أثر الحقيقة ويلتصق بها.. ورغم الألم الذي تشيء فيه روحية مقالاته، وجدت الأمل يملأ قلب كاتبها، وهو أمل بمثابة نور أقوى من كل الجراح والمصاعب وضربات الزمن، وهذا ما يؤكد، ان السطور التي يكتبها ابو خولة، تمر بميلاد صعب دائم، لا يصيبها العجز ولا تهزمها الأيام والسنين، لان الابداع هوما يهدف اليه ويبتغيه، وهي أفق حياته التي غُيبت!

لروحك السكينة الغالي ابدا عزيز السيد جاسم..استاذا ورمزا.

***

زيد الحلي – كاتب وصحفي عراقي

في المثقف اليوم